حين غادر اللبناني ماريو قصار حي مار نقولا في الأشرفية (شرق بيروت) في سن السادسة عشرة، لم يكن ليعلم ربما ان هوليوود ستفتح ذراعيها لشاب طموح اراد العمل في الانتاج السينمائي فأضحى واحداً من اهم المنتجين العالميين. من بيروت الى روما فباريس ومن ثم لوس انجليس، رحلة بدأت بوراثة المهنة عن والده فاضل قصار (كان موزع افلام فرنسية في بيروت) وتحوّلت مع الخبرة إلى انتاج افلام جماهيرية تحظى بأرقام خيالية على شباك التذاكر. ماريو قصار منتج سلسلة افلام "رامبو" و"المدمر" و"ترمينايتور" و"بوابة النجوم" و"ستار غيت" عاد الى بيروت لاطلاق الجزء الثالث من "المدمّر" في الصالات اللبنانية. الشاب الذي احسّ فجأة بضيق اوروبا، اقتحم بلاد "العم سام" وادرك اصول اللعبة جيداً، وسرعان ما حجز لنفسه بطاقة في نادي المنتجين العالميين. ورغم انهيار الشركة التي اسسها مع اندرو فانيا في 1989، عاد لينفض عنه غبار الفشل ويستعيد شيئاً من امجاده. عفوي هو قصار، يقابلك بسروال من الجينز و"تي شيرت" زرقاء وابتسامة لا تفارق ثغره، ويتحدث بواقعية خالصة ولا يدّعي صنع المعجزات. هو مقتنع ان الموهبة هي اساس العمل الفني. والموهبة، حسب قوله، لا تحمل اي جنسية وقد تأتي من اي مكان. وخلال زيارته الى لبنان جرى هذا الحديث حول مسيرته الفنية وهوليوود وبيروت بقايا الذاكرة. * بعد 35 سنة من الغياب. كيف وجدت لبنان؟ ـ وجدته مذهلاً وجميلاً. لم يكن لديّ ادنى فكرة ان الذي سأشاهده سيكون مشابهاً لما رأيته. اعتقد ان الناس تستمتع في وقتها وتعيش جيداً. وانا سعيد لرؤية البلد هكذا بعد هذه المدة خصوصاً ان ذكرياتي عن لبنان هي صور عن الحرب والدمار. * تركت لبنان في سن صغيرة واتجهت نحو اوروبا. كيف كانت الصناعة السينمائية الاوروبية خلال هذه الفترة؟ ـ في البداية ذهبت الى روما للعيش مع والدي الذي كان يعمل في توزيع الافلام واحببت اوروبا وعملت في الافلام الفرنسية. خلال هذه الفترة، كانت الصناعة السينمائية ناشطة في اوروبا. فالايطاليون صنعوا حينها افلاماً تسمّى "سباغيتي ويسترن" وكانوا يستعينون بالممثلين الاميركيين في افلامهم، والفرنسيون ارسوا قواعد "سينما المؤلف". لكن هذه الحركة توقفت بسبب الازمة الاوروبية وظهر الفيلم الاميركي الى الواجهة. واحسست فجأة ان اوروبا ضيقة فذهبت للبحث عن شيء اضخم فقصدت لوس انجليس ولا ازال فيها حتى اليوم. * كيف كانت خطواتك الاولى في الولايات المتحدة الاميركية وهل واجهت معوقات بسبب اصولك اللبنانية؟ ـ خطواتي الاولى كانت شبيهة بأي خطوة كنت سأقوم بها في بلد آخر. عليك معرفة الناس والعادات وادراك اصول اللعبة. لكن بصراحة، لم تكن انطلاقة صعبة. فأينما أذهب ارى نفسي كما انا. والدي لبناني وامي ايطالية، وتنقلت بين بلدان كثيرة الامر الذي يجعلني اتأقلم مع الأماكن التي اتواجد فيها. على كل حال اميركا هي مزيج من الجنسيات والاعراق. * عرفت بإنتاج الافلام ذات الميزانية الضخمة والتي تسعى الى الربح التجاري لكنها لا تقدّم مستوى فنياً معيناً. هل مسألة المواءمة بين الفني والجماهيري امر في غاية الصعوبة؟ ـ السينما صناعة. وحين تنتج في اوروبا افلام تسمّى "أفلام المؤلف" فهذا يعني ان دعماً مالياً تدفعه الحكومة او بعض القنوات الخاصة لاقامة شيء مماثل. وهذه الافلام تنجح في فرنسا وفي بعض البلدان الفرنكوفونية. وهنا اذكر ان شركة "ميراماكس" الاميركية كانت تقوم بهذا النوع من الافلام ذات الامكانيات الضئيلة فيما مضى، ومن الممكن القيام بهذه الافلام اذا وجدنا من يموّلها: لكن الافلام ذات الامكانية العالية تحتاج الى "رزمة" وهي عبارة عن مخرج جيد واستديو جيد وممثل جيد ومع وجود المؤثرات، تفرض عليك هذه الصناعة انفاق الاموال الطائلة. وحين يدفع المنتج هذه الاموال، عليه ان يتأكد انه سيسترجعها بطريقة او بأخرى. وضمان هذا الامر هو "الرزمة" التي ذكرتها. لذلك من الصعب القيام بأفلام ضخمة بميزانية قليلة. * لكن انت تراهن على الناحية الفنية من الفيلم؟ ـ نعم، ربما. وقد يكون من السهل اطلاق فيلم بميزانية 100 مليون دولار مع ممثلين مشهورين اكثر من اطلاق فيلم بميزانية 30 مليون دولار مع ممثلين غير معروفين. * هل كان انتاج افلام مثل "لوليتا" كسراً لحلقة الافلام التجارية مثل "رامبو" و"ترمينايتور"؟ ـ كلا.. كان انتاجها نابعاً من اقتناع كلي لدي وليس لكسر حلقة معينة. احببت هذه القصص واردت تحويلها الى أفلام. * أفلام الخيال العلمي مثل "المدمر" متهمة في بعض الاحيان بعدم احترام ذكاء المشاهد. لكن فيلم "ماتريكس" أرسى معادلة خاصة، مما دفع البعض للقول ان اي فيلم من هذا النوع (الخيال العلمي) لن يطغى عليه؟ ـ لا اعتقد ان جميع المشاهدين فهموا "ماتريكس" وغالبيتهم اهتموا للمؤثرات اكثر من القصة خصوصاً في الجزء الثاني. انا بصراحة لم افهم القصدة جيداً. لكن هنا يجب القول ان نجاح هذا الفيلم واقامة جزء ثان منه والتحضير للثالث حالياً عائد الى الاستفادة من غياب سلسلة "المدمّر". فالانقطاع في التسلسل بين الجزء الاول من "المدمر" والجزء الثاني لمدة 11 سنة، أكد أنه كان ينقص شيئاً وجاء "ماتريكس" يدعمه اناس موهوبون وحقق ارقاماً مذهلة. لكن اذا راقبت "ماتريكس" جيداً، هو ليس سوى "مدمر" لكن بنظارتين سوداوين ويحمل شيئاً من "المدمّر". * في سلسلة "المدمّر" (ترمينايتور) هناك دائماً تكرار لما سبق واستعادة لصراع الخير والشر وحرب الانسان مع الآلات وبحث عن مخلّص؟ ـ أظن ان الجزء الثالث من المدمّر اكمل القصة، لكنه اعاد فتحها من جديد في نهايته. وهذا مهم. هناك سفر عبر الزمن وانبعاث من المستقبل الى الحاضر. والآلات تنقلب علينا فجأة فيما بعد. وفي هذه الحرب لا بد من وجود مقاومة. وجون كونور شخصية الفيلم الرئيسية هو القائد. فالفيلم يبدأ للتو بعد 3 أجزاء. * هل هو إيذان بجزء رابع للسلسلة؟ ـ هناك ملامح للجزء الرابع من "المدمر" خصوصاً من ناحية الحرب في المستقبل. * كيف تصف تعاونك مع ارنولد شوارزينغر؟ ـ انتجت افلاماً عديدة قام ببطولتها ارنولد شوارزينغز وهذه الافلام كانت ناجحة جداً وارنولد ممثل محترف وذكي ويعرف كيفية انتقاء افلامه وانا على علاقة جيدة معه. * هل صحيح انه مهتم جداً بالسياسة؟ ـ نعم ولطالما اعترف بذلك. * هل هذا عائد الى علاقته بأونيس شريفر القريبة من جماعة الرئيس الراحل جون كينيدي؟ ـ كلا. لا يعود ذلك فقط الى علاقاته. على كل حال، انا لا اتدخل في هذه الامور. * هل انت مهتمّ في انتاج الجزء الثاني من "الغريزة الاساسية" (بايزيك انستنكت) مع الممثلة شارون ستون؟ ـ كنت انوي القيام بالفيلم منذ سنتين. لكن هناك مسألة قانونية بشأن شارون ستون ولا أنوي الكلام عنها. * هل اطلعت على الأفلام اللبنانية، وهل انت مستعد لدعمها خصوصاً ان المخرجين اللبنانيين غالباً ما يطوفون غرباًَ للحصول على تمويل لمشاريعهم؟ ـ انا مهتم بانتاج أفلام اؤمن بها. ليس على الفيلم أن يحمل جنسية خاصة كذلك الممثل فالمال لا لون له. والسينما مهنة الموهوبين والموهبة قد تأتي من اي مكان واذا وجدت مواهب شابة فأنا مستعد لتقديمها. لكن على الموهبة الا تستسلم للاحباط وعليها ان تبحث دائماً عما يبرزها. أما بالنسبة للأفلام اللبنانية فانا على علم بان المخرجين يذهبون الى اوروبا واحياناً الى اميركا ليموّلوا أفلامهم. لكن لسوء الحظ لم اطلع على هذه السينما. * من المعروف انه عند اطلاق الفيلم في اي بلد يحضر الممثلون الافتتاح. لماذا لم نر ارنولد شوارزينغر في لبنان؟ ـ بصراحة هي مسألة وقت، وبعد ان اطلقنا الفيلم من لندن عاد ارنولد الى المكسيك وانا نويت العودة الى لبنان. ومن المؤكد انه لو كان يستطيع الحضور لفعل. * هل المنتج هو المسؤول الوحيد عن نجاح الفيلم؟ ـ في النهاية، اذا لم ينجح الفيلم تقع المسؤولية على شريكي وعليّ لكن في حال النجاح تكون النتيجة معممة على الجميع تلك هي حال السينما. * كيف هي علاقتك مع ممثلي هوليوود عامة؟ ـ العلاقة طبيعية. احياناً أنا ابحث عنهم واحياناً العكس. هي مسألة اخذ وعطاء. وطالما ان افلامي تحقق نجاحاً طالما هم مهتمون. لكن في حال الفشل تتبخر فجأة من مخيلتهم، هي مهنة ذات طبيعة قاسية. * هل هذا ما واجهك في ظل انهيار شركتك في العام 1989. ـ كانت مرحلة حرجة في حياتي، وفي الحياة دائماً عثرات وانا احاول العودة مجدداً لحفظ مكانتي في هوليوود. * هل من قصص معينة تغريك بالانتاج؟ ـ بصراحة انا معجب بالملاحم التاريخية ومهتم جداً بانتاج فيلم عن الفراعنة. هناك العديد من القصص حول هذا الموضوع لكن ابحث عن شيء مميز. * غالباً ما تظهر صورة العربي في الافلام الهوليوودية مشوهة هل انت مهتم في تغيير هذه الصورة وهل تطمح في انتاج افلام تتحدث عن الوجه الحقيقي للصراع العربي الاسرائيلي؟ ـ لا احب السياسة. واظن ان الاحداث الاخيرة شوهت صورة العرب. لكن هذا الامر قائم منذ مدة طويلة واتت الاحداث الاخيرة لتحوّل الامور من سيئ الى اسوأ انا ضد العنف وضد كل السوء الذي يحصل في العالم. اتمنى لو استطيع ان افعل شيئاً من خلال فيلم. هذا امر معقّد جداً. وصورة العربي باتت مفتعلة بعد الاحداث الاخيرة لكن هذا ليس جديداً. والعربي لم يشذ عن القاعدة فقد سبق ان تناولت السينما الاميركية الروس والصينيين والكوريين. وهي دورة تعكس ما يحصل في السياسة. ولسوء الحظ نمرّ بها. ولكن الاميركي ايضاً ليس مثالياً وهناك الأخيار والأشرار كما في كل المجتمعات. * ماذا تحمل من ذكريات عن بيروت؟ ـ بصراحة يجب ان اخرج من الفندق لاستعيد هذه الذكريات وارى الاماكن بوضوح. لا شيء في بالي سوى مدرسة الجمهور (جبل لبنان) التي كنت طالباً فيها ودرج مار نقولا في بيروت حيث كان منزلنا. اتحرق شوقاً لأعود واكتشف المدينة من جديد. (عن الشرق الاوسط). * أبرز انتاجات قصّار: ـ رامبو الدم الاول ـ رامبو الدم الاول (الجزء الثاني) ـ المدمر: 2 يوم الدينونة (ترمينايتور) ـ الغريزة الاساسية (بايزيك انستنكت) ـ المتسلّق (كليفهانغر) ـ 1994 بوابة النجوم (ستارغيت) ـ فتيات الاستعراض (شو غيرل) ـ 1998 لوليتا ـ عروس الريح ـ أنا أتجسس (آي سباي) ـ المدمّر 3 (بعث الآلات) عن موقع "كيكا" ـ 24 سبتمبر 2003 |
المنتج الهوليودي ماريو قصار يعود إلى لبنان بعد 24 عاماً بيروت ـ نسرين حمود |