بعد جولة عالمية موفقة لا تزال مستمرة، يحلّ اليوم
في بيروت أحدث أفلام المخرج المصري يسري نصرالله "احكي يا شهرزاد". ويبدو
ان الموزع
حسم أمر توزيع الفيلم في بيروت بعدما كان متردداً بسبب طوله (140 دقيقة)
وكثرة
الحوارات فيه. بيد انه، بعيداً من هذه التصنيفات الجاهزة، لا يسعنا الا ان
نرفع
القبعة لنصرالله على هذه الميلودراما الساحرة التي أدخلته الى
مرحلة أنضج من مساره
السينمائي. نضر، ديناميكي، ممسوك بقدرة قادر، يقظ...، هذه هي بضع صفات عمل
يعيد رسم
بورتريه لقهر المرأة في مجتمع يحكمه الفساد السياسي والوصولية. النصّ الذي
ألّفه
القدير وحيد حامد، يتضمن تيمات ومحاور عدة، تبناها صاحب
"مرسيدس" وفسّرها على
سجيته، مانحاً فيلم المؤلف بعداً آخر، ومذكّراً كل لبيب بأنه ليس بالتأليف
وحده
يصبح السينمائي مؤلّفاً. هنا، عشرة محاور تشكل منها "احكي يا شهرزاد"، يغوص
فيها
نصرالله، ضمن مقابلة أجرتها معه "النهار" في الدورة الأخيرة من مهرجان أبو
ظبي
السينمائي.
1 -
وحيد حامد:
"لوحيد
حامد موهبة كبيرة.
اهميته في قدرته على الاصطدام وفي التوفيق بين ما ينتمي الى العقلية
السائدة وما
يتيح التمرد على هذه العقلية. ثمة شيء عند هذا الجيل مرتبط
بعصاميته: هؤلاء لم
يصلوا الى ما هم عليه بسهولة. كشخص، كنت أخاف منه! لم اتخيل يوماً انني
سألتقيه.
كان له عالمه الخاص، والسينمائيون الذين
يتعاون واياهم. أما أنا فكنت في طور تحديد
أهدافي السينمائية. خوفي كان مرتبطاً بفكرة انني كنت أحتاج
لأقول مَن هو يسري
نصرالله. ويبدو أنه كان هناك اعجاب متبادل بيننا، لكن حامد هو الذي بادر
بالخطوة
الاولى، فطلب اليّ أن أقرأ نصاً. "يا تصيب يا تخيب"، قال لي.
منذ الصفحة الاولى،
شعرت أن النصّ سيعجبني. ففكرة الحدوتة داخل الحدوتة تستهويني. كان في هذا
السيناريو
ما يمس طرحي في أفلامي السابقة، وقوامه ان الشخصيات التي
أقدمها لا تطرح ذاتها
كضحايا. ما لفتني ايضاً ان أفلامي كلها تبدأ حيث ينتهي هذا الفيلم، مما
يفسر لماذا
كان هذا الفيلم "اسهل" بالنسبة الى المتفرجين من أفلامي الأخرى. تنطلق
أفلامي عادة
من شخصيات حسمت علاقتها بمنظومة الأخلاق والسياسة السائدة، بمعنى انها
همّشت نفسها
لترى كيف يمكن خلق علاقة جديدة بالمجتمع، لكن بشروط يتقدمها
منطق "أنا هنا!". يتضمن
"احكي يا شهرزاد" شخصيات ممتثلة تماماً، تتملق المنظومة السائدة ولا
تشعر باغتراب
عنها. فيلمي يُري تدريجاً كيف تولد هذه الشخصيات من رحم المنظومة! تالياً،
كيف تضطر
الى الانسلاخ عنها فقط للبقاء على قيد الحياة. انطلاقاً من هنا، تابع
المتفرج
"العادي" الفيلم. كأنك تأخذ بيده لتريه كيف أن كل ما تربّى عليه من قيم
ومن فصل بين
الصح والخطأ، ينتمي الى منظومة متخاذلة. والناس انفعلوا جداً مع هذا الطرح.
وكأنك
تأخذ بيد طفل وترافقه لتريه العالم وتقول له لماذا هذا العالم "مش ماشي"
(...).
هناك أشياء أردت تعديلها مع وحيد قبل بدء التصوير، وبدا مرناً ومنفتحاً.
كان العمل بيننا أشبه بلعبة بينغ بونغ.
تعاملتُ مع النصّ كما لو أنني أتعامل مع نصّ
لشكسبير، بحيث أردت أن اضيف اليه تفسيري الخاص. وهنا كانت لي
حرية مطلقة. كان وحيد
حامد حريصاً على عدم التدخل فتركني حراً، سواء في اختيار الممثلين أو في
نمط
المعالجة".
2 -
الحوار:
"لم
أرد التعامل مع هذه الشخصيات
باعتبارها ابواقاً. كان عليّ أن آخذها على محمل الجدّ، وتفادي جعلها مجرد
متحدثة
باسمي أو باسم وحيد حامد بغية إمرار آرائنا في مسائل عدة. كان عليها أن
تمعن
باستقلالية وتعبّر عن نفسها بنفسها. فكان لي سؤال: اذاً، لماذا
يتكلم هؤلاء على
النحو الذي يتكلمون فيه؟ (...).
أول شيء صدمني هو الحوار الذي كان قوياً، وكان
يبدو للوهلة الاولى مباشراً. ثمة أشياء أعاد حامد صوغها بعدما جلسنا معاً.
هو الذي
تولى عملية تعديلها، ذلك أنني كنت حريصاً في تعاوننا معاً على الا يشعر أحد
منا
اننا في مصارعة. كنت احاول ان ادنو برفقته الى شيء يتفق عليه
كلانا، بعيداً من
التنازلات. أشياء، لا نشعر بغربة عنها، لا أنا ولا هو".
3 -
الميلودراما:
"عندما
أمسكت النصّ، تساءلت عن الفورما التي كنت اريدها
للفيلم. فكان قراري أن أعزز من الطابع الميلودرامي. فعلت ذلك
لأنني أجد أن
الميلودراما، سواء في السينما المصرية أو الأميركية، هي التي، أكثر من
غيرها، في
إمكانك أن تعبر من خلالها الى معانٍ سياسية متمردة وانقلابية، يقبلها
الجميع. وهذه
هي حال أفلام دوغلاس سرك وفيرنر فاسبيندر وحسن الامام. فذهبت في هذا
الاتجاه، اتجاه
الـMise en scène
وهو على كل حال شيء أحبه وموجود في كل
أفلامي: اللقطة الطويلة
المتضمنة حركات كاميرا مستمرة. كنت اريد شريطاً سلساً ومؤسلباً، لا تشعر
انه غريب
ولكن في الحين نفسه لا يكون نصير المدرسة الطبيعية
(Naturalisme)".
4 -
الشاشة:
"ما
علاقة مقدمة التلفزيون هبة بضيفتها أماني؟ بالنسبة الى
المذيعة فهذا استعراض، كونها اعتادت محاورة سياسيين، وفي
اعتقادها انها تستطيع أن
تتعاطى بالطريقة نفسها مع أماني، أي بأقل قدر من الشخصنة للموضوع الذي
تطرحه. لكن
سرعان ما تكتشف انها استغلت فتاة رقيقة. لذلك ينتهي المشهد مع المرأتين في
الظلمة،
فتتوجه هبة الى أماني بالسؤال: "لماذا قبلت أن تظهري في برنامجي؟". انتقال
هذا
الشيء بين الشخصيات كلها يجعلك تشعر ان كلا الجنسين، رجالاً أكانوا أم
نساء، هما
ضحية عقلية ما. لذا، فالصورة التي تراها في شاشة البرنامج هي
بالأبيض والأسود، اذ
ترى جانباً من شفتي هبة، والى ما هنالك من تفاصيل (...). الضيفة الثالثة في
البرنامج الدكتورة ناهد، هي بمنزلة شبح هبة، كونهما من طبقة اجتماعية
واحدة، مما
اتاح لهذا الفصل من الفيلم أن يكون لعبة مرايا بين شخصيتين.
وهنا شهدنا انهيار هبة.
فعندما تقول ناهد انها لم ترد طفلاً من شريكها، تدرك هبة بدورها أنها لا
تريد طفلاً
من زوجها، على رغم انها كانت حتى الأمس تحاول اقناعه بضرورة الانجاب.
وعندما تدرك
هذه الواقعة تجهش بالبكاء وتفقد مهنيتها والسيطرة على نفسها،
لتدرك في موازاة ذلك
ان قصص هؤلاء النسوة اللواتي ينتمين الى طبقات اجتماعية مختلفة لا تختلف عن
قصصها
وحكاياتها. المساحة التي أتاحتها لي الحواديت للعمل على الـMise en scène
كانت
لانهائية. لذا، كنت سعيداً جداً وأنا اصنع هذا الفيلم".
5 -
سمير بهزان:
"كان
"جنينة الأسماك" فيلماً عن النور والظلمة. هنا كنت أتكلم عن شيء
فيه نوع من تنوير. اشتغل سمير بهزان شغلاً "خرافياً" على هذا الفيلم. عندما
اخترت
المكان الذي صوّرنا فيه شقة البنات الثلاث، قال لي انه سواء أكنا في الليل
أم في
النهار، فالشيء الوحيد الذي يؤكد وجودنا في الليل أو في النهار
هو النور الذي في
الخارج. أما في داخل الشقة، فهناك احساس دائم بأننا في الليل، واحساس
بالاختناق
والانغلاق. بطريقة مختلفة تماماً، تمت اضاءة شقة هبة الكبيرة، وهي نقيض شقة
البنات
الثلاث، لكن في خاتمة الأمر تبقى سجناً على رغم مساحتها. احساس السجن هذا
يأتي من
ان لا مكان تختبئ فيه. لا تستطيع هبة أن تجد مكاناً حميمياً
لها بعيداً من أنظار
زوجها. وكأن هذه الشقة غرفة فندق او بيت دمية. صارحت سمير بهزان برغبتي في
أن اعمل
وفق تقنية اللقطات الطويلة. أولاً لأنني أشعر بأن هذا الشيء يساعد
الممثلين. كانت
لقطات معقدة جداً ولكن لا تبدو كذلك. لم نقصد يوماً أن تكون حركات الكاميرا
ظاهرة
وكأنها موجودة بذاتها، وكان مبررها بسيطاً وهو الرغبة في تصوير
حالة من التوتر من
دون اللجوء الى المونتاج. عندما تعمل مع الممثلين على هذا النحو، يفقد
الحوار
خطابيته وليس أهميته، فلا ترى أمامك ناساً يتكلمون إنما ترى ناساً يفكرون.
وهذا شي
من صميم السينما. هذا يتعلق بمدى أخذك للشخصيات على محمل الجد".
6 -
الضحايا:
"عندما
تقرأ السيناريو تعتقد أن الرجال كلهم أشرار والنساء
طيبات. لنفترض ان هذا حقيقي، يبقى أن هؤلاء الرجال على قدر عال
من الجاذبية. لم
اتقبل يوماً، شريراً يفتقر الى الكاريزما والسحر. اذا كان شريراً وثقيل
الظلّ، فمن
السهل التخلص منه، اما اذا كان شريراً وساحراً، فهذا أصعب. ثم انني كنت
اريد القول
من خلال هذا، إن هؤلاء النساء لسن غبيات. لو كانت هبة متزوجة
من عبيط لكنت ستعتبرها
عبيطة! لذا، كان يجب أن يشعر المُشاهد بأنه يحق له أن يفتتن بهؤلاء
الأشخاص. هم
جميعهم يتحركون ضمن منظومة أخلاق واحدة. لو لم يدخل الحبّ في الحكاية، ولو
ان
العلاقة بقيت صفقة تجارية كما هو سائد اليوم، لكانت الحكاية
على ما يرام. الهنة انه
لديك شخصيات رجالية مبرمجة لتكون مسيطرة على الدوام، وسرعان ما تقع ضحية
هذا الشيء.
ولأن النساء الأربع ينقذن أنفسهن، فالضحايا
الحقيقية لهذه العقلية، في الأخير، هم
الرجال الذين لم يستطيعوا التخلص من تربية تفرض عليهم أن يبقوا
اصحاب سلطة وسيطرة".
7 -
منى زكي:
"
فكرت في منى زكي، منذ اللحظة التي قرأتُ
فيها النصّ. أولاً لكونها ممثلة بديعة.
شاهدتها على المسرح وهي كانت لا تزال
مراهقة. ثم، منى زكي صغيرة الحجم. وأنا عملت كثيراً في هذا الفيلم على
أجسام
الممثلين. انطلاقاً من الاحساس الدائم بأن المرأة ضعيفة ويمكن كسرها.
وعندما ترى
منى الى جانب زوجها، تجدها كالطفلة الصغيرة، وهو يبدو خائفاً
عليها من كسرها.
فعلاً، هناك لحظة، حين يضربها، يخاف المُشاهد عليها من أن تتكسر. عندما
يقول لها
زوجها في آخر الفيلم إنها عروسة من بلاستيك وبغبغان ملوّن،
فالواقع أنها كانت كذلك
طوال الفيلم، وهذا هو الانطباع الذي ارادته لنفسها. تدريجاً، تتحول الى بني
آدم،
وبني آدم قوي. فهو تزوجها لأنها عروسة بلاستيك وبغبغان ملون لكنها تمردت
على وضعها.
وعندما اخترت الممثلة المغربية سناء عكرود،
فإن جزءاً حاسماً من اختياري لها، تجسد
في أنها في حجم منى زكي، وهي كانت مرآة لها. هي الأخرى عندما
يمسكها رجل (حميدة هذه
المرة)، نخاف عليها من أن تُكسر، لكنها في الأخير، هي التي تكسره.
الجدال الذي
دار حول الفيلم انطلق منذ ظهور الاعلان. لم يكن جدالاً بقدر ما كان شتيمة.
استعملوا
مفردات دينية في هجومهم. الاعلان كان واضحاً: هذا فيلم عن قهر المرأة وعن
وضعها
الحالي في مجتمعنا. وعندما تشارك منى زكي في فيلم عن قهر
المرأة كتبه وحيد حامد
وأخرجه يسري نصرالله، فهذا يعني ان المسألة جدية وليست تهريجاً. هذا ادى
الى عداء
حقيقي. ثمة أفلام فيها عري وأشياء أخرى لم تتعرض لما تعرضنا له. الهجوم هنا
كان
منبعه الذعر. كانوا مقتنعين بأن الفيلم سيحدث مشكلة، وهو أحدث
مشكلة. أحدهم مثلاً
استخدم الانترنت على نحو تحريضي جداً ليكتب فيه كلاماً فظيعاً وشتائم وآيات
قرآنية
عكست الطابع الاصولي والمتزمت لهذا الخطاب، بحيث تداخلت فيه مسألتا الحلال
والحرام.
كان هذا كلاماً ايديولوجياً مبرمجاً. الآن
انتقل هذا الموضوع الى المغرب وضد سناء
عكرود. فسناء ممثلة كبيرة والناس جميعهم يعلمون ذلك، ويعلمون
انها ليست ممثلة اغراء
خفيفة تريد اظهار طرف صدرها (هؤلاء لا يأتي أحد على ذكرهم). وأنا اخترتها
لقدرتها
ولم أخترها لأنها مغربية. وهنا أسأل مهاجميها: هل شعر أيٌّ منهم في أيّ
لحظة، أنني
استخدم جسد المرأة؟ فعندما تتكلم عن موضوع قهر المرأة، فأحد أشكال هذا
القهر هو
اعتبار الانثى لعبة جنسية، أي اعتبارها "شيئاً". لكن، ما أحبه
في الفيلم أن الرجل
هو اللعبة الجنسية.
ما هذا المجتمع الغريب الذي يعتبر ان المرأة مصدر غواية،
ويتغاضى عن كون الرجل بالنسبة الى المرأة هو أيضاً مصدر غواية؟ لا يسعك
التكلم عن
قهر المرأة من دون أن تتكلم عن قهر الرجل أيضاً. في الأخير، نحن في مواجهة
وضع يسمم
العلاقات ويسمم القدرة على الحبّ. وهذه كارثة بالنسبة الى الجنسين. كرجل،
انت مبرمج
منذ الصغر لتسيطر، واذا فقدت سيطرتك تفقد ذكوريتك. عليك أن
تفرض الشروط، وعلى
المرأة أن تمشي خلفك. والمرأة تقبل بهذا الأمر. المنظومة هذه، يا للغرابة،
مقبولة
من كلا الطرفين".
8 -
تمرّد:
"الشخصيات
جميعها تتمرّد في
الفيلم. واحدة تتمرد من خلال رفضها الزواج، وواحدة ثانية من خلال القتل،
وواحدة
ثالثة تشارك في تظاهرة، وواحدة رابعة تظهر على التلفزيون لتقول "انظروا
اليَّ انا
التي أبدو عروسة وسطحية، انظروا ما حصل لي وسأحكي لكم حكايتي مع انني لم
اتصور
يوماً انني سأتحول من مخبرة لحكايات الناس الى حكاية". التمرد
مصدره البوح. وهو
الاطروحة النقيض لـ"جنينة الاسماك"، حيث القمع كان باطنياً ويعوق الكلام.
هنا أسأل:
لماذا الفتيات الثلاث يتمكنَّ من التمرد أكثر من غيرهن؟ ذلك لأنهن لا
يمتلكن سلطة،
لذا فمن السهل جداً أن يتنازلن عن شيء لا يملكنه، وهذا الشيء
هو أقوى ما فيهن. لن
تتمرد ما دام ثمة فكرة تسيطر عليك، مفادها أن الحبّ ليس مهماً وأن السيطرة
هي أهم
شيء. أما حين تلغي السلطة من قائمة اهتماماتك وتتعقب الحبّ، فلا أحد سيقوى
عليك".
9 -
الفساد السياسي:
"ليشغل
منصب رئيس تحرير صحيفة، لماذا
على شخص موهوب وساحر مثل كريم أن يُنتخب انطلاقاً من قدرته على أن يكون
ذليلاً،
بدلاً من أن يُنتخب استناداً الى مواصفاته الحسنة. في الظرف الذي هو فيه،
من
الطبيعي أن تختفي ميزاته، وهذا ما تقوله له زوجته في لحظة
معينة: "النجاح هو أن
يقرأ لك الناس ويحترموك ويحبوك". لكن كلمة "يحبونك" لا يطيقها، وعنده أن
الناس
جميعهم يلهثون خلف المناصب. يقول عن النجاح انه لمبة صغيرة، لأيٍّ كان
القدرة على
اطفائها...
لدينا في مصر حكومة لم تتغير منذ 30 عاماً. لا نعرف مَن يحكم مصر
مستقبلاً، وكيف. مؤسسات الدولة راحت تنهار واحدة تلو الاخرى.
بدلاً من ان تكون لنا
دولة، لدينا سلطة. ما الحلّ؟ ليس لديَّ حلّ. لست سياسياً وليس من شأني أن
أطرح
الحلول (ضحك). لكن أعرف أن قضية مثل قضية طلعت مصطفى وسوزان تميم كان يمكن
أن تلفلف
بسهولة لكن الرأي العام حسم موقفه وطالب بالاقتصاص منه… لا،
لا، لا نستطيع ان نبقى
صامتين الى الأبد على كل ما يجري من حولنا!".
10 -
الجمهور:
"لم
يكن التقرب من الجمهور الدافع خلف انجازي هذا الفيلم.
انجزته لأنني أحببته. أخذهم الفيلم خطوة خطوة الى حيث أخذتهم أفلامي
السابقة منذ
زمن بعيد. بعد "شهرزاد" سيتفرج المشاهدون على باقي أفلامي بطريقة أخرى.
بالنسبة
اليَّ كان هذا الفيلم بمنزلة مذكرة تشرح سبب انجازي لأفلامي الأخرى،
و"لماذا
شخصياتي هي على النحو التي هي عليه؟". كثر سألوني "ترى كيف
ستعيش هبة حياتها، بعدما
ظهرت على التلفزيون وروت حكايتها أمام الجميع؟". فكان ردّي:
"اذهبوا وشاهدوا أفلامي
الأخرى". الأجدر انها ستحاول خلق علاقة جديدة بالمجتمع، علاقة مبنية على
الصدق وليس
على الكذب والتمثيل.
باستثناء "جنينة الأسماك"، لا أعتبر أفلامي ذات لغة
سينمائية صعبة، وخصوصاً "المدينة" و"باب الشمس". لكن محسوب
عليّ أشياء كثيرة، منها
انني أعمل مع ممثلين جدد وأنني بدلاً من إنجاز "باب الشمس"
باللهجة المصرية أنجزته
باللهجة الفلسطينية (!)، وانني اختار باسم سمرا في "المدينة" بدلاً من نجم
كبير،
على رغم انه فيلم شعبي جداً (...). جزء من الناس الذين شاهدوا "احكي يا
شهرزاد"
شاهدوه من أجل وحيد حامد ومنى زكي ويسري نصرالله. وكلّ واحد منهم فوجئ بما
جاء به
واحد من هؤلاء الثلاثة. على المستوى التقني البحت، هذا من أصعب
افلامي".
(
hauvick.habechian@annahar.com.lb)
"اسبوع
آرتي" في متروبوليس – صوفيل
أفــلام "تـصـعــد"
الـى الـشـــاشــة
ما إن يُختتم مهرجان سينمائي هذه الأيام في بيروت حتى
يبدأ آخر. وكلها في مكان واحد ووحيد، هو "أمپير - صوفيل" ("متروبوليس")
الذي بات
معبد السينيفيليين اللبنانيين وملاذهم من أمكنة بيروتية أخرى، حيث يهيمن
التسطيح
والكسل والثقافة الاستهلاكية. فبعد أقل من اسبوع على اختتام الدورة الأخيرة
من
مهرجان بيروت السينمائي، انطلق الثلثاء الفائت اسبوع (من خمسة أيام!) مخصص
للأفلام
التي تنتجها محطة "آرتي" الثقافية الاوروبية، الرائدة في بث
ثقافة مغايرة قائمة على
المعرفة والاطلاع، بعيداً من الدروب المطروقة والإسفاف الذي
يعم الفضائيات التجارية
عموماً. تسعة أفلام متنوعة الصنف "تصعد" الى الشاشة السينمائية، من 20 الى
24
الجاري، في حصتين يوميتين هما الثامنة والعاشرة مساء، وفي القائمة بضعة
أعمال سبق
أن عرضت في الصالات المظلمة، منها "يوم التنورة" (اليوم) لجان - بول
ليلينفيلد حيث
تسجل ايزابيل أدجاني عودة لم تحدث الصدى المتوقع. علماً أن بعض هذه الأعمال
مصوّر
وسيعرض بالـ35 ملم، والبعض الآخر بالفيديو. الجيّد في هذا
"الاسبوع" ان معظم
الأفلام مترجمة الى العربية، مما يتيح ربما مجالاً أوسع لجمهور لا يتحدث
لغات
أجنبية.
شريط الافتتاح كان "الشخص الجميل" لكريستوف أونوريه، الذي عاد لإنجاز
إنتاج أكثر تواضعاً بعد ميوزيكاله البديع "أغاني الحبّ" الذي
عُرض في مهرجان كانّ،
دورة 2007. وأمس كان موعد الجمهور مع فيلمين: "ايران، قوة
يُسفر عنها" لجان - ميشال
فيكييه و"اسرائيل غالفان: اللكنة الاندلسية" لماريا ريجياني. ولمحبي كوبا
والميثولوجيا التي تحيط بها، ثمة فيلم يُعرض اليوم اسمه "كوبا، أوديسة
أفريقية"
لجيهان الطاهري. دائماً من أميركا اللاتينية، وتحديداً من تشيلي، يأتينا
"شارع
سانتا فيه، حب ثوري" (غداً). ومن انتاج بولوني - فرنسي، انجز برونو
مونسينجون
فيلماً عن بيوتر أندرزويسكي سمّاه "مسافر قلق". وتختتم هذه التظاهرة التي
تجري في
بيروت منذ دورات عدة، يوم السبت بفيلمين: الأول وثائقي من انتاج فرنسي
خالص، عنوانه
سياسي غريب، "أسلحة، تجارة ومنطق الدولة" لمخرجيه دافيد أندره وبول موريرا.
أما "غيام،
على السلك" لفرنسواز هافان" فهو الفيلم الثاني والأخير ضمن برنامج قد يتضمن
قدراً من الاكتشافات تتيح وجودها منذ سنوات محطة مصنفة للنخبة المثقفة،
وهذه من
المناسبات النادرة ربما لتخرج إنتاجات "آرتي" من دائرة ضيقة
الى جمهور أوسع يهتم
بالموضوع وزاوية النظر في الحين نفسه.
خارج الكادر
ما العمل
مع رقابة كهذه؟
أجهل ما
يمكن كتابته، بعد، عن الرقابة على المنتجات الفنية في لبنان. قلنا كل ما في
وسعنا
قوله في هذه المسألة الشائكة. الصمت، كما بات معلوماً منذ زمن
بعيد، أبلغ قيمة
عندما لا نملك شيئا لنقوله. حقاً، بات من المستحيل أن نضيف جديداً على كل
ما سبق
وقلناه في السنوات الماضية، الى حدّ انه تكوّن لدينا اقتناع راسخ بأننا لا
نخاطب
ضمائر وأحاسيس وشركاء لنا في صناعة هذا الوطن الهشّ، انما نخاطب كتلاً من
الغباء
والأحقاد والعناد الفظّ داخل جدران من الاسمنت المسلحّ، ترتطم
بها أصداء "زعيقنا"
فترتدّ علينا. عوّدتنا الرقابة ألا تحرّك ساكناً أمام هذا "الزعيق". ولأن
الناس لا
يريدون اقتلاع عين الرقابة "الساهرة" على أخلاقنا وحسن سلوكنا، لأنهم
بدورهم مغلفون
داخل طبقات من الخوف، ومزنرون بالجهل ومحصنون بالطائفية. فما العمل في
رأيكم؟
العرائض لم تنفع. التهديد المبطن لم يثمر. وجود أشخاص مثقفين
وأصحاب وعي في السلطة
لم يعالج المصيبة هذه. فهل حان الوقت لـ"نبلع" هذا المصير المحتوم ونتصالح
معه
تفادياًَ لصدامات متكررة لا توصلنا الى أي مكان؟ هنا أيضاً لا نجد جواباً
شافياً!
مرةً أخرى: ما العمل؟
هذا الموضوع صار مستهلكاً من فرط تكراره. بتنا نشعر بالعار
أمام أنفسنا وأمام غيرنا. لا أحد من الحرصاء على الحريات في
هذا البلد شبه المنكوب،
بل المنكوب، يملك معطيات جديدة لمعالجة آفة، مرةً واحدة ونهائية. ماذا يمكن
أن نكتب "عنهم"
بعد؟ عن هؤلاء "المختبئين" الذين لم نر وجوههم يوماً؟ كلامنا فيهم كاد يبلغ
حدّ السبّة والاهانة والتجريح، ومع ذلك لا شيء تغير. "دق الميّ ميّ!". انه
لحقاً
شيء يقتل النفس. بات التنظير في تصرفات الرقابة محض علك وانشاء لا يفيد.
تسمع فقط
مجاملة من صديق أو زميل، يهنئك على شجاعتك بسبب ما كتبته نهار
الخميس. بيد انك تخجل
أحياناً أن تستعمل الكلمة من على هذه المنابر في سبيل الانتقام. هذه
المنابر اذا
وجدت، فإنما لصونها بالكلمة المعرفية. وهذا الانتقام، انتقام مثقف من سلطة
هي
الأخرى عاجزة، هو في النهاية محض عجز عن فعل شيء يخدم
معاصرينا. فبمَن نهزأ؟ ومَن
نغش؟ عددنا لا يتعدى بضعة الآف حدّاً أقصى. هذا العدد لا يستطيع أن يفرض
رأياً.
المطالبة بإلغاء الرقابة هي مجرد رأي وليست
مطلباً شعبياً عاماً، لأنه، ولسوء
الحظّ، ثمة أطراف آخرون لهم رأي آخر، وهو عدم الالغاء، ورغبة
البقاء في يد طغمة
حاكمة تبتزنا. صمت المتواطئين في هذه القضية الجوهرية، لا يمكن الا ان يكون
دليل
رضا واستحسان وقبول. هؤلاء صمتوا ويزداد صمتهم مع كل انتهاك للحريات في
لبنان. ويا
للأسف، فنحن في بلاد اتفقنا فيها على ان نختلف على كل شيء، حتى على أبسط
الامور،
وهي عدم المساس بحرية التعبير المقدسة. فما هو رأسمال هذا
البلد الصغير سوى الحرية؟
الآن، دعونا لا نتخلف عن القول، ان غالبية اللبنانيين لا يهتمون اذا حُذفت
خمس
دقائق من فيلم "سمعان بالضيعة" لسيمون الهبر، او لم تحذف. هنا
لبّ المشكلة.
الغالبية تعتبر أن من الترف الفكري، الاعتراض على حذف مشاهد من فيلم عن
ماضٍ ربما
لا يريدون العودة اليه. لكل واحد في بلد الانقسامات الحادة، تعاطٍ مختلف مع
انتهاك
الحريات: واحد لا يهتم بتاتاً، آخر يأبه قليلاً لكن المسألة
عنده لا تعدو كونها
حادثاً عرضياً يقرأ عنه في أحدى زوايا صحيفته المفضلة، وطرف ثالث يتماهى مع
قرار
الدولة الحريصة على أمن المواطنين والسلم الأهلي الذي لم يهدده يوماً الفن
ولا
الثقافة ولا الفكر، بقدر ما يهدده السياسيون أنفسهم، القائمون
على قرارات المنع
والاقصاء. في المقابل، هناك حقيقة واحدة واضحة للعيان: اللبنانيون لا
يعرفون
حقوقهم. مفهومهم للحرية يحتاج الى اعادة نظر. أما مَن يحذف خمس دقائق من
فيلم، فهو
الاذكى من بين الجميع، لأنه يعرف ان السينما فنّ الاختزال، وان
دقيقة قد تعني
أحياناً قرناً في حياة نساء ورجال. هكذا، فإن السيدة "رقابة" تلغي الذاكرة.
بضربة
مقص!
مرةً أخرى: ما العمل مع هذه الرقابة، مع رقابة كهذه؟
(•)
بعد تعرّض مشاهد من فيلم "سمعان بالضيعة" (حالياً في
"متروبوليس - صوفيل") لسيمون الهبر للحذف، دعت جمعية "بيروت دي سي" الى
لقاء تشاوري
يوم السبت المقبل الساعة السابعة مساء في مقرها في فرن الشباك، للسينمائيين
والمسرحيين والكتّاب والصحافيين وكل العاملين في فنون العرض، للبحث في
الاجراءات
الممكن اتخاذها في سبيل المحافظة على حرية الرأي والتعبير في
لبنان.
هـ. ح.
النهار اللبنانية في
22/10/2009 |