حصل الفيلم الروائي التونسي «باسترادو» للمخرج نجيب بلقاضي على
الجائزة الكبرى لمهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الابيض
المتوسط الذي انهى فعالياته اول امس.
يسرد باسترادو والتي تعني الرجل اللقيط ،حكاية صعود رجل، عثر عليه
صدفة وهو طفل وليد ، ليخوض صراعه الخاص في بيئة شديدة الفقر والعنف
والقسوة، حيث تتشابك فيها علاقاته مع افراد وجماعات في مناخات
تهيمن عليها صنوف من معاناة التسلط وعذابات التهميش والتشرد على
خلفية من البؤس الاجتماعي.
وينطلق الفيلم من اشتغالات سينمائية تنهل من جماليات الفقر بحيث
تمنح العمل سمات جديدة في الفيلم التونسي من النادر ان قدمتها
اعمال سابقة حيث ينطوي على عوالم مفعمة بالتناقضات المليئة
بالايحاءات البليغة تجاه تحولات اجتماعية تزخر بالهموم والطمو حات
المشرعة على رغبات إنسانية بالانعتاق والانطلاق في الحياة.
ويمزج صاحب فيلم «كحلوشة» بسلاسة بين ما هو سائد في تفاصيل الحياة
اليومية وما هو مستمد من مخيلة رحبة تعناق تلك الواقعية السحرية
المشهودة في السينما اللاتينية حيث تبدو ادارة ممثليه المحكمة
بالتفاصيل في الازياء والماكياج وتعابيرهم الموحشة برع المخرج في
تصوريرهم داخل ركام من النفايات والامراض والسلوكيات الشديدة
القسوة والوحشية التي تغمر الشاشة بالدماء، لدى تصويره الصدام
المتفجر بين قوى اجتماعية لا يطيب لها اندفاع هذا اللقيط الى سدة
القرية بعد ان اصاب بتجارة الهواتف المحمولة احاسيس اغلبية اهالي
القرية وهو الامر الذي هدد اطماع القوى المتنافسة.
يزخر الفيلم بذلك التنوع في رسم الشخصيات ومساراتهم الدرامية التي
تحفل بمعالجة ذات مفردات سينمائية وجمالية اثيرة تبدو فيها عناصر
التوظيف الذكية للإضاءة وتكوينات زوايا الكاميرا وهي تقتنص رعاشات
القرية وقاطنيها امام اشكال من التحديات والمواجهات لبلوغ الهيمنة
وفرض التسلط على الاهالي غاب عنهم الاحساس بطعم الحياة أو حقهم في
عيش ينهض على القناعة والتواصل والتعاضد بدلا عن مرارات الفساد
والعذاب اليومي في بث الخراب واشاعة السرقة والقتل وانعدام
الاخلاق.
ونال الفيلم المغربي (سرير الأسرار) للمخرج المغربي جيلالي فرحاتي
جائزة لجنة التحكيم للفيلم الطويـل، عن انكسار الحياة لفتاة
وموضوعه مستمد عن عمل روائي مغربي لبشير الدامون، وفاز فيلم
(فلسطين ستيريو) للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي بجائزة حقوق
الإنسان للدورة.
وذهبت جائزة الأفلام القصيرة إلى فيلم (وجوه) للمخرج الإيطالي
أنطونيو ديبالو في حين فاز فيلم (نخلة واشنطونيا) للمخرجة
اليونانية كونستانتينا كوتسماني بجائزة لجنة تحكيم الأفلام
القصيرة.
وفاز الفيلم الوثائقي (عالم ليس لنا) للمخرج الفلسطيني مهدي فليفل
بجائزة الدورة للأفلام الوثائقية.
وتقاسم فيلمي (دعاء.. عزيزة) للمخرج المصري سعد هنداوي و(رجل سيء
في مواجهة متفوقين زائفين) للمخرج الايطالي أنجيلو كابرينا جائزة
لجنة التحكيم لمسابقة الأفلام الوثائقية.
وتنوعت برامج وفعاليات المهرجان الذي احتفل بدورته العشرين بالحرص
على تقديم احدث انجازات السينما العربية والاوروبية الى جوار تلك
الحلقات والندوات التي تتعلق باثراء الثقافة السينمائية او تكريم
قامات رفيعة في السينما المغربية والعربية والاسبانية.
ومن بين العروض اللافتة هناك اكثر من عمل فالسينما المغربية التي
تشارك بالمسابقة الرسمية بثلاثة افلام روائية جميعها نالت قسطا
وفيرا من المتابعة والجدل وهي: «هم الكلاب» لهشام العسيري عن
السنوات الصعبة التي عاشها سجين سياسي قبل ان يطلق سراحه حديثا ،
بالاضافة الى فيلم «حمى» الدي تسري احداثه في اوروبا حول احدى
العائلات المغربية المهاجرة هناك وتساؤلات النشء الجديد عن هويتهم
ومصيرهم.
وكان هناك الفيلم الايطالي العراقي المشترك «مطر وشيك» لحيدر رشيد
الذي ناقش بجرأة قصته الانسانية حول معاناة الهجرة والهوية، مثلما
جرى عرض جملة من الافلام الروائية القصيرة والتسجيلية المتفاوتة
الطول والمليئة بمفردات بصرية ومعالجات فكرية عميقة.
كما جرى عرض الفيلمين الروائيين المصريين «اوضة الفئران» اخراج
جماعي و»واحد صحيح» لهادي الباجوري الى جوار فيلم تسجيلي طويل
للمخرج احمد حسونة وفيلم قصير للمخرجة نسرين الزيات بعنوان «عنبر
6» وفيه توثق لاحاسيس ومشاعر فتاتين من مصر واجهتا السجن قبل ثورة
يناير.
ومن اسبانيا حضر الفيلم الروائي الطويل «صلة الرحم» الدي برزت فيه
قدرات مخرجته ليليانا توريس وهي تصور ببوح وحميمية مناخات في علاقة
المخرجة مع العديد من افراد اسرتها حيث يزخر باشكال من الرؤى
والافكار تجاه الارتقاء بالمصير في محيط عائلي يكبح جماع انطلاقة
بطلته نحو عالم تبغي الانسياق تجاهه بشغف.
واحتفى المهرجان بصدور العدد الجديد من مجلة «وشمة» المتخصصة
بالنقد السينمائي وتصدر بثلاث لغات ويشارك في كتابتها نقاد عرب ومن
اوروبا واعتبرت لدى عشاق السينما بأنها ذاكرة المهرجان حيث جرى
تقديم شهادات لنقاد من الاردن والمغرب وتونس والجزائر واسبانيا
وفرنسا عاينوا فيها اهمية المجلة في ظل انحسار هده النوعية من
الاصدارات ، واحتفى المهرجان بمسيرة المخرج السوري محمد ملص مثلما
كرم الممثل المغربي صلاح الدين بنموسى احد ابرز مؤدي الادوار
الكوميدية في السينما المغربية حيث اشار الى اهمية الفيلم الدي
يتكيء على المفارقات والسخرية تجاه الواقع بيد ان غياب النصوص يظل
معضلة تواجه هدا النوع من الافلام التي رأى انها تعمل على تأصيل
صناعة الافلام ويجعلها قريبة من الناس العاديين والبسطاء.
على صعيد اخر ناقش اكاديميون وخبراء تربية ونقاد سينمائيون اهمية
الثقافة السينمائية في المناهج الدراسية بعد ان غدت الصورة تحتل
مكانة لافتة في المجتمعات الانسانية.
وبينوا في ندوة السينما والمدرسة التي عقدت أول أمس الجمعة ضمن
فعاليات مهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الابيض المتوسط
الدور الذي باتت تنهض به المواد السمعية البصرية والافلام القصيرة
والطويلة بشقيها التوثيقي والدرامي في تفاصيل الحياة اليومية لسائر
الثقافات الانسانية مثلما هي وسيلة تعبير عن الام وامال وتطلعات
الافراد والجماعات بمنأى عن الحدود والفواصل بينهم.
واشاروا الى الى ان ثقافة الافلام عملت على تطوير الحس النقدي
وتنمية الذائقة الجمالية لدى جيل المستقبل ودعوا الى تعزيز ثقافة
وحضور الافلام في المدرسة وتنشيط قدراتهم في انجازات فيلمية تحكي
قصصهم وحكاياتهم المستمدة من بيئتهم ومخيلتهم باساليبهم الخاصة في
ظل توفر وسائل التواصل المجتمعي الحديثة.
واكدوا ان السينما والمدرسة يواجهان ازمة ومعوقات كثيرة سواء في
فهم وظيفة ودور الفيلم في المجتمع او في امكانيات وخبرات القائمين
على البرامج والنشاطات المدرسية وضرورة تمتعهم بالخبرة والوعي في
تطوير وتنويع وسائل التعليم داخل اسوار المدرسة.
ورأوا ان السينما التي باتت تعرض نماذج من اشتغالاتها المتباينة
طوال اليوم عبر الشاشة التلفزيونية ما زال باستطاعاتها ان تسهم على
قدر واع من المسؤولية والشرط الابداعي في بث الوعي والفهم الايجابي
للغة الصورة كمعرفة جديدة مشرعة على نبض الواقع خاصة اذا جرى تدعيم
مثل هدا النوع من البرامج بحلقات ومحاور تتعلق بفنون مشاهدة
الافلام واقامة حوار مفتوح مع التلاميذ واطلاعهم على وجهة نظر صناع
تلك الافلام مباشرة. |