أفضل 10 أفلام في سينما 2013.. (ملف خاص)
كتب: محمد المصري
«لم يكن عاماً سينمائياً ممتازاً من ناحية الكم، ولكن به عدد من
الأفلام التي ستعيش طويلاً».. الناقد السينمائي بيتر ترافيرز عن
عام 2013
في إحدى المرَّات، سُئِلَ المخرج ألفريد هيتشكوك عن مسيرته
الطويلة، وعما يشعره اتجاه تقديمه ما يزيد عن الخمسين فيلماً، أجاب
بأنه «أحياناً ما يشعر بالأسف»، لأن الأعمال التي سيتذكرها الناس
لن تتجاوز الـ25، و«الأفلام التي ستعيش هي الأمر الوحيد الهام
والمُحْتَسَب».
أغلب النقاد اتفقوا في أن عام 2013 السينمائي كان أقل من سابقه،
وأن عدد الأعمال المهمة كان قليلاً بالفعل، ولكن الملحوظة الأدق هي
التي ذكرها «ترافيرز»، أنه من ناحية الكيف.. فهناك عدداً من
الأفلام العظيمة هذا العام، «ستعيش طويلاً» حسب تعبير، وستتحول إلى
كلاسيكيات لاحقاً، ومنها تحديداً يكتسب العام قيمته وأهميته، وربما
يذكر بعد سنوات طويلة أكثر من سابقيه، لأنه حمل أفلام تعيش لوقتٍ
أطول، و«هي الأمر الوحيد الهام والمُحْتَسَب».
ذِكر خاص:
الفيلم التسجيلي
The Act of Killing،
تم وصفه عند عرضه بأنه «من الأفلام التي تعيد تشكيل معنى السينما»،
بدأ بمحاوله مخرجيه تتبع المجازر التي ارتكبت في حق المواطنين
بأندونسيا بحجة تطهير البلاد من الشيوعيين عام 1965، وأدت لقتلِ ما
يقارب المليون شخص، صناع الفيلم فكروا في البداية بتصويره من وجهة
نظر الضحايا، ولكن التضييق والخوف الذي لم ينتهِ رغم مرور 5 عقود
منع الأغلبية من التحدث، فقرروا تنفيذه بشكلٍ مخالف، من وجهه نظر
«القتلة» الذين اشتركوا في تلك المجازر، و«إعادة تمثيل فِعل القتل»
من خلال عملهم، ليقدموا تأريخاً مختلفاً لما حدث، وتعريفاً جديداً
لما يمكن أن تحققه السينما.
أفضل 10 أفلام في 2013:
(10)
Prisoners:
الفيلم الأول للمخرج الكندي «دينيس فيلنوف» في هوليوود هو عمل هام،
قصة عائلة أمريكية سعيدة تتغير حياتهم عند اختطاف ابنتهم الصغرى،
ليصبح السؤال عن إلى أي مدى قد يدفع الشقاء أشخاصاً عاديين لارتكاب
خطايا كبرى؟ يأخذ العمل من قصة النبي أيوب نصاً تحتياً يُبنى عليه
كل شيء، عن الاختبار الإلهي، ومقدار التحمُّل، وتعامل الناس مع
مصائب لا يعرفون سببها، وذلك من خلال مُعايشة حقيقية يحققها «فيلنوف»
لشخصيته الرئيسية خلال 7 أيام –وهو رقم ذو مدلول قوي في الموروث
الديني- ، ورغم ترنُّح الفيلم قليلاً في جانبه البوليسي ومحاولته
المرتبكة لصنع «نهاية مفاجئة»، إلا أن ثلثيه الأوليين يجعلانه من
أفضل أفلام العام.
(9)
The Hunt:
الفيلم الدنماركي الذي رشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، عن
مدرسٍ تتغير حياته رأساً على عقب عندما تتهمه طفلة صغيرة بأنه تحرش
بها، ليعاني من اضطهاد ونبذ البلدة كاملة، التون الهادئ الذي
استخدمه المخرج «توماس فينتربيرج» لسردِ قصته كان في الحقيقة شديد
القسوة، نحن لا نُشاهد هُنا مشاهد صدامية، أو أصوات عالية، أو
ملحمية متهم برئ، بقدر ما نتبع حياة رجل وهي تنهار تماماً بسبب
كذبة صدقها الجميع لأنها من طفلة! «الفيلم أشبة بالذبحِ بسكينٍ
بارد» كما وصفه أحد النقاد، خصوصاً مع الأداء الميّت/العظيم من
الممثل مادس ميكلسين.
(8) 12
Years a Slave:
هناك مشكلة كبيرة في هذا الفيلم تتعلق بالزمن، أننا نشاهد ساعتين
ونصف للأحدث، من المفترض أن تتناول 12 عاماً، دون أن نشعر فعلاً
بهذا الوقت وهو يَمُر، الشيء الوحيد فعلاً الذي أخرجه من تلك
الأزمة هو وجود مخرج بقيمة ستيف مكوين، أحد أفضل المخرجين خلال
السنواتِ الأخيرة، قدرته على أن يتناول أموراً حادة وعنيفة (إضراب
عن الطعام يؤدي للموت في
Hunger،
أو هوس مدمّر بالجنس في
Shame،
أو عنف وقسوة العبودية هنا)، أن يحكي عن أمورٍ كتلك، بشكل عميق
جداً، دون أن يحاول التأثير عاطفياً على المشاهد، كاميرا حياديَّة
وقاسية، كثيراً ما يصور لقطاته واسعة مثلاً، من بعيد أو من وراء
حواجز، يُحيّدك فعلاً بعيداً عن شخصياته، ولكن، بصورةٍ مُدهشة،
يكون ما يحدث ذو أثر قوي ومؤثر.
مشهد جلد «باتسي»، الذي يستمر على الشاشة لقرابة العشر دقائق، في
لقطةٍ واحدة، تتغير زواياها ومَنظورها ونِقاط التركيز فيها، بحدة
وضغط وقسوة، وبأثرٍ قوي دون اللعب على أوتار العاطفة عند المُشاهد،
هو بُرهان واضح على قيمة هذا الفيلم السينمائية.
(7)
The Broken Circle Breakdown:
الفيلم البلجيكي الذي نال ترشيحاً لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، واحد
من أكثر أفلام العام عاطفةً، متابعة –بتكنيك سرد متداخل بين
«فلاش-باك» و«فلاش-فوروورد»- لحياة زوجين منذ مرحلة تعارفهما،
وزواجهما، وولادة طفلتهم الوحيدة، ثم إصابة هذه الطفلة بالسرطان
ووفاتها في عمر السادسة، والهزة العنيفة التي تسببها لحياتهم
للدرجة التي تجعل الأمور غير قابلة للحل بعد الآن، هو فيلم عن
الإيمان، وعن معتقدات الإنسان التي تحركه، خصوصاً في المواقف
العاصفة، ولكن الأمر الأعمق فيه هو قربه الشديد لشخصياته، وقدرته
على جعلنا «نعيش» هذا الأثر المدمر التي تسببه وفاة الابنة، محاولة
الإتكاء، والعجز الشديد في تجاوز الأمور، الحدة والانفعالية
والصراخ والبكاء العالي الذي لا يقلل شيئاً من قسوة ما يجري، وفي
كل هذا هناك تلك الأغنية التي تختصر كل شيء.
(6)
Inside Llewyn Davis:
هذا هو أكثر أفلام الأخوين إيثان وجويل كوين ذاتية، دائماً ما أحب
«الكوينز» أن يحكوا حكايات تتعلق بالقدر والمَصير، تحدث فيها
الكثير من الأمورِ فقط لأنها «يمكن أن تحدُث»، وفي هذا السياق لم
يحدث أن تورّطوا اتجاه الشخصيات التي يتناولونها، بقدر ما تكون
نماذج، لذلك فإن أشد محبيهم يتحدثون دوماً عن الأحداث والأتوان
والمشاهد والقيمة السينمائية، وبدرجة أقل تذكر الشخصيات، هذا
الفيلم مُختلف، كل شيء يتعلق بـ «لوين دافيز»، المطرب المغمور الذي
يحاول أن يجد فرصته في الستينات، رحلة مجهدة ومحاولات متكررة كي
يصل إلى «شيء»، وفي كل مرة يقترب فيها من الوصول يسقط ليعيد
الكَرَّة من جديد، وللمرة الأولى في أفلام «الكوينز» فعلاً نجد
أنفسنا متعاطفين ومتوحّدين فعلاً مع البطل، والأهم أنهم، هم
أنفسهم، متوحّدين ومتعاطفين معه بنفسِ القدر، لذلك فهو أكثر
أفلامهم حميمية، وواحد من أعظم إنجازاتهم الإخراجية طوال مسيرتهم
العظيمة الممتدة لثلاثِ عقود.
(5)
Franses Ha:
«لم يكن معي أحداث، كان معي فقط شخصية ومكان».. المخرج نواه بومباك
عن فيلمه «فرانسيس ها»
ليس من الغريب أن تشترك الممثلة جريتا جيرويج في كتابة هذا الفيلم،
في الحقيقة كانت تلك هي الطريقة الوحيدة لصناعته، مثل «لوين ديفز»،
نحن نتحرك مع الشخصية تماماً، رحلتها في محاولة تحقيق هدفها، وهو
هنا أن تصبح راقصة، ومحاولتها التعامل والتجاوز لكل خيبات الأمل
التي تواجهها بشكلٍ يومي، الفارق أن هذا الفيلم أكثر خفّة وأكثر
حميمية من فيلم «الكوينز»، ولكن الفيلمين حملا نفس القيمة
السينمائية.
صورة الفيلم بالأبيض والأسود ساهمت كثيراً في هذا القدر من
الحميمية والجمال الذي نشعره طوال مدة عرضه، أيقونية الأماكن التي
حاول «بومباك» إبرازها دون أن تطغى على الصورة، الشخصيات المساعدة
ذات التفاصيل الحيَّة، والتفاصيل نفسها.. شديدة الصغر والدقة،
والأهم من أي شيء «فرانسيس هاليداي»، أكثر الشخصيات السينمائية في
2013 أيقونية وقرباً، وأداء «جريتا جيرويج» الفاِتِن لها.
(4)
Short Term 12:
بصورةٍ أو بأخرى.. هذا هو «أوسلو
31 أغسطس»
هذا العام، الفيلمان عن جروحٍ عنيفة لم تلتئم، وعن شخصيات مَهزومة
تِحمل ثقل الماضي، وعن محاولتهم التحرر منه، والوصول لـ«انعتاقٍ»
ما في مشهد يسندون فيه رؤوسهم على أكْتُف آخرين وهم يركبون وراءهم
على درَّاجة، الفارق الأساسي أن الشخصية الرئيسية في «أوسلو» لم
تعد تحتمل الأمل أو الحياة، بينما تحاول شخصيات هذا الفيلم.. تحاول
بشدّة.. أن تبدأ من جديد.
الفيلم السينمائي الأول للمخرج الشاب «ديستين كريتون» هو فيلم عظيم
فعلاً، عن دار تأهيل لمراهقين يعانون من مشاكلٍ عنيفة في ماضيهم،
وحين تحضر الفتاة «جيدن» إلى الدار.. تجد مشرفة الرعاية «جريس»
فرصة لأن تتحرر وتتصالح مع آلامها القديمة من خلال تحرير «جيدن» في
حاضرها، وعبر حساسية مُفرطة في الحَكِي، وشخصيات مرسومة بماضٍ لا
نراه، وفنيَّة شديدة في كل خيارات الفيلم البصرية، ولحظات عظيمة
متناثرة طوال مدة عرضه، يحقق «كريتون» إنجازاً كبيراً في سينما
2013.
(3)
Gravity:
«عندما ولدت السينما حاولت في بواكيرها خلق حالة معايشة مع
الجمهور، منذ هروب المشاهدين من فيلم الأخوين لوميير «وصول القطار
إلى المحظة» لأنهم ظنوا أن قطاراً حقيقياً يخرج من الشاشة، كان
ذروة التماس الذي حققه الاختراع الوليد في البشر، وأعمق ما فيه على
الإطلاق، بعد ذلك ولدت الحكايات والمضامين والرموز، كوسائل فقط من
أجل نقر وتر في روح المشاهد ووعيه يربطه بالشاشة ويخلق لديه حالة
المعايشة تلك اتجاه ما يشاهده، ثم شاهد الناس
Gravity،
قطعوا تذاكر مجانية إلى الفضاء، سبحوا فيه وفقدوا جاذبيتهم لساعةٍ
ونصف، (عاشوا) المحنة التي عاشتها رايان ستون، واختبروا كل مشاعرها
وردود أفعالها، ثم خرجوا ليتساءلوا عن «الحكاية» و«المضامين»!!»..
الناقد السوري عماد العُذري
فكر ألفونسو كوران في هذا الفيلم قبل 6 سنوات، أن يحكي عن «شخص تاه
في الفضاء ويرغب في العودة إلى الأرض»، أن تكون تلك هي الحكاية
كاملة، دون زيادة أو نقصان، وأن يستند بكامِل طاقته على جعل
المشاهد نفسه يشعر بأنه «تاه في الفضاء ويرغب في العودة»، استعان
بعددٍ كبير من العلماء، مهندسي الديكور، مصممي المؤثرات البصرية،
وأبقى بجانبه، قبل الجميع، المصور السينمائي إيمانويل لابيزكي،
تحمَّل ضغوطات الشركة المنتجة، الاقتراحات الساذجة بالقطع بين
الفضاءِ والأرض أو عمل «فلاش-باكات» لحياة الشخصية، تمسك، لخمسِ
سنوات أو يزيد، بأن يصنع فيلمه بالصورة الوحيدة التي يراه عليها،
«اخترع» آلة عملاقة للتحكم بالكاميرا، و«اخترع» مربع للضوء يجري
التصوير فيه من أجل التحكم في مصادر الإضاءة يفترض أن تكون خارج
مجال الأرض، بدأ فيلمه، ورسم كل شيء بدقةٍ شديدة، «قطع للناس تذكرة
مجانية إلى الفضاء الخارجي»، وجعلهم يشعرون بالدَّوخة والإعياء
ونقص الأكسجين عندما تشعر الشخصية بالدوخة والإعياء ونقص الأكسجين،
«هذا هو ذروة الإنجازات السينمائية في 2013»، وأحد أكثر الأفلام
التي ستعيش طويلاً، وسيتذكرها الناس دوماً في مقدمة أي حديث عن
أفلام الفضاء، أو الإنجازات البصريّة الكبرى، أو الشيء الذي يجعل
السينما هي السينما.. والأشياء التي لا يمكن التعبير عنها بأي وسيط
آخر.
(2)
Blue is the Warmest Color:
الفيلم المُتوَّج بالسعفة الذهبية لمهرجان «كان» السينمائي، والذي
صاحب فوزه الكثير جداً من الجدل والهجوم، هو أحد أعظم الأفلام التي
توّجت بالجائزة خلال العقدين الأخيرين!
طوال ثلاث ساعات يستغرقها هذا الفيلم ، لم يحدث إلا في مرات نادرة
أن يستخدم مخرجه عبداللطيف كُشيش غير اللقطات القريبة
Close-Up Shots
لوجوه ممثليه، لا يوجد لقطات عامة، أو لقطات تعريفية بالأماكن،
والغاية من ذلك واضحة، هذا ليس فيلم زَمَن أو مَكان أو حدث ، و
بالتالي ليس المهم هو الزمن أو المكان أو الحدث، هذا فيلم عن
"أديل"، و"أديل" فقط هي من نذهب إليها هُنا.
الحكاية ، كما هي مَعروفة ، عن العلاقة بين فتاتين ، ولكن في
الجوهر ، الفيلم عن "أديل" تحديداً ، تتبع «عن قرب» جداً للفتاة
الصغيرة التي تتعرَّف على نفسها وعلى العالم خلال سنين مراهقتها،
وما من شيءٍ مميز في حكاية كهذه، و لكن البطل الحقيقي لكل شيء هو
«كُشيش»، و"التجربة" التي قرر صناعتها ، و سَعيه المُخلص لأن يجعل
كل ما يحدث حياً جداً و صادقاً جداً، حتى لو كان ذلك بوسائل غير
معتادة، كأن يجعل بطلتي الفيلم تقرآن السيناريو مرة واحدة فقط قبل
أن يُصبح كل شيء بعد ذلك مُرتجلاً، وأن يصور 800 ساعة كاملة عبر
ستة أشهر ليُخرج منها بثلاث ساعات في النهاية، و أن يكون التصوير
قد تم بتراتبية زمنية لكل فترة من فترات العمل من أجل السماح
لبطلتيه أن «يعيشا» كل مرحلة، وأن تكون بطلة الفيلم تسمى في
البداية "كلمنتين" قبل أن يجد نفسه يستخدم الكثير من حياة الممثلة
"آديل آكزاركوبولوس" و يضمن فيلمه للقطات حقيقية لها في المترو أو
أثناء تناولها للطعام أو سرحانها في فترات الراحة من التصوير ،
فيقرر تغيير اسم الشخصية و البطلة لأن التداخُل بين ما هو حقيقي و
ما هو مُصَوَّر صار مُدهشاً.
تلك الطريقة، و هذا القدر الطَموح من أن يحكي حكاية بتونٍ عادي،
وأن يصوّر «الحياة» فقط كـ«حياة»، سمحا له أيضاً بقيادة "آديل"
و"ليا سيدوكس" لاثنين من أفضل الأداءات النسائية التي قدمت في
السنوات الأخيرة، في فيلم بناه مخرجه على وُشوش ممثلتيه و جعل 90%
من لقطاته مُقرَّبة لَهُن، أنتَ بحاجة فعلاً لأداءاتٍ كتلك، و مشهد
مثل "الانفصال" ثم مشهد "المَطعم" يعطيان صورة واضحة لأي أداءات
حُققت في هذا الفيلم ، و ليس غريباً بالمرَّة أن تكسر إدارة مهرجان
"كان" القاعدة المتعارف عليها في منح السعفة الذهبية للمخرج ، و
يكون خطاب الفوز مُتضمناً "كُشيش" و"آديل" و"ليا" .
فيلم "كُشيش" هو فيلم عظيم عن حياةٍ عادية، مُراهقة تَكبر، علاقة
تبدأ وتنتهي، مدرسة وعائلة وعمل، ما من الشيء الاسثتنائي، ولكن كل
شيء مَعمول بالكثير من الفِهم والعمق والأتوان المَظبوطة لكل لحظة
تَمُرّ.
(1)
Before Midnight:
- لا يوجد فيلم، أو مجموعة من الأفلام، في تاريخ السينما استطاعت
أن تجعل شخصياتها حقيقية، وتدفع المُشاهد للتعامل مع معها
باعتبارها موجودة فعلاً مثل تلك السلسلة، هذا هو الإنجاز الأكبر
والأهم الذي يحققه المخرج ريتشارد لينكلاتر في ثلاثيته السينمائية
بين أعوام 1995، 2004، والعام الماضي،ليجعل منها شيئاً استثنائياً
فعلاً في تاريخ السينما.
- الإنجاز الآخر يتعلق بأن الثلاثية تحمل الزَّمن بصورةٍ كاملة،
ريتشارد لينكلاتر يكبر، «جيسي» و«سيلين» يكبرون، ونحن أيضاً نكبر،
تتغير المفاهم نحو العالم، والشكل الذي نتعامل به مع الأمور، في
فيينا عام 1995 هما شاب وفتاة في هالة البدايات، في باريس 2004 هما
رجل وامرأة يعيشان بهجة اللقاء الثاني، وفي الفيلمين كانا هناك
تعبيراً حقيقاً عن الشخصيات في عمرها وزمنها، كل الشخصيات المتورطة
في الحكاية داخل الفيلم وخارجه: «جيسي وسيلين».. «جولي ديلبي»
و«إيثان هوك».. «لينكلاتر».. ونحنُ أيضاً.
في تلك المرة «جيسي وسيلين» عاشا معاً بالفعل 9 سنوات، أنجبا
توأمين، صار هناك «ثقلاً» منطقياً من دواع العشرة والتعود، الجذوة
المشتعلة في الجزئين السابقين لا يمكن أن تبقى بعد كل تلك السنوات
سوياً، لذلك فالفيلم لا يحمل «التون الرومانسي» الذي غلب على
الجزئين السابقين، ولكنه هنا عن «الواقع» فعلاً، عن «حياةٍ
حقيقية.. ليست مثالية ولكنها حقيقية» كما يقول «جيسي» لـ«سيلين»،.
لتستمر الثلاثية في «حِمل الزّمن» وكِبر صُناعها وأبطال، وتلك
المرة في درجةٍ أعمق وأكثر «حقيقية»، لذلك فهو ليس فقط الجزء
الأفضل، ولكنه واحد من أنضج الأفلام التي تناولت العلاقات بشكل
عام.
- الشيء المشترك الذي يصف به كل مشاهدو السلسلة «جيسي وسيلين» هو
أنهم «أصدقاء لهم»، وأن فيلماً جديداً كل تسع سنوات هي فرصة
لـ«مقابلة الأصدقاء القدامى»، وملامسة الزمن فيهم، ذلك هو الجوهر
الحقيقي لعظمة هذا الفيلم، وعظمة السلسلة بشكلِ عام.
- على الأغلب، سيكون فيلم عام 2022 أحد أفلام المقدمة في قائمةٍ
كتلك! |