لأن الشاشة الصغيرة، عادة، تجمع أمامها الأسرة الصغيرة، أو العائلة
الكبيرة، فإن النصائح المتكررة لكاتب المسلسلات، تتضمن بنودا من
نوع: ضرورة مراعاة مشاعر جمهورك، المكون من جد وجدة، زوج وشريكة
حياته، أبناء وأحفاد. الكل، فى ذات الوقت، يشاهد عملا واحدا،
وبالتالى عليك الابتعاد عن المواقف الفاضحة وتفاصيل عمليات القتل
والعنف وإسالة الدم، بالإضافة لتجنب بث روح الكراهية تجاه الآخرين،
خاصة أبناء الوطن.. أيضا، يستحسن أن تكون الأسرة هى مادة المسلسل،
وأن تعالج قضاياها الاجتماعية بروح أخلاقية، تتحاشى الألفاظ
النابية، ولا تلجأ إلى الإشارات التى قد تخدش إحساس المشاهدين.
مسلسل «صاحب السعادة»، الآمن، جاء مطابقا لكراسة الشروط، ينتمى
للكوميديا الاجتماعية. بطله الرئيس عادل إمام، الذى يجسد شخصية
تتواءم تماما مع مرحلته العمرية، وتأتى امتدادات على نحو ما، لدور
«خطاب النجارى»، الذى قدمه فى «عريس من جهة أمنية»، والذى كتبه نفس
المؤلف، يوسف معاطى، بإخراج على إدريس منذ عشر سنوات. «النجارى»،
كان شغوفا بابنته إلى حد الأنانية، هى وحيدته التى لا يجد ــ من
وجهة نظره ــ من يستحقها. ولكن الآن، أصبح «النجارى» «بهجت»،
القبطان المتقاعد، الذى ترك قيادة سفينة، متفرغا لقيادة سفينة
عائلته الكبيرة، المكونة من خمس بنات، بعضهن تزوج، أنجبن شلة من
أحفاد، فضلا عن «عائشة»، زوجته، بأداء جميل ومتوازن، من شريكته فى
الكثير من الأعمال.. لبلبة.
«بهجت»،
المحب لأبنائه وأحفاده، بنى لهم فيلا كبيرة، جعلهم يسكنون معه،
منتشيا بتوصيلهم لمدارسهم، بميكروباص يقوم هو بقيادته.. وعلى طول
المسلسل، وكما فى الحياة، تتوالى المشكلات، بين بناته وأزواجهن،
تصل لحد الانفصال والطلاق، وبينه وزوجته المحبة، العصبية،
المتشككة.. يحاول «بهجت»، برحابة أفق، مواجهة المتاعب، فالواضح أن
الحياة، وكبر السن، وتوالى التجارب، علمت الرجل الكثير من الحكمة،
وأكسبته قدرة على الصبر، فضلا عن رؤية النصف المملوء من الكوب.
المسلسل يتضمن عددا كبيرا من الشخصيات، وبالتالى تأتى حمولته أكبر
من طاقته، وتزداد الأمور تدهورا بطريقة اختيار الممثلين، فبنات
«بهجت» الخمس، تتداخل ملامحهن على نحو لا يجعلك تميز بوضوح بين
الواحدة وشقيقاتها.. كذلك الأمر بالنسبة للأحفاد، هم كتلة واحدة،
بلا فروق فردية.
فى المسلسل، يظهر إدوارد، الطباخ، بذات الأبعاد الموحدة التى
طالعنا بها فى أعمال سابقة، الاندفاع المحبط، التورم الذاتى،
التدخل فيما لا يعنيه.. كذلك الحال بالنسبة لأحمد عيد، النمط
الجاهز، المدرس الريفى الذى لا يخلو من سذاجة، السريع البكاء،
ويجسد رياض الخولى، بأسلوب تقليدى شهامة ابن البلد، وفقا للصورة
الذهنية التى خلفتها أعمالنا الدرامية.
لكن ثمة ما يستحق التوقف، وبالتحديد، وزير الداخلية الذى يشغل
مساحة غير قليلة، مع زوجته، اللواء وجيدة الأسيوطى ــ بأداء جيد من
نهال عنبر ــ وابنهما الضابط الذى يرفض أى وساطة أو حتى انتماء
للأب.. هنا، تجدر الإشارة إلى مسألة مهمة: إذا كنا ندافع عن حرية
إبداء الرأى فى ضابط فاسد، ووقفنا ضد مصادرة «أهل الإسكندرية» بسبب
ما قيل عن موقفه من وزارة الداخلية، فعلينا أيضا، قبول الصورة
المضيئة التى يقدمها المسلسل للوزير المتفانى فى مهنته، فاروق شهاب
الدين، الذى قام بدوره، بأسلوب خاص، يشوبه الافتعال، خالد زكى،
هنا، يتخذ الوزير موقفا نزيها، صارما، ضد زوجته، فينقلها، بلا
تردد، من منصبها، إلى ديوان عام الوزارة، بسبب عدم تحرى الدقة، فى
إصدار جواز سفر طفل، يتسلمه والده، ليهرب به للخارج، من دون علم
والدته المطلقة.
«صاحب
السعادة» عمل لطيف، يشيع قدرا غير قليل من الأمل، يدور فى أجواء
أقرب للأرستقراطية، يؤكد على ضرورة مراعاة أطفال يتهددهم انفصال
آبائهم، ويروج لقيمة الوئام، داخل العائلة الواحدة، وبين العائلة
وغيرها من المعارف والجيران، حتى لو كان الجيران من طبقة أقل جاها
وثراء. انه مسلسل «آمن»، قد يفتقر للعمق، ولكنه سلس ومريح، يناسب
الشهر الفضيل.
ابن حلال
كمال رمزي
السبت 26 يوليو 2014 - 8:10 ص
إنسان طيب، بسيط، يدخل ببراءة، إلى معترك الحياة. يتعرض لعاصفة من
الظلم، تهز كيانه. تحوله من حال لحال، يغدو شرسا، تظهر له مخالب
وأنياب، يبدأ مشواره القاسى للثأر من الجميع.
هذه واحدة من أهم الأفكار، الناجحة المفعول، التى تدور حولها
الأعمال الأدبية والفنية، تتوافر عند مرجعنا الثمين، نجيب محفوظ،
وفى أفلام عمنا صلاح أبوسيف. لكن الفكرة، فى حد ذاتها، لا تعنى
تحيزا مضمونا، فثمة شروط لابد من توافرها، كى يصبح العمل مقبولا
ومؤثرا.. وهى عوامل يتوافر الكثير منها فى هذا المسلسل، مما جعله
الأكثر شعبية، برغم عناصر ومناطق الضعف التى يعانى منها.
«ابن
حلال»، يعتمد على بطل واحد، يأتى بمثابة العمود الفقرى للعمل،
ينظمه من بدايته لنهايته، شخصيته التى حدد معالمها، بمهارة، الكاتب
حسان دهشان، وجدت من يجسدها بكفاءة حين اسندت للنجم الصاعد، بقوة،
محمد رمضان، الذى قدم من قبل، فى أفلامه، أدوارا مشابهة، لكن فى
هذه المرة، تمتد المساحة الزمنية لثلاثين حلقة، أتاحت له فرصة
التعبير عن عشرات الانفعالات المتغيرة، وهو فى هذا، مع مخرجه
إبراهيم فخر، يحافظ على طباعه الجوهرية، الموروثة من ناحية،
والمكتسبة من بيئته الصعيدية من ناحية أخرى. والدته، القادمة معه
من الجنوب الفقير، عفاف، بأداء تقليدى من هالة فاخر، تتسم
بالصلابة، والقدرة على الاحتمال، والعيش فى أشد الظروف عنتا. هو،
مثلها، على قدر كبير من الأمانة، والاستقامة الشخصية، مع قلة
الحيلة، والشهامة التى قد تبلغ حد التهور، بالإضافة لانعدام الخبرة
بالأخلاقيات الوحشية للمدينة، سواء ببلطجية الشوارع، أو بالعتاة،
ذوى الأسماء البراقة، الكبار، أصحاب الجاه والنفوذ.
محمد رمضان، يستوعب «حبيشة» تماما، يتحدث، من دون مغالاة، بلهجة
صعيدية، تزداد محليتها حين يتوتر.. وجهه النحيل، الأسمر، بتقاطيعه
الغليظة، المتسقة، وصوته، الواضح النبرات، وتفهمه، العفوى والواعى،
للمواقف المتباينة، العاصفة، كلها أمور ساعدته فى تجسيد ذلك الشاب
الذى سحقته الافتراءات.
«حبيشة»،
الهارب من ضيق الرزق فى الجنوب، مع والدته وشقيقه، يسكن فى حارة
فقيرة، يرصد المسلسل ملامحها البشرية، فيوفق تارة، ويخفق أخرى..
العلاقة بين والدة بطلنا وجارتها القبطية «إيفون» تتسم بشفافية
رقيقة، صادقة.. ثمة الأستاذ رشدى «محمود الجندى»، البخيل، الأنانى،
الانتهازى، الذى طرد ابنه ودفع زوجته للانتخار، وباع ابنته لأحد
الأثرياء، وانتهز فرصة غياب «حبيشة» ليقترن بشقيقته. انه يثبت أن
انحطاط الأخلاق والسلوك، يمتد لبعض ساكنى الحارات الفقيرة، وليس
حكرا على السادة فقط.. لكن المسلسل يقع فى هوة التنميط الجاهز،
عندما يقدم، بلا ضرورة، بهلول الحارة، بحركته العصبية المزعجة،
التى تقترب من الدمامة.. أو حين يطالعنا، مرارا، أحد شذاذ الآفاق
ــ اسمه صرصار ــ يكاد يقول فى كل لقطة «أنا شرير ومجرم».
فى المقابل، يتسلل المسلسل إلى العالم الناعم، لا ينعته كله بأسوأ
الصفات، لكن يفرز بين الصالح، وهم قلة: الصحفية والضابط.. فى
المقابل، هناك الطالح، وهم الأوسع نفوذا والأشد فاعلية، على رأسهم،
الوزير المبجل، طويل القامة، الهادئ، الموغل فى الفساد، بأداء ناعم
من أحمد فؤاد سليم، ومدير مكتبه، مخلبه، مسئول الأعمال القذرة،
الذى يتولى تنسيق إلصاق تهمه القتل بـ«حبيشة» بدلا من ابن الوزير..
جدير بالذكر ان الممثل الجديد، حسان دهشان، يضفى لمسات ابداعية على
دوره، فأحيانا، بنظرة عين مستترة، تلمح فيها كراهية للوزير، ولى
نعمته.. وفى نظرة أخرى، يبدو وكأنه يحتقر نفسه.
مسار السيناريو، وأحداثه، تتشابه مع واقعة مقتل ابنة المطربة ليلى
غفران وصديقتها ندين خالد، التى هزت الضمائر منذ أكثر من خمسة
أعوام. بعد تسكع القضية فى قذاعات المحاكم، نفذ الإعدام فيمن قيل
إنه القاتل، محمود سيد عبدالحفيظ عبساوى.. جاء المسلسل أخيرا، ومع
كل حلقة، يكتب فى مقدمتها أن الشخصيات، والوقائع، كلها، من الخيال،
ولا علاقة لها بأى أحداث شبيهة.. وبرغم انكار المسلسل لأى تشابه مع
ما جرى.. وبرغم ما آلت له القضية، واقعيا.. فإن الناس، وأنا منهم،
صدقوا ما جاء فى «ابن حلال»، أيا كانت أسطوريته، ولم يقتعوا
بالرواية الرسمية.
صدق أو لا تصدق
كمال رمزي
الثلاثاء 22 يوليو 2014 - 8:35 ص
آخر ما كنت أتوقعه، أن تغضب السجانات من طريقة تقديمهن فى «سجن
النسا»، بل على العكس، ظننت أن صورتهن فى المسلسل ستنزل بردا
وسلاما على قلوب تلك الفئة العاملة فى المجتمع، والتى تجنت عليها
الأفلام المصرية كثيرا.. السجانة، فى عالم الأطياف، تبدو وكأنها
قادمة من الجحيم، قوية البنية، قلبها كجلمود صخر، لا تعرف الرحمة،
قاسية الطباع والملامح، حتى أن بعض الممثلات الثانويات، الأقرب
للكومبارس، تخصص فى هذا الدور، على رأسهن تلك السيدة ذات اللون
الأسمر الداكن، بملامح وجه غليظة، وشعر أكرت، مجعد، بالإضافة لصوت
نحاسى ينذر بالخطر.. وهى فى الحياة، امرأة شعبية طيبة، اسمها فايزة
عبدالجواد.
على النقيض تماما من هذه الصورة النمطية الظالمة، ازدهرت الشاشة
الصغيرة بسجانات تمتلئ قلوبهن بالرحمة، من بينهن «إحسان»، بأداء
بديع من الموهوبة، سلوى عثمان، المتفهمة بعمق، لمعنى الصداقة وجوهر
الأمومة.. كانت ــ فى المسلسل ــ صديقة والدة البطلة، غالية،
زميلتها فى العمل، جارتها فى السكن، أصبحت الأم البديلة للشابة
الوحيدة. تحنو عليها، تقف إلى جوارها، وحين تتعرض «غالية» لمحنة
تدخل على إثرها وراء القضبان، تحاول مع مراعاة القانون، التخفيف من
وطأة الأيام السوداء، التى تعيشها «غالية»، تحتضنها بعينيها، مدركة
بإحساس صادق، أن ابنة صديقتها، مظلومة.. سلوى عثمان، تجسد شخصية
إنسانية على قدر كبير من النبل.
حاولت طوال الساعة، زمن أحد البرامج التليفزيونية، أن أتفهم وجهة
نظر سجانة، معترضة على صورة السجانات فى المسلسل، ومعها زوجها ــ
صاحب ميكروباص ــ ملتهب الانفعالات، يتشكى من مناداة البعض لزوجته
باسم «غالية»، وبينما أخذ المذيع وائل الإبراشى، يضحك فى كمه، بدا
الإرهاق النفسى واضحا على وجه ناقدنا المدافع عن حرية التعبير،
طارق الشناوى، وقد أدرك ــ فيما يبدو ــ أنه بإزاء «حالة» لا آذان
لها، لا تستطيع ان تسمع، ولا تريد أن تتفهم.
هذه «الحالة» الغريبة، تمتد لتشمل فئات فى أعلى السلم الاجتماعى،
منها على سبيل المثال لا الحصر، ذوو المعاطف البيضاء، أصحاب المهنة
النبيلة التى تخفف آلام الناس، الأطباء، الذين استنكروا، بلا أسباب
موضوعية، الصورة التى يجسدها مصطفى شعبان فى «دكتور أمراض نسا»،
مما دفعهم ــ حسب ما نشر فى الصحف ــ إلى رفع قضية تطالب بإيقاف
المسلسل، لأنه «يظهر صورة سلبية عن الأطباء».. «دكتور أمراض نسا»،
عمل كوميدى خفيف، يعتمد على المفارقات وانقلاب المواقف والفهم
المغلوط والمقالب، ولا يخلو من نقد اجتماعى وسياسى، معتمدا على
المآزق التى تتوالى على بطله، بكتابة أحمد عبدالفتاح وإخراج محمد
النقلى.
الدكتور عمر ــ مصطفى شعبان ــ من الناحية المهنية، يتسم بجوانب
إنسانية مشرقة، يبعث بالأمل فى نفوس من تتمنى طفلا، يقدم خدماته فى
الولادة، بلا تردد، وفى ظروف قاسية، يتحاشى توريط أحد، يقف ضد
الفساد، يراعى ويلتزم ويحترم قسم الأطباء.. إذن، لماذا الغضب؟..
عبثا تحاول أن تجد الإجابة.
ضيق بعض السجانات من «سجن النسا» لا منطق له، وكدر بعض الأطباء من
«دكتور أمراض نسا»، غير مفهوم.. لكن فى الحالة التالية، الأخيرة
هنا، وليست الأخيرة فى سلسلة القضايا، فإنها تأتى انزعاجا من إظهار
حقيقة.
فى الحلقة الثانية من مسلسل «صاحب السعادة»، يقف «بهجت» ــ عادل
إمام ــ بعربته، فى الطريق، لإنقاذ سيدة على وشك الولادة. يتجه
بها، وزوجها، إلى أقرب مستشفى.. وبينما الحامل تجأر بالصراخ، يرفض
الموظف المختص، بأدب وحسم، قبول «الحالة»، قبل دفع ثمانية آلاف
جنيه.. ولأن الزوج، المدرس، ليس فى جيبه سوى أربعمائة جنيه، فإن
بهجت يسلم الفيزا كارت الخاص به، كى يتسنى دخولها غرفة العمليات..
الموقف، وان كان كوميديا، فإنه صادق، وحقيقى، وبدلا من مناقشة
أسبابه، وتداعياته، وحقوق المواطن الذى تضطره الظروف للتوجه لأقرب
مستشفى، انتابت إدارة تلك المؤسسة الشهيرة موجة من الغضب، وقررت
إقامة دعوى قضائية ضد المسلسل.. الدعوى، فى جوهرها، يعنى تحطيم
المرآة، بعيدا عن معالجة أو تعديل ما تعكسه من واقع، يخجل منه
صناعه.. إنها قضايا تحتاج لتحليل وتفسير، وليس لقضاة وإصدار أحكام.
صديق العمر
كمال رمزي
السبت 19 يوليو 2014 - 8:25 ص
الخوف، إن لم يقتل الإبداع فإنه يطفئ ألقه، أو على الأقل، يمنع
التصريح بالحقائق كاملة. يدفع المرتجف إلى السير فى المناطق
الآمنة، صامتا، مؤدبا، متمنيا ألا ينتبه أحد لوجوده.. أظن أن صناع
هذا المسلسل تعرضوا لعواطف متوالية من مخاوف، أثارتها عدة جهات:
أسرة عبدالحكيم عامر، خاصة ابنه المحترم، الدكتور عمر، الذى يتفهم
المرء ويحترم، حساسيته تجاه سيرة والده التى يختلط فيها الحق
بالباطل.. وثمة حراس تراث عبدالناصر الأشداء، وعلى رأسهم ابنته
المثقفة هدى، بالإضافة لأحد رجاله المقربين، سامى شرف، الذى يقف
بالمرصاد، ضد كل ما يعتبره إجحافا بحق الزعيم.. بعدهما، بل قبلهما،
يأتى دور «الجهات السيادية»، التى تملك مفاتيح المنع والموافقة.
كاتب السيناريو، محمد ناير، اختار شكل «الفلاش باكات»، أو العودة
للماضى، من خلال ذاكرة عبدالحكيم عامر «باسم سمرة». المسلسل يبدأ
بلحظة نموذجية: أعقاب نكسة ١٩٦٧ وتحديد إقامة المشير، فمن المنطقى،
حين يداهم الإنسان حادث جلل، أن يراجع الماضى، فى محاولة لتفسير ما
جرى ومعرفة الأسباب التى أدت إلى ذلك المأزق.. إلى جانب
«الفلاشات»، ثمة الحاضر، بأيامه القليلة، القاتمة، الثقيلة، حيث
الحراسة المشددة أمام فيللا الرجل الثانى فى الدولة، الذى أفل نجمه.
بعيدا عما كان من الممكن أن يحققه هذا الشكل من حيوية وقوة إقناع،
جاء المسلسل على درجة كبيرة من الترهل والبلادة، فبدلا من أن تكون
المشاهد سريعة، تتضمن المواقف الساخنة، تكثف اللحظات الحلوة
والمرة، العامة والخاصة، فى حياة المشير، تجد أن المشاهد تتوالى،
على نحو سقيم، غالبا، تبدأ بالساعى، يخطر عامر أو ناصر، أن فلان
الفلانى على الباب، ويطلب مقابلته.. كالعادة، يقول الجالس أمام أو
بجانب المكتب «خليه يتفضل».. يدخل الضيف، وبعد ثرثرة مضجرة عن
الحال والأحوال والناس والأنجال، يدخل الضيف فى الموضوع، يسرد
حكاية، كأننا نستمع لإذاعة.. أحيانا، يلقى علينا محمد حسنين هيكل،
محاضرة، تتضمن تحليلات عن الموقف الدولى، وأحيانا تندلع مناقشات،
لا تخلو من حدة، بين الرئيس والمشير، تنتهى غالبا بتبادل لفافات
التبغ، يعقبها تعظيم سلام، من العسكرى للمدنى.
كاتب السيناريو المرتجف، تحاشى أن تكون له وجهة نظر.. وفى ذات
الوقت، تجنب تملس رؤية بطله، المشير، لزملائه، أعضاء مجلس قيادة
الثورة، وبالتالى، بدا أنور السادات، كمال الدين حسين، زكريا محيى
الدين، وغيرهم، مجرد عناوين، أو كومبارس، ناطق أحيانا.. كذلك الحال
بالنسبة للعنصر النسائى، بما فى ذلك برلنتى عبدالحميد، المقاتلة،
المتسمة برباطة الجأش، التى بدت كأنها إحدى زميلات البنات
الرومانسيات، خارجة توا من أفلام عبدالحليم حافظ.. جدير بالذكر أن
مشهدها الافتتاحى جاء موفقا، حيث شاهدها المشير، لأول مرة، فى ندوة
مع الفنانين، وكان لها موقف شجاع ضد التعامل الأمنى القاسى مع فنان
شباب.. ربما يكون الموقف مختلفا، لكنه يعبر عن شخصيتها من ناحية،
ويتجنب أبواب الجحيم التى كان من الممكن أن تفتح على المسلسل، لو
حقق ما قال به الأستاذ سامى شرف، بشأن اللقاء الأول الذى تم فى
سهرة أقامها طيب أو سيئ الذكر، صلاح نصر.
الأداء التمثيلى، إجمالا، بما فى ذلك جمال سليمان وباسم سمرة، يتسم
بالتواضع الشديد، يكاد يخلو من التلوين، فالمواقف، على طول
الحلقات، جوهريا، متكررة، تسير فى أفضل الأحوال، على وتيرة واحدة،
فإما مجرد تقارير عرض حال ما يجرى فى سوريا، أيام الوحدة
والانفصال، أو مناقشة، قد تتصاعد، تنتهى بوءام.
عثمان أبولبن، المخرج، اتبع أسلوب تسجيل الندوات التليفزيونية
المملة. اللقطات عامة ومتوسطة، الكاميرا الكسول تكاد تكون ثابتة،
ترصد ما يدور أمامها بخمول، لا تقترب من هذا الوجه أو ذاك، وكأنها
شأن المسلسل كله خائفة من كل شىء
سجن النسا
كمال رمزي
الثلاثاء 15 يوليو 2014 - 8:15 ص
ملاحظة تفرض نفسها قبل الحديث عن هذا المسلسل المتميز، الذى يجسد
أعلى مستويات الإبداع المصرى، فى مجال الدراما التليفزيونية..
الملاحظة تتعلق بانتشار السجون فى عدد لا يستهان به فى مسلسلات هذا
العام.
كما لو أن السجن أصبح له حضور قوى، مؤرق، ليس عابرا أو استثنائيا،
فى حياة المصريين، وهو لا يأتى من باب الهواجس والمخاوف غير
المبررة، ولأسباب نفسية لا علاقة لها بالواقع.. لكن، بقليل من
التفكير ينتبه المرء إلى ما حدث خلال الأعوام القليلة الماضية، حيث
بدا متكررا، فى سوابق غير معهودة، أن نرى، وراء القضبان، طوابير من
ذوى الياقات البيضاء: وزراء، مليونيرات، رجال أعمال، أعضاء ورؤساء
مجلس شعب، نشطاء سياسيين، وزير داخلية، بل أكثر من رئيس جمهورية..
ترى، ما أثر تلك الصور والمشاهد، على المواطن، أيا كان عمله أو
اتجاهه؟.. الإجابة تأتيك ممثلة فى السجون المتوالية، التى تطالعنا
فى مسلسل تلو الآخر، وعلى نحو مكثف، قد يحتاج لبحث ودراسة المختصين
بالعلوم الإنسانية.
تظهر السجون، فى حلقة أو عدة حلقات، فى مسلسلات تحمل أسماء مختلفة،
لكن فى هذه المرة، يحمل المسلسل عنوانا صريحا «سجن النسا»، الذى
كتبته المتمكنة من أدواتها، مريم ناعوم، عن مسرحية للمناضلة
الراحلة، فتحية العسال، التى عاشت تجربة الاعتقال، عدة مرات، أضافت
لخبراتها عشرات المعارف، بالبشر والواقع.. جاء المسلسل بتوقيع
صاحبة «ذات» و«واحد صفر»، كاملة أبوذكرى، المتمتعة بعين سينمائية
يقظة، وروح دافقة الحيوية.. وتنهض بالبطولة، الموهوبة، من شعرها
لظفر قدمها، سليلة أمينة رزق وفاتن حمامة وسعاد حسنى، ولكن على نحو
عصرى، نيللى كريم، لتضفى رونقها الخاص، على ذلك العمل الذى يثبت أن
البنات، فى هذه الدورة الرمضانية، هن الأعلى طموحا، والأشد تفوقا.
يقدم العمل بانوراما عريضة، فى العمق، لنماذج من نساء قست عليهن
الحياة، أو ساهمن بجهلهن، وسوء تقديرهن، فوجدن أنفسهن وراء
القضبان.. بناء المسلسل ينهض على مستويين، أفقى ورأسى، فالبطلات،
يتوالى ظهورهن، واحدة تلو أخرى، ومع كل واحدة، يتوغل السيناريو إلى
أعماقها، تاريخها، أفكارها، أمانيها، أسلوب تصرفاتها، وتتداخل
العلاقات، تتوالى الوقائع والأحداث، لتأتى «الدراما» ساخنة، بحوار
يتوافق مع طبيعة كل شخصية، فضلا عن لمسات أنثوية مرهفة.
باختزال وتكثيف، تبدأ الحلقة الأولى بمشاهدة افتتاحية لمهرجان
تنطلق فيه صواريخ احتفالية ملونة، تنتقل بعدها الكاميرا، مباشرة،
إلى ميتم فى شقة ضيقة، فى بيت متواضع داخل حارة بلا إضاءة.. ماتت
الأم، السجانة، طيبة الذكر، وتركت ابنتها «غالية»، بأداء نيللى
كريم، ذات الوجه الحساس، الذى ضاعت نضارته مؤقتا، بسبب الحزن..
بداية تعبر عن الانتقال من حال لحال. مرحلة جديدة فى حياة «غالية»،
التى تقرر، بناء على نصيحة جارتها، ــ إحسان «سلوى عثمان» ــ
الالتحاق بالعمل مكان والدتها، بواسطة من الجميع.. ولا يفوت نيللى
كريم، طبعا بتوجيه كاملة أبوذكرى، أن تتشمم، بمحبة، رائحة بذلة
والدتها، ذات اللون الكاكى، قبل ارتدائها.. على طول المسلسل، نشهد
مثل تلك التفاصيل الصغيرة، التى تعطى مذاق الحياة.
غالية، تربطها قصة حب مع سائق ميكروباص، صابر، الذى سيكون أحد
أسباب دمار حياتها، أو تعثرها على الأقل. الممثل الجديد، أحمد
داوود، القائم بهذا الدور، يثبت جدارة لافتة، قدرة فائقة على
التلوين، والانتقال من انفعال لانفعال، ساعده فى هذا شخصية الشاب
العشوائى التى رسمتها مريم ناعوم، وأدارتها كاملة أبوذكرى.. إنه
جذاب، رقيق حين يريد، يتمتع بقدرة على الإقناع، وفى ذات الوقت، وغد
لئيم، لا أخلاق له، مندفع وأهوج.
داخل السجن، نتعرف، مع «غالية»، على النماذج البشرية المتناقضة،
والمختلفة، والمتباينة، وندرك أن ما وراء القضبان، صورة للحياة فى
المجتمع «الحر»، فثمة التعيسة، الوحيدة، وهناك الملكة، التى تعيش
حياة ناعمة، بفضل المدد الذى يأتيها من الخارج، توزعه بسخاء على
السجينات والسجانات، مثل حالة عزيزة، سلوى خطاب، زوجة تاجر
المخدرات الكبير.. إلى جانب الاختلافات الفردية، يجسد العمل
اختلافات جماعية، فسجينات عنبر الآداب، بمرحهن، واهتماماتهن
بالماكياج، والملابس الداخلية، يتناقضن مع تجهم عنبر القاتلات، حيث
تصر الكثيرات منهن أنهن، إذا تكرر ما حدث معهن من غدر، حتما،
سيرتكبن ذات الجريمة.
كاملة أبوذكرى، لا يفوتها وهى تهتم برصد أحاسيس بطلاتها، متنقلة فى
لقطات قريبة، من الوجوه، أن تبث درجة عالية من الحيوية فى المشاهد
العامة، فموقف الميكروباص، على سبيل المثال، بزحامه، وباعته،
وأصواته المتضاربة، يغدو قطعة مكثفة من الحياة.. «سجن النسا»، عمل
كبير، مشرف، يستحق تأمله، مرة ثانية، وربما ثالثة.
سرايا عابدين
كمال رمزي
الأحد 13 يوليو 2014 - 5:45 ص
البذخ الزائد، غالبا يحمل معه عواقب ليست على ما يرام.. هذا ما
يؤكده المسلسل العجيب، المصقول، المتأنق، الذى، فيما يبدو انتقلت
له آفة الفنتظزة والفشخرة التى أصابت الحاكم الطموح، الخديو
إسماعيل، فأودت به، شخصيا، ومهدت لوقوع البلاد فى مصيدة الاحتلال.
الواضح أن نزعة الإبهار التى تمكنت من شركة الإنتاج، جاءت مصحوبة،
برغبة محمومة، فى كتابة عبارات طنانة من نوع اضخم عمل درامى عربى
إلى هذا اليوم.. «وبتواضع مزيف» منتفخ بالغرور، تواصل الشركة
كلامها عن هذه التجربة التى قد تغير مفهوم الإنتاج التليفزيونى فى
العالم أجمع.
بعيدا عن الأخطاء التاريخية، التى تثقل كاهل المسلسل، ويعنى أن
القائمين عليه، وكاتبته، هبة مشارى حمادة، لم يبذلوا جهدا جادا فى
دراسة تلك الفترة، بتضاريسها المعقدة، واستعاضوا عن التدقيق بحشد
عشرات النجوم ومئات الكومبارس، عساكر، جوارى، طهاة، خدما، فضلا عن
أربع زوجات مع وصيفاتهن.. كلهم، تم حشرهم فى سرايا عابدين التى ــ
تاريخيا ــ لم تكن قد بنيت قبل البداية الزمنية للمسلسل.
طوال الحلقات التى تم عرضها، لم تغادر الكاميرا «السرايا» اللهم
إلا للذهاب إلى قصر إبراهيم باشا فى سوريا، أو قصر الأخ مصطفى،
المنافس على دست الحكم، لذا بدت افاق المسلسل ضيقة، بل خانقة، فلا
حياة خارج ذلك المكان، لا شوارع ولا حوارى ولا أهالى، فقط أناس
يتحركون أمامنا، فى قاعات، وغرف نوم، وحمامات، وكأننا إزاء خشبة
مسرح، والكاميرا تتابع، بخمول، ما يدور من دسائس ونمائم ومشاكسات،
متحاشية اللقطات الكبيرة، القريبة للوجوه، ففيما يبدو أن جماليات
السرايا، بالنسبة للمخرج، عمرو عرفة، كانت أكثر إغراء فى متابعة
الانفعالات البشرية.. فى القصر، حضور الديكورات والاكسسوارات أقوى
وأوسع من حضور الشخصيات. اللقطات، تكتظ بالستائر، الكثيفة
والهفهافة، والشمعدانات المشتعلة غالبا، واللوحات الزيتية،
والمقاعد المذهبة، بالإضافة لباقات الزهور والتماثيل والرياش
والسجاجيد المتنوعة الألوان.. كلها عناصر تخطف عين المشاهد
بزخارفها، ولكن، تكاد تطمس معالم النجوم الكبار، الذين يرزحون تحت
ثقل ملابس وطرابيش وطواقى وباروكات تأتى من باب التباهى بسخاء
الإنتاج.
الأداء التمثيل، إجمالا، بالغ التهافت، سواء من المصريين أو الإخوة
العرب، وسواء بالنسبة للثانويين أو الأساسيين، بما فى ذلك نجمتنا
الأثيرة يسرا، التى أدت دور خوشيار هانم والدة الخديو، المتسلطة،
المستاءة والغاضبة، تطالعنا بباروكة شعر حالكة السواد، أكبر من
رأسها.. صحيح، يتجلى لها لمسة إبداعية كل عدة حلقات، مثل تسلل
أحاسيس الرقة والرحمة والوداعة إلى ملامح وجهها وهى تتأمل، بحنو،
ملامح وليد، خرج إلى الحياة توا.
فيما عدا لحظات ألق عابرة، وقعت يسرا فى شرك لغة حوار «تركى» يحاكى
ما هو مكرر فى المسرح التجارى المصرى، فى الثلاثينيات، والمكتوب
بهدف الإضحاك والسخرية من حكام الاستانة، فإلى جانب «عفارم»
و«عفاريم» تتحدث «خوشيار» إلى وصيفتها كذكر فتقول«إزاى تاخد قرار
بدون علم حظرتنا»، وأحيانا تقول «حضرتنا» تارة تنطق الحاء هاء
فتردد «همام تركى» ثم تردد «حمام تركى».. وبدلا من الخديو تقول
«الخديفى» ناهيك عن «سوس» و«خرسيس» و«انسراف» بدلا من «انصراف».
على الرغم من حالة التجهم التى اتسمت بها «خوشيار هانم» فإن يسرا
بدت كما لو أنها تمزح، وتشارك فى عمل كوميدى أقرب إلى الهزل.. وهل
يوجد «هزل» أكثر من صرف الملايين على مسلسل من الخزعبلات؟.
سماجة
كمال رمزي
الثلاثاء 8 يوليو 2014 - 5:45 ص
مصر بلد كبير، راسخ، يتلألأ بالنجوم فى المجالات كافة، ضياؤه يجذب
مواهب العالم العربى، يلمعون فى سمائه، ويزيدون ألفة، يأخذون
ويعطون. لكن البعض، غالبا عن جهل وغرور وضيق أفق، يتصرفون على نحو
شديد التدنى، يبدو فيه الوطن صغيرا، هزيلا، يفتقر الثقة فى الذات..
هذا الكلام بمناسبة تلك الموجة القاتمة، المندفعة من نفوس مريضة،
أعيتها الكراهية، تحاول، عبثا، العصف بشخصيات أثبتت جدارتها
بالنجاح الذى تحققه، على الشاشتين: الصغيرة والكبيرة.. وهى، على
سبيل المثال لا الحصر: ليليان داود، هند صبرى، جمال سليمان.
ليليان داود، مذيعة متمكنة، محددة الأسلوب، متخصصة فى البرامج
الحوارية، تطرح قضايا على درجة كبيرة من الأهمية، لا تقاطع ضيوفها،
ولا تضع الكلام فى أفواههم، ولا يتوه منها الخط الأساسى للمناقشة.
ثقافتها عريضة، ذكية، بسيطة فى مكياجها وملابسها، دمثة الألفاظ،
تسيطر على انفعالاتها، سريعة الإيقاع، تختار موضوعاتها بعناية، تهم
المجتمع المصرى، تختار ألفاظها بعناية، لا تتصادم ولا تجرح من
تختلف معه.. إنها لون لبنانى متأنق، امتزج بدفء الطابع المصرى،
وبالتالى، تعد مكسبا لإعلامنا.. مع هذا، وجدت من يهاجمها بلا سبب
أو منطق، فإلى جانب الملحن العجيب الذى لا يتوقف عن مطالبة رئيس
الوزراء بترحيلها، ثمة صاحب قناة فضائية، تظاهر، على الهواء، أنه
لا يتذكر اسمها، وأخذ يسأل المصور ومعد البرنامج عن المذيعة ذات
الأنف الطويل، وبطريقة مفتعلة، يزعم أنه لا يسمع بوضوح، فيقول
«إيه.. بليان.. بلبان..».. ويواصل، شأنه شأن الملحن.
هند صبرى، الوافدة من تونس، دخلت فى نسيج السينما المصرية. جواز
سفرها يتمثل فى موهبتها وجديتها، فهى ذات وجه شفاف، يعبر عن أدق
الأحاسيس، تنتقل بملامحه من انفعال لآخر، بصدق وتكثيف، عيناها تنطق
بما يجول فى وجدانها.. فى القاهرة، تقدمت من نجاح لنجاح. جسدت،
بمهارة، جوانب من عناء وطموح البنت المصرية، العربية. إنها، من
أسباب تفوق «مواطن ومخبر وحرامى» لداود عبدالسيد 2001، و«ملك
وكتابة» لكاملة أبوذكرى 2002، و«بنات وسط البلد» لمحمد خان 2004..
منذ سنوات قليلة حققت نجاحا كبيرا بمسلسلها الساخر، المتميز «عايزة
أتجوز» الذى أخرجه رامى إمام، ويعاد عرضه فى الكثير من القنوات..
فى هذا العام، تنهض ببطولة مسلسل «إمبراطورية مين» الذى كتبته
مؤلفة «عايزة أتجوز»، غادة عبدالعال، بتوقيع المخرجة مريم أبوعوف،
يدور حول أسرة تعود إلى مصر عقب الثورة، ويرصد، بعيون نقدية، بعض
المظاهر السلبية ــ وما أكثرها ــ لكن البعض، ممن تنقصهم شجاعة
الاعتراف بالواقع، رأى أن المسلسل يتجنى على الوطن، وأن المسئول عن
هذا الإجحاف هو هند صبرى، وكأنها هى المؤلفة والمخرجة والمصورة
والمنتيرة، ولأن المقدمات الخاطئة تؤدى إلى خلل النتائج، اندفع
«البعضشى» فى تجريح نجمتنا، وبلغ به خطل الرعونة إلى المطالبة
بإعادة هند صبرى، الحاصلة على الجنسية المصرية، إلى تونس.. مطلب
سخيف وسمج، لا يتأتى إلا من نفوس مريضة وقلوب معتمة.
طبعا، من حق الجميع نقد المسلسل، ورفضه إن شئت.. لكن الملاحظة
المزعجة، التى تنبئ بانتشار نزعة التعصب المقيتة، تمتد من حالة
لحالة، وتستهدف فنانا تلو الآخر، وها هى السهام الكريهة تنطلق تجاه
النجم السورى، جمال سليمان، حيث من الممكن أن يتفهم المرء عدم
اقتناع البعض بطريقة أدائه لشخصية جمال عبدالناصر، بل من حق
المشاهد أن يرفض «صديق العمر» جملة وتفصيلا، لكن حين يقال إنه لا
يليق بممثل سورى القيام بدور زعيم مصرى، فإن الجهل المركب يكمن فى
هذا القول، فأولا، جمال عبدالناصر، لفترة ما، شغل منصب رئيس
الجمهورية العربية المتحدة «مصر وسوريا»، أى أن الفنان السورى يجسد
شخصية «رئيسه».. ثانيا، وهو الأهم، ليس هناك ما يمنع قيام فنان
بأداء دور قائد أو زعيم من جنسية أخرى، ولعلنا نتذكر براعة الفنان
البريطانى بن كنغسلى فى تقمصه للزعيم الهندى، غاندى، على نحو أتاح
له الفوز بجائزة الأوسكار.. ولا يمكن نسيان أداء أنطونى كوين
الخلاب لشخصية المناضل العظيم عمر المختار.. ليليان داود، هند
صبرى، جمال سليمان، وغيرهم، مصابيح مضيئة فى سماء الفن المصرى.. لا
يليق بأحد أن يحطمها، أو يطلق سخائمه عليها.
فيفا أطاطا.. والكبير قوى
كمال رمزي
السبت 5 يوليو 2014 - 5:10 ص
لا يزال المصريون قادرين على الضحك، بل يسعون إليه، كتابا
ومشاهدين، دليلى على هذا مائدة المسلسلات الرمضانية العامرة
بالكوميديات، بشتى أنواعها، منها الجديد، وربما العابر، ومنها
المنطلق من نجاحات سابقة، تعتمد على مواصفات فكاهية مؤكدة المفعول،
أغلب الظن أنها ستستمر لدورات تالية، ذلك أن الشخصيات التى تظهر
فيها لم تفقد سحرها بعد.. هذا الأمر ليس غريبا على الفن المصرى،
سواء فى المسرح أو على شاشة السينما: نجيب الريحانى، مرارا، قدم
«كشكش بك»، عمدة كفر البلاص، الطيب المتلاف، فى عدة اسكتشات مسرحية
قبل أن ينتقل بها إلى أفلام قصيرة فى أواخر الثلاثينيات. كذلك
الحال بالنسبة لعلى الكسار، بربرى مصر الوحيد.. ثم إسماعيل ياسين.
هذا العام، من بين ثمانية أعمال كوميدية نشهد مسلسلين يعتمدان على
شخصيات سابقة التجهيز، أثبتت حضورها المثير لبهجة الضحك من قبل:
أطاطا.. والكبير أوى.
أطاطا، طالعتنا من قبل فى «عوكل.. لمحمد النجار 2004» الفيلم يحمل
اسم بطله، بأداء محمد سعد الذى يؤدى أيضا دور جدته «أطاطا»، حيث
تقع مفارقة مدهشة. أطاطا هى الأعمق حضورا، والأشد حيوية، من عوكل
نفسه، فما أن تظهر حتى يدب النشاط الانفعالى على الشاشة، وعندما
تغيب تخلف إحساسا أن ألقا ما اختفى.
«أطاطا»
ذات طابع كاريكاتورى، شكلا ومضمونا.. بدينة، ضخمة الأرداف، ثقيلة
الحركة والسمع والنظر، وجهها نحيل، ضخمة الأنف، رفيعة الشفاة،
عيونها حولاء، شعر رأسها الخفيف مصبوغ بالحناء.. جوهريا، تحطم
الصورة التقليدية للجدة الطيبة التى أرصت دعائمها أمينة رزق، فردوس
محمد، ثريا فخرى، ربما كان فى أطاطا شىء من مارى منيب، وشيئان من
نجمة إبراهيم ونعيمة الصغير، ولكنها أطول لسانا، وأعمق إيغالا فى
الشر، غاضبة دائما، عنيفة، قوية الشكيمة، بذيئة الألفاظ، ذات صوت
أقرب لصرير الأبواب الصدئة.
محمد سعد، حالة خاصة فى السينما، مثيرة للجدل، فبينما البعض لا
يطيق طلته، تجد البعض الآخر، وأنا منهم، يرى فيه كوميديانا كبيرا،
واسع الحيلة، يسيطر على ملامح وجهه، يستطيع الانتقال بمهارة من
شخصية لأخرى، ناهضا بها على نحو يجعل لها استقلالية تتيح لها أن
تغدو بطلة مسلسل كامل.. تجربة «فيفا أطاطا» تستحق المتابعة.
أما «الكبير أوى» بأداء أحمد مكى، فإنه للموسم الرابع، يحجز مكانه
على الخارطة الرمضانية، ما يعنى توفر عوامل نجاح تؤدى
للاستمرارية.. أحمد مكى، متعدد المواهب، يجيد التقمص، خاصة فيما
يتعلق بالأنماط، فالشاب العابث، المدلل، سليل الأثرياء، صاحب الشعر
الكثيف، الأكرت، الضخم، المستخف بكل شىء، يجسده باسم «هيثم دبور»
فى أكثر من فيلم.. ثم، وجد ضالته فى «الكبير قوى» عمدة كفر
«المزاريطة»، يذكرنا بعبدالرحيم بيه، كبير الرحيمية قبلى، مع فارق
عشرات السنوات، وبالتالى اختلاف القضايا التى يتعرض لها كلا
الرجلين.. الكبير قوى ـ أو أوى ـ بعد انتصاره على المطاريد يفرض
ذات الإتاوات التى كانت العصابة تجبر الأهالى على دفعها.. يموت
الرجل تاركا ثروته وسلطته لأبنائه الثلاثة، لكل منهم طباعه، مزاجه،
طريقة تصرفاته، ملابسه، صوته.. الطريف، والصعب، أن أحمد مكى يؤدى
بتمكن الشخصيات الثلاث، وقد جعل لكل منهم تفصيلات تميز الواحد منهم
عن الآخرين.. واللافت للنظر ذلك الجهد الخلاق، الذى بذله المخرج
أحمد الجندى، فى تنفيذ المشاهد التى تجمع الأشقاء سويا.. إنه مسلسل
شأنه شأن «فيفا أطاطا» يستحق المشاهدة.
بين المكان.. والزمان
كمال رمزي
الثلاثاء 1 يوليو 2014 - 7:45 ص
بغزارة، ستنهمر علينا مسلسلات رمضان، وهو أمر طيب فى كل الأحوال،
من مزاياه تقليل برامج «التوك شو» السياسية، الجاثمة علينا منذ
فترة ليست قصيرة، فضلا عن إثبات حضور الفن المصرى، الذى وجد فى
الشاشة الصغيرة تعويضا عن خفوته على الشاشة الكبيرة.. الواضح،
والمأمول، أننا سنشهد تنوعا ثريا هذا العام، من مظاهرة اختلاف
اتجاهات الدراما التليفزيونية، ويعبر مبدئيا، عن نضج كتاب
السيناريو، واستيعابهم للفروق الواضحة، والخفية، بين أنواع
المسلسلات والتى نتلمس بعضها فى أعمال تتبلور فيها «دراما المكان»
وأخرى تعتمد على «دراما التاريخ».
بعض الأماكن، تتسم بطابع نابض بالحيوية، تتدفق فيه الأحداث،
وتتوالى النماذج البشرية، منها الدائم والعابر، مثل محطة القطار،
الميناء، المستشفى، المقهى، قسم الشرطة .. ثمة أكثر من عمل يندرج
فى باب «دراما المكان»: «سجن النساء» المأخوذ عن مسرحية بذات
العنوان، بقلم الأديبة المناضلة الراحلة «فتحية العسال» صاحبة
التجربة الحياتية العميقة، الواسعة، حيث سبرت أغوار السجينات، حين
انخرطت بهن، بعد أن زج بها، وراء القضبان، لأسباب سياسية.. غالبا،
سنشاهد عملاء جيدا.
سواء عرض «أهل إسكندرية» أو لم يعرض فالمتوقع أن يغدو فى المسلسلات
المهمة، الأكثر نجاحا، سبب التوقع يرجع للإنجاز الذى حققه مؤلفه،
الموهوب الذكى، بلال فضل، الذى قدم من قبل «أهل كايرو» واستطاع
بخبرة ودراية النفاذ إلى ما يدور فى قمة وقاعة المدينة.. الغموض
يحيط بمصير «أهل اسكندرية» أن العمل موجود فعلا على الخريطة
الرمضانية، الأيام ستبين الحقيقة، وحينها، سيكون لكل حادث حديث.
فى «شارع عبدالعزيز» وعلى مدى ثلاثين حلقة، يرصد الكاتب أسامة نور
الدين، تلك التغييرات التى تعتمل فى بنية الشارع التجارى العريق،
الملىء بالصراعات، الخشنة والناعمة، والذى شهد صعود وأفول أبطاله،
وينتهى بوصول «زيزو» ــ عمرو سعد ــ إلى آخر حدود النجاح، ماليا
وسياسيا، عقب نجاحه فى انتخابات مجلس الشعب المشبوهة عام 2005،
وبينما يتيه الرجل المحظوظ بما وصل إليه، تنطلق رصاصة غادرة لتصيب
شقيق العريس فى مقتل .. ولأن الشارع لايزال مفتوحا، بقضاياه وناسه،
وحيويته، تفتحت أمام شركة الإنتاج، إمكانية تقديم جزء ثانٍ، بدأت
الشخصيات وبقلم مصطفى سالم هذه المرة.
دراما الشخصيات الكبرى لها سحرها، ظلت مهيمنة على تاريخ المسرح
الموغل فى القدم، منذ أيام الإغريق، بشعرائهم العظام، إيسخيلوس،
سوفكلس، يوربيديز.. إلى ما بعد وليم شكسبير. البطل ملك أو بطل
عظيم، يتحلى بالنبل وقوة الشكيمة، لكن يتعرض لمأساة، بسبب أخطاء
ارتكبها.. وبرغم نجاح الإنسان العادى فى إزاحة المشاهير من فوق
خشبة المسرح، وعلى الشاشتين، الكبيرة والصغيرة، ظل للملوك والرؤساء
والأمراء حضورهم المحبب، المثير لنزعة الاستطلاع والرغبة فى
المعرفة، خاصة إذا تلامست حياة هؤلاء الأبطال، مع ما يعيشه الجمهور.
ثلاثة مسلسلات تعتمد على شخصيات شهيرة، أو على الأقل، مما يطلق
عليه «علية القوم» ثمة «السيدة الأولى» الذى كتبه ياسر عبدالمجيد
وعمرو الشامى.. تعبير «السيدة الأولى» يرتبط فى الأذهان بالسيدتين:
جيهان السادات، ثم سوزان مبارك، قبلهما، أطلق على زوجة عبدالناصر
«حرم الرئىس» ولا أحد يتذكر زوجة محمد نجيب.. قبلهن، كانت الملكة
ناريمان، الكاتبان أصدرا بيانا «مريبا» يؤكدان فيه أن أحداث
المسلسل فى «نسج الخيال» وفى ذت الوقت يزعمان أن عملهما مقتبس من
«مسلسلات لاتينية معروفة عالميا تم تمصيرها لتلائم الواقع المصرى!..
ولم يفت غادة عبدالرازق الإعلان عن أن البطولة التى تقوم بها لا
علاقة لها بالسيدة سوزان مبارك. هذا النفى المبكر، المتوالى لا أحد
يصدقه إلا بعد المشاهدة.
فى «سرايا عابدين» تعود الكاتبة الكويتية هبة مشارى إلى ما يزيد عن
القرن والنصف لتقدم جانبا عما يدور فى بلاط الخديو إسماعيل «1930
1ــ 1995» ببطولة يسرا، التى تؤدى دور خوشيار هانم والدة الخديو..
يحق لنا أن نتساءل: ما الذى قرأته الكاتبة فى الواقع المصرى، وقصور
الكويت، جعلها تراجع تلك الأيام الخوالى.
جعبة المسلسلات التاريخية تشمل تراجيديا «صديق العمر» حسب رؤية
ممودح الليثى ومحمد ناير.. أغلب الطن أن العمل سيثير مناقشات جادة،
ربما حامية، فالأحداث التى تبدو بعيدة عند الأجيال الجديدة، تغدو،
بالسنبة لنا، كبار السن، كما لو أنها وقعت بالأمس القريب. كل منا،
الأجيال والأفراد، له تفسيراته وتقييماته، لابد أن يقارنها بما
يطرحه المسلسل، عندئذ، ثمة كلام آخر. |