الأبناء والقتلة..في مسيرة نضال الشعب المصري
خيرية البشلاوى
عاطف الطيب "1947 ـ 1995" أحد الأنباء الجبناء للسينما المصرية..
أفلامه لا تنفصل أبدا عن كونه واحداً من أبناء هذا الوطن يعي همومه
ويدرك قضاياه. جميع أعماله ربما تتفاوت مستوياتها الفنية ولكنها
تشكل في مجملها علامات كاشفة لقضايا عاشها الشعب المصري في فترات
تحولاته السياسية والاجتماعية هبوطاً وصعوداً.
عاطف الطيب أيضاً ابناً وفياً ومقاتلاً مخلصا عاش تجربة الانخراط
مع القوات المسلحة في سنوات تجنيده أثناء حرب الاستنزاف وحرب
أكتوبر.. إنه مخرج وصانع فيلم لديه رؤاه التي تعبر عن نسق من القيم
الوطنية الخالصة وتلقي بمساحات ضوء علي دفتر أحوال المصريين في
انتصاراتهم وانكساراته.
منذ أيام شاهدت لهذا السينمائي الطيب فيلم "أبناء وقتلة" 1987 ولم
أكن قد شاهدته منذ فترة. وبكل أسف لا أتذكر ما أثاره الفيلم وقت
عرضه الأول.. عموماً الأفلام تحتاج الي اعادة رؤية.
هذا الفيلم يختلف عن أعمال عاطف الطيب. إنه عمل إشكال مثير للجدل.
ويطرح علامات استفهام حول موقفه من التيار الديني الذي بشر به
ومنحه قداسة واحتراماً كبيرين وذلك من خلال شخصية "زهير" وخطيبته
"سها".
الفيلم يطرح أيضاً أسئلة حول موقف عاطف الطيب السياسي الذي اعتمد
هنا علي سيناريو من تأليف مصطفي محرم السيناريست "الفاعل" في بنية
وتوجه السينما المصرية.
يبدأ الفيلم بمشهد تسجيلي أثناء القاء جمال عبدالناصر خطاب تأميم
القناة أمام حشود المصريين.. وفي نفس اللحظة وطوال مدة إذاعة
الخطاب نتابع بطل الفيلم "شيخون" محمود عبدالعزيز داخل البار الذي
يعمل فيه وأثناء خدمته لمجموعة الرجال المتردين علي البار. أحدهم
يعترض علي قرار الحكومة وقرار التأميم. و"شيخون" يدعي بطريقته
الصاخبة عكس ذلك وفي نفس الوقت والخطاب مازال يتردد في خلفية
المشهد نري الراقصة "دلال" نبيلة عبيد تعبر الشارع متجهة الي البار
الذي اعتادت التردد عليه. وتظهر علاقتها مع "شيخون" الذي يتودد
إليها ويعرف "الصنف" الذي تشربه وتاريخها كراقصة.
الخواجة "باولو" صاحب البار يقرر قبل أن ينتهي خطاب عبدالناصر بيع
البار لاعتقاده بأن "الخواجات" لم يعد لهم مكان في هذا البلد.
"شيخون"
عامل البار يداعبه حلم امتلاك البار بينما ما يملكه من أموال لا
يكفي. يلجأ إلي زوج شقيقته "خليل" أحمد بدير فلا يسعفه أيضاً رغم
استعداده للمساعدة بما لديه.
وأمام أساور الذهب التي تزين ذراع الراقصة "دلال" تلمع في ذهن
شيخون فكرة الاستيلاء عليه فيخطط لاثارة الرعب في طريقها لإجبارها
علي الارتباط به.. ويلجأ الي بعض البلطجية لتحقيق ذلك في مشهد
ترويع مثير.
تلد "دلال" توأماها زهير "أحمد سلامة" وونيس "شريف منير". ثم يدخل
زوج شقيقته السجن بتهمة السرقة والشروع في القتل وتنتقل الشقيقة
"رجاء حسين" الي الاقامة مع "دلال" ومع شقيقها حيث تقوم بتربية
"التوأم".
"شيخون"
الشخصية المحورية في هذا العمل. وكما تدلنا وقائع القصة ليس مجرد
انتهازي بلطجي ولص بل أيضاً قاتل يخطط لقتل "دلال" التي خانته
وخططت لسجنه انتقاماً منه. بمساعدة عقيد شرطة "مجدي وهبة" تزوجها
زواجاً عرفياً وبعد أن انكشف فساده واستغلاله لها هجرته وعادت
لعملها كراقصة.
بعد خروج شيخون من السجن وقتل زوجته ثم التخلص من منافسه علي
امتلاك البلد. يواصل صعوده المالي والاجتماعي ويتواري وراء أقنعة
الوجاهة الاجتماعية والتدين المظهري ويصبح تاجر سلاح كبير يتعاون
مع الشرطة في توريد كميات منه. ويتحول الي شخصية مرموقة مطمئنة
مستقرة صار رب أسرة ووالد مخلص ومحب لأبنائه ولحفيده.
يفلت من القانون بعد أن أفلت من الفقر. يمتلك وضعاً اجتماعياً
مشروعاً وهو خارق للقانون وغارق في الحرام.
قصة صعود "شيخون" وتطور حياة ولديه التوأمين تتنمامي جنباً الي جنب
مع أحداث وطنية وقومية كبري "حرب 67 ـ حرب الاستنزاف". حرب 73 شريط
الصوت في الخلفية أغاني لأم كلثوم وعبدالحليم حافظ الوطنية.
ابنا "شيخون" أحدهما فاسد يمضي علي نفس الدرب الذي سار عليه الأب
وقد أصبح مديراً لأعماله. يغتصب ابنة خالته ثم يجبر علي الزواج
منها بعد أن تحمل منه.
الابن الثاني "زهير" هو الذي اختار حياة الاستقامة واتجه الي الدين
والتمسك بتعاليم الله والرسول عليه الصلاة والسلام واختار أن يرتبط
عاطفياً بالطالبة "سها" التي تلجأ إليه ليساعدها علي فهم بعض
المواد التي يقوم بتدريسها.
و"سها" ناهد رشدي فتاة محجبة وطيبة مثله ولكنها كما يتضح لاحقاً
وفي مصادفة مصنعة. أنها ابنة العقيد الفاسد الذي تزوج "دلال"
عرفياً. وتربطه مع شيخون عداوة كبيرة ورغبة في الانتقام كامنة.
"زهير"
الصالح يخرج من ظهر الفاسق وكذلك "سها" الاطهار في الفيلم خرجوا من
صلب الاشرار الذين أفسدوا الحيا الاجتماعية والسياسية وتاجروا في
السلاح وروجوا للخمر استباحوا النساء.. باختصار أغاروا علي قيم
البلاد الأخلاقية وتعاونوا مع القتلة المحترفين وتجار السلاح
والمخدرات فعلوا ذلك جنباً الي جنب مع عصور جمال عبدالناصر.
والسادات وحتي عصر مبارك!!
والفيلم يبشر بعصر "مريدي" ولو عاش عاطف الطيب لصنع لنا فيلماً
آخر.. عن كيف تحول زملاء "زهير" الذين ظهروا في مشهد من الفيلم
يلوحون باستخدام العنف إذا لم يعد المجتمع الي طوابه. كيف تحولوا
الي مخربين وقتلة و.. والخ ما رأيناه في الواقع.
وفي المشهد الأخير من الفيلم تلتقي أسرة العقيد الفاسد الذي جاء في
زيارة منزلية للتعرف علي أسرة خطيب ابنته طالبة الجامعة التي أحبها
أستاذها العالم المتدين ابن تاجر السلاح الذي تعرف عليه حين كان
عاملاً في بار وتزوجا من "دلال" الراقصة بعد أن نصب عليها وسرق
مصاغها.
داخل الصالون المذهب الواسع بأثاث المنزل الذي ينم عن ثراء مادي.
ووسط ترحيب العمة الطيبة التي تولت تربية الولدين التوأمين يدخل
الأب "شيخون" مرحباً حتي تتلاقي نظراته مع نظرات والد خطيبة ابنه..
الاثنان وجهاً لوجه: شيخون وعقيد الشرطة!
الفساد الاجتماعي متمثلاً في تاجر سلاح قاتل ولص وانتهازي متآمر
وعقيد شرطة فاسد ولا يقل انحطاطاً. وبين "القطبين" يقف الابن الورع
ذو اللحية والابنة الطيبة المحجبة.. وفي ذروة الصراع الذي تتزاحم
حممه في رأس الاثنين يطلق "شيخون" الرصاص علي العقيد فتصيب الرصاصة
الابن الطيب وترديه قتيلاً أمام خطيبته وأسرته.
في سياق الحكي القصصي نتعرف علي الطلبة الملتحيين أتباع وأصدقاء
زهير داخل الجامعة ونتابع تلويحهم باستخدام العنف لتأديب المجتمع.
وكأن صناع الفيلم "المخرج والمؤلف أساسا" يتنبأون بواقع سوف يأتي
لا محالة. ولكنهم يعالجون باعتباره المخلص ـ الدين مع العلم ـ
وباعتبار أن نموذج "زهير" هم من يحملون تباشير المجتمع الصالح الذي
خرج من صلب الفساد وكثمرة لزواج المال الحرام مع فساد الشرطة
المنوط بها تنفيذ القانون.
"زهير"
الشخصية الصالحة الوحيدة هو "وسها" ويمكن إضافة "العمة" هؤلاد
يطلون من خضم مجتمع خوار بالأحداث الوطنية الكبري وكأن الجانب
المظلم فقط هو ما يطغي علي أجواء المجتمع.. لاحظ أن الفيلم من
انتاج النصف الثاني من الثمانينيات ذروة نشاط "الجماعة" وسنوات
الحج الي دول الخليج.
صاحب البار تاجر السلام وعقيد الشرطة وبعض أبناء هذا الجهاز
المتعاونين مع "شيخون" هم من يتسيدون المشهد السياسي ـ الاجتماعي ـ
العسكري أو هم من يدفعون مسار التطور الاجتماعي القراءة المتأنية
للفيلم.
لا يمكن للمتفرج أن يعزل دلالة الأحداث الكبري التي رافقت وتلازمت
مع عملية صعود "شيخون" من قاع الفقر الي الثراء. ودلالة ذلك ليست
في صالح الرسالة الأخيرة في الفيلم.
رؤية عاطف الطيب ـ ألف رحمة علي روحه ـ في هذا العمل تتسم
بالتشاؤم. والأمل الذي لوح به مقضي عليه. وان ظل باقياً داخل
الجامعة في زمرة المجموعة التي رأيناها وفي ابنة ضابط الشرطة الذي
لم يمت. فالاثنان مستمران ـ العقيد وتاجر السلاح ـ ومعهما باقي
"الأبناء" الذي كان الأستاذ "زهير" قدوة لهم وأستاذاً عليهم!!
رنات
حِفنة أحرار ثوار
خيرية البشلاوى
يوجد في ميدان السينما المصرية الآن "حِفنة أحرار ثوار" نجدهم
متحفزين دائماً وأبداً وحالاً وفوراً لحماية فضيلة الجرأة وشيم
السخونة الشديدة وأشكال التطاول والتصدي لكل من يعترض أو يحول دون
أو يقف ضد التدني المفرط القيمي والسلوكي والادراكي للغة الصورة
والاستخدام الحر لمساحة الشاشة التي صارت فعلا بديلا لشارع كلوت بك
سابقا بغانياته ومغنييه وسماسرة اللحم الأبيض فيه أو بدلاً
للكباريهات الليلية المفتوحة لكل شيء وأي شيء دون رابط أو ممنوع.
أو مساحة للاشتباكات الجسدية العنيفة بالسكاكين والمطاوي والجنازير!
"حفنة
الأحرار الثوار" ترفع شعار "يا ويل من يعترض" ومن ثم يحول دون حرية
التعبير والابداع. علي الفور تعلو أصوات أبواقهم. ويعلنون النفير
العام علي شبكات التواصل. ويصبح الاعتراض والتعريض والتسفيه نصيب
أي معترض لأن هؤلاء من وجهة نظر هذه الحفنة الثائرة هم جماعات
"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"!
ما يفعله "الأحرار" إعادة تعريف لــ مصطلح "حرية التفكير"
و"الابداع" واساءة ما بعدها إساءة لقيم الحرية والابداع والفن
عموماً. فهؤلاء "الأحرار الثوار" يعلنون الثورة علي الأخلاق
الحميدة والقيم والسلوك السوي.
السينما المصرية الآن وبعد ثورتين ومع وجود هؤلاء "الأحرار" أصبحت
مشغولة بالشذوذ الجنسي. والماسوشية. والسادية الجنسية إلي جانب
انشغالها التقليدي بتجارة اللحوم الطازجة للإناث. انفتح الباب علي
مصراعيه لأشكال من الراقصات والوجوه الجديدة التي تنبيء بما لا
يُحمد عقباه من توهان وتغريب فالمجتمع عندما تنهار تقاليده وميراثه
الأخلاقي وأسس مبادئه. هو مجتمع هالك لا محالة.
في البلاد المتقدمة الحرة والتي بلا موانع أو كوابح أمام حرية
التعبير توجد بها رقابة من نوع آخر خضعت علي فترات لأشكال مختلفة..
منذ بدأت "بالسماح" أو "عدم السماح" للأفلام التي تتضمن المجموعات
حسب قانون هايير
"Hays code)
عام 1930 الذي انتهي العمل به عام 1968 وأصبح هناك نظام للتصنيف
شاركت في وضعه "الجمعية الأمريكية للصور المتحركة" و"الجمعية
الوطنية لأصحاب دور العرض" و"الجمعية الدولية الأمريكية لاستيراد
وتوزيع الأفلام".
ونظام "التصنيف العُمري"
Rathing.
نظام تشرف عليه "هيئة تصنيف الأفلام"
"Rathing Board).
ومقرها مدينة لوس انجلوس وتضم من 8 إلي 13 عضوا يمثلون خلفيات
مختلفة ويعملون ساعات عمل كاملة. وبعضهم غير متفرغ.. وهو نظام تفكر
هيئة الرقابة علي المصنفات المصرية هنا في تطبيقه لعل وعسي يأتي
بالفائدة بدلاً من النظام الحالي والتقسيمات وفق هذا التصنيف
العُمري هي:
¼
أفلام للعرض العام
"G"..
وتسمح بدخول جميع الأعمار. وهي أعمال تخلو من المشاهد العارية
والألفاظ النابية والمحتوي الجنسي ومشاهد المخدرات والعنف فيها
يكون في أضيق الحدود والموضوع الذي تعالجه لا يتعارض مع الأطفال.
ولكن ذلك لا يعني انه فيلم للأطفال.
¼
أفلام تحت ارشاد الآباء
"Parntal guidance)
وتشير إلي الأفلام التي تدور حول موضوعات أو مضمون لا يتناسب مع
الصغار وربما تضمن الفيلم حوارات خارجة وقليل من العنف والعُري ولا
يتضمن مشاهد تدخين المخدرات.
لاحظ أن مشاهد تدخين المخدرات التي تغرق الشاشة هنا في مصر. محذورة
هناك في التصنيف الأول والثاني.
¼
أفلام محظورة علي الأقل من 13 سنة
"p. g. 13)
والتي تحذر الآباء من مشاهد ليست مناسبة للأطفال تحت سن 13 سنة وقد
أضيف هذا التصنيف عام 1984 للإشارة إلي أفلام تتضمن مشاهد عنيفة
ولغة قبيحة ومشاهد جنسية.
¼
أفلام محظورة علي من هم أقل من 17 سنة وإذا كان المتفرج يقل عن هذا
العمر فيشترط اصطحاب الآباء.. وتري "هيئة التصنيف" ان هذا المستوي
من التصنيف يقصر الفرجة علي البالغين نظراً لفظاظة الألفاظ والعنف
والجنس الصريح والاستخدام المسرف للمخدرات.. غير مسموح لمن هم أقل
من 17 سنة
"Nc17)
وهذا التصنيف لا يناسب الأطفال والمراهقين وانه يمثل مرحلة أكبر من
التصنيف السابق.
وفي بلاد تتفشي فيها الأمية والفقر تؤثر السينما تأثيراً بالغاً
باعتبارها المصدر المتاح والأكثر قدرة علي الوصول للناس خصوصاً مع
وجود التليفزيون. ومن ثم تصبح مسئولية "الأحرار الثوار" مسئولية
مضاعفة ازاء المجتمع.. وعلي صناع الأفلام أن يراعوا "الله" في
زبائنهم.. وضمائرهم. |