لماذا تذهلنا كاميرا تاركوفسكي، وبيرغمان، وكوروساوا،
وأنجيلوبولوس.. بإيقاعاتها المتوانية، والبسيطة
ظاهريًا، فيما ترصد وتكشف عمق الحالات، مثلما تذهلنا
كاميرا كوبريك أو سكورسيزي بإيقاعاتها السريعة،
والمتحركة دومًا؟
إنها الفلسفة، والرؤية، والفكر، والإحساس، والغاية..
التي بدونها لا تصبح الكاميرا سوى آلة خرقاء تهيّج
حواسنا لكنها لا تؤثر فينا عميقًا.
يرى انغمار بيرغمان ضرورة أن يتجنّب المخرج اعتبار وضع
الكاميرا وحركتها أكثر أهمية من الممثل، واعتبار
الصورة غاية بذاتها. من أجل إعطاء أكبر قوة ممكنة
لتعبير الممثل، يتعيّن على حركة الكاميرا أن تكون
«بسيطة، وحرّة، ومتزامنة تمامًا مع الحدث. يجب أن تكون
الكاميرا راصدة موضوعية تمامًا، وفي حالات نادرة يمكن
أن تشارك في الحدث».
أما كاميرا بازوليني فهي عادةً متحركة ومتطفلة. إنها
تقوم بمحاولات مقصودة لحثّ المتفرج على المشاركة.
في حين ينتقد غودار استخدام المخرجين للكاميرا لمجرد
تصوير ما قرروا تصويره سلفًا، عوضًا عن استثمار قوة
الكاميرا وسطوتها في سبر العالم من حولهم واستكشافه،
واستخدام الكاميرا كأداة للبحث والاستقصاء. وهو ينتقد
الأفلام التجارية التي فيها تتحرك الكاميرا بلا معنى
ولا دلالة، فقط للتظاهر بأنهم يصنعون أفلامًا.
كاميرا تاركوفسكي في حركة مستمرة عبر المكان، وبها
يتخطى ما هو مألوف لبلوغ ما هو غير مألوف. الكاميرا
عنده أداة استكشاف مؤهلة لأسر روح اللحظة، بحيث تصبح
مشاعر الجمهور مماثلة لمشاعر شاهدٍ، إن لم تكن مشاعر
المبدع نفسه. الكاميرا، بالنسبة إليه، أداة تستكشف
وتتحرّى أكثر مما ترصد وتلاحظ. وهو لا يهتم بتسجيل
العالم الخارجي، بل يتخطاه ليتحرّى العمق، الـ«ما
وراء»، الجوهر الذي لا يفشي سرّه.
بينما كاميرا جون فورد ساكنة، ذلك لأن المواقع الساكنة
تعبّر عن رؤية ذاتية للعالم، والتي تتضمن الثبات
والدوام.