باستحواذ «كابتن أميركا: جندي الشتاء» على قرابة 95 مليون دولار في
أسبوع عرضه الأميركي الأول، وأكثر من 120 مليون دولار حول العالم
من بينها 35 مليون دولار من السوق الصينية، يعاود بطل تم تأسيسه
سنة 1941 في مجلة الكوميكس الشعبية «مارفل» من تأليف جو سايمون
وجاك كيربي، حمل رسالته في الدفاع عن الحرية والديمقراطية ليواجه
العالم الذي كان. فوقت ولادة هذا السوبر هيرو، كانت الولايات
المتحدة قد أصبحت طرفا في الحرب العالمية الثانية، فالقوات
اليابانية هاجمت أهدافا أميركية في المحيط الباسيفيكي. صحيح أن
اشتراكها القتالي حدث لاحقا، لكن الولايات المتحدة كانت أخذت، منذ
عام 1939، توفير المعونات المالية والاقتصادية لقوات الحلفاء، وفي
سنة 1940 عندما احتلّت القوات النازية فرنسا رفعت الولايات المتحدة
قدراتها القتالية، حتى إذا ما حل عام 1941 أدركت واشنطن أن الوقت
حان للدخول في حرب مفتوحة على الجبهتين الآسيوية والأوروبية.
في مثل هذه الظروف ولد «كابتن أميركا»، وبل وولد جيل كبير من
الأفلام المناوئة لليابانيين وللألمان، كثير منها من إنتاج رخيص
الكلفة موجّه مباشرة إلى الجمهور الذي لا يطلب أي قدرة من الزركشة
الفنية للمضامين. يكفي أن تكون معبّرة عن موقف وطني خالص وبأسلوب
تشويقي يستطيع معه متابعته بعيدا عن التحليل. شركة «ريبابلك» كانت
واحدة من تلك الشركات الصغيرة التي لا تقوى على تحمّل أعباء
وتكاليف إنتاجات أعلى من المستوى الأدنى للاستوديوهات الكبيرة مثل
«يونيفرسال» و«باراماونت» أو «MGM».
وهي انطلقت بسلسلة أفلامها من الوسترن والبوليسي والمسلسلات
السينمائية القصيرة (serials)
من عام 1935 إلى عام 1959 عندما توقّفت لأن المتغيّرات الإنتاجية
في هوليوود أصبحت من الحداثة بحيث لم تعد الشركة المذكورة قادرة
على مجاراتها وتحقيق عوائد مالية من إنتاجاتها. وكانت سبقتها في
التوقّف شركات أخرى من الحجم ذاته ألّفت ما أطلق عليه «شركات صف
الفقر».
ما بين أكثر من 100 فيلم ومسلسل قصير أنتجتها شركة «ريبابلك» بين
هذين التاريخين، كانت لها أسبقية نقل الاقتباس السينمائي الأول
لـ«كابتن أميركا». حدث ذلك سنة 1944 عندما استخلص كتّابها حلقات
مسلسلة منشورة في مجلة «مارفل» وحوّلوها إلى مسلسل من خمس عشرة
حلقة تُعرض على منوال أسبوعي مدّة كل منها نحو ربع ساعة (الحلقة
الأولى، كما في معظم المسلسلات الشبيهة الأخرى، كانت من نحو 25
دقيقة). جون إنغليش، أحد قدامى المخرجين الهوليووديين، حقق هذا
الفيلم مع إلمر كليفتون وديك بورسل، ولعب شخصية كابتن أميركا الذي
لم يكن، حسب الحكاية المرسومة، سوى شاب ضعيف البنية حاول الالتحاق
بالقوّات الأميركية المتوجّهة إلى حرب وشيكة لكن هزاله منعه. هذا
ما جعله يوافق على شرب محلول كيميائي يقلب ضعفه قوّة ويجعله
متمتّعا بقدرات «سوبرمانية» يستطيع بها مواجهة الأعداء في الداخل
والخارج.
«كابتن أميركا» حارب الأعداء مرّة أخرى في فيلمين تلفزيونيين في
الثمانينات، ثم انقطع طويلا بينما احتل فضاء أفلام الكوميكس باتمان
وسوبرمان وسبايدرمان و«رجال إكس». سنة 2011 انطلق من جديد مستفيدا
من التقدم التقني الذي يتيح لمثل هذه الأفلام حضورا مفعما بالإثارة
ومنضمّا إلى أبطال القدرات الخارقة. قبل عامين شاهدنا «كابتن
أميركا» (دائما من تشخيص الممثل كريس إيفانز) كواحد من مجموعة
«المنتقمون» لجانب آيرون مان (روبرت داوني جونيور) و«ذا هالك»
(مارك روفالو) و«بلاك ويدو» (سكارلت جوهانسون). بعد هذين النجاحين
إذن، يطل الفيلم الثاني لـ«كابتن أميركا» كبطل منفرد باحثا عن دور
أكبر له في الحياة على الشاشة.
الفيلم الجديد يستند إلى صورة مختلفة من «السوبر هيرو». إنه الوحيد
الذي يقاتل أعداء ما زالوا، منذ الحرب العالمية الثانية، يحاولون
النيل من الولايات المتحدة.
للإيضاح، فإن حرب «سوبرمان» مع قوى فضائية مثله. هذه القوى لها
مصالح لتقويض كل الأرض وليس الولايات المتحدة وحدها. صراع «باتمان»
ضد قوى ظلام وعصابات منظّمة أميركية تعمل لحسابها الخاص وليست
مرتبطة بقوى خارجية. «سبايدرمان» سجال بين رجل ضد الجريمة ومخلوق
صنعه العلم ولم يستطع بعد ذلك كبح جماحه.
«كابتن أميركا: جندي الشتاء» يحمل قضيتين سياسيتين: من ناحية لا
يزال يتعامل والقوى الخارجية التي تهدد الحياة الأميركية ونظامها
الاجتماعي والسياسي، ومن ناحية أخرى يلقي نظرة فاحصة على مسارات
الوضع الداخلي لناحية إمكانية نشوء نظام فاشي. وفي هذا الشأن
الأخير، يواجه «كابتن أميركا» منظمة «شيلد» (S.H.I.E.L.D)
التي ينتمي لها، فهي تزمع نشر شبكة جوّية من الطائرات الحديثة
تستطيع أن تستبق أي محاولة إجرامية قد تقع وتجابهها بقوّة نارية
مدمّرة.
ومع أن الشبكة تغطّـي العالم كله، فإن النبض الأميركي محسوب هنا،
وعليه فإن «كابتن أميركا» له رأي مخالف إذ يقول: «تشهر مسدسا فوق
كل شخص على الأرض وتقول إن ذلك للحماية؟ هذا ليس حريّة، هذا خوف».
والخوف لعب في الحياتين السياسية والسينمائية دورا بارزا في تسيير
حركة الشعوب. حين تحرّكت هوليوود في أواخر الثلاثينات للتحذير من
النازية كان الوازع هو التخويف من فرضية وجود عناصر إرهابية نازية،
ويتضح ذلك عبر أفلام عديدة من بينها «شيفرة سرية» و«السفاحون أيضا
يموتون» و«كنت جاسوسا نازيا» و«قطار ليلي إلى ميونيخ» من بين عشرات
أخرى. حين انتهت الحرب العالمية الثانية وأدركت الولايات المتحدة
أن عليها أن تحسب للخطر الشيوعي المتمثّل في الاتحاد السوفياتي،
أنتجت العديد أيضا من الأفلام المناهضة للشيوعية، منها «كنت شيوعيا
لحساب إف بي آي» و«اليد ذات السوط» و«غزاة ناهشو الجسد» و«الجاسوس
المعادي يلتقي وسكوتلانديارد».
الخوف من العرب سطع في أفلام السبعينات والثمانينات: هم أغنياء
يريدون السيطرة على الإعلام الأميركي («نتوورك») أو يخططون لضرب
الاقتصاد الأميركي («تقلّـب») أو إرهابيون يريدون قتل مئات الألوف
من الأميركيين («الأحد الدامي») وقس على ذلك العديد من الأفلام.
طبعا لم تولد تلك المخاوف من العدم. كانت هناك محاولات نازية
لاختراق النظام الأميركي، ولاحقا محاولة شيوعية للغاية نفسها،
ووفّرت منظّمات مختلفة (بعضها عربي) المادة الخيالية لصنع أفلام
مثل «الأحد الدامي» أو «مؤامرة عربية» أو «نافي سيلز» أو سواها.
«كابتن أميركا: جندي الشتاء» يحاول العودة أيضا إلى سينما
السبعينات، العقد الفريد لأفلام التشويق السياسي، لذلك ضم إليه
الممثل روبرت ردفورد الذي كان لعب بطولة «ثلاثة أيام من
الكوندور».. ذلك الفيلم دار في رحى أن العدو الحقيقي قد يكون في
صميم النظام ذاته. لكن هذا البعد يتراءى بين وميض مشاهد القتال
التي تخفي، في هذا الفيلم، ضعف الجانب الإنساني من الفيلم بأسره.
* سوبر هيروز
* لجانب شخصيات سوبرمان وباتمان وكابتن أميركا وسبايدر مان، عرفت
السينما، نقلا عن روايات الكوميكس الشعبية، شخصيات عديدة عليها
الانتقال من حالة بشرية طبيعية إلى شخصية خارقة القوى. من هذه
«الشبح» (The Phantom)
و«الظل» و«سوبر غيرل» و«ذا فلاش» و«العفريت» (Daredevil)
و«ذا هالك» و«شازام» و«آيرون مان» و«كوماندو كودي».
شاشة الناقد
بحر من برغمان
* الفيلم:
Persona
* إخراج: إنغمار برغمان (1966)
* تقييم الناقد: (*3)
* إعادة إطلاق فيلم المخرج السويدي إنغمار برغمان «برسونا» على
أسطوانات هذا الأسبوع فرصة لقراءة فيلم متعدد الحكايات ضمن الحكاية
الواحدة. كان «برسونا» (1966) الفيلم الثاني عشر للمخرج إنغمار
برغمان. وكان أيضا التعاون الكامل السادس بينه وبين مدير التصوير
الفذ سفن نيكفست وهو لجأ إلى ممثلتين مفضّلتين عنده وجمعهما معا
وهما ليف أولمن وبيبي أندرسن.
هذا الفيلم من «أصعب» أفلام المخرج تحليلا، ويعمل على عدة مستويات.
هو يُقبل كحكاية ممثلة لجأت للصمت الكامل لتفهم حياتها، وممرضة تجد
الوقت للإفصاح عن حياتها لشريك صامت. المرأتان تلتقيان في تشابه
نفسي معيّن (المستوى الثاني) مما يوحي بأنهما في الواقع امرأة
واحدة في حياتين تبدوان مختلفتين. ومن هنا يطرح المخرج مستوى ثالثا
عبارة عما تعنيه كل رموز الفيلم بدءا من حالة الصمت إلى موقع
الأحداث، ودخولا في تلك التفاصيل الدقيقة العاكسة للمتاهات النفسية
ولعذابات الضمير على أكثر من نحو. هو أيضا فيلم شعري ممتزج بلون
تجريبي خاص من دون التخلي عن عنصر الدراسة النفسية الذي ميّز
الكثير من أفلام برغمان حينها. وهو عمل آسر في كل استخداماته
وعناصره جميعا: اختيارات المخرج السويدي من الأداءات، من الحوارات،
من اللقطات، من حجم اللقطات، من زوايا اللقطات، من التوقيت الذي
يختاره للانتقال من صورة إلى أخرى.
تبدأ القصة عندما يتم نقل الممثلة إليزابيث فوغلر (أولمن) إلى
المستشفى بعدما أصيبت بعارض غامض. هناك على خشبة المسرح وبينما
كانت تمثّل «إلكترا» تقرر أن تصمت فتفعل. الممرضة ألما (أندرسون)
هي من ستعتني بها وستطلب منها إدارة المستشفى نقلها إلى منزل على
ساحل البحر ورعايتها هناك. باقي الفيلم عن تجاذب هاتين الشخصيتين
ورجوعهما في الذاكرة إلى أحداث ما زالت تقلق حياتهما الحاضرة.
إليزابيث ستستمع فقط (والفيلم سينتهي من دون أن تنطق كلمة واحدة)
لكنها ستعايش أكثر مما لو حكت. إلما هي التي ستتلو شذرات من
تاريخها فاتحة نوافذ إلى الماضي، فإذا بها مراجعة لما يؤنب ضميرها
ويقلقها ويجعلها إنسانا أقل ثقة مما كانت تبدو في مطلع الفيلم.
نقاط الخلاف بين الشخصيّتين كما نقاط اللقاء تشترك معا في تعزيز
قراءة أن كليهما ربما شخص واحد.
في الحقيقة عندما تعود الكاميرا إلى غرفة إليزابيث في المستشفى
يكون ذلك الإدراك قد تطور: ربما هي لم تترك الغرفة. ها هي ما زالت
وحيدة في غرفة مستطيلة وغير مبهجة. تنظر مرعوبة إلى مشهد في نشرة
أخبار تلفزيونية لبوذي يحرق نفسه ثم تلجأ إلى النوم. تدخل ألما
عليها وهي ما زالت مستلقية. تبدو إليزابيث أضعف من ذي قبل.
بالتالي، ربما لم تغادر المستشفى، وأن ما شاهدناه سلسلة انعكاسات
نفسية وعاطفية عايشتها بإيحاء من وجود الممرضة لكن ليس معها.
الرائع أن هذا الإدراك لا يزال أحد الاحتمالات، فبالقوة ذاتها يبقى
الاحتمال أن ما رأيناه هو ما حدث بالفعل وليس في البال خصوصا أنه
مزود بتفاصيل تؤهل الحكاية للوقوع.
Top Ten
نجاحان لديزني
* لم يستمر وجود فيلم «نوح» (باراماونت) على سدة الأفلام الأميركية
سوى لأسبوع واحد نزح بعده إلى المركز الثاني بعدما جمع «كابتن
أميركا: جندي الشتاء» أكثر من 95 مليون دولار سريعة.
وجود «كابتن أميركا» طرد «300: صعود إمبراطورية» (وورنر) من
القائمة، فهو كان في المرتبة التاسعة في الأسبوع الماضي قبل أن يجد
نفسه خارج اللائحة بعدما جمع 104 ملايين دولار لا تكفي لصعود فكرة
تقديم جزء ثالث عما قريب. «كابتن أميركا» ليس الفوز الوحيد لشركة
«ديزني» حاليا. هي الآن في ذروة الاحتفال بما جمعه فيلمها الجديد
الآخر «متجمّد» (Frozen)
من إيرادات عالمية، معلنة أن فيلمها هذا جمع حتى الآن مليارا و720
ألف دولار، وهو لا يزال منطلقا بقوّة في الأسواق العالمية. هذا
الرقم هو أعلى إيراد يسجله فيلم أنيميشن في التاريخ.
* الأفلام
* 1 (-)
Captain America 2: 95.023.721 (*3)
* 2 (1)
Noah: $16.945.744 (*3)
* 3 (2)
Divergent: $12.976.413 (*2)
* 4 (3)
Muppets Most Wanted: $7.762.603 (*3)
* 5 (6)
The Grand Budapest Hotel: $6.115.230 (*3)
* 6 (4)
Mr. Peabody
&
Sherman: $6.114.240 (*2)
* 7 (7)
Sabotage: $1.999.758 (*2)
* 8 (5)
God is Not Dead: $1.806.486 (*1)
* 9 (8)
Need for Speed: $1.707.160 (*2)
* 10 (10)
Non-Stop: $1.693.330 (*3)
سنوات السينما: 1942
حكايات كازابلانكا
* كثيرة هي الحكايات التي دارت حول فيلم «كازابلانكا»: عن ظروف
إنتاجه، عن المخرجين الذين تناوبوا على المشروع قبل أن يؤول إلى
مايكل كورتيز، حول كيف رفض الممثل جورج رافت الدور وقبل به همفري
بوغارت فإذا به الدور الذي عزز به نجوميّته، وكذلك عن السيناريو
الذي كانت كتابته تتم خلال التصوير، وعن النهاية التي تم تغييرها
أكثر من مرة.
على الرغم من حسنات مؤكدة في الفيلم فإن «كازابلانكا» من تلك
الأفلام التي تنعمت بتقدير أعلى مما تستحق. عرض الفيلم في نيويورك
سنة 1942، لكن عرضه تأخر في لوس أنجليس حتى ربيع العام التالي
(1943)، مما ضمّه إلى سباق الأوسكار سنة 1944 وليس سنة 1943 كما
كان متوقّعا.
المشهد
في النقد وأزمته
* هناك الكثير من المقالات النقدية في مجال السينما (كما في أي
مجال آخر) على الإنترنت وفي الصحف والمجلات. لكن هل هناك حشد كبير
من القرّاء؟ حتى لا نذهب بالظن بعيدا ونطلق الأحكام، يجب أن نعترف
أولا بأن قراء النقد السينمائي، بالقياس مع قراء الأخبار
السينمائية الخفيفة، هم قلة. بل إن قراء المواد الثقافية والأدبية
بأسرها هم أقل من قراء صفحة رياضية واحدة أو موقع فضائحي على
الإنترنت ليوم واحد. وهذا ليس في عالمنا فقط، بل حولنا شرقا وغربا
وفي كل اتجاه.
لكن النقاش حول النقد السينمائي وأزمته حاضر بحدّة منذ سنوات
قريبة، خصوصا بعد أن أصبح الإنترنت هو القراءة الأكثر شيوعا بين
الناس. تريد أن تعرف رأي ناقد ما حيال فيلم مثل «كابتن أميركا» أو
«أميركان هاسل»، هناك مواقع تعطيك آراء عشرات النقاد. اختر منهم من
تشاء. السؤال العويص هو: هل هؤلاء جميعا نقاد كما يدّعون أم أنهم
أشخاص يكتبون انطباعاتهم الشخصية ويهللون ويصفّقون مثلهم في ذلك
مثل مروجي الأفلام التي يكتبون عنها؟
هل هي نعمة أم نقمة أن أصبح هناك نقد على الإنترنت؟ الجواب عن هذا
السؤال أسهل، لأن بعض نقاد الصحف المطبوعة، التي لا تزال ذات
القيمة الأعلى بين الوسيلتين، ينشرون أو تُنشر مقالاتهم على مواقع
تلك الصحف أو في سواها. لذلك القيمة ما زالت متوافرة. ما هو شائك
هنا هو أنه مع شيوع النقد (على طريقة كل واحد صار ناقدا) فإن
القيمة الأدبية والفنية والمهنية للنقد المطبوع صارت موازية، في
مدى تأثيرها، لتلك المكتوبة سريعا على مواقع الإنترنت. في البداية،
كان التأثير أقوى: القارئ يتابع النقد السينمائي والآراء النقدية
في بعض الصحف ويستخلص، وأحدها يترك تأثيرا. الآن بات يقرأ - إذا ما
أراد - العشرات منها ويجد نفسه إزاء كتابات انطباعية واستنتاجية
سهلة لا تترك تأثيرا كبيرا. في هذا الخضم، تخفق المقالات النقدية
الصحافية في التميّز إلا عند أولئك الذين يدركون الفارق أو يتابعون
الناقد المعيّن منذ أن كانت الصحافة كلها مطبوعة.
عربيا، نطالع كل يوم رأيا في فيلم. لكن هذه الآراء إذا ما صلحت ما
زالت تسير على هدى الفوضى الناشئة عن شيوع النقد كحالة تعبير سياسي
وثقافي وليس كتخصص سينمائي في المقام الأول. كثيرون يكتبون ويكتبون
كثيرا ومطولا. تقرأ في ما يكتبونه فتجد أن الفيلم المختار اختير
لأنه يصلح لأن يعكس رأيا سياسيا فيه. تلك الأخرى، مهمة أو غير
مهمة، لا تجد من يتابعها.
هذا ينتج عنه المزيد من التباعد بين القراء والنقد السينمائي. كم
واحدا في عواصم العرب (أو حتى في سواها) يريد أن يمضي نحو ثلاثة
أرباع الساعة لقراءة ألفي كلمة مكتوبة عن فيلم كان يمكن اختصار
الكتابة عنه إلى 500 كلمة موجزة وتصيب الهدف ذاته؟ هذا ليس نتيجة
كسل القراء بالضرورة، بل نتيجة عدم وجود منهج نقدي صحيح وتعدد
أصحاب الآراء الذين أتيح لهم النشر في الصحف أو على المواقع.
والنقد غير الرأي، فكل واحد فوق سن السادسة عشرة يكوّن رأيا. هذا
سهل. النقد هو حياة في عمق الفيلم لا تتم إلا بالمعرفة وبالاستناد
إلى معلومات وثيقة في كيفية صنع الفيلم وفي كل جوانب هذه الصناعة.
هذا يقود إلى المشكلة التالية: عزوف معظم الصحف عن تخصيص صفحات
سينمائية أسبوعية يسهم في إشاعة هذه الفوضى. فالقارئ يحب أن يعرف
أنه في يوم معيّن من الأسبوع هناك صفحة سينمائية تظهر في هذه
الصحيفة أو المجلة أو تلك، وأن هناك ناقدا معيّنا يكتب فيها. إذا
ما أعجبه تابعه. إن لم يعجبه بحث عن ناقد آخر وهذا حقّه الطبيعي. |