في عام 2011 تحتفل السينما المصرية بترميم ثلاثة أعمال من أفلام نجيب محفوظ
احتفالا بمئويته، بخلاف سعيها المتواصل لإنشاء أرشيف قومي لها ومتحف
للسينما، وطبع إصدارات متخصصة للصناعة تماثل ما يصدره مركز السينما
الفرنسي.
قضايا عديدة استعرضها الدكتور خالد عبد الجليل رئيس المركز القومي للسينما
في مصر، حول السينما المصرية وتجربة دخول وزارة الثقافة مجال الإنتاج.وفي
لقاء معه على هامش مهرجان الشرق الأوسط السينمائي ، تحدث عن أفكاره لتطوير
المركز وملكية المحطات الفضائية لنيجاتيف بعض الأفلام المصرية وعمليات
القرصنة التي تعاني منها صناعة السينما، وفيما يلي نص الحوار: ما مناسبة
وجودك في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي؟ هذه هي الدورة الثالثة لي مع
المهرجان، ووجودي شيء عادي جدا ، فقبل أن أكون في منصبي بالمركز القومي
لصناعة السينما، فأنا من داخل مطبخ هذه الصناعة حيث أعمل مع محطات
تلفزيونية كبرى لها اهتمامات سينمائية.
وتواجدي طوال الوقت مهم في مشاهدة وشراء أفلام أو لعقد لقاءات واتفاقات،
أما هذا العام فكان لي بعد آخر من خلال اهتمامي بحضور مؤتمر «الدائرة»
لتمويل الأفلام ودعمها، وكانت هناك مجموعة من المحاضرات المهمة جدا لي في
وضع مؤشرات لمعرفة كيف يدعم المركز القومي للسينما في تمويل الأفلام، أو
كيف يمكن تعديل بعض لوائح التمويل داخل الصناعة في مصر.
·
وماذا استفدت؟
الاستفادة تكون عبر الحوار دائما، ولا أخفيك أنني بالفعل تعرفت على كيفية
دعم وإنتاج الأفلام الصغيرة، أو كيف يمكن أن تطرح السيناريوهات الصغيرة
بشكل يسمح لها بالحصول على تمويل، واستطيع أن أصرح لك ولأول مرة بأنه يوجد
لدي نية لعمل وحدة خاصة بالتمويل في المركز القومي لصناعة السينما، وليس
هدفها إعطاء التمويل بقدر توجيه من يملك سيناريو لفيلم طويل أو قصير أو
وثائقي ويريد الحصول على تمويل له بمساعدته مجانا في طرح مشروعه على جهات
تقوم بالتمويل، وعمل اتصالات له مع مراكز مختلفة للتمويل في العالم.
·
هل تعتقد أن مساعدة المركز في
تمويل الأفلام من خلال وزارة الثقافة في مصر يمكن أن يعيد دور مؤسسة
السينما الذي انتهى بإلغائها؟
من قبيل سعادتي الشخصية أن يتم عرض فيلم مصري في حفل افتتاح مهرجان الشرق
الأوسط، وهو «المسافر» للمخرج أحمد ماهر، وإنتاج وزارة الثقافة المصرية
وبدعم من صندوق التنمية الثقافية التابع للوزارة، وليس به أي دعم من خارج
الدولة، وهو يعني بالتأكيد عودة لدور الدولة للإنتاج مرة أخرى بعد توقف
مؤسسة السينما بها.
وتم تنفيذه عبر المركز القومي للسينما، وقد شارك أيضا هذا الفيلم في
المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، وسيعرض كذلك في مهرجان
دمشق، بخلاف طلب عرضه في مهرجان الدوحة، وكل هذا يعني أن إنتاج الدولة بدأ
يجد صدى في المهرجانات من حيث قيمة ونوعية المعروض، وهناك أيضا فيلم آخر.
وهو «بالألوان الطبيعية» للمخرج أسامة فوزي وهو من دعم وزارة الثقافة،
بخلاف دعم إنتاج أعمال أخرى مثل «رسائل البحر» للمخرج داوود عبد السيد
و«عصافير النيل» للمخرج مجدي أحمد علي، و«تلك الأيام» للمخرج أحمد غانم،
وتعيد هذه الأعمال الدور الذي كانت تلعبه مؤسسة السينما قديما، بخلاف
إعادتها لأسماء كبيرة مرة أخرى للعمل ولصناعة السينما بعد توقفها لسنوات،
ما يؤكد الدور الحيوي للدولة لإنعاش السينما ذات المضمون والقيمة بعد سيطرة
الأعمال التجارية لفترات طويلة.
·
كيف تم اختيار هذه الأفلام وما
شكل الدعم؟
قامت لجنة شكلتها وزارة الثقافة في مصر من كل من على أبو شادي وسمير غريب
وكمال رمزي ويحيى عزمي ورؤف توفيق، باختيار هذه الأفلام، وكل فيلم تم دعمه
في حدود 2 و3 ملايين جنيه مصري.
·
إذا كان هذا هو دعم الدولة
للفيلم الطويل، فما شكل دعم المركز القومي للفيلم القصير والوثائقي؟
المركز لا يدعم ولكنه ينتج الأفلام القصيرة والوثائقية كاملة، وهذا العام
تم إنتاج حوالي 14 فيلما بواقع 3 أفلام روائية قصيرة وعدد 2 فيلم وثائقي
وحوالي 5 أفلام رسوم متحركة و3 أفلام عرائس، وهذه الأعمال تعرض في الداخل
وتسافر لمهرجانات فمثلا عبر مسابقات مهرجان أبوظبي عرض فيلم قصير بعنوان
«ربيع 89» للمخرجة آيتن أمين وهو للكاتبة وسام سليمان والتي لها أفلام
روائية من قبل، وهذا الفيلم شارك في مهرجان الإسكندرية السينمائي وحصد
العديد من الجوائز، وحصل أيضا على تنويه من لجنة تحكيم مهرجان الشرق الأوسط
السينمائي، هذا بخلاف مشاركات لأعمال أخرى مقبله لمهرجان دبي السينمائي
ومهرجان طنجة بالمغرب.
·
هل ترى أن المركز القومي لصناعة
السينما بوضعه الراهن مثالي ولا يحتاج إلى تطوير؟
كل شيء يحتاج إلى تطوير، وليس هذا معناه أن ما كان موجودا كان سيئا، بالعكس
الذي كان موجودا هو أفضل المتاح، والمركز عندما تسلمته كان في أفضل حالاته
إداريا وماليا، ولكن سنة الحياة أننا يوميا أمام تطور تكنولوجي دائم
ومستمر، بمعني لو بقيت في منصبي سنتين أكيد سأحتاج بعدها إلى تغيير الأجهزة
لتواكب الجديد، ونحن كذلك نحتاج أن تعود صلاحيات المركز إليه مرة أخرى، وان
يصبح مثل أي مركز سينمائي في العالم، حتى نحقق أملنا في إنشاء أرشيف قومي
ومتحف للسينما وأيضا السينماتيك.
·
من يتحمل أخطاء أعباء سنوات
طويلة من أجل مشروع الأرشيف القومي للسينما وما صاحبه من ضياع لأفلام تمثل
ركيزة أساسية في مشوار السينما المصرية؟
تعودت ألا أتحدث عن أخطاء الماضي سواء كنت أنا أو غيري قام بها، لأنه في
الآخر هناك واقع لحظي يفرض شروط معينه على رقاب الجميع، وبالتالي ومن خلال
هذا الواقع علينا أن نتحرك ونقوم بعمل أرشيف، ولا داعي للبكاء على اللبن
المسكوب لأن كل هذا لن يغير من الأمر شيء، وضرورة وجود الأرشيف هدف قومي
يتوجب تكاتف لا تناحر الجميع.
·
حتى بعد أن أصبحت ملكية الأفلام
لدى بعض المحطات الفضائية.
نعم لأنه لا يعني ذلك شيئا، وفي أي لحظة ننتهي من عمل الأرشيف سيصبح من
السهل جدا الحصول علي نيجاتيف الأفلام الموجود لدى الشركات والمحطات
المالكة له، وفي اعتقادي أنها ستعطينا هذه الأعمال مجانا.
·
ولماذا تعطيك نيجاتيف الأفلام
مجانا بعد أن دفعت فيه الملايين؟
لأن آلية صناعة السينما في العالم العربي تعتمد بشكل أساسي علي السينما
المصرية، وهذه المحطات تملك قنوات لعرض الأفلام أي ساعات إرسال وهي تحتاج
إلى أفلام، والمصنع الوحيد الذي يضخ هذه الأفلام هو مصنع السينما المصرية،
لأن السينما في سوريا أو المغرب العربي إجمالي إنتاجها في العام عشرة
أعمال، ولكن السينما المصرية تنتج 40 فيلما سنويا.
وبالتالي تعتبر هي المصنع الحقيقي لهذا المنتج، ومن ثم لن تخسر هذه المحطات
علاقتها الإستراتيجية بصناعة السينما المصرية من أجل البحث عن أمجاد هي
أصلا لا تريدها، وإذا حدث في الأمر شيء للإعاقة فهناك القوانين التي يمكن
إصدارها لتقف حائط صد لن تستطيع المحطات تجاوزه، وهي أصلا لا تريد لهذه
العلاقة أن تفسد من الأساس، وكل ما أثير حول هذه النقطة أعتبره مجرد زوبعة
في فنجان.
·
كيف ترى المطبخ السينمائي في مصر
حاليا؟
أرى أنه يسير نحو الأفضل، فهناك تنوع في الإنتاج ووجود الفكر والأفلام
الاستهلاكية أمر مطلوب، وأي صناعة في العالم يوجد بها تنوع في المنتج،
وسنويا مثلا هناك 20 فيلما عالميا مهما والباقي تجاري أو استهلاكي، إذا
عندما يكون رصيد السينما المصرية سنويا 40 فيلما منهم 3 أو 4 مهمين، أعتبر
هذا شيئا جميلا ومطلوب ومع الوقت نحن بصدد تجويد المنتج، وهذا العام وبعده
رصيد الأفلام المهمة في ازدياد وهذا مؤشر يعطي ملمحا على تطور الصناعة في
مصر وتوجهها الإيجابي بعد دخول وزارة الثقافة في دعم الأعمال السينمائية.
·
وماذا عن قرصنة الأفلام التي
تعاني منها السينما المصرية؟
المسؤول عن ذلك غرفة صناعة السينما وقوانين الملكية الفكرية، والقرصنة
موجودة في العالم كله ولكن لابد من وضع آلية للحد منها، والسوق المصري لا
يزال يعاني من فوضى قرصنة الشوارع والإنترنت، ومهما عملت من قوانين الفيصل
في رأيي أخلاقيات البشر، لأنه يمكننا وضع 200 إشارة مرور لكن لو كان هناك
شخص لديه الرغبة في كسرها سيقوم بذلك، وسيدفع غرامات دون إحساس بالجريمة
التي يرتكبها.
·
هل لديك خطط لترميمات أفلام أخرى
بعد ترميم فيلم المومياء؟
بدأت فكرة ترميم المومياء في عام 2006، عندما كان على أبو شادي يدير
المركز، واستمر العمل على هذا المشروع بعد وجودي مع مؤسسة المخرج العالمي
مارتن سكورسيزي، واتفقت معه بشكل مباشر أن نقوم سنويا بعمل ترميم لفيلم مهم
من تراث السينما المصرية ورحب بذلك كثيرا، وجاري ترميم ثلاثة أعمال من
أفلام نجيب محفوظ احتفاء بمئويته في عام 2011.
·
وما أفكارك لتطوير وتحديث المركز
القومي للسينما؟
التطوير يدور في عدة محاور فمثلا بالنسبة لمركز الثقافة السينمائية يجري
تطويره وتحديثه لجعله مركزا دوليا يضمن لأي باحث الحصول على المعلومات
بسهولة، وبأعلى التقنيات الفنية مع السرعة وضمان المعلومات الصحيحة.
وسوف يتم إصدار مطبوعتين سينمائيتين الأولى كتاب نصف سنوي يحتوي علي
الأبحاث العلمية للسينما المصرية يشارك في إعداده نخبة من كبار المثقفين
والمهتمين بالحركة السينمائية، والثانية كتاب سنوي يتضمن كل تفاصيل ومفردات
صناعة السينما بداية من دور العرض إلى المعامل وصناعة الفيلم نفسه حتى
شركات الإنتاج ليصبح هذا الكتاب السنوي يماثل إلى حد كبير الكتاب السنوي
الذي يصدره مركز السينما الفرنسي.
البيان الإماراتية في
28/10/2009 |