لا أكشف جديداً
إذا قلت أن معظم المخرجين لا
يقرأوون النقد السينمائي وأن نصف هؤلاء لا يقرأونه تعالياً ونصفهم الآخر
يهربون من مواجهته.
الحقيقة أن معظم المخرجين
يتّهمون النقاد، ضمنا او علناً، بأنهم طفيليين على بنية الحركة السينمائية
وصناعتها. كيف يُجيز شخص لم يشترك في صنع فيلم أن يكتفي بمشاهدته ثم
الكتابة عنه.
من هو لكي يعرف ما الذي على المخرج أن يقدم عليه وماذا على المخرج تجنّبه؟
لماذا
يكتب بكل تلك الثقة؟ ما هي
الدراسات الفنية التي تخوّل له أن يكتب في السيناريو والتصوير والمونتاج
والإخراج وبل أيضاً في صنعة الإخراج ذاته؟
هذه الاسئلة تنم عن جهل كبير بالناقد الصحيح وتستلهم الكثير من
فكرتها عن النقد من اولئك الذين هم بالفعل طفيليات تعيش على جداره الخارجي.
لكن إذا ما كان المخرج غير قادر على التفريق بين النقد الذي يستحق أن يُقرأ
-ولو كان ضد فيلمه- وبين النقد الذي من الصحيح أن لا يُقرأ فإن تلك مشكلته.
نحن، نقاداً وسينمائيين، لا نستطيع أن نمنع هذا الكاتب او ذاك من النقد إذا
أحب. ومع أنه عادة ما
يكتب «تكوينات آراء»
وإنشائيات مدرسية الا أن الحرية في
هذا المجال على الأقل مضمونة. وعلينا نحن، كنقاد فعليين وكسينمائيين، تحمّل
هذا الوضع على أمل أن المشاهد المثقّف وحده الذي سيفرّق بين العنب والحصرم.
إذ أقول ذلك، لابد من العودة الى موضوع المخرج ذاته.
غالبية المخرجين العرب يتعالون عن متابعة النقد لواحد من هذه الأسباب:
١- عملياً
وفعلياً يؤمن بأنه ليس بحاجة للنقد.
٢- عمليا
وفعلياً يؤمن بأنه في موقع أعلى من النقد.
٣- يعتبر
أن النقد لا يُفيده في حياته المهنية.
٤- لا
يحسن القراءة (لا أقول التهجئة) أساساً.
٥- لا
يُقيم وزنا لآراء الآخرين على الإطلاق.
لقد كنت أعرف ذلك المخرج الشاب الذي
حقّق نحو ستّة أفلام جيّدة كتبت عنها مؤيداً من دون أن أجامله بالطبع.
الفيلم السابع كان رديئاً كتبت عنه كذلك وهذا ما أثاره وأتهمني بأنني لا
أعرف شيئاً عن النقد السينمائي. هل تجدون المفارقة في هذا المثال: كنت أعرف
كيف أنقد حين كانت تعجبني أفلامه. صرت لا أعرف شيئاً حين كتبت عدم إعجابي
بفيلم واحد. وهذا من مخرج يقرأ.
المشكلة في المخرجين أنهم المسؤولون ليس عن صنع الفيلم بل عن
مستوى السينما بأسرها.
هم وحدهم الذين يرفعون من مستواها وهم وحدهم الذين ينخفضون بها. وكثير منهم
-نعم- بحاجة الى تعلّمها من جديد والى الثقافة السينمائية كحاجة أي
منّا لها. هم فقط لا يرون هذه الحقيقة.
يا أخى معظمهم لا
يكترثون لمشاهدة
الأفلام
حين يؤمّون المهرجانات كيف تطلب منهم قراءة النقد؟
هذا التحديد بأنهم مسؤولون عن ارتفاع وإنخفاض مستوى السينما
ليس مزاحاً
وفي عالمنا أكثر من نموذج آمل أن يقرأه البعض من دون إعتباره هجوماً على أم
الدنيا:
·
السينما اللبنانية
غير مدعومة مادياً
تنتج أفلاماً مبهرة وجيّدة معظم الوقت لأن مخرجيها
يجهدون فعلاً في سبيل ذلك.
·
السينما المصرية
غير المدعومة
أيضاً (الا
حديثاً بإنشاء صندوق تموّله وزارة الثقافة لم
ينتج بعد عنه أي فيلم) فيها عدد أكبر من المخرجين وهيكلاً
كاملاً لصناعة سينما لكن معظم ما تنتجه لا يستحق المشاهدة.
ليست مشكلة الجمهور عاوز كده ولا المنتج الجشع ولا أي
من هذا الكلام الفارغ. أنت مخرج إذاً أنت مسؤول إجتماعياً عن مستوى الثقافة
الذي يمر به البلد الذي تنتمي إليه. عن مستوى الكلمة التي ستقولها في
الفيلم. ولو أن 80
بالمئة من المخرجين العاملين في جو تجاري شامل يتوقّفون عن العمل سيكسرون
حدّة الهجمة التجارية لهذه السينما مرّة واحدة والى الأبد.
سينماتك
في 7 يوليو 2007