محسن محيي الدين في حديث من القلب:
للدراما أعود مع «أوراق التـوت»
حوار : رضا الشناوى
محسن محيي الدين فنان ذو مواصفات خاصة جدا وأجمل صفاته أنه يتحرك
منذ ظهوره في السبعينيات بدقة وخطوات محسوبة لاختيار الأدوار
المتميزة تاركا بوصلته تغوص في عالم الإبداع والتفوق ما بين
السينما والمسرح والتليفزيون.. وقد استطاع أن يثبت عبر الأعمال
التي قدمها أن لديه طاقات فنية متعددة عرف من خلالها طريقه
للنجومية وبالتحديد منذ أن اكتشف موهبته المخرج العالمي الراحل
يوسف شاهين الذي قدمه في روائع أفلامه إسكندرية ليه والوداع يا
بونابرت. مع بداية التسعينيات ابتعد لفترة بسبب أزمة الخليج ولكنه
صحح المسار بالعمل مخرجا لأفلام الكارتون ومقدما للبرامج الدينية
خاصة بعدما تعرض فيلمه «انتفاضة» لأزمة مع الرقابة بسبب فكر النظام
السابق.. وهاهو يعود بنقطة تحول كبيرة في مسيرته الفنية من خلال
مسلسل أوراق التوت.. حول الكثير مما تعرض له من مشاكل ورغبته في
التحدي بعودة قوية وأشياء أخري دار الحوار مع الفنان محسن محيي
الدين.
·
ما حكاية اعتزالك للفن ثم توجهك للعمل بالبرامج الدينية وكارتون
الأطفال؟
-
لم أعتزل الساحة الفنية وما حدث نوع من تصحيح المسار حيث عملت بعد
توقفي عن تقديم الأعمال الدرامية مقدما لبرامج دينية منها محمد
عظيم الدنيا والآخرة.. أحباب الله ـ إيمانيات ـ أنوار الصالحين..
وقمت بإخراج برنامج شباب الإسلام.. وقدمت برامج كارتون للأطفال من
تأليفي وتنفيذي وإخراجي ومنها تعاليم السنة ولكن بشكل فني حديث
تعاظم ولع الجمهور بها خصوصا في الدول الأوربية والخليجية.
·
ولكن يقال إن رفض فيلمك «انتفاضة» وقتها كان السبب الحقيقي لتوقفك
عن السينما؟
-
بالفعل كنت أقدم سيناريوهات لأفلام سينمائية وللأسف كان يتم رفضها
لجرأة موضوعاتها ورقابة ما قبل ثورة يناير 2011 وكانوا يعتبرونها
مخالفة لفكر النظام ووقتها تقدمت بفيلم «انتفاضة» وكان يدور حول
الشباب الذي يسافر لإسرائيل ويتزوج وينجب أبناء.. وبالطبع حسب
قانونهم يعتبرون يهودا.. وقصدت في مضمون الفيلم أنه لا يصح أن يهرب
أولادنا لهناك ولا نتخذ ضدهم الإجراءات اللازمة.. وفوجئت بهجوم
شديد وتم رفض الفيلم والغريب أن الصحافة كانت تنتقدني وسيناريو
الفيلم موجود بالرقابة ولم يظهر للنور.. وهذا كان للعلم بفعل
فاعل.. وبعد أن فهمت ما يحاك ضدي من مؤامرات جاء توقف السينما بسبب
حرب الخليج لمدة عشر سنوات بمثابة طوق الإنقاذ لي رغم تعرضي لظلم
كبير مع جيلي الذي أنتمي إليه.
·
ويتردد تقديمك لأدوار ممتعة قبل تركك للساحة مباشرة؟
-
قدمت تجربة ممتعة جدا في أفلام يشار إليها بالبنان منها فيلم شباب
علي كف عفريت من تأليفي وإنتاجي وإخراجي وتحدثت فيه عن مشاكل
الشباب وغياب نموذج ابن البلد الحقيقي بكل أشكاله ومتناقضاته بسبب
صراع المادة، وقدمت أيضا نماذج لقضايا متنوعة موجودة في نسيج
المجتمع وذلك في أفلام اللعب مع الشياطين وإلا أمي والمذنبون
الأبرياء.. وقدمت أيضا مسرحية مسألة مبدأ علي مسرح الدولة..
وبصراحة أنا أعشق هذه النوعية من الأدوار لأنها تمس الوجدان وتصل
بسرعة لقلوب المشاهدين.
·
ولكنك قدمت أعمالا يغلب عليها الطابع الكوميدي هل تنوي تقديم
مثلها مستقبلا؟
-
كل أعمالي الفنية دراما اجتماعية هادفة تغوص في مشاكل الحياة
والأسرة وتطرح حلولا لها ولكن بالفعل يحدث في أعمال كثيرة منها ما
يسمي بكوميديا الموقف داخل نسيج العمل فمن هنا يأتي الضحك
والابتسامة مثلما حدث في مسلسل فيه حاجة غلط وعلي بيه مظهر والأخير
قدمته مسرحية بنفس الاسم ـ ونفس النوعية قدمتها أيضا في مسرحية سك
علي بناتك.
·
ماذا اكتسبت من أفلامك مع الراحل يوسف شاهين؟
-
الراحل يوسف شاهين من أهم فناني ومخرجي مصر والوطن العربي ويحق
القول إنه أكاديمية فنية عالمية.. وبالفعل تعلمت منه الكثير في
جوانب دراسة الشخصية التي أقدمها من بدايتها لنهايتها بكل ما تحمله
من أبعاد نفسية والمؤثرات التي تؤثر فيها اجتماعيا وثقافيا وسياسيا
مما يؤدي لجعل الأداء مختلفا ومميزا، هذا بخلاف تعلمي الدقة
والتركيز من جلوسه لفترة طويلة عند كتابته لأي فيلم حيث كان لا
يترك شيئا للصدفة ولهذا وصلت كل أعماله للعالمية.. بعكس ما يحدث
هذه الأيام من سلق منتجين ومخرجين لأفلامهم في مدة أسبوعين وكأن
هناك سباقا علي من ينجح في إنهاء تصوير فيلمه قبل الآخر.
·
ألم تأت فرصة للمشاركة مع خالد يوسف؟
-
كانت علاقتي بالمخرجين يسري نصر الله وأحمد محرز ورضوان الكاشف
وعاطف الطيب.. فهؤلاء جميعا كانوا مساعدين ليوسف شاهين.. ولكني لم
ألتق بالمخرج خالد يوسف ولم أتعامل معه.. ولكن كل أعماله تؤكد أنه
مخرج جيد ومتميز ولو أتيحت لي الفرصة للعمل معه فلن أتردد.. بحيث
يكون العمل جيدا والدور يناسبني ويضيف لي جديدا.
·
إحك لنا.. كيف جاءت عودتك للتليفزيون بالتحديد؟
-
سبق وقدمت بنوع من حنين للثورة فيلما روائيا قصيرا خلال فترة
إخراجي لكارتون الأطفال والبرامج الدينية بعنوان «خيط ضعيف» وكان
يدور حول علاقة المحبة والإخاء والإنسانية بين المسلمين
والمسيحيين.. والفيلم لاقي نجاحا كبيرا خلال عرضه بالتليفزيون ـ
وبعدها فكرت رغم توقف عجلة السينما في تقديم فيلم آخر من تأليفي
بعنوان «الخطاب الأخير» ووقتها اتصل بي الفنان والمنتج تامر
عبدالمنعم للمشاركة في بطولة مسلسل المرافعة ـ وأعجبتني القصة
والثراء الدرامي في الدور حيث كشف الصراع بين رجال الأعمال في مجال
البيزنس ـ وفكر كل واحد واتجاهاته فمنهم من استقطبه الحزب الوطني
وآخر مع الإخوان.. ومع الأحداث انكشفت المصالح والفساد الذي تسبب
في وجود الانقسام والشروخ في مجتمع الأسرة.
ويكمل الفنان محسن محيي الدين ويقول: أما في مسلسل فرق توقيت فقد
تعرض لكل التفاصيل الخاصة برب الأسرة الذي يعلم إمكانيات أبنائه
وطموحاتهم ولكن يأتي الصراع شديداً وسط المتغيرات ليفكك أحلام بناء
الأسرة ويسعي الأب لإيجاد حلول للقضاء علي هذا التفكك.. وللعلم فقد
جاء ظهوري في المسلسلين فرصة جيدة ليعرفني الجيل الجديد.. وبعدها
أستطيع العودة إلي السينما.
·
السينما المصرية هل تجاوزت أزمتها؟ وهل أوفت سينما ثورة 25 يناير
بالغرض؟
ـ لم أشاهد غالبية الأفلام التي خرجت فترة ما بعد ثورة يناير ـ
ولكن أعجبني مما شاهدته فيلمي «صرخة نملة وبنتين من مصر» فكلاهما
يحمل بداخله معالجة جديدة لأفكار وقضايا جديدة.. وبالنسبة للسينما
فهي مازالت تحتاج للكثير.. وأري أنه بعد مؤتمر الإبداع الذي دعت
إليه مؤسسة أخبار اليوم العريقة سوف تحدث انفراجة بعد تعاون الجميع
في الحقل الفني، وللعلم دائما ما يحدث بعد كل ثورة اختلاف في
الأعمال الفنية بدليل تقديم أفلام متميزة بعد ثورة 1952 وجميعها من
علامات السينما المصرية ووقتها كان أيضا هناك أفلام لايت وبعد
النكسة ظهرت مثل هذه النوعية.. ونحن علي أمل حدوث الانفراجة وغياب
تقديم نوعية الأفلام التجارية وتغيير فكر الرقابة حتي نشاهد أفلاما
راقية المستوي وتعود السينما لريادتها علي الساحة العربية
والأفريقية والعالمية.
·
هل هناك شخصية معينة تتمني تجسيدها؟
-
حققت نجاحاتي في كل شخصيات أعمالي وآخرها مسلسلا فرق توقيت
والمرافعة.. وهنا أوضح أن الممثل يجب أن يجسد كل الشخصيات ولا يبقي
حبيسا في إطار شخصية معينة خاصة أننا بعد مرحلة النضوج الفكري
والعقلي واكتساب الخبرات يجب أن نعيش اختيار الأدوار بالبوصلة التي
تعرف مسارها لخدمة الوطن وطرح حلول لمشاكل المجتمع.
·
أخيرا ما هو جديدك علي الساحة الفنية؟
-
أستعد لتصوير مسلسل جديد بعنوان أوراق التوت وهو عمل فني ضخم تدور
أحداثه في إطار تاريخي حول فترة انتشار الإسلام وأشارك في بطولته
مع نخبة كبيرة من النجوم منهم كمال أبورية ـ خالد زكي أحمد فؤاد
سليم ـ صابرين ـ سميحة أيوب ـ هايدي كرم والسورية صفاء سلطان
والسعودي ماجد العبيد، المسلسل تأليف أيمن سلامة وإخراج هاني
إسماعيل وأؤكد أن الدور سيكون نقلة فنية جديدة في مشواري الفني.
قراءة في مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية
بعد الترميم.. زوجة فرعون» فيلم الافتتاح
بقلم : نعمــــــة الـلـــــه حســـيـن
في أحضان التاريخ وبين أروقة معبد الأقصر «طيبة».. شهدت العاصمة
الفرعونية القديمة افتتاح مهرجان الأقصر للسينما المصرية
والأوروبية في دورته الثالثة.. والذي تقيمه مؤسسة نون الثقافية
برئاسة د. محمد القليوبي.. وبرئاسة د. ماجدة واصف.. وقد تم تكريم
الفنانة (لبلبة).. وأهديت الدورة لروح سيدة الشاشة العربية فاتن
حمامة التي رحلت عن دنيانا منذ فترة قصيرة.
أما رئيس شرف الدورة الثالثة فهو الفنان التشكيلي «آدم حنين».. وقد
بلغ عدد الأفلام المشاركة في المهرجان (66) فيلما في الأقسام
المختلفة.. حيث ضمت المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة
(16) فيلما.. أما الأفلام القصيرة (12) فيلما .. بالإضافة إلي
البرامج التالية المشاركة في المهرجان.. برنامج (ليالي المصرية)..
ويعرض بها أربعة أفلام حديثة.. وبرنامج لتكريم السينما الفرنسية
ويشتمل علي سينما المرأة.. وأفلام لتكريم «إيف بواسيه» رئيس لجنة
التحكيم الدولية.. وأخيرا برنامج عن السينما الفرنسية الحديثة.
ويشارك في لجنة التحكيم الفنانة لبلبة بالإضافة لكل من «أليني
كوسيفيدو» منتجة من اليونان.. «إيبرهاد سبرنج» صحفي وناقد من
ألمانيا.. والممثلة النرويجية (جان هيلتبرج) ورئيس مهرجان بلجراد
من صربيا.. والمخرجة الشابة «هالة لطفي».
هذا بالإضافة إلي تكريم خاص للصديق العزيز الراحل «فايز غالي»
السيناريست اللامع الذي فقدناه وخسرته السينما المصرية.. قدم فيها
عددا من السيناريوهات الجادة لأفلام ناجحة تعد علامة في السينما
المصرية.. رحل «فايز غالي» عاشق الحياة قبل أن يحقق حلمه الكبير
بإنتاج فيلم عن طفولة السيد المسيح.
ومن أفضل وأهم الأفلام التي قدمها «الطريق إلي إيلات» إخراج إنعام
محمد علي.
أما في قسم السينما العربية فقد عرض فيه خمسة أفلام «قصة ثواني»
إخراج لارا سابا إنتاج لبنان والإمارات.. الجمعة الأخيرة إخراج
يحيي العبد الله إنتاج مشترك (الأردن ـ الإمارات) والنهاية إخراج
هشام العسري من إنتاج المغرب.. والفيلم الوهراني لياس سالم وهو
إنتاج فرنسي جزائري.
وقد احتفل المهرجان بمئوية المخرج الراحل الكبير «صلاح أبو سيف»
بعرض ستة أفلام «بين السما والأرض.. القاهرة 30.. أنا حرة.. الزوجة
الثانية.. الوسادة الخالية.. وشباب امرأة».
كما تم الاحتفال أيضا بمئوية المخرج الكبير «كامل التلمساني» بعرض
فيلمه الشهير «السوق السوداء» الذي أخرجه عام 1945 وشارك معه في
كتابة السيناريو الفنان القدير «بيرم التونسي».
أما فيلم الافتتاح فهو «زوجة فرعون» للمخرج الألماني الشهير «لوبينش»
وذلك بمناسبة ميلاد هذا المخرج الكبير والذي تم إخراجه عام 1918..
وكان قبل هذا الفيلم قدم فيلما قصيرا صامتا بعنوان (عيون
المومياء).. وقد ضاع هذ الفيلم.. أما «زوجة فرعون» الذي اختير
كفيلم الافتتاح فقد عرض أول مرة عام 1922 في الولايات المتحدة
الأمريكية.. ولقد فقدت النسخة الأصلية.. وقد تم بالصدفة العثور علي
أجزاء منه في عدة بلدان منها «روسية» وأخري باللغة الإيطالية..
وكذلك بعض المشاهد بالألمانية في متحف الفيلم بميونيخ.
ولقد أمضت د. فريدة مرعي مايقرب من عشرين عاما في البحث عن هذا
الفيلم وترميمه.. ولقد كانت النسخ في حالة يرثي لها كما تقول د.
فريدة.. لكن بكفاءة وجهود شركة (ألفا أوميجا ديجيتال) التي يرأسها
المرمم المتخصص «توماس بكلز» وهذه هي النسخة الوحيدة شبه الكاملة
علي مستوي العالم كله.
الفيلم صامت يحكي عن فرعون مصر القوي الذي يخشاه الشعب.. لكنه يقع
في حب الجارية اليونانية لابنة ملك الحبشة الذي مفترض أن يتزوجها..
ويطالب ملك الحبشة باسترداد جاريته.. إلا أن الفرعون يقرر الزواج
منها وألا يسلمها له.. وبسبب ذلك تقوم حرب شعواء يقود فيها ملك
الحبشة.. جيوشه لغزو مصر الفيلم صور في صحراء برلين حيث شيد المخرج
مدينة فرعونية كاملة مستوحاة من جنوب مصر.. ولقد اهتم بالملابس
الفرعونية.. واستخدم مجاميع كثيرة في استعراضات مذهلة تفوق كل
إمكانيات هذ العصر.. وقد ساعدت الأرض الصحراوية الشاسعة علي تحريك
هذه المجاميع خصوصا وقت الحرب وتلاحم الجيوش.
وفي اليوم الأول للمهرجان عرض الفيلم الفرنسي «محطة قطار الشمال»..
«gare du mard»
للمخرجة الفرنسية «كلير سيمون».. والذي يشارك في بطولته كل من
الممثل ذي الأصول الجزائرية «رضا كاتب».. والفنانة القديرة «نيكول
جارسيا».. وقد شاركت «كلير» بنفسها في تصوير الفيلم بالإضافة
لمشاركتها في كتابة السيناريو.
والفيلم كما تقول فكرته تعود لمشاهدتها فيلم الراحل «يوسف شاهين»
«باب الحديد».. وفيه تستعرض حياة مجموعة من الأشخاص يتلاقون في
محطة القطار وتنشأ بينهم علاقات إنسانية.. محطة القطار هي مخصصة
للقطارات المتجهة إلي أوروبا.. تلتقي فيها بجنسيات متعددة وهي ترمز
لفرنسا بلد الحريات ولحياة الأقليات العرب.. وأفارقة وآسيويين
وبالطبع فرنسيين.. وتبرز تفسخ العلاقات بين البشر.. فها هو الأب
الذي فقد ابنته في زحمة الحياة ويبحث عنها.. والزوجة التي تعاني من
مرض السرطان والإهمال من زوجها وتذهب للعلاج الإشعاعي بعد الكيماوي
بمفردها.. ولكي تختصر الطريق تمر من داخل المحطة لتلتقي صدفة
بإسماعيل الذي يهتم بها.. ويظل بجوارها قبل إجراء الجراحة التي
تتوفي بعد إجرائها.. وحكاية سيدة أخري شابة جميلة تترك زوجها
وطفليها الصغيرين لتحقق أحلامها في النجاح في العمل لتدرك بعد ذلك
مدي الخسارة الفادحة في فقدانها محبة أبنائها والألم الشديد الذي
سببته لهم.
الأشخاص كلهم يعيشون حياة استثنائية.. وإن كانت واقعية وما أكثر
الأشخاص في حياتنا الذين تلتقي بهم صدفة لكنهم «يعلمون» في
حياتنا.. ولا تستطيع نسيانهم أبدا.
في مسابقة الأفلام الطويلة كانت هناك أفلام جيدة بعض منها عرض في
مهرجان «كان» الأخير وحقق نجاحا جماهيريا.. وفوزا من بينها الفيلم
الروسي «ليفياثان» للمخرج «اندري زفياجنتسيف».. والفيلم التركي
«جزيرة الذرة» للمخرج «جورج أوفاشفيلي».
وقد سبق أن قدمنا «حقل الذرة» أو «جزيرة الذرة» في رسائل مهرجان
مونبلييه السينمائي الأخير.. ولقد حصل الفيلم يومها علي جائزة لجنة
تحكيم الصحافة الدولية.. بالإضافة إلي لجنة التحكيم الدولية.
أما الفيلم الروسي «ليفياثان» إخراج «اندري زفيا جنتسيف» والذي
يعكس فساد الحياة السياسية في روسيا.. ومافيا الإثراء علي حساب
ممتلكات الدولة والأفراد مستغلين نفوذهم السياسي.
وقد سبق أن عرضنا أيضا هذا الفيلم في رسائل مهرجان «كان» الأخير..
وكانت مجلة آخر ساعة سباقة في هذا الموضوع.
كانت هذه بعضا من ملامح مهرجان الأقصر للسينما المصرية
والأوروبية.. وتحية لكل المشرفين عليه.. لأنه مهرجان جاد.. لا
يعتمد علي أي بهرجة.. أو يهتم بها بل يقدم نوعية راقية من الأفلام
وهذا ما نحتاجه.
صورة إنسانية: «لبلبة».. بنت مصر الجديدة
كتب : نعمة الله حسين
«لبلبة
صاحبة القلب.. الذي لا يعرف سوي الحب.. الحب لكل الناس.. لا غيرة..
ولا حقد.. ولا حسد.. حالة من الرضا الكامل بما كتبه لها ربها
وبالقسمة والنصيب.. تجعلها تنام هادئة براحة بال.. وذهن صاف..
وضمير مرتاح.
عشقت الفن.. وأفتقد أمي
بسيطة بدون ادعاء.. متواضعة لاتعرف الغرور.. مما يجعلها قريبة من
القلب.. عفوية المشاعر والكلام.. قادرة علي طي المسافات بينها وبين
من يلتقي بها.. يحوطها التقدير والاحترام.. هي للناس البسيطة من
جمهورها علي اختلاف طبقاته ابنة وأخت.. أم وزوجة.. من فرط حنانها
وحبها للآخرين.. وقدرتها علي العطاء بلا حدود.
عرفت الشهرة والأضواء منذ كانت طفلة صغيرة.. احترقت كالفراشة
الرقيقة من شدة الوهج.. فقد سرقتا منها طفولتها وعاشت الشقا قبل
الأوان ولكنه «الشقا» اللذيذ النابع من حبها للفن وبإيمانها بنفسها
إنها تقف في المكان الصحيح لها في الحياة تدعمها والدتها وتساندها
في كل خطوة .. هذه الأم الراعية كانت «لنونيا» مؤسسة داعمة للفن
والفنون.
آمنت بموهبة ابنتها فاحتضنتها «وحابت عليها» ترعاها وتصقل من
موهبتها.. برحيلها «انكسر» ظهر لبلبة.. لكن حب أهل الفن من زملائها
وأصدقائها.. «رد» فيها الروح.. جعلها تتماسك ليقف معها ووراءها
جمهورها من الصغار.. والكبار.
الصغار الذين عشقتهم وأعطتهم من عمرها الكثير وقدمت لهم مايزيد عن
الثماني والعشرين أغنية مع الموسيقار الرائع الراحل «عمار الشريعي»
والشقيقين «سيد وشوقي حجاب».
أيتام مصر وأطفال الملاجئ يعرفونها ويحبونها فهي تذهب إليهم في
الخفاء تمضي معهم ساعات طويلة تلعب معهم تشاركهم طفولتهم في محاولة
لإسعادهم.. ليس حبا فقط.. لكن ربما بحثا عن سعادة ضاعت منها
صغيرة.. حيث لم يكن في وسعها أن تلعب مع الأطفال الصغار.. حيث لا
وقت سوي للعمل والعمل الذي كانت تعشقه.. دون أن تنسي أن هذا القلب
العامر المليء بالحب خاصة للأطفال يشبع «أمومة» حرمت منها بسبب
معشوقها الفن.
قالت لي يوما ما.. أدخل محلات اللعب لأشتري العرائس الصغيرة..
وعندما يلاقيني أحد.. أشعر بالكسوف وأقول «ده لبنات أختي» لكن
الحقيقة أنها تشتريها لنفسها لأنها لم تملك الوقت أبدا للعب.. ورغم
«الشقا» الذي جعلها مصدراً أساسياً للدخل للأسرة.. فإنها لم تكن
أبدا «مدللة» أو «مميزة».. لأن الأم وهي سيدة عظيمة كانت تدرك أن
«المال.. والشهرة» من الممكن أن يفسدا «آخر العنقود».. البنت التي
(جت) غلط بعد ثلاثة أطفال ولدين وبنت.. وكانت تفكر في الخلاص منها
بعدما عرفت أنها حامل.. لكن الخوف من ربنا.. أبعد الأفكار السوداء
عن ذهنها.. ولتصبح فيما بعد هذه البنت الآن أحسن الأبناء.. وأقربهم
للأم.
رحم الله هذه الأم الطيبة التي كانت «لبلبة» تعمل لها ألف حساب..
وهي الفنانة الكبيرة.. فكانت ترفض أن تتأخر في المساء خوفا من
والدتها.. ولا تأكل شيئا إلا وتجلب لها مثله من أي مكان في العالم
تسافر إليه.. «لأن اللقمة الحلوة» لازم أن تقتسمها معها.. ولذلك
أنا أفتقدها بشدة.
«نونيا»
جميلة.. روحها شابة.. تضحك ضحكة صافية قائلة.. «طول عمري وأنا في
حالي .. لا أحب الصراعات.. ولا الخناقات.. وماعرفش أتعامل إلا مع
الناس اللي بحبهم.. راضية وقنوعة بالمقسوم.. لكن هذا لايؤثر علي
طموحي الفني.
هذا الطموح النقي هو الذي جعلها تغير جلدها وصورتها من الفتاة
الحلوة الشقية إلي الأدوار الصعبة التي حصدت بها جوائز عديدة.
الله يرحمك « ياعاطف يا طيب» اسم علي مسمي فقد كان حبوبا وعطوفا
وطيبا.. لاتستطيع لبلبة أن تتمالك دموعها وهي تتحدث عنه.. قالت لي
وللجميع بعد ذلك «أنا مدينة في حياتي الفنية بالكثير لعاطف الطيب..
لقاؤنا الأول كان في مهرجان «كان» حيث اعتدت علي التردد عليه منذ
سنوات طويلة.. وقد عرفني بالطيب القدير «وحيد حامد».. وفي المساء
كان هناك حفل.. وكنا جميعا مدعوين.. ولاحظت أنه بيراقبني.. أو
بمعني أدق بيراقب تعبيرات وجهي.. ولما أنظر إليه.. كان يدير وجهه..
وقد استغربت بشدة واندهشت لأنه إنسان شديد التهذيب.. وعندما عدنا
لمصر اتصل بي بعد فترة ليعرض علي دور المحامية في «ضد الحكومة»
«خفت» بشدة وقلت له ذلك.. لكنه أجابني وهو يشجعني «أنا متأكد من
نجاحك».
هذه الحكاية وبنفس دقة هذه الكلمات قالتها لي «لبلبة» وهي تمسح
دموعها وكان ذلك عام 1997 أي منذ عشرين عاما تقريبا.. وكانت هي نفس
الكلمات التي روتها في المؤتمر الصحفي الذي عقد لها.. وأيضا لم
تتمالك دموعها.
هذا هو صدق «لبلبة» حديثها دائما واحد لايتغير.
صادقت «لبلبة» الفنانة.. ونونيا الإنسانة ورافقتها في سفريات عدة..
ولم أجد فرقا كبيرا في سلوك الإنسانة عن الفنانة قدر كبير من
الاحترام والالتزام.
«لنونيا»
طريقة مشي مميزة جدا.. قلت لها يوما من أين تأتين بهذه الرشاقة..
أجابتني من حياتي المعتدلة.. لا أشرب.. ولا أدخن أمارس الرياضة (الأيروبك)
يوميا.. وأعشق ركوب الخيل.
عندما سئلت «نونيا» عن سنها لم تحاول الهروب من السؤال وقالت أخبي
عمري ليه؟ الناس عارفاني ما أقدرش أضحك عليهم لأنهم لو حسبوها
حايوصلوا للرقم الصحيح.. أنا في عمر ولادهم شوفي دول بقي عندهم قد
إيه بقي؟
مايقرب من ثلاثين عاما.. وأنا أعرف «نونيا» عن قرب.. ظلمتها بهذه
المعرفة.. لأني لم استطع أن أكتب عنها سوي مرة واحدة.. كلمات كانت
شديدة الصدق جعلتني إلي اليوم عاجزة عن إعادة الكتابة عنها من
جديد.. ومحاورتها.. لأنها صورة إنسانية موضوعة داخل إطار من الصدق
لايمكن تغييره.. إنه «الصدق» و«البساطة».. التي تملك بهما كنوز
الدنيا وأقصد بها (حب الناس). |