«إذاعة الجمهورية العربية السورية في دمشق..
صرح الناطق العسكري بما يلي: في الساعة الرابعة عشرة من بعد ظهر هذا اليوم،
السادس من شهر تشرين الأول عام 1973، بدأت قوات العدو الاعتداء على مواقعنا
الأمامية على خط وقف إطلاق النار، وتقوم قواتنا بالردّ على مصادر النيران
وإسكاتها. كذلك حاولت مجموعات من طائرات العدو خرق مجالنا الجوي في القطاع
الشمالي من الجبهة، فتصدت لها مقاتلاتنا، وتدور الآن معركة جوية بين طائراتنا
وطائرات العدو. هذا ولا تزال الاشتباكات مستمرة حتى الآن».
كان هذا نصّ البيان العسكري الأول، الذي بثّته الإذاعة السورية، التي لن تتأخر
عن إذاعة البيان العسكري الأول الصادر في مصر، والذي جاء فيه:
«إذاعة الجمهورية العربية السورية في دمشق..
أعلنت إذاعة القاهرة البيان الأول التالي، الصادر عن القيادة العامة للقوات
المسلحة في مصر العربية: قام العدو في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم،
السادس من أكتوبر عام 1973، بمهاجمة قواتنا بمنطقتي الزعفرانة والسخنة في منطقة
خليج السويس، بواسطة عدة تشكيلات من قواته الجوية، عندما كانت بعض زوارقه
البحرية تقترب من الساحل الغربي للخليج..».
سيرد هذا البيانان في الفيلم التسجيلي «الصمود» للمخرج وديع يوسف (10 دقائق)
(1973)، الذي سيقوم بتحقيق فيلمين آخرين، حيث يبيّن انكسار عنجهية العدو، وكسر
«أسطورة الجيش الذي لا يُقهر»، في فيلمه «وجاء تشرين»، كما يفضح همجية هذا
العدو في فيلمه «القتلة»، من خلال لقاء مع طيار إسرائيلي وقع أسيراً بعد أن تم
إسقاط طائرته التي كانت تقصف أهدافاً مدنية. ولينهي فيلمه «الصمود» بالصورة
الشهيرة لامرأة سورية تعانق جندياً.
لم تتأخّر الأفلام السينمائية التسجيلية السورية، في تناول حرب تشرين الأول
(أكتوبر)، إذ في العام 1973 نفسه قدم المخرج محمد الرفاعي أشبال المقاومة في
فيلمه «الجيل الثائر»، وتناول المخرج هيثم حقي في فيلمه «التحويل»، مجمل الشروط
التاريخية والوقائع التي امتدت بين 1967 حتى 1973، والتي هيأت للانتصار بعد
الهزيمة.
وفي العام 1973، يقدم فيصل الياسري «لعب أطفالنا الجديدة»، حيث تحولت أشلاء
طائرات العدو الإسرائيلي إلى لعب للأطفال، وفيلمه «أهداف استراتيجية» الذي
يبيّن أن الأهداف الاستراتيجية التي استهدفتها الاعتداءات الصهيونية، في مدينة
دمشق، ما هي إلا مواقع مدنية ذات طابع اجتماعي وصحي وتربوي.. بما يفضح حقيقة
العدو الهمجية.
وفي العام 1974، حقق مروان حداد فيلم «العودة»، الذي يكشف من خلال حوارات مع
بعض العائدين إلى ديارهم في مدينة القنيطرة المحررة، ما عانوه من قبل، وأحلامهم
وآمالهم التي لم تنطفئ، طيلة ست سنوات من الاحتلال، وطبيعة أحاسيسهم وهم يعيشون
التحرير، ولنرى في نفس الوقت حجم التدمير الوحشي، المقصود، والمبيت النية، بكل
الحقد والهمجية، الذي لحق بمدينة القنيطرة المحررة. وسنرى في العام نفسه عدداً
من الأفلام، منها «دروس في الحضارة» إخراج أمين البني، وفيه فضح لأكاذيب
الصهيونية وزيف ووحشية ما تقوم عليه، كما نجد «القنيطرة حبيبتي» له أيضاً،
و«تحية من القنيطرة» لوديع يوسف، و«صفحات من أوراق الجولان» لبشار عقاد،
و«التحرير» لغسان باخوس، وفيلم «مهمة خاصة» لهيثم حقي، الذي يقوم المخرج من
خلاله بالتوغل في الخلفيات الإنسانية، والشروط الاجتماعية التي أنتجت أبطال
عملية «جبل الشيخ»، ويبين أن الناس العاديين هم يقومون بأبدع البطولات، بل هم
يشعرون أنهم فقط كانوا يؤدون واجبهم، ما يذكّرنا بفيلم خيري بشارة «صائد
الدبابات».
ويقدم محمد الرفاعي في العام ذاته فيلمه «جنود فلسطين»، الذي يتحدث فيه عن
الدور المميز والبطولات الفذة لجيش التحرير الفلسطيني، ونجد فيلم «النازية
الجديدة» لغسان باخوس 1975، و«زهرة الجولان» لصلاح دهني، ثم «المعركة والبترول»
لفاروق أحمد فاروق العبيسي، و«دمشق ترحب بكم» لممدوح عدوان، و«لن ننسى»، وفيلم
«اللحن الحزين» إخراج لطفي لطفي، وفيلم «حصاد تشرين» لمنير جباوي، و«الدرع
الحصين» لبشير صافية، الذي يتناول دور الجيش العربي السوري في المواجهة. كما
ينبغي الانتباه إلى فيلم «هوية جديدة»، الذي جاء على هيئة كليب سينمائي مبكر.
ويحقق المخرج محمد ملص فيلمه «الذاكرة»، من خلال ذاكرة عجوز، بقيت في الجولان
ولم تغادر بيتها، وشهدت بعينيها كل شيء، والملفت أن هذه العجوز (وداد ناصيف)
مثقفة على نحو خاص، وتمتلك المقدرة على التحدث بلغات عدة، فيما تتجول نائلة
الأطرش في فيلمه «القنيطرة 74»، بين الأطلال الباقية من المدينة التي دمرها جيش
الاحتلال الإسرائيلي قبيل انسحابه بموجب اتفاقيات فصل القوات.
من الملفت أن الكثير من الأفلام التسجيلية السورية، التي تناولت أحداث حرب
تشرين التحريرية، وما سبقها أو رافقها من اعتداءات وحشية صهيونية ضد أماكن
وأهداف مدنية، وما تلاها من تحرير القنيطرة وعودتها إلى الوطن الأم، وصور
التدمير والخراب المتعمد، والخراب المقصود الذي أوقعه العدو الصهيوني فيها، لم
تكن بعيدة عن متعلقات القضية الفلسطينية، سواء أكان ذلك مباشراً أو على نحو غير
مباشر، فالصراع مع العدو الصهيوني، ينتمي إلى بعديه الوطني والقومي، في أفق
استراتيجي يمسّ الجوانب الواقع كلها. وستستمر هذه الأفلام بالحضور لدى كل
مناسبة. |