النقد ليس عملية رأي.
لكن الرأي مهم فيه. السؤال: أي رأي؟
في معظم الكتابات النقدية في
عالمنا العربي، وغالبية ما يُنشر غربياً على الإنترنت، هناك سرعة للخروج
بالرأي الى الواجهة. هناك رأي في عنوان المقالة، ورأي في السطر الأول، ورأي
في كل سطر بعد ذلك او هو تكرار للرأي ذاته في كل سطر وفقرة.
التحليل يأخذ دوراً مسانداً، وأحياناً لا دور له على الإطلاق.
لكن التحليل الفيلمي هو المفترض به أن يكون السبب من وراء عملية النقد وليس
الرأي.
حين خرج «300» تسارع كتاب الرأي
والنقاد للكتابة عنه.
لكن هل كتب معظم هؤلاء عنه ام كتبوا عن الأزمة القائمة
بين الولايات المتحدة وإيران؟ هل تعاملوا مع الفيلم كسيناريو وكصورة وكصوت
وكمونتاج وكتنفيذ فني وتقني وكخلفية إنتاجية أم معه كصدى للوضع السياسي
العام في الشرق الأوسط؟ وما هي المصطلحات التي استخدمت في معظم ما كٌتب؟ هل
كانت في صلب العملية الفنية والإنتاجية أم كانت استعارات من قاموس
المصطلحات الجاهزة مثل »إستعماري« و»نضالي« و»حقيقة الغايات العدوانية«
و»تعبير عن نوايا الولايات المتحدة تجاه إيران«
الخ...؟
بداية، أعتقد أننا نخسر نقاطاً
في النقاش مباشرة حينما ندافع عن الفرس. فسواء كان عدد الجيش الفارسي ربع
مليون او نصف مليون او مليون، كما ذهبت بعض الروايات التاريخية المغالية،
فإن الحقيقة أنهم كانوا
غزاة (ككل قوّة طاغية). وقبل الموقعة التي تصدى فيها «300» محارب (أكثر
بقليل او أقل بقليل- أيضاً لا يهم) ببضع سنوات هدم الفرس بابل (سنة
539
قبل الميلاد). ما الذي يجعل هدمهم لبابل خطأ وانتصارهم على المقدونيين
صحيح؟
نعم «300» فيلم له غاية الكيد لمن ليس
غربياً، وبل الكيد من الفرس الذين
يقف أحفاد أحفاد أحفادهم في مواجهة جديدة مع الغرب، لكن هذا قصوره الفكري،
لِمَ نستلهم من هذا القصور قصوراً مماثلاً
ونحاكم الفيلم على أساسه؟
نقد الفيلم يجب أن يقوم على لغته البصرية أساساً
وهي عادة ما تتألّف من شرائح مختلفة. واحد من هذه الشرائح هو معالجة الفيلم
للتاريخ. هل كان زي الفرس عربياً كما في الفيلم؟ هل كان المحاربون
الفرس ماهرون في
قتال «النينجا» الصينية؟ هل كانت لديهم حيوانات أسطورية ووحوشاً آدمية؟ هل تساقطوا مثل الذباب؟ هل كانوا حشّاشين في
مخادعهم؟ هل كان ملكهم غبياً كما نرى؟
هذه وسواها عيّنات صورية مستخدمة
في الفيلم كان الأجدى معاينتها لأنها الأكثر التصاقاً بالفيلم. الباقي سياسة، لكن إذا ما فككنا القاعدة البصرية
للفيلم أنهارت الغايات السياسية له سريعاً.
بدا كم هو مزيّف.
طبعاً هو فيلم خبيث، لكن في نهاية المطاف هذا الخبث الفكري
ليس سوى جانب واحد مَهما بدا غير ذلك. ماذا عن التمثيل؟ ماذا عن استخدام
الكومبيوتر
غرافيكس والأنيماشن؟ ماذا عن السيناريو؟ الموسيقى؟ التصوير؟ موضوع المرأة؟
المونتاج؟ أمسك بهذه العناصر تجد أنك لم تعد بحاجة لكي
تكتب طويلاً عن «أهداف الفيلم»
و«تشويهه للحقائق» (هكذا كتب أحدهم-
أي حقائق؟) و«الغايات الخبيثة» (كيف تكون خبيثة إذا كانت واضحة؟) الخ...
ربما لأننا عانينا الكثير في
حياتنا كشعب ركض طويلاً ولم يصل بعد، فإننا مستعدّون للظهور بأننا نفهم
البيضة وقشرتها في كل شيء. لا يستطيع زاك سنايدر هذا تمرير أغراضه علينا.
نحن أذكى بكثير من هذا.
طبعاً لو كنّا أذكى بكثير لكان لدينا سينما عربية رائعة.
لكان لدينا مجتمعات متقدّمة. لكان السائح العربي في الغرب لا يبصق على
الأرض او يطلب طعاماً من النادل من دون أن يقول له «من فضلك». لكان عندنا
نهضة في الأدب والفكر والمسرح والغناء؟ ولم كان لدينا كل هذا العدد من
المحطّات المتخلّفة الموجهة -بنجاح- الى المتخلّفين منّا.
لو كنّا أذكياء لضحكنا على فيلم جاهل ورديء وسخيف وقدّمنا في
المقابل سينما عربية يكتشف فيها الغربيون الحقيقة ويستمدّون منها المعرفة
وينهلون منها الفن.
سينماتك
في 4 مايو 2007