الفيلم الأول واسمه
التطهير يتحدث عن العام 2021 ، حيث اصدرت امريكا قرارا فيدراليا يسمح
بتسهيل وشرعنة عمليات القتل والاغتيال والاجرام ليوم واحد فقط سنويا (12
ساعة عمليا)، وذلك لضبط حالات الجريمة والقتل المتزايدة على مدار العام
والحد منها...ونرى في الفيلم الغريب الشيق عصابة من القتلة المتخفين بأقنعة
وملثمين وهم يهاجمون بضراوة منزل فخم بأحد الأحياء الراقية بالرغم من توفر
كل اجهزة الحماية والآمان والانذار ، وذلك بحجة القبض على لص أسود والتنكيل
به وقتله (وتظهر ساديتهم الاجرامية من خلف أقنعة مبتسمة)! ثم نتفاجىء بقيام
هذا الشخص المستجير الهارب بمساعدة الاسرة بمحنتها كنوع من رد الجميل لها ،
وحيث نرى اختلاط االأمر ودخول الجيران على الخط وهجومهم الضاري (مقنعين
)على المنزل حقدا وحسدا وثأرا نظرا لكون صاحب المنزل قد كون ثروة طائلة
واستغلهم كجيران لتسويق وبيع أجهزة الانذار والحماية والآمان ! أما الغريب
بهذا الشريط المثير فهو أن اعلان مشروعية القتل والاجرام بهذا اليوم يستهل
بتبريكات دينية وكأنه امر الهي مقدس لحماية امريكا وتطهيرها (من من ) ؟!
وللمفارقة فصديق ابنة صاحب المنزل الذي لا يطيقه الوالد بل ويرفضه كخطيب
لابنته، يدخل خلسة لغرفة الابنة بالاتفاق معها، ويختبىء محضرا مسدسه لقتل
والدها حين يحين "وقت القتل المشروع"...ولكن الامور تتداخل وتحدث الفوضى
داخل المنزل المحصن ولا تنجح خطط رب الاسرة بالنجاة لاسرته كما يتوقع،
فالقتل والاغتيال المشروع قد يترصد لأي شخص ولأي سبب بهذا اليوم الرهيب
(وربما من أقرب الناس) اذا ما سنحت الظروف تماما كما يحدث الآن بدول الربيع
العربي البائسة !
أما الفيلم الثاني واسمه
الهروب فيستند لقصة سجين محترف يهوى الهروب من السجون المحصنة ، ويقوم
بقصد بالهرب من أعتى السجون الأمريكية للقبض على المكافآت المجزية ولكشف
الثغرات الأمنية التي تسهل الهروب من هذه السجون المرعبة ، الا أنه يتورط
اخيرا بعملية معقدة يفترض بها أن يقبض بحالة نجاحه خمسة ملايين دولار اذا
ما تمكن من الهروب من سجن اسطوري ذي سمعة سيئة وموجود عمليا داخل باخرة
ضخمة ، ويديره مهووس سادي، حيث ينجح بالفعل اخيرا وبعد اختلاق عدة مشاحنات
وشغب وبمساعدة سجين آخر مخضرم (الثنائي المشهور البارع ستالوني وشفارزينغر)
وشخص ثالث (اسلامي متدين كما يظهر في الفيلم)، والغريب أن الشريط على غير
العادة يظهر المسلمين بطريقة ايجابية وشجاعة (ربما لترويجه عالميا) ! وحتى
ينجح المخرج بأن يصدمنا بلا معقولية قصته نشاهد باللقطات الأخيرة أن زميل
السجين الخارق المخضرم الذي ساعده بالهروب وبانجاز الكثير من الحيل
والعراكات داخل السجن ما هو الا نفسه المليونير الذي سيعطيه بدوره
المكافأة الموعودة ! منطق السيناريو المتقن لتبرير كل هذه الأحداث الغريبة
هنا يستند على قدرة هذا الشخص الاستثنائية لكشف نقاط الضعف "بتصميم" وحراسة
هذا السجن وغيره للتمكن من سدها ومعالجتها مستقبلا، ولا بد من الاعتراف
بمهارة المخرج السويدي مايكل هافستورم الذي أدخل عناصر جديدة جاذبة في
"التشويق والأكشن" واخرجنا دون ان نشعر من المشاهد العنيفة المكررة بأفلام
الحركة الأمريكية، وخاصة باللقطات الأخيرة اللافتة التي تضمنت محاول انقاذ
ناجحة للثنائي باستخدام مروحية...
وأما الفيلم الثالث
الغريب بهذا السياق واسمه "الولد العجوز" فيستند لفيلم كوري لافت سبق وان
نال اعجاب النقاد وحقق جوائز ، ويعاد هنا بنمط "هوليوودي" شيق وحركي (ومن
اخراج المخرج المعروف سبايك لي ) وهويستند لقصة سجين غريب يتم سجنه داخل
نزل مريح ولمدة عشرين عاما دون ان يعرف السبب ودون ان يعرف سجانيه ، وحيث
تغلق امامه كل سبل الهروب ويقدم له الطعام بانتظام وتتم مراقبته ليلا نهارا
بواسطة كاميرات مزروعة بغرفته ،ويعرض عليه في غرفته باستمرار تقريرا متلفزا
يستعيد فيه حادثة قتل زوجته واتهامه جنائيا بقتلها بالرغم من براءته،
وامعانا بتعذيبه نفسيا واشعاره بالذنب يستعرض نفس التقرير مواهب ابنته التي
كبرت وأصبحت عازفة موسيقية مرموقة، وبعد أن يقدم على الانتحار بقطع شريان
يده يتم تخديره بادخال غاز من داخل شقوق غرفته المغلقة ومن ثم تضميد جرحه
وانقاذه بقصد ...ثم يتبين له أخيرا وبعد نجاحه بالهرب أن سبب حجزه طويلا
يعود لرغبة مليونير بريطاني مهووس للانتقام منه لأنه فضح اثناء شبابه
بالمدرسة الثانوية علاقة شقيقته المراهقة مع شاب آخر من زملاءها بالمدرسة ،
وحيث ترتب على ذلك قيام الأب الثري الصارم بقتلها وقتل امها ومن ثم محاولة
قتل الأخ الذي ينجو باعجوبة قبل ان يقدم الأب على الانتحار للنجاة من عار
الفضيحة ! ولكن هذا الشقيق الذي عانى من مأساة مقتل عائلته وورث ثروة ابيه
الطائلة يقرر أن يكرسها فيمابعد للانتقام بسجن اولئك المسؤولين عن تشويه
سمعة الاخرين وبطل قصتنا على رأسهم ، والغريب أنه يسعى بعد "تسهيل" اطلاق
سراح السجين لأن يجعل هذا الأخير يتورط بعلاقة غرامية مع ابنته التي تركها
وهي طفلة صغيرة بعد مقتل امها واتهامه بالقتل والهروب ( والذي يبدو وكأن
نفس المليونير السادي قد فبرك التهمة له وقتل زوجته عمدا ) ! هنا يفوز
السجين بالرهان ويربح بلورات ماسية بقيمة ثلاثة ملايين دولار ، وينهي
المليونير البائس حياته انتحارا كما فعل ابيه ... ونرى السجين المصدوم
بتورطه (دون ان يعلم) بعلاقة غرامية آثمة مع ابنته (التي تعمل كممرضة) وقد
عاد برغبته لنفس سجنه في النزل الرهيب وكأنه ينتقم من نفسه سعيا للخلاص من
شعوره الطاغي بالذنب، كما يهدي الماسات لابنته طالبا منها ان لا تراه ابدا
وان تحقق سعادتها مع طبيب يحبها...
نشاهد بهذه الأفلام
الثلاثة صنوف المهارات والعراك والمشاحنات والمكائد والقتل والتنكيل
والتعذيب والعقد النفسية والأفكار الغريبة اللامعقولة الحدوث عمليا ، ونرى
الدماء والضحايا يتساقطون بغزارة في كل مكان ، كما نعجب من مخيلة صانعي هذه
الأفلام وغرائبية طروحاتهم "العنيفة" والاستفزازية بهدف تضخيم ايرادات
صناديق التذاكر وجذب المشاهدين ، كما أننا لا نرى مغزى اخلاقي حكيم او
مدلول واقعي منطقي او محتمل لهذه الأفلام "التجارية-الطابع" ، وان كنت
أعترف بمهارة التمثيل البارع والاخراج الحركي المتقن والتوليفة السينمائية
الفنية الشيقة التي تتناول أدق التفاصيل والتي تجذب الجمهور لحضورها
للترفيه والتسلية والاندهاش ثم النسيان !
*كاتب وباحث وناقد سينمائي
Mmman98@hotmail.com
فيلم النسيان (اوبليفيون-2013)
:
لغز فضائي يفك رموزه
بالتدريج !
هليوكوبترات (مروحيات)
قديمة مستحدثة ، أنماط مشابهة لطائرات الدرون ، "مركبة فقاعات" مستأجرة من
وكالة الناسا ، مشاهد ساحرة مصورة في أيسلندا حيث ضؤ النهار يستغرق وقتا
طويلا ، منا ظر خلابة لبراكين خامدة ، وحدة قاتلة "سيريالية" لرائدي فضاء
ينجزان مهمة أخيرة حاسمة فوق "منزل" فضائي معلق خرافي التصميم ، تداعيات
ذكريات قديمة ...بقايا دمار عالمي كبير ، مسوخ ونابشي قبور مرعبين ...هذه
هي مكونات الفيلم الجديد للمخرج الشاب جوزيف كوسينسكي الذي يقدم هنا ملحمة
فضائية تجمع بين الشاعرية والخيال العلمي ومصير كارثي متوقع لعالمنا الأرضي
، ولكنه بالرغم من تأثره الواضح باوديسا الفضاء لكوبريك ومحاولة استحداث
مشاهد مماثلة واكثر ابتكارا الا انه لا يرقى لرؤية كوبريك بتحفته
السينمائية الخالدة ...
يلمع الممثل توم كروس
بفيلم النسيان ، ويبدو كاكاوبوي "متوحد" مستقبلي خيالي يمتطي طائرات الدرون
المستحدثة بدلا من الخيل في سهول وهضاب الويسترن ، حيث يستبدله هنا ببقايا
عالم مدمر ومقفر وسيريالي عجيب ، وتتحدث القصة عن مستقبل افتراضي كارثي
لكوكب الأرض الذي دمر بطريقة مرعبة ، وحيث يسعى ميكانيكي فضاء شجاع ليقوم
باصلاح طائرات الدرون المعطوبة واستخلاص بقايا بعض الموارد الأرضية الهامة
ومواجهة مسوخ فضائية عدائية من التعرض للمحطات الأرضية المتبقية .
في العام 2077 يقوم جاك
هاربر (كروز) الذي يعمل كمصلح أمني للمركبات والطائرات باجواء كوكب الأرض
المهجور ، ويستخلص مكونات حيوية بعد عصور من الحرب الماحقة مع كائنات
فضائية متوحشة تقتات على المخلفات ، ويسعى ورفيقته الوحيدة لانهاء مهمة
اخيرة حاسمة على متن مستعمرة وحيدة تشرف فضائيا على كوكب الأرض المنكوب ،
والذي دمر بفعل الحروب والاشعاعات النووية القاتلة ، وحيث يتلقيان أوامر
من مركز قيادة مسيطر ليطمئن على انجازهما الكامل للمهمات ، وتنهي المتحدثة
(رئيستهما سالي التي تراقبهما من مركبة فضائية دوراة ) دوما كلامها
بالتأكيد الممل على أهمية مواءمة عمل الفريق ، ربما بغرض انجاح مهمتهما
المشتركة حيث تم تعطيل ذاكرتهما بقصد ! الفيلم يتحدث عن مهاجمة الفضائيين
العدوانيين لكوكب الأرض وتدميره نوويا ، مما اضطر باقي السكان للرحيل لكوكب
جديد (اسمه تيتان) ، مع انتشار الفساد والفوضى وقيام نابشي قبور فضائيين
بالعبث والتخريب ، ولكن ذلك لم يمنع بعض المتمردين الشجعان (بقيادة مورغان
فريمان الذي قدم دورا لافتا) من الحلم باستعادة كوكب الأرض ثانية وتجاوز
المخاطر البيولوجية والمعيشية وخوض حروب طاحنة ميئوس منها بين عدة فرقاء
...
ويبقى جاك هاربر في هذا
الأثناء يتجول في الأنحاء من ارتفاعات شاهقة مراقبا الأرض والأجهزة
المتبقية، كما يقوم بدوريات حسب تعليمات رفيقته بمركز التحكم لاصلاح
الطائرات ذاتية الحركة ، ونتوقف عند مشهد مفصلي عندما يشاهد طائرة محطمة
وبداخلها نعش جميلة غريبة (رائدة فضاء روسية) ، حيث يسعى لانقاذها بالرغم
من المخاطر المحدقة ، ويحضرها لمقر اقامته لتقيم مع رفيقته وحبيبته الوحيدة
(فيكا) مما يطلق غيرتها واستهجانها ، كما يثير تساؤلات وجودية اساسية ، حيث
يكتشف حقائق صادمة مروعة تربطه بماضيه على كوكب الأرض قبل ستين عاما ،
ويتبين أن تلك الجميلة ربما قد تكون هي نفسها زوجته التي فقدها والتي تغزو
اخلامه بانتظام منذ عقود ، حيث نلاحظ بلقطات استعادة مكررة مقابلته لها قبل
الغزو في مقهى غامض بنيويورك ( تصور هذه المشاهد باللون الرمادي بقصد ) !
...تتصاعد الأحداث دافعة جاك لبطولة لم يكن يسعى لها حيث مصير الانسانية
المتبقي يعتمد على جراته ومبادرته وشجاعته ، بعد ان كان يعتقد ان عالمه
المعهود قد فقد للأبد .
يقوم توم كروس هنا بواحد
من أفضل أعماله السينمائية مستغلا امكانات الاخراج الباذخة والتصوير
البصري المذهل ، ويبدو لي أن المخرج قد نجح بفك بعض الألغاز ولكنه تورط
بسيناريو بالغ التعقيد ودخل بمتاهات جديدة لم يستطع الخروج منها ربما
لتسرعه وعدم نضوج الموضوع ولافتقاده للرؤيا الضرورية لاقتحام مثل هذه القصص
الطموحة والتي تتحدث عن مستقبل البشرية ضمن هذا القرن وفي العقود القادمة
، ولكنه نجح بالحق باظهار العناد البشري والرغبة بالبقاء والانجاز في
أجواء بيئة تكنولوجية متقدمة وبمواجهة تحديات مصيرية كاسحة ، كما انه لم
ينسى التركيز على عناصر فريدة من "الرومانسية الشاعرية" ضمن المكونات
التقنية للخيال العلمي !
مهند النابلسي
ناقد سينمائي
سينماتك في 25
نوفمبر 2013
|