كنت في
قاهرة المعز أدوزن نغمات الغربة مع ندماء الريح علّني أصل إلى مرفأ، وكلما
نشتاق.. ذهبنا إلى الفن السابع علّه يسعفنا، ففي إحدى الأمسيات ذهبت مع
عازف الترومبيت (الذي أفتقده كثيراً) لمشاهدة فيلم جميل هو
"The
Peacemaker"
الذي كتب موسيقاه هانس زيمر. دخلت الصالة بسرعة وبعنفي
المعتاد قلت لصديقي: إذا لم أعرف أسم المؤلف الموسيقي كأنني لم أعرف اسم
الفيلم (نوع من الولع المفرط!!)، طبعاً تألق جورج كلوني و الرائعة نيكول
التي تتألق كل يوم أكثر.. ما أود قوله هو على الرغم من كل الدعاية حول
موسيقى هذا الفيلم، إلا إنها تركت في ذاكرتي شعور غريب أشبه بالبرودةَ التي
تسبق الموت. فأنت تستطيع تمييز أسلوب زيمر بسهولة في بعض مشاهد الفيلم
الحماسية والقاتمة أحياناً. لحظات رائعة لكن (قصيرة جداً)، تميز في التأليف
والتوزيع، لَكن كل هذا يكون مدفوناً بين التنافر اللحني الذي يسيطر على
أغلب المشاهد، ويتمثل ذلك في موسيقى المطاردة المنظمة. عناصر هذه الموسيقى
لَيست جديدة: أوركسترا ضخمة مصحوبة بتشكيلة عادية من الأصوات والآلات
الإلكترونية. الكورال الرجالي العميق الذي يذكرنا بفيلم
"Crimson
Tide"
يقترح مداخل عديدةَ للآلام، كما فعل الصوت النسائي المنفرد
في
فيلم"Beyond
Rangoon"
، وزيمر
هنا كان حذراً في خلق موضوع لحني ثابت وواضح، فالألحان لا تغمرك كما فعلت
في فيلم
"Crimson Tide"
أَو
"The
Rock"، على سبيل المثال. فالصبغة العامة هنا حربية لدرجة كبيرة، مما
يجعلها ألحانا يصعب تذكرها (ودندنتها لوحدك وأنت خارج من الفيلم). في الوقت
الذي كانت فيه الميلوديات في موسيقى الفيلمين السابقين مشحونة بالألحان
التي تغري المستمع على الغناء معها، إلا أن هذه الموسيقى أجبرتني (وفي
اعتقادي انه شيء يجب التوقف عنده) أن اخفض صوت الجهاز و أرفعه أكثر من مرة. إن اللحن الثاني في
"The Peacemaker"
عبارة عن
لحن يحكي مأساة وهو لحن رائع، لكنه استخدم بشكل مكثف ومختصر جداً (واعرف
بأن من أهداني موسيقى هذا الفيلم وهو من عشاق هانز زيمر، يوافقني بأن هذا
اللحن رائع).
يشعل فيك هذا اللحن الخلفية العرقية البالغة التأثير،
من خلال الأداء الصوتي النسائي المنفرد الذي يُؤدى بطريقة جيدة جداً مصحوبة
بجوقةِ الصوتيات الرجالية العميقة مع أصوات السانتيسايزر الغليظة. لو كان هذا اللحن هو اللحن الرئيسي للفيلم
أو على الأقل تم استخدامه على شكل لحن مذكر يملأ أجواء الفيلم في مراحله
المختلفة (طبعا حسب رؤية زيمر لا حسب آراؤنا) أعتقد بأنه سيكون أكثر
إمتاعاً و تأثيراً. الذي يبقى بين هذه الألحان المؤثرة فقط موسيقى
المطاردات و الإثارة في الأحداث، والتي يخيل لنا أننا سمعناها في موسيقى
أفلامه السابقة. بالنسبة لي و أعتقد أن الكثير يوافقني في
أن الموسيقى مكتوبة بطريقة تشبه العشوائية التي تبدو وكأنها تذهب إلى لا
مكان، أو بالأحرى إلى كل الأماكن في نفس الوقت.
إن المداخلات الكورالية رائعة بل أكثر من ذلك، وتَعطي
الموسيقى طابع ملكي في منتهى القوة، كما فعل في
"Crimson
Tide"وهو
أيضاً مشابه لنفس الفيلم في كيفية عرض وتقسيم الموسيقى على قرص الموسيقى
التصويريةَ المدمجِ.. فقط خمسة مقاطع موسيقية، لكن طويلة بشكل قاتل. ربما
لو كانت المقطوعات أقصر، في اعتقادي أنها ستساعد على تحسين طريقة طرح وتلقي
العمل في نفس الوقت. مثلاً: أن تستمع إلى موسيقى بعنوان
"المطاردةَ" لمدة 17 دقيقة!! (المقطوعة الرابعة)، أعتقد أن مطاردة من هذا
النوع ستكون مرهقة للمستمع خصوصاً انه لا توجد صورة.. فقط صوت، وقد تم
إخفاء كثير من الألحان وسط هذا الهياج الموسيقي. بالنسبة لي فقد كتب هانز
زيمر موسيقى أكثر روعة من هذا الفيلم.
لن أقول بأن موسيقى الفيلم ليست جميلة، فقد ظل القرص في سيارتي (التي هي
عبارة عن مخزن متنقل للأعمال الموسيقية) لمدة شهرين، استمعت له كثيرا حتى
حفظته (لكن نسيته الآن) وهذا ما جعلني أعود لسماعة مرة أخرى لكي أتمكن من
كتابة هذا المقال، فلم أتعود على نسيان موسيقى زيمر بهذه السهولة إن موسيقى
فيلم
"The Peacemaker"
في منتهى
الجدية وترفع لها القبعات ، وزيمر يقترح السلام بشكل أفضل منهم ، لكن أعتقد
بأنها تَعاني لسوء الحظ من محاولة إدخال كثير من الموسيقى في وقت قصير جداً
"Too
many notes, my dear Mozart"
، كما قال الإمبراطور جوزيف الثاني للمبدع موتسارت في فيلم أماديوس.
|