شهدت السينما المصرية مع أيام العيد أسوأ مواسمها على الإطلاق حيث تم الدفع
في دور العرض بأضعف 6 أفلام، وهي تلك الأفلام التي لم تتحمس لها شركات
التوزيع للعرض في موسم الصيف فقرروا إلقاءها تباعا في فرن أفلام العيد لعل
وعسى أن تحقق أي مردود في شباك التذاكر بغرض أن يستحوذوا على قسط من
العيدية التي أخذها الأطفال من آبائهم، فضن الأطفال عليهم بالعيدية،
واحتفظوا بها لأنفسهم!! الأرقام هزيلة جدا تستطيع أن تقول وأنت مطمئن: لم
ينجح أحد. الكل فشل في تحقيق المجموع، ولكن يظل هناك فيلم واحد حقق قدرا لا
ينكر من الإيرادات خاصة في أيام العيد الثلاثة، وهو فيلم «ابقى قابلني»
بطولة سعد الصغير.. سبق قبل ثلاثة أعوام أن قدم وفي التوقيت نفسه المنتج
«أحمد السبكي» الوصفة نفسها مع تغيير في المواصفات، فهو قد وضع «سعد
الصغير» الذي اشتهر وقتها بأغنية «العنب العنب»، وأضاف له أغنية «الحمار»
مع الراقصة «دينا» ومطربين آخرين هما «ريكو» و«محمد عطية»، في فيلم «عليّا
الطرب بالتلاتة»، ونجح الفيلم محققا قفزة رقمية.. التقط المنتج الورقة
الرابحة «سعد الصغير» وقرر أن يضيف إليه بعض الممثلين.. مثلا الراقصة لم
تعد «دينا» بل راقصة ناشئة اسمها «شمس».. «دينا» ليست نجمة شباك ولا هي
أيضا ممثلة بارعة وعلى طريقة «ليه تدفع أكتر ما دام ممكن تدفع أقل». وهكذا
وجد أن راقصة جديدة مغمورة الاسم تحقق الغرض نفسه.. أما «ريكو» و«عطية» فقد
اعتبرا أشبه بحمولة درامية زائدة، ولهذا استغنى عنهما هذه المرة في «ابقى
قابلني»، أضاف في دور صغير المغنية «أمينة» التي عرفها الناس بعد أن غنت
«أركب الحنطور واتحنطر» فارتبط بها وارتبطت به، وصارت مشهورة باسم مطربة
«الحنطور».. وحتى يصبح الأمر مهيئا للتنفيذ وجدوا أنه من الأوفق ضرورة أن
يتوافر في هذه الطبخة السينمائية «حسن حسني» باعتباره ناظر مدرسة كوميديا «الروشنة»
الحديثة مع الممثلة السمينة «مها أحمد»، ولا بأس من أن يعيدنا مرة أخرى
لفكرة الثلاثية حيث يصبح لدينا أصدقاء ثلاثة هم الأبطال. وهكذا أضيف لسعد
بغرض الإضحاك، ليس إلا، كل من «سليمان عيد» و«علاء مرسي».. هل المعادلة
ينقصها شيء؟! اكتشفوا بالفعل أنها ناقصة «البت» الحلوة وحبيبها الـ«جان»
فتى الشاشة، ووجدوا ضالتهم في كل من «أميرة فتحي» و«محمد لطفي» تخيلوا أن
«لطفي» صار فتى أول!! الفكرة التي صاغها كل من «سيد السبكي» و«هيثم وحيد»
ترتكن إلى أن الإنسان غير مسؤول وحده عما يقترفه من سلوك، ولكن البيئة تؤثر
في تدعيم مواقفنا سلبا أو إيجابا، وهو على رأي ليلى مراد «كلام جميل وكلام
معقول مقدرش اقول حاجة عنه»، إلا أن ما بعد الفكرة أو تحديدا أسلوب
المعالجة الدرامية والسينمائية هو الذي أطاح بهذه الفكرة التي تتناول حكاية
ثلاثة مساجين متهمين بالنصب يحصلون على الإفراج بعد تنفيذ العقوبة، ويستغل
الضابط وجودهم لديه ويتفق معهم على أن تجري عليهم «أميرة فتحي» أبحاثها مع
والدها الطبيب النفسي «حسن حسني»، وكان لا بد من وجود حبيبة لسعد الصغير
فاكتشفوا أن «مها أحمد» من الممكن أن تلعب هذا الدور.. كان الهدف هو ضرورة
البحث عن أي «إيفّيه» أو نكتة أو موقف، كلها محاولات تبدو مجهدة جدا لصناع
الفيلم وهم يلهثون وراءها لأنهم في واقع الأمر لم يعثروا على شيء يستحق..
المخرج «إسماعيل فاروق» لم يستطع أن يضيف شيئا، كان دوره ينحصر في أن لديه
مجموعة من الكلمات ينبغي تصويرها، ولكن بلا أي رؤية سواء على مستوى حركة
الممثل أو الكاميرا أو التكوين.. مطربة «الحنطور» جاءت في الفيلم لكي تقدم
هي الأخرى «إيفّيهًا» وأغنية، فقدمت مشهدا في البداية مع «حسن حسني»
باعتبارها مريضة بالكبت الجنسي.. الراقصة الجديدة «شمس» كان لديها مشهدان،
أقصد رقصتين، في الفيلم في محاولة لإرضاء الجمهور، بينما أقحم السيناريو
مشهدين أراد أن يقول من خلالهما شيئا يعتقد أنه عميق؛ الأول لمريض في
مستشفى العلاج النفسي التي يشرف عليها «حسن حسني»، نراه وهو يهذي ويتحدث عن
انعدام تكافؤ الفرص وتفشي الفساد.. المشهد الثاني رقصة التنورة من خلال
أغنيات المديح النبوي!! إنه البوفيه المفتوح الذي يلجأ إليه دائما المنتج
حيث يقدم للمشاهد كل شيء وعليه هو أن يأخذ ما يريد.. أو تستطيع أن تطلق
عليها مائدة رحمن مثل تلك التي تنتشر في شوارع وحواري مصر خلال شهر رمضان
وتختفي طوال العام لكنها عادت مع فيلم «ابقى قابلني».. «سعد الصغير» بالطبع
لا يملك أدوات الممثل، ولكنه ولا شك لديه جمهور ينتظره، ولهذا لا يضعه
الفيلم في أي موقف فيه أداء درامي حتى لو تطلب الأمر محاولة تقديم ضحكة، في
هذه الحالة فإنه يتكئ على «سليمان عيد» أو «علاء مرسي» وإذا احتاج الأمر
إلى نكتة أخرى فإن المخضرم «حسن حسني» عليه أن يقدم هذه الضحكة. والحقيقة
أنا تعجبت من هذا الممثل العملاق وأنا بالفعل أراه يملك طاقة تعبيرية مبهرة
لم يظهر منها سوى القشور لكنه يبددها ويشارك في أي عمل فني لمجرد أن هناك
من يعرض عليه دورا، رأيته يلجأ في هذه الأفلام إلى استخدام أسلحة ثقيلة في
الضحك مثل الصفعات والصوت العالي والتعبير الغليظ وكلها أسلحة انتهى عمرها
الافتراضي وصارت طلقاتها «فشنك»!! «محمد لطفي» كانت هناك محاولات مضنية
للدفع به بطلا وبالفعل أسند له دور بطولة قبل عامين أو ثلاثة، ولكن لم
يتحقق ليصبح نجما للشباك، ولكنه عندما أيقن أن رهان الشباك عليه بمفرده غير
مأمون العواقب.. بدأوا يلجأون إليه في أدوار مكملة على الشاشة، ووافق.
وأراها نقطة مبدئيا لصالحه، ولكنه صار يقبل المشاركة بأي دور مثلما شاهدناه
في «ابقى قابلني» وكأنه يؤكد أنه لا يزال حيا يرزق على الخريطة
السينمائية!! «مها أحمد» نموذج لممثلة لا تريد أن تطور أدواتها فلم تعد
كوميديا الوزن الثقيل قادرة على الإضحاك في كل وقت، وعلى «مها» أن تدرك
أنها معرضة في أي لحظة أن تدفع السينما المصرية بأي ممثلة أخرى أكثر لحما
وشحما منها فهل تعتزل هي بعد ذلك السينما.. «علاء» و«سليمان» يكرران ما
لديهما من «إيفّيهات» وما سبق تقديمه، سواء في أفلام أو مسلسلات، وكأنهما
يرفعان شعار «كوميديا قديمة للبيع».. يتبقى بعد ممثلون لا تستطيع أن تتذكر
أدوارهم بسهولة مثل «إيناس النجار» و«ياسر فرج»!! لماذا حقق الفيلم بعض
الإيرادات بالمقارنة بالأفلام الخمسة الأخرى التي لم تستطع الصمود في
الشباك.. كل الأفلام عانت من شحوب الإحساس السينمائي وربما يأتي في ذيل
القائمة «ابقى قابلني»، كل الأفلام وضعت أمامها هدفا واحدا وهو إضافة كل
المفردات التجارية مرة واحدة، ولكن من الواضح أن المنتج «السبكي» هو الذي
أجاد وضع المواصفات المطلوبة.. وعلى الرغم من ذلك فإنه سيظل فيلما
استهلاكيا ينتهي مفعوله بعد لحظات، فلن يصمد طويلا، ويختفي لتبحث عن «إيفّيه»
آخر، وكما نقول في مصر: «ابقى قابلني» لو تذكره أحد بعد نهاية شهر شوال!!
t.elshinnawi@asharqalawsat.com
الشرق الأوسط في
16/10/2009 |