ساد اللعب بالظلال كل تلك المحاولات الأولى جداً
في القرن الثامن عشر.
كانت
الرغبة، كما تبدو اليوم، هو تحريك الظل لمحاكاة الحياة بما في ذلك أن يبدو
الظل كما لو كان روحاً بحد ذاته، او شكلا منفصلاً عن الحياة التي نعيش.
وإذا ما
فكّرنا في هذا التوجّه نجد إنه
أولاً: هو ذات رغبة كل من
يسعى لخلق عالم مواز سواء أكان رسّاماً
او مسرحياً او كاتباً روائياً.
يريد أن
يخلق وضعاً من النجاح بحيث يبدو كما لو كان المشاهد او المستمع او القاريء يستطيع الإنصهار في
المادة المرسومة او المقدّمة او المكتوبة إذا ما أراد وتخيّل
نفسه البطل الذي
يقبّل الفتاة او الشابة التي يتنافس حولها المعجبون او الخاسر الذي
ينسحب من الحياة العاطفية العاصفة الى الأبد.
ثانياً: هذه الرغبة لا زالت قائمة في
الأفلام اليوم في مواجهة جمهور لا يزال ينصهر، إذا ما كان الفيلم ناجحاً،
في الفيلم الذي يراه فهو يتخيّل نفسه من يختارهم من على الشاشة ليحل
مكانهم، او ربما المكان الذي يود العيش فيه (قصر او منطقة ريفية الخ...)
الذي يتمنّى لو أنه استطاع الوصول إليه، او الفترة الزمنية التي يراها
الأنسب لما يعصف في أعماق صدره.
في ثمانينات القرن الثامن عشر أقبل الناس في
أوروبا على صناعة الخيال او الظلال وكان «موضة» العصر.
في باريس
ولندن وأمستردام وفي سواها من العواصم الأوروبية إنتشرت عروض الظل بنجاح
ملحوظ.
وأحد العارضين كان فرنسياً
بإسم فيليب-
جاك د لوثربورغ الذي وُلد في منطقة بلزاس وجاء الى لندن محيياً عروض الظل
في إبتكار سمّاه
Eidophusikon
في أواخر العقد ذاته قام رسّام سكتلندي
أسمه روبرت باركر بابتكار «بانوراما» وكان نوعاً من أسطوانة تعكس على
الجدران الداخلية للمباني رسوماته الطبيعية على نحو مكبّر تناولته صحف ذلك الحين بكلمات
من نوع
«مثير» و«ساحر» و«ممتع للخيال».
نجاح هذا النمط من عروض الظل امتد لعدة عقود بعد ذلك وأسّس
وميض السينما التي
عرفها العالم بعد مئة سنة من ثمانينات القرن الثامن عشر.
مع
نهاية ذلك العقد برز روبرت كر بورتر، إنكليزي رسم لوحة للجنود البريطانيين في
معركة وقعت في الهند وعرضها مكبّرة عدّة مرات في العام 1799 أي قبل إثنين
وعشرين سنة من تطوّر آخر ذي أهميّة.
قراءات الصحف في
المكتبات والمتاحف الوطنية في
بريطانيا تفيد أنه في العام 1822 قام فرنسي أسمه لوي جاك ماندي داغوار
بإختراع ما سمّاه «ديوراما»، وهو إذ إنتمى الى تطوير تقني لعروض الظل، الا
أنه كان تمهيداً لعمله اللاحق سنة 1839 عندما طوّر من إختراعه الأول ليشمل
عرضاً
متحرّكاً وليس فقط ظلاً جامداً.
لوي جاك
عرض «ديورما» في لندن سنة 1923 برهن على أن التحريك هو همّه الأول، لكن
الفترة المذكورة لم تكن شهدت بعد القدرة على تحريك ما هو ماثل على الشاشة.
ما
فعله في ذلك الحين هو أنه حرّك عدداً من المؤثرات الضوئية عليه مستخدماً
مصابيح وعوازل وفلترات ضوئية ما جعل الصورة تبدو كما لو أنها تمر بمراحل
مختلفة.
العدد 97 من مجلة توقّفت عن الصدور منذ عقود أسمها
The
Movie
يجد أن كلمة «بانوراما»
المستخدمة اليوم بين الكتّاب والنقاد والسينمائيين أنفسهم جاءت من الكلمة
التي ابتكرها روبرت باركر وترمز الى ذات الفحوى وهو إستعراض أفقي كما كانت لوحاته المبثوثة تحاول أن تكون وكما سمّى هو ابتكاره.
❊
في الأسبوع المقبل: ضياع الفانوس العربي.
سينماتك
في 15 سبتمبر 2007