25
فيلم رعب ستخرج إلى
العلن لتنضم إلى سبعة أخرى سبقتها منذ مطلع هذا العام
أفلام الرعب ما زالت تسود.. وتنجح وعددها في تزايد
لوس أنجليس: محمد رُضا
هناك «حملة تطهير». لقد مر نحو عام واحد على الحملة الأولى وقريبا،
في الثامن عشر من شهر يوليو (تموز) المقبل، تبدأ حملة جديدة.
وتستطيع أن تقول إن الأولى كانت ناجحة. كيف لا وهي تكلفت ثلاثة
ملايين دولار وحققت رصيدا بلغ 84 مليون دولار حول العالم.
أين وقعت؟ وقعت في كل مكان عُرض فيه فيلم بذلك العنوان «حملة
تطهير» أو(The
Purge)
ما يعني أننا ما زلنا نتحدّث سينما هنا وليس في حملات تطهير واقعية
ضد الفساد الإداري أو السياسي أو أي فساد آخر.
الفكرة التي قام عليها فيلم جيمس ديموناكو ذاك كانت أن الحكومة
الأميركية، والحكومات حول العالم أو بعضها على الأقل، أعلنت عن يوم
تُباح فيه الجريمة. افعل ما تشاء. دمّر. انهب. اعتدِ. اقتل.. أنت
حر في هذا اليوم أن ترتكب ما تريد. لن يتصدّى لك أحد، إلا على حساب
أمنه الخاص، ولن ترى رجال القانون يحاصرونك ويقبضون عليك محذرين
إياك أن «كل شيء تقوله قد وسوف يؤخذ عليك في محكمة القانون»..
أساسا لن ترى أيا منهم. إنه يوم القتل المجاني. يوم الجريمة بلا
عقاب.
ديموناكو صنع فيلم رعب وتشويق جيّدا من هذه التوليفة، لكنه استند
إلى مسألة تستحوذ الاهتمام وتعاود الإطلال في الجزء الثاني قريبا:
لكي تصون الدولة نفسها بات عليها أن ترعى ما كانت ترفض رعايته من
قبل. سمّ ذلك شراكة في الجريمة، لكن الأساس أنها أدركت أن إتاحة
يوم في السنة لكي يفرغ الناس العنف الذي في الداخل سيصون المجتمعات
من العنف لباقي أيام السنة. ربما في البداية، ماذا لو أن يوما
واحدا لا يعود كافيا؟
*
الخوف من الطبيعي
*
سينما الرعب تمشي على القاعدة ذاتها. من الآن وحتى نهاية هذه السنة
هناك نحو 25 فيلم رعب ستخرج إلى العلن لكي تنضم إلى نحو سبعة أفلام
سبقتها منذ مطلع هذا العام. والقاعدة المشتركة هي أن الناس، في
تفسير سيكولوجي تبنّاه أكثر من باحث، تريد أن تفزع لكي تنفث الرغبة
الكامنة في داخلها بحيث تجمع من الفيلم أسلحة المواجهة إذا ما
تعرّضت إلى الموقف ذاته. حسب سيغموند فرويد، لا غيره، العنف
المتأتي من الصور والقراءات على حد سواء هو ترجمة لما اعتمر داخل
الذات طويلا وتم كبته مع تحوّل المجتمع إلى حضاري. بكلمات أخرى،
لأن الإنسان بات يعيش (نظريا على الأقل) على نحو حضاري فإن حبه
لأفلام العنف (وكثير منها مدفون في سينما الرعب) عائد إلى أنه كان
يود لو قام به هو نفسه لأن بعض خصائصه عدواني في الأساس. لكنه لن
يقوم بذلك (هناك من يفعل بالطبع لكنهم قلة في نهاية الأمر)
وسيستعيض بالبصبصة على آخرين يفعلون ذلك.
لكن حقيقة أن فرويد قال ذلك لا تعني أنه كان على صواب.
هناك المزيد من العنف اليوم عما كان عليه الحال في عهده. وفي عهده
لم تكن السينما قادرة على تصوير رؤوس مقطوعة وأعناق مذبوحة وأطراف
مقطوعة وضحايا ترقص كالدجاج المذبوح. تعاليمه تستمد قيمتها من
الدراسات المنفردة لحالات تتبع نظاما من السلوكيات اشتغلت عليها
السينما كثيرا من قبل. الآن ما توفره السينما لم يعد يخضع للمنطق.
هاك أستاذ مدرسة في الفيلم الحالي «الهادئون»، إخراج جون بوك، يؤلف
فريقا من التلامذة لصنع أشباح ظلام مستخدما الطاقة البشرية في ذلك.
طبعا سترتد التجارب على أصحابها وشرور الإنسان الموضوعة في أشباح
سوف تنطلق لممارسة العنف بلا هوادة.
حالة لا تختلف كثيرا مدفونة في طيات «خوف مسرحي»
Stage Fear.
العنوان ذاته مأخوذ بتحريف من العبارة التي تعني ما يشعر به بعض
الممثلين الجدد عندما يتأهبون للوقوف على خشبة المسرح، لكن في فيلم
جيروم سابل الذي سيعرض في التاسع عشر من مايو (أيار) المقبل هو
أكثر علاقة بأسباب غير نفسية لهذا الخوف، فهناك مقنع يقتل ويذبح
الممثلين الذين يقومون بالتمارين المسرحية.
في «دوار العين» أو
Oculus
المعروض حاليا أيضا يرمي المخرج الجديد (ومعظم مخرجي هذه الأفلام
جدد) مايك فلاناغان إلى تقديم مرآة قديمة كمصدر للشرور. إنها تتمتع
بقدرة غرائبية خارقة تدفع من أمامها لارتكاب الجريمة. تسيطر عليه.
تقلبه إلى قاتل شرس. ليس بعيدا ما تقوم به عن أشرطة الفيديو
الفتّاكة في «الخاتم» الذي نقلته هوليوود عن فيلم ياماني بالعنوان
ذاته سنة 2002 وأنجز نجاحا كان من شأنه أن أنجبت بضعة أجزاء أخرى.
*
انحراف
*
في الواقع، تبدو أفلام الرعب اليوم ومنذ سنوات، خالية من كل منطق.
في الوقت ذاته تنتمي إلى عالم دائما ما نشعر أنه على بعد خطوات
منا. ربما هو في ذلك البيت الواقع في آخر الشارع، أو في شخص ذلك
الرجل الغامض الذي لا يعرف سرّه. أو ربما في تلك البلدة القريبة
التي تبدو لك آمنة وهادئة لكن الإشاعات تقول إنها مسكونة بالأشباح.
وماذا عن ذلك المنزل القريب والمهجور الذي يوحي بأنه فجأة ما عاد
مهجورا وأن هناك من يعيش فيه وربما كان يراقبك؟
للوصول إلى تخويفك على فيلم الرعب أولا تقديم حالة تبدو عادية
تعرفها. في اللحظات التالية، سيجري نزع تلك الطمأنينة الناتجة عن
الحالة العادية ورميها بعيدا. بطلا «حملة التطهير 2» رجل وامرأة
يقودان سيارتهما بسرعة محاولين الوصول إلى البيت للتحصن فيه قبل
غروب الشمس، ذلك لأن العطلة تبدأ من ذلك التوقيت. تقول له: «أسرع،
الشمس ستغيب قريبا»، يقول لها مطمئنا: «لا تقلقي، كل شيء على ما
يرام».. ما إن ينتهي من عبارته حتى تتوقف السيارة في ضاحية هي - في
الأحوال العادية – خطرة.. ماذا عن حالها في يوم القتل المشاع؟
خروج المسافرين عن خط سيرهم الطبيعي هو منوال معتاد في أفلام الرعب.
في «الهضاب لها أعين» (1977) لمخرج كانت له إسهامات مهمّة في هذا
المضمار هو لس كرافن، هناك تلك العائلة التي تنطلق في صحراء أميركا
الوسطى في طريقها إلى كاليفورنيا. في لحظة ما، في مكان ما تنحرف
السيارة عن الطريق الذي كان يجب عليها أن تمضي فيه لتجد نفسها وسط
هضاب وتلال صخرية. ما إن يحل الظلام حتى تدرك أن المكان مسكون
بوحوش آدمية تقتل للقتل وربما للأكل أيضا.
الفيلم تحوّل إلى إنجاز كلاسيكي في نوعه ما دفع لإعادة صنعه سنة
2006 في فيلم أخرجه أليكس آجا بالعنوان نفسه. في العام التالي تم
صنع جزء ثان من تلك الإعادة من إخراج مارتن وايز. كلاهما لا يصل
إلى مشارف الرعب المسجل في الفيلم الأصلي.
قبل «الهضاب لها أعين» بثلاث سنوات أنجز توبي هوبر «مذبحة تكساس
المنشارية»
Texas Chainsaw Massacre.
الحبكة ذاتها: عائلة في سيارة تفقد طريقها. تجد نفسها في بلدة
مهجورة إلا من قاطنين قلة من آكلي لحوم البشر.
سنة 1986 تم تقديم جزء ثان من إخراج توبي هوبر أيضا تم منعه في
أستراليا بسبب عنفه ودمويّته. بعد ذلك تعددت النسخ المنتجة منه
وأعيد صنعه مرّات والاستيحاء منه مرّات أخرى وصولا إلى فيلم بعنوان
«مذبحة تكساس المنشارية: الجيل التالي» (1995) كما لو أن المسألة
وراثية. وفي سنة 2006 تم تحقيق فيلم ينتقل إلى ما قبل الجيل الأول
وجزء آخر بنظام الأبعاد الثلاثة خرج في العام الماضي كسابع فيلم في
السلسلة.
*
مسؤولية
*
وس كرافن وتوبي هوبر كانا من بين سينمائيين اخترقوا المنوال
التقليدي لفيلم الرعب في أواخر الستينات ومطلع السبعينات. أولهم
جورج أ. روميرو الذي مال إلى الرموز السياسية في سلسلة أفلامه عن
الموتى - الأحياء من الزومبيز وآكلي لحوم البشر. في عام 1968 حقق
أول أفلامه في هذا الحقل «ليل الموتى - الأحياء» حيث أصاب فيروس
فتّاك الشرق الأميركي نتج عنه تحوّل الآدميين إلى زومبيز يجولون في
المزارع خارج المدن. من أول الفيلم يطالعنا فن التخويف: رجل
وشقيقته في زيارة لقبر الأم. من بعيد يقترب رجل يسير على نحو غريب.
لا شيء يبدو خارج المألوف للحظات.. ثم ها هو الرجل ينقض على الشاب
والفتاة تهرب لاجئة إلى بيت ريفي لجأ إليه شاب أسود ثم عائلة
بيضاء. شقيقها من بين المتحوّلين إلى تلك الوحوش الآدمية التي
تحاصر البيت وتحاول اقتحامه. عندما مات كل من لجأ إلى البيت
باستثناء ذلك الشاب الأسود، فتح عليه البوليس النار وأرداه معتقدا
أنه من تلك الوحوش. لكن في الطريقة التي تم تنفيذ المشهد فيها،
أطلق البوليس النار عليه لأنه أسود البشرة أولا.
بعد ذلك انتقل روميرو إلى المدن ووجد في «فجر الموتى» (1978) أن
المسؤولية في هذا الوضع يعود إلى مجتمع استهلاكي سمح لنفسه باضطهاد
تلقائي لمعظم الناس هم من أصيب بالفيروس. في الجزء الثالث «يوم
الموتى» (1985) شاهدناه يرمي العسكر بالمسؤولية نتيجة تجاربهم غير
الآمنة، ثم هو الإعلام والتكنولوجيا في «أرض الموتى» (2005)
وواشنطن والمؤسسة في «يوم الموتى» (2008). على ذلك كله، بقي مخرجا
جيّدا للنوع. أفلامه تخيف على مستويين: مستوى الفكرة التي قد
تتحوّل إلى حقيقة، ومستوى إخراج المشاهد بحد ذاتها.
*
الأداة والرمز
*
الجامع بين سلاسل «الهضاب لها أعين» و«مذبحة تكساس المنشارية»
و«ليل الموتى - الأحياء» هو التخويف مما يتبدّى أمرا لا غبار عليه.
طبيعي إلى حد بعيد قبل أن ينفجر في عنف كبير. لكن إذا ما لجأ وس
كرافن وتوبي هوبر إلى العنف الدموي للتأثير فإن العنف في أفلام
روميرو بقي نتيجة اللعبة الإخراجية القائمة على عنصر التشويق. لكن
حقيقة أن التخويف من حياة كل يوم وقد أصبحت كابوسا (والتي ينضم
إليها سلسلة أخرى لوس كرافن عنوانها «كابوس شارع إيلم» حول خطر
القتل إذا ما غلب النوم الضحية) يسود بينها ويترك المشاهد شبه عار
من الأسلحة.
وهذا هو أيضا لب سلسلة أفلام «هالووين» التي بدأها المخرج المقل
جون كاربنتر سنة 1978 في إنتاج للراحل مصطفى العقاد (لاحقا أكمل
العقاد المجموعة مع مخرجين مختلفين وحقق ثروة كبيرة من ورائها).
الفارق بينها أن تخويف «هالووين» كان يجري بناء على عقدة سيكولوجية
في حين أن حبكات الأفلام الأخرى المذكورة خلت من العقد السيكولوجية
على نحو تام. «هالووين» هو عن شاب عاش في كنف مؤسسة صحية لأنه كان
قتل، وهو صغير، بعض أفراد العائلة. حين كبر وخرج من المصحة عاد إلى
الكنف ذاته لكي يكمل ما بدأه، ثم - وفي الأفلام الأخرى - ليلاحق من
فلت منه في الفيلم الأول أو لمن أراد إضافته من ضحايا.
القاتل في سلسلة «هالووين» مندفع لأسباب غامضة. لا يتكلم مطلقا ولا
ينثني عن هدفه. لماذا ينثني أو يتردد إذا كان لا يمكن قتله؟
يتركك وجوده في سؤال حول حقيقته. المنتج مصطفى العقاد رآه خارقا
للعادة. تجسيد للشر في شخص رجل. والشر لا يموت.
هذا الرمز، الناجح ضمن السلسلة، متوفّر في الأفلام الأخرى من فترة
السبعينات، في سلسلة «كابوس شارع إيلم» وسلسلة «مذبحة تكساس
المنشارية» و«ليل الموتى - الأحياء». ما يختلف هو الأداة التي
يمارس بها الشرير جرائمه: السكين بيد مايكل مايرز في سلسلة «هالووين»،
الأظافر ذات النصال في «كابوس شارع إيلم» ومنشار قطع الأشجار في
«مذبحة تكساس المنشارية». وهي تعيش في جوانب تبدو طبيعية.
هذا جانب أساسي من فن التخويف: كل شيء يبدو هادئا على مياه شاطئ
صيفي لحين ظهور سمكة القرش الكبيرة في Jaws (ستيفن
سبيلبرغ - 1975). المنظر جميل في ذلك المنتجع النائي إلى حين يفقد
جاك نكلسون رشده في «اللمعان» (ستانلي كوبريك - 1980) وعندما تقرر
جانيت لي أن الوقت حان لكي تلجأ إلى الفندق الهادئ الذي وجدته في
طريقها ما بين أريزونا وكاليفورنيا في «سايكو» (ألفرد هيتشكوك -
1960) تفاجأ بأن المكان هو نهاية رحلتها في الحياة. هناك تحت رذاذ
«الدوش»، فعل يقوم به كل منا حين نصل إلى فندق بعد رحلة سفر، يقتحم
مجهول غرفتها ويقتلها.
الحال ذاته في أفلام الرعب غير الكلاسيكية على شاكلة «هالووين»
وسواه: المفاجأة تكمن أكثر في اللحظة التي سيظهر فيها الوحش البشري
وفي يده آلة القتل. الفارق الأساس هو أن أفلام سبيلبرغ وكوبريك
وهيتشكوك عملت على منوال ذهني شاسع. حامت فوق خريطة من التضاريس
البشرية والنفسية قبل ثم خلال لجوء كل منها إلى مشاهد رعبه.
الأفلام الحديثة، كتلك المذكورة في مقدّمة هذا المقال، عليها مهمة
أصعب في مجال استدرار إعجاب المشاهدين. فنحو مائة وعشرين سنة من
السينما أتت على كل فكرة ممكنة أكثر من مرّة. والمشاهدون المدمنون
باتوا مثل الفيروس المنيع حيال معظم ما ينتج من هذه الأفلام. كيف
إذن يمكن لسينما الرعب اليوم أن تبقى ذات ضرورة أو وظيفة إذا لم
يعد هناك جديد يمكن تقديمه؟ الوسيلة شبه الوحيدة هي رفع نسبة
المشاهد الدموية وتلك التي تصوّر كيفية الفتك بالضحايا. لكن هذا
وحده سرعان ما يصبح مكررا بدوره. حيال هذا التكرار لا تجد هذه
السينما بدّا من الإصرار على النحو ذاته ما يجعل الأفلام متشابهة
بحبكاتها (وأحيانا كثيرة مشاهدها) المتكررة. لكنه نوع من الإصرار
النافع الذي لا يزال يتوالد من دون توقّف.
والنموذج الواضح نجده في صنف آخر من أفلام الرعب هي تلك التي
تتحدّث عن البيوت والقصور المسكونة بالأرواح والأشباح التي من بين
آخرها سلسلة «الحقد»
The Grudge
التي انتابت شاشاتنا من عام 1994، وقبلها «رعب أميتيفيل» (1979)
ومشتقاته وأفلام منفردة مثل «عظام» (2001) و«كاسبر» (1995) و«منزل
معتم» (2014) وأكثر من 170 فيلما آخر احتوى على حكايات الأشباح
التي توارثت الحياة داخل جدران البيت العتيق والهادئ و(ربما)
الجميل قبل أن ينضح بما خفي فيه ويتحوّل قاطنوه الجدد إلى ضحايا
تصرخ ولا مستجيب. |