"مراتي
وزوجتي"..
فيلم كوميدي تجاري.. قابل للتطور!!
يحرره: خيرية البشلاوى
الرسوم في خلفية العناوين مع بداية الفيلم عطلت الانطباع السلبي
الذي أثاره العنوان قبل دخول الفرجة علي "مراتي وزوجتي".
العناوين التجارية الغريبة مثل هذا العنوان ومثل "سالم أبو أخته"
وغيره دليل علي إفلاس ملكة الخيال. فليس بالتراكيب اللفظية الغريبة
غير المألوفة تنجح في شد المتفرج.
علي أي حال أعترف بأنني دخلت للفرجة علي فيلم "مراتي وزوجتي"
بالصدفة عندما لم أجد الفيلم الذي كنت اتوق للفرجة عليه.
وكان من الممكن بعد الوصول الي الصالة وتوالي أحداث الفيلم أن أسعد
بهذا العمل الكوميدي الخفيف الخالي من المطرب الزاعق شديد الوقع
والمطربة الثقيلة فاتنةے الرجال.. الاستعراضات السوقية المفروضة
فرضا علي مسار احداث معظم الافلام التجارية إفرازات رديئة تحظي
بالجماهيرية في حين ان الحفل السينمائي هذا الموسم شهد اعمالا جيدة
لم يكن نصيبها من الشباك والناس ـ جمهور السينما ـ والدعاية ما
تستحقه.
المخرجات الشابات يعدن للسينما المصرية مجدها الذي كان.. الخطاب
الفني الانساني الصادق يعيد دور المرأة في مجال الابداع البصري
ولغة الصورة تكتسب ابعادا جمالية لافتة.. واذكر علي سبيل التحية
ايتن أمين ونادين خان.
ماجي يورهان. وسام سليمان.. والبقية تنتظم كالعقد الثمين كان من
الممكن ان اسعد بفيلم "مراتي وزوجتي" لانه اضحك الجمهور بافيهات
لفظية خشنة أحيانا ومواقف كوميدية جيدة ومتفجرة بالفكاهة أحيانا
أخري. وقدم في مجمله جرعات قليلة من الابتذال اللفظي. وكبيرة من
الضحك الصافي غير المشوب بقلة الادب وبالانحطاط القيمي والاخلاقي.
فما زلت رغم ما يقال أولي أهمية معتبرة للجانب الاخلاقي في العمل
الفني واحتفي بالجمال الرائق بصريا وموضوعيا ولا اولي أدني التفاتة
الي المباشرة او الفجاجة حتي اذا انطوت علي عظة أو رساله اخلاقية
فالعناصر الفنية يمكنها ان تسمو بالرسالة الاخلاقية دون الاخلال
بالفن.
"مراتي
وزوجتي" يعالج العلاقة الزوجية من منظور تقليدي لايفسد "للحداثة"
ولا النزعة "المودرن" قضية والمرأة لها وظائف اساسية علي رأسها
رعاية الزوج واثراء الاسرة بعوامل صحتها النفسية وبتقديمها الانجاب
وشئون المطبخ ليست بعيدة عن تحقيق الاستقرار العائلي.. والعمل
العام اذا ما جار علي العلاقة الزوجية أضر بالمجتمع لانه يضر
بالاسرة التي هي نواة المجتمع.
لا أقول عظات ولكن الفيلم هو الذي يقولها دون مواربة ومن خلال
علاقات زوجية محددة كاملة الاركان الا ركن "السعادة"!! ويقوم صناعه
بمعالجة هذا بأسلوب مرح وخفيف وساخر وبأداء تمثيلي كوميدي ظريف من
الممثلين رامز جلال وادوارد وحسن حسني ورجاء الجداوي وشيري التي
تلعب دور "فريدة" الزوجة التي ترضخ بالكامل لطموحات أمها "رجاء
الجداوي" وتعتقد مثلها ان الوصول الي رئاسة مجلس ادارة جمعية
"الاسرة السعيدة" أهم من صناعة اسرة سعيدة فعلا.. النفاق الاجتماعي
و"الاكلشيهات" التي تلوكها المرأة في الخطاب النسوي منطق لتسليط
الضوء بالنسبة للسيناريست لؤي السيد والمخرج معتز التوني.
الفيلم اذن هادف والكلمة لاينبغي ان تستفز الساعين "لحرية الابداع"
فالحرية بدون هدف فوضي.
وأحب ان أسجل ان هذا الفيلم الهادف الذي شاهدته مصادفة ولم اعجب
بالعنوان ولولا ان الموظف داخل السينما أكد لي أنه عمل دمه خفيف
ولن أندم لأجلت الفرجة عليه لان مزاجي لم يكن خالياً من العكننة.
اللهم دمر أدغة من يمثلون مصادر للعكننة في هذا البلد.
أسجل أن جمهور الصالة كان يضحك. فقد استجاب علي نحو واضح للقفشات
والنكات والمواقف وحركات الممثلين .. رامز وادوارد .. ورددوا
افعالهم الصاخبة خصوصا ازاء المواطنين من جنوب افريقيا الذين ظهروا
في الفيلم.
جانب من الاحداث تم تصويره في هذا البلد الافريقي حسب ما جاء في
العناوين واستعان الفيلم بجانب من الممثلين الافارقة. وواحدة منهم
لعبت دور "الزوجة" المحلل. وأعني "بالمحلل" إنها مثلت "الصدمة"
التي أفاقت الزوجة الاصلية. اذ مثلت دور النقيض في الحياه الاسرية
المرأة التي ترعي الزوج وتسمع كلامه وتحقق له رغباته واشواقه إلي
"اسرة سعيدة".
وعلي عكس ضحكات الجمهور علي هذا الجزء المرتبط بالافارقة السمر جاء
إنزعاجي الشديد من هذا الجزء تحديدا وانزعاجي منبعه غياب وعي صناع
الفيلم. فنحن حاليا نسعي الي علاقة سوية مع الاشقاء الافارقة.
ومشكلة سد النهضة ماثلة واسبابها يعرفها الضالعون في الشئون
الافريقية وفي العلاقة مع مصر.
"طرزان"
بأفلامه المشبعة بالتميز العنصري والحط من قدر الافارقة الذين
عانوا مثلنا من الاستعمار الماضي والاتي سبه في انتاج السينما
الهوليودية "الهادفة" التي سخرت من الافارقة والعرب والاسيويين
وجميع الحضارات القديمة.. الخ.. فلسنا سوي أفارقة أيضا دور السينما
في دعم العلاقات بين مصر وباقي بلدان افريقيا السمراء من الاشياء
المهمة وقد كان امام الفيلم فرصة طيبة للقيام بهذا الدور دون
الاخلال بتوجهه الكوميدي لولا استسلامه الفج لاشكال التخلف
والسخرية صوت وصورة منها باستخدام التشخيص وعلي أكثر من مستوي
إنساني وثقافي وحضاري.
صحيح انه جاء بممثلة سمراء جميلة من نفس المكان واسند اليها دور
الزوجة ـ الصدمة.. التي عدلت من وضع الاسرة الصغيرة المصرية وأعادت
إليها أسباب السعادة بكرم ونبل شديدين ولكن اشار في الحوار الي
انها الوحيدة في القبيلة التي نالت تعليما جامعيا. والوحيدة التي
رأيناها حسنة المظهر وتسلك سلوكا حضاريا مثيرا للاعجاب وعندما وعت
الدور الذي عليها ان تقوم به لانقاذ العلاقة الزوجية لعبته باقتدار.
ولا أريد ان اتهم بالحذلقة وانا أشير الي أهمية الوعي السياسي
لصانع الفيلم ولظروف المرحلة التي يتم فيها انتاج الاعمال الفنية.
ان للسينما دورا هاما جدا في ايصال رسائل ايجابية في علاقتنا مع من
تربطنا بهم احكام الجغرافيا والتاريخ والهموم الحياتية ـ الوجودية
المشتركة.
الوعي السياسي
وبقليل من الوعي والحس المرهف والذوق الفني كان من الممكن ان يصبح
هذا الفيلم نفسه البسيط والمقبول علي مستوي النوع الكوميدي. رسالة
وبداية للتوجه الايجابي بعد مرحلة تعرضت فيها العلاقات المصرية ـ
الافريقية للضعف بسبب جماعة النظام ومن كانوا علي قمته.
جنوب افريقيا بلد نلسون مانديلا عانت وتجاوزت معاناتها ولديهم
سينما تفوز في المهرجانات الدولية بالجوائز.
"مراتي
وزوجتي" عمل كوميدي تجاري يمكن ان يتطور ويرتقي لولا هذه
الملحوظات.. إنه عمل تقليدي إيجابي في نظراته لدور المرأة والاسرة
السعيدة من منظور "رجالي" ليس مرفوضا.
ويعيدا عن "النسوية" وخطابها التحرري الغربي بالنسبة للمرأة يقدم
مضمونا مقبولا جدا ويتوجه لنماذج من نوعية "شيري" ورجاء الجداوي
كما قدماها في الفيلم أما "مجيدة" الافريقية فهي تكسب اكثر.
رنـات
صورة الصحفي كمتسول
خيرية البشلاوى
أول أمس الجمعة عرض علي شاشة التليفزيون في وقت واحد تقريبا فيلمان
مصريان "لعبة الست" للمخرج ولي الدين سامح و"يوم من عمري" للمخرج
عاطف سالم..
الفارق بين العملين 15 عاما.. الأول من انتاج عام 1946 والثاني عام
..1961
وللمرة الألف ربما أعيد النظر في الصورة البائسة جدا لشخصية المحرر
الصحفي التي تعكس بالضرورة النظرة المتدنية لقيمته الأدبية ودوره
الاجتماعي والمفهوم الشائع وقتئذ عن مكانة "الجورنالجي" كما كانوا
يطلقون عليه.
قيمة المهنة لم تحظ بالاحترام إلا مع تطور المجتمع نفسه ونظرته
للدور الذي يلعبه. أعمال نادرة جدا هي التي التفتت إلي هذا الدور
وأهمها "الرجل الذي فقد ظله" و"اللص والكلاب".
في "لعبة الست" ظهر المحرر الفني في حالة رثة "شخصية هزؤ" وطريقة
أدائه المهني ظلت مادة للسخرية حتي الآن.. أسئلته الساذجة للراقصة
"صافيناز" من نوع "أين ترعرعت سيدتي؟" "وأين ولدت سيدتي؟" ظلت
مثالا علي الانحطاط الثقافي والضعة الاجتماعية!!
يظهر هنا المحرر الفني في لقطة واحدة ولكنها غنية الدلالة داخل
الملهي تعمل فيه الراقصة التي لمع نجمها وأصبحت فنانة مشهورة تحمل
اسما تركيا يوحي بالفخامة بدلا من اسمها الحقيقي "لعبة" ومع
المكانة والاسم المصطنع حيكت الأساطير وتداول زبائن الملهي
الحكايات الخرافية حول نشأتها وأصلها وفصلها.. إلخ.
المحرر الفني التعيس العايش في أوهام من نسج الشائعات يتعامل مع
الراقصة باحترام مبالغ فيه "سيدتي" والمتفرج يعرف انها جاءت من قاع
السلم الاجتماعي فأمها "سنية جنح" ماري منيب وأبوها "نفخو"
عبدالفتاح القصري وابن خالتها "بلاليكا" عزيز عثمان.. الحكاية
مليئة بالادعاء والنفاق الاجتماعي والضلال والأكاذيب وبأسلوب ساخر
طريف وممتع.
والصحفي الفني أحد أدوات هذه الصورة التي رسمها بديع خيري مع نجيب
الريحاني في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي.
في "يوم من عمري" يلعب عبدالحليم حافظ وعبدالسلام النابلسي دور
المحرر الصحفي وزميله المصور.. الاثنان يعملان في مؤسسة أخبار
اليوم!! والفيلم نفسه يأتي بعد تسع سنوات من قيام ثورة يوليه .1952
"صلاح"
وزميله "يونس" يكلفان من قبل رئيس التحرير بتغطية حدث وصول ابنة
مليونير "زبيدة ثروت" إلي أرض الوطن بعد غياب طويل.. إلخ الحدوتة
التي نعرفها جميعا.
واللافت هنا أيضا الحالة الاقتصادية البائسة للاثنين. الافلاس
المهين. فالاثنان لا يملكان ما يكفي لدفع ثمن المشروبات في مقهي
متواضع ولا قيمة طعام الافطار وينتظران يوميا ما ترسله خطيبة يونس
"سهير البابلي" عبر النافذة والاثنان مهددان بالطرد من قبل صاحب
الشقة التي يسكنان فيها ويتحايلان للهروب منه بطريقة أو أخري!
الصورة الكاريكاتورية البائسة للمحرر الفني في الأربعينيات ابان
سنوات الحرب العالمية الثانية ومع بداية هجرة اليهود المصريين خارج
البلاد ومع الغلاء الفاحش الذي طال الاحتياجات اليومية للانسان
البسيط.. إلخ هذه التفاصيل التي احتواها الفيلم علي هامش الحكاية
الرئيسية التي تتابع قصة الحب بين "لعبة" و"حسن أبو طبق" أو "حسن
وابور الجاز".
أقول هذه الصورة ـ جوهرياً ـ لم تتغير في الفيلم الذي تم بعد مرور
تسع سنوات علي الثورة أعني تحديدا الواقع المادي والاقتصادي.
في الفيلم الثاني احتل هذا الواقع مساحة أكبر واضيف اليه شكل
العلاقة مع رئيس التحرير الطاغية والتافه في حقيقة الأمر المشغول
بالفضائح كإحدي وسائل الترويج للصحيفة التي يرأس تحريرها.. هل تغير
الأمر الآن؟؟ أكيد جزئياً.
وما هو جدير بالملاحظة أكثر ذلك الجانب الأخلاقي عند المحرر "صلاح"
عبدالحليم حافظ الذي حافظ علي آداب المهنة وحرص علي عدم نشر
الفضيحة الضارة بسمعة حبيبته ووالدها فكان زواجه منها مكافأة علي
هذا الموقف.. وأيضا انقاذا للبؤس المادي ومعها عملية حراك اجتماعي
حتمية.. أما "يونس" فالبؤس الذي يعاني منه سيجد حلا بالضرورة بعد
زواجه من خطيبته ابنة صاحب البيت.
الحل الرومانسي الساذج يعتبر وسيلة ناجحة لحلول اقتصادية يعاني
منها أبناء مهنة البحث عن المتاعب..! وهكذا تلجأ اليه السينما
أحيانا في معالجتها للصراع الاقتصادي والطبقي والمهني!! |