ذكاء طارق العريان المعروف ببطئه في إنجاز أعماله جعل فيلمه الجديد
يتألق عبر إيقاع محكم، وسرد مليء بالمفاجآت والتحولات الدرامية.
هكذا، احتل الشريط المرتبة الثالثة في إيرادات شباك التذاكر
القاهرة
| خمس
إلى ست سنوات، استغرقها المخرج طارق العريان لإنجاز فيلمه الجديد
«أسوار القمر» وطرحه أخيراً في الصالات المصرية. سنوات تغير فيها
الكثير بدءاً من الظرف السياسي المحيط، وصولاً إلى شكل وتطور أبطال
العمل منى زكي، وآسر ياسين، وعمرو سعد، وسلوى محمد علي. هذا الأمر
شكل تحدياً كبيراً لصناع الفيلم (كتابة محمد حفظي وتامر حبيب)،
خصوصاً أن الشريط ينتمي إلى أفلام الإثارة والتشويق.
لكن جودة النص الذي عمل عليه أكثر من مؤلف وحبكته، وذكاء طارق
العريان المعروف ببطئه في إنجاز أعماله (آخر عمل قدمه للسينما كان
«تيتو» عام 2004)، جعلت «أسوار القمر» يتألق عبر إيقاع محكم، وسرد
مليء بالمفاجآت والتحولات الدرامية. هكذا، احتل الفيلم المرتبة
الثالثة في إيرادات شباك التذاكر في مصر.
هو الحب الذي يكتب الأشخاص، ويجعلهم يشهدون تحولات حقيقية، بل حادة
في بعض الأحيان في حياتهم، وتلك التركيبات النفسية المعقدة
والمتداخلة هي المساحة الدرامية التي لعب عليها بذكاء حفظي وتامر
حبيب في صياغة دراما العمل التشويقية. القصة في الأساس ليست فقط
حكاية علاقة فتاة برجلين مختلفين. فهذا المنطق قد يصنع فيلماً
درامياً رومانسياً. لكن الإثارة تكون من خلال اللعب على تناقضات
المشاعر والشخصيات، خصوصاً أنّ الفيلم ينطلق مباشرة من نقطة
الصراع. يبدأ بمشهد للبطلة الكفيفة (تجسدها منى زكي) التي تتحسس
طريقها باتجاه البحر، حيث استيقظت بعد حالة إغماء شديدة.
أداء مكتمل لآسر ياسين ومنى زكي وعمرو سعد تجعلنا نشعر أنها فقدت
البصر جراء الوقعة، تتحسس طريقها خارج حجرتها، وتأخذنا إلى البحر
لنكتشف معها أنّ هناك رجلين يتصارعان إلى حد الموت ويقتتلان
لأجلها. يحملها المنتصر في المعركة وهو آسر ياسين الذي يخرج مسرعاً
من البحر، ويجذبها من يدها وهي تصرخ «مش شايفة حاجة. بالراحة أنا
مش شايفة حاجة» وينطلق بسرعة فائقة بسيارة كانت تقف أمام ذلك
المنزل الصيفي. وسرعان ما يلحق به الغريم (يجسد دوره عمرو سعد)
فيصدمه آسر بسيارته. إلى هنا والإيقاع لاهث وسريع، والكاميرا كأنها
تلاحق الشخصيات. سرعان ما يتصل آسر بطبيب زوجته، ويخبره أنه أحمد
زوجها، وأن فقدان الذاكرة قد عاودها من جديد، ثم يصطحبها بالسرعة
نفسها إلى يخت بحري كبير يحمل اسم زينة وهو اسم البطلة. ينطلق
مسرعاً خوفاً من ملاحقة الغريم الذي يأتي بالفعل في أثرهما رغم
انقلاب سيارته.
هذا الإيقاع اللاهث والمتلاحق للأحداث لا يجعلنا نركز على الهاتف
المحمول القديم الذي ينتمي إلى بدايات تصوير الفيلم وتعلقه البطلة
في رقبتها. من خلال جمل حوارية قليلة بين آسر ومنى، نفهم أنه زوجها
وكانت بينهما قصة حب غير تقليدية حافلة بالجنون، وأنها تركته وذهبت
مع حبيبها وخطيبها الأول. نفهم ذلك عندما يصرخ في وجهها «انتي
تعملي في كدا فعلاً انتي مش فاكرة حاجة.. اسمعي كل حاجة متسجلة
بصوتك على موبايلك». يتركها في حجرتها على اليخت مع صوتها لنسمع
حكايتها والصراع بينها وبين نفسها، وبينها وبين رشيد، وأحمد ليتفرغ
الأخير لمطاردة رشيد.
من خلال صوت زينة أو منى، نتعرف إلى علاقتها بأحمد، ذلك الرجل
الناجح في عمله، المهذب الذي يحبها حد العبادة، وينال رضى أمها،
ويدفعها دفعاً إلى التطوّر في مجال الكتابة مهنتها. إلا أنه طوال
تواجدها معه، تشعر أن هناك شيئاً ناقصاً غير مكتمل. روحها تحتاج
إلى التحرر رغم كل محاولات أحمد في التقرب منها ومن أصدقائها. يلحظ
أحمد تهربها كلما سألها عن موعد الزواج، ما يجعله ينسحب من حياتها
بهدوء، ويعلن على فايسبوك ارتباطه بأخرى. تهرب زينة إلى الغردقة
مكانها المفضل على البحر. هناك تصر على التعرف أكثر إلى رشيد، ذلك
المتحرر المنطلق الذي تتنافس عليه السيدات. إلى هنا وكان يمكن أن
يكون الصراع تقليدياً حيث «الحب والموت والمطاردة والانتقام»،
خصوصاً أنّ الفيلم في بعض المناطق يجعلنا نستدعي بعضاً من التركيبة
الدرامية لفيلم «النوم مع العدو». لكن حالات العمى وفقدان الذاكرة
المتتالية لزينة تجعل السيناريو يتلاعب بالبطلة وبالمتفرج معاً.
وهو ما أعطى لسيناريو «أسوار القمر» عناصر تميزه. سرعان ما يحدث
التحول لنكتشف أن آسر هو رشيد المتحرر المنطلق ومدمن المخدرات، وأن
عمرو سعد هو الزوج المثالي المحب عكس ما اعتقدناه في البدايات
ونتيجة تشويش البطلة.
ذلك التحول الذي أتاح لكل شخصية في العمل أن تلعب دورين مختلفين
كزينة أو منى التي تقدم واحداً من أفضل أدوارها على الإطلاق.
الفتاة المتحررة المنطلقة التي تجرب كل شيء مع رشيد الذي يأخذها
إلى عوالم بعيدة ومختلفة، والكفيفة التي تعاني من نوبات فقدان
ذاكرة. وبعد صدمتها في رشيد، تعود إلى رشدها، فتصبح أكثر تعقلاً
ونضجاً، وتكتشف مساحات جديدة في نفسها وفي أحمد الذي تركته ثم تعود
إليه مجدداً بعد طلاقها. نرى أيضاً النجمين عمرو وآسر يتبادلان
الأدوار مع التحول الدرامي في الأحداث الذي جعل بعض المشاهدين في
الصالة يشهقون مع تصاعد الأحداث.
معظم الأحداث تم تصويرها على شاطئ الغردقة، وفوق أحد المراكب. وإذا
كان الحب يمثل قلب الحكاية، فإن الموت حاضر أيضاً بقوة. يقول رشيد
المغامر الذي لا يتوقف عن تعاطي المخدرات إن والده حكى له في
طفولته قصة أسطورية، إلا أنها باتت تشكل وجدانه ويؤمن بصحتها هي
أنّ هناك أسواراً خلف القمر يذهب إليها الموتى. وإذا أراد أحد أن
يكلم الموتى، فعليه أن ينتظر اكتمال القمر. لا يكتفي رشيد بذلك، بل
يأخذ زينة إلى مكان وسط جزيرة بعيدة انتحر فيه شاب وفتاة مثل روميو
وجولييت، وهو المكان الذي يحملها إليه بعد اختطافها من زوجها
ليموتا سوياً ويشكل الموت ذروة تصاعد الحدث.
نجح طارق العريان إلى حد كبير في قيادة عناصر العمل فنياً. قدم مع
حفظي عملاً تجارياً مصنوعاً بدقة وبروح أميركية، تجذب المشاهد
المصري بدءاً من الاختيار الجيد لأبطاله الثلاثة الذين تنافسوا في
ما بينهم، خصوصاً مع التحول الدرامي المفاجئ في النصف الثاني من
الأحداث. وساعده في ذلك «المونتير» الذكي الذي أدرك قيمة الإيقاع
في كل مشهد. الحال نفسها بالنسبة إلى مدير التصوير أحمد المرسي
الذي وظف إضاءته درامياً لتعكس الكثير من انفعالات الأبطال وتطور
الأحداث، ومهارته في تصوير كل المشاهد الخارجية والمطاردات.
«القرط»:
ماذا بقي من الثورة إلا... البذاءة؟
نورالدين بالطيب
تونس
| «القرط»
أو «جمل بروطة» هو الشريط التسجيلي الثاني للسينمائي الشاب حمزة
العوني الذي انطلقت عروضه في الصالات التونسية أخيراً. شريط موجع
ومؤلم وبذيء بذاءة الواقع الذي يعيشه الشباب التونسي الذي كان يحلم
بجني ثمار الثورة فسرقها الانتهازيون والحكام الجدد. يكشف الشريط
(٨٧ دقيقة) واقع الشباب التونسي بين زمنين: زمن بن علي وزمن الحكام
الجدد، إذ امتد التصوير من عام ٢٠٠٧ الى ٢٠١٢. استعمل العوني آلة
تصوير محمولة ليرصد يوميات الشابين خيري ومحمد، والشاب الثالث عبد
القادر الذي يحضر حيناً ويغيب أحياناً. من خلال الشبان الثلاثة،
نرى واقع الشباب التونسي في منطقة ذات كثافة سكنية عالية وهي
«المحمدية» ذات الحقول الخلابة التي اختارها ملك تونس مصطفى باي
لبناء قصر بديع، لكنه توفي قبل أن تنتهي الأشغال. واصل عملية
البناء أحمد باي الذي أراده على النسق المعماري لقصر فرساي الذي
اكتشفه في زيارته إلى فرنسا عام ١٨٤٦. من خلال الشريط، نكتشف كيف
تحوّل القصر الذي يعد أحد المعالم التاريخية زمن حكم الحسينيين عام
١٧٠٥ وانتهى بإعلان الجمهورية عام ١٩٥٧، الى بناية مهجورة يلجأ
إليها العاطلون على العمل حيث يشربون الخمر الرديء ويدخنون
«الزطلة» (نوع من المخدرات) ويمارسون الجنس مع العابرات.
انه شريط موجع، كتب الواقع كما هو بلا مساحيق وبلغة بذيئة، لم يترك
كلمة نابية في قاموس اللهجة التونسية الشعبية لم يستعملها للتعبير
عن حنق الشباب التونسي على بلاده في العهدين. لم يمنحاهم شيئاً الا
البطالة والاحتقار والتهميش ليصبح الحلم الوحيد هو الهروب إلى
ايطاليا عبر زوارق الموت المعروفة بـ «الحرقة». إذ يلتهم البحر كل
شهر منذ سنوات عشرات الشبان ضحايا أوهام الهجرة والجنة الأوروبية.
يحفل الشريط أيضاً ببعض الكلمات الإيطالية.
يرصد العمل خيبة الشباب التونسي من الواقع رغم الانتفاضة
خيري ومحمد يعملان في تجارة «القرط» (علف الحيوانات) ويقضيان اليوم
في حجرة شاحنة كبيرة لبيع علف الحيوانات بين المدن والقرى مقابل
أجر زهيد لا يتجاوز ٩ دولارات. في الليل، يلتقيان مع أبناء الحي في
القصر الحسيني لشرب الخمر الرديء، وتدخين الزطلة ورثاء حياتهم
التافهة. فهم يدورون في المكان نفسه بلا أمل ولا طموح، فعبد القادر
أصابته رصاصة خلال الثورة، فأصبح يعيش بساق واحدة وخيري في لحظة
سكر يسكب البنزين على جسده، فيحترق لينهي حياته مشوّهاً.
إنّها المرارة الكاملة التي تفوح من هذا الشريط التسجيلي البديع.
واقع الاحباط ومرارة الخسران وفقدان الأمل التي تلتهم حياة الشباب
التونسي (٦٠٠ الف خريج جامعة عاطل عن العمل) لم تترك مجالاً لجميل
الكلام. إنّها بذاءة الواقع وقسوته اللتان نجح حمزة العوني في
التقاطهما من خلال ثلاث شخصيات بدا واضحاً أنّه اختارها عن قصد
وبعد دراسة عميقة. لذلك، لم تكن صدفة أن يحصل الشريط على «التانيت
البرونزي» خلال مهرجان «أيام قرطاج السينمائية» الأخيرة عام 2014.
الطاهر الحداد في قبضة المتشددين
نور الدين بالطيب
تونس
| للمرة
الأولى في تاريخ تونس، يتعرض النصب التذكاري لرائد تحرير المرأة
الطاهر الحداد ( ١٨٩٩-١٩٣٥) الى التحطيم منذ وضعه في مدينته الحامة
(جنوب تونس من محافظة قابس). هذه الحادثة المؤسفة التي وقعت أمس
الأحد، مثلت جريمة رمزية استهدفت أحد رواد الإصلاح والتحديث وتحرير
المرأة في تونس. كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" (الصادر
سنة١٩٣٠) مثل آنذاك ثورة تصدت لها المؤسسة الدينية الرسمية ممثلة
في «جامع الزيتونة». وتم تكفير الحداد و"إخراجه من ملة الاسلام"
ومنعه من العمل كوكيل للمحاكم الشرعية (محام). وتعرض لحملة صحافية
غير مسبوقة بسبب أفكاره التنويرية التي تدعو إلى تمكين المرأة من
التعليم والعمل وحقها في الزواج ممن تحب ورفع الوصاية عنها. وبسبب
أفكاره، عانى الحداد التشرد والبؤس والفقر ومات وحيداً منبوذاً،
ولم يشيعه إلى المقبرة إلا عدد قليل من أصدقائه الذين تضامنوا معه
ضد الحملة الشرسة التي استهدفته.
ولم ينل الحداد الشاعر والصحافي والنقابي والمناضل السياسي الوطني
حظه من الاهتمام إلا بعد استقلال تونس سنة ١٩٥٦، فكان صدور مجلة
الأحوال الشخصية التي حررت المرأة، تتويجاً لنضاله من أجل حريتها.
وخلال عقد الستينات، تم إنجاز نصب تذكاري في وسط مدينة الحامة مسقط
رأسه تقديراً لجهوده في تحرير المرأة وتحرير البلاد ودفاعه عن
العمال من خلال كتابه "العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية"
الصادر سنة ١٩٢٧، وكذلك مساهمته في تأسيس «جامعة عموم العملة
التونسيين» التي كانت أول تنظيم نقابي في تونس أسسه الحداد مع ابن
بلدته الحامة الزعيم محمد علي الحامي سنة ١٩٢٤. كما كان من مؤسسي
الحزب الحر الدستوري سنة ١٩٢٠ مع الزعيم الإصلاحي عبدالعزيز
الثعالبي، وكان أول ناطق رسمي لهذا الحزب الذي كان أول حزب تونسي
يظهر بعد الاستعمار الفرنسي عام ١٩٨١.
الاعتداء على النصب التذكاري لرائد تحرير المرأة كان صدمة للقوى
الديمقراطية والحقوقية، خصوصاً أنّه تم في ثاني يوم من تولي
الحكومة الجديدة التي يقودها «حزب نداء تونس» الحكم. وهذا الحزب
جعل الطاهر الحداد مع الزعيم الحبيب بورقيبة مراجع أساسية في
أدبياته السياسية. كما رفع شعار المحافظة على مكاسب المرأة
التونسية التي كان منظّرها الأساسي الطاهر الحداد. وواضح من خلال
هذا الاعتداء الذي أدانته الحركة النسوية والديمقراطية أمس أنّ
المتشددين أرادوا أن يوجهوا رسالة الى الحكومة الجديدة والى الرئيس
الباجي قائد السبسي مفادها "أننا هنا" قادرون على ضرب مكاسب الدولة
والمجتمع. وتحدى الناشطون حركة «النهضة» الإسلامية بأن تصدر بياناً
تدين فيه هذا الاعتداء الذي وقع في مدينة تحظى فيها بأغلبية سياسية
كما ينحدر منها زعيمها راشد الغنوشي. وستكون هذه الجريمة إحراجاً
كبيراً لحركة «النهضة» التي تدّعي الإيمان بحرية المرأة والدفاع عن
مكاسبها.
سينما مصرية بلا رقابة... حقاً؟
محب جميل
القاهرة
| في
تصريحه الأخير، قال رئيس هيئة الرقابة على المصنفات الفنية في مصر
عبد الستّار فتحي إنّه اعتباراً من شهر نيسان (أبريل) المُقبل، لن
تحذف الجهة الرقابية أي مقطع من الأفلام التي تُعرض على شاشات
السينما المصرية، سواء كانت تلك الأفلام مصرية أو أجنبية، مشيراً
إلى أنّه سيتم الاكتفاء بالتصنيف العمري فقط (+18).
وأضاف أنه لن يتم حذف مشاهد جنسية من أي فيلم «سوى أفلام البورنو
الصريحة أو تلك التي تدعو إلى الفجور الصريح والإلحاد». وأشار إلى
أن مسألة التصنيف العمري المقترحة جاءت نتيجة لاجتماعات مكثفة مع
وزارة الثقافة برئاسة الوزير جابر عصفور. وفي لقائه مع الإعلامية
منى سلمان على فضائية "دريم 2" خلال برنامج "مصر في يوم" يوم الأحد
الماضي، أكد فتحي أن الفيلم الوحيد الذي تم منعه هو "الخروج" بعد
الرجوع إلى مجموعة من النقاد وأساتذة السينما الذين أوضحوا «أن
الفيلم يحتوي على مغالطات تاريخية تتعلق بسيرة النبي موسى والحياة
الفرعونية». كما أوضح أن الفيلم «حمل بصماتٍ صهيونية عنصرية من
شأنها تقديم مغالطات عن الوقائع المصرية التاريخية». وأشار فتحي
إلى أنه تدخل بشكلٍ مباشر وأخرج ثلاثة أفلام مدفونة هي «لا
مؤاخذة»، «أسماء»، و«فرش وغطا»، بالإضافة إلى ثلاث أغنياتٍ ضمن
فيلم الراقصة سما المصري «بسبب عدم وجود أي جدوى لها».
وبخصوص الأفلام، أكد فتحي أنه «أخذ تعهدات على كل المنتجين بعدم
عرض أي مشهد خارج إلا من خلال الرجوع للهيئة المنوطة بالرقابة لعدم
تكرار سماع أي لفظ خارج أو خادش للحياء العام». وفي السياق ذاته،
أوضح أن الدراما تختلف عن الأفلام؛ فهي تدخل كل البيوت الأسر
المصرية. يشير الناقد السينمائي حسين بيومي في كتابة "الرقابة على
السينما... القيود والحدود" إلى أن الدولة المصرية عرفت الرقابة
مبكراً قبل وجود إنتاج سينمائي قومي، وكان الهدف وقتها مراقبة ما
يُعرض من أفلام أجنبية، وإحكام السيطرة عليها نظراً لما تتضمنه من
تحريض ضد النظام السياسي أو الاحتلال البريطاني أو الدين. وفي إحدى
الدراسات في الكتاب، أوضح المخرج هاشم النحاس أنّ ثورة 1952 كشفت
عن نظرة وضيعة تجاه السينما المصرية؛ إذ ألحقت الرقابة على الأفلام
بوزارة الداخلية التي أصبحت بدورها منوطة بمراقبة كل ما يُعرض على
الشاشة الفضية والتدخل في منعه أو عرضه. كما يرى أن هذا أدى إلى
ابتعاد الفنان عن النقّاد وأصحاب الرأي في المجال العام. أما
الناقد السينمائي أمير العمري، فكان قد طالب مسبقاً بمفهوم جديد
للرقابة يعتمد على نظام "تصنيف الأفلام"
Movies Rating
الذي تتيح إمكانية الفرز بناء على الجمهور المستهدف من العرض. في
النهاية، يصبح التنصيف إحدى الأدوات التي تشكل ماهية الفيلم ومدى
صلاحيته للجمهور المعروض. هذا التصريح الذي أدلى به عبد الستّار
فتحي، لا يلغي سؤالاً: ما هو موقف الأفلام التي تدخلت الرقابة في
حجبها خلال الفترة السابقة؟
تونس: وثائقيات تكتب التاريخ الشعبي
حسّان حاجبي
تونس
| اختاروا
الكاميرا خلال الحراك الاجتماعي التونسي سنة 2011. اليد اليمنى
ترصد ما تراه العين، واليسرى تختار رمز النصر للتعبير عن إرادة شعب
اختار الانعتاق والتحرر. مخرجون شباب أنتجوا أفلاماً وثائقية
اهتمّت بقضايا المجتمع السياسية والاجتماعية والثقافية. أحدهم أعاد
لنا كلمة من عمق التاريخ هي «فلاقة» التي أُطلقت على من ناهضوا
الاستعمار في خمسينات القرن الماضي وتعني قطّاع الطّرق.
آخر قال «نحن هنا» ثم استعار كلمة «على هذه الأرض» لمحمود درويش
الذي زيّنت أشعاره المسيرات والتظاهرات في الشارع سواء في تونس أو
في الدول العربية الأخرى. وآخر اختار «ينعلبو الفسفاط» أي «ما هذا
الفسفاط اللعين». عناوين عانقت حرارة المجتمع وعايشته في زمنه
وجغرافيته. أفلام وثائقية أربعة لكل من المخرج سامي التليلي صاحب
فيلم «ينعلبو الفسفاط»، والمخرج رفيق عمراني صاحب «فلاقة 2011»
وعبد الله يحيى صاحب فيلمي «نحن هنا» و«على هذه الأرض» تعدّ
اللبنات الأولى لأرشيف تونس ما بعد الثورة.
في لحظة فارقة في تاريخ تونس، كان اعتصام القصبة تجمعاً بشرياً دام
لأسابيع مطالباً بمجلس تأسيسي منتخب يعيد كتابة الدستور ويضع
قوانين جديدة للدولة. يصوّر لنا «فلاقة 2011» الجزئيات الحميمية من
الحدث ويعطي الفرصة لشباب قدم من كل أنحاء تونس للتعبير الحرّ.
يرسم لنا وجهة نظر تسافر بك إلى عمق الانسان المتسامح المدافع عن
كرامته وكرامة الآخر. غير بعيد عن جغرافيا «فلاقة 2011»، يأخذنا
«نحن هنا» إلى حي شعبي يروي لنا تفاصيل العشوائيات هناك، فيما يرحل
بنا فيلم «على هذه الأرض» إلى الوسط التونسي في المكان الذي قدّم
أول الشهداء خلال الثورة أي منزل بوزيان وتحديداً جهة «العمران».
يحدّثنا عن قرية تحتجّ على فقرها وتحلم بغد أفضل عبر عيون أطفالها
الحالمين بالسفر الى كوكب آخر. ربما ذلك فقط ما عاينوه في الكتاب
المدرسي باعتبار انعدام جميع المرافق الأخرى كالتلفزيون
والكومبيتور والانترنت وغيرها. ضمن هذا الفعل الابداعي السينمائي،
يعود بنا فيلم «ينعلبو الفسفاط» لسامي التليلي الى الخلف قليلاً،
إلى ذاكرة انتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008. يدعّم صوره بروايات من
عايشن وعايشوا الحدث. يغوص في جزئيات يكتمل بها النصّ التاريخي
للحراك الاجتماعي في السنوات الثماني الأخيرة.
لم تكن هذه الأفلام الوثائقية التي ارتبطت بالواقع الاجتماعي
والسياسي التونسي «ذخيرة مرئية وحسية» فقط بل مثّلت أرشيفاً مهمّاً
سواء بنقلها لمواقف أو لتصويرها شخوصاً لم تتح لها الفرصة للوقوف
يوماً ما أمام الكاميرا. غاصت الصورة في مباحث سوسيولوجية
وانثروبولوجية: فيلم «فلاقة» صوّر أبناء القرى والمدن الداخلية في
لقاء يجمع كل التونسيين في فضاء عام أمام المقرّ السياسي الأهمّ أي
قصر الحكومة. أما فيلم «ينعلبو الفسفاط» أو «على هذه الأرض»، فقد
صوّر أبناء القرى والمدن الداخلية وهم في الجغرافيا التي ولدوا بها
وقضّوا بقية حياتهم فيها. المشاهد لا يكتفي بما ترصده الكاميرا، بل
يترك خياله يسافر في قراءة سوسيولوجية للتاريخ كما المخرج يرتبط
بنفس الواقع الاجتماعي، لا ينفصل عنه بل يتفاعل معه. هو ليس فقط
فناناً يتقن ما يقوم به باسم الاحتراف، لكنّه أحد الشخوص القابعة
خارج إطار الصورة التي يكتمل بها الفيلم الوثائقي.
ينطلق هذا الأرشيف السمعي البصري والسينمائي الفني منذ سنة 2008 من
الحوض المنجمي في قفصة ثم ينتقل الى العاصمة سنة 2011 مع الشخوص
والمواقف نفسها سواء في فضاءاتها العامة في الأحياء الشعبية ليعود
معها الى القرى في الجهات الداخلية للبلاد التونسية. مسار تاريخي
لواقع اجتماعي بأناس عايشوه وبجغرافيا احتضنته، تظهر فيه الصورة
مركّبة وثريّة سواء من حيث الأرشيف وكتابة التاريخ الشعبي أو من
حيث أهمية مشاركة صاحب العمل الفني في بناء الحدث التاريخي نفسه.
دريد لحام: خذوا «غوار» وادفئوا الأطفال السوريين
وسام كنعان
منذ فترة، أطلق بعض الناشطين السوريين حملة «دفانا محبتنا» بنية
جمع التبرعات العينية والملابس للنازحين السوريين. لكن سرعان ما
راحت القصة تتجه نحو الاستعراض خصوصاً مع مشاركة مذيعات مبتدئات في
الحملة، وتصوير مقاطع فيديو توضح المواد التي تبرّع بها هؤلاء ثم
ذكر عشرة أسماء من أجل تحديها للدخول في الحملة والتبرع.
بعد ذلك، عاد الناشطون لتصحيح مسار الحملة والعمل الفعلي على تقديم
مساعدات حقيقية وجمع تبرعات من دون الإنجرار إلى المباهاة بما
يقدمونه. وتمكن هؤلاء من تشكيل فريق من المتطوعين يتواصلون مع رجال
أعمال وتجّار وفنانين بهدف جمع أكبر حصص من التبرعات. وفي آخر خطوة
إعلامية مثيرة، التقى فريق الحملة التي تروج عن نفسها بصفحة على
الفايسبوك، بالنجم السوري دريد لحام الذي تمكن في حديث مقتضب لا
يتجاوز 3 دقائق من تحقيق الأثر المطلوب. على خلفية أغنية فيروز «سائلنيي»
(كلمات سعيد عقل والحان الأخوين رحباني) وتحديداً في الشطر الذي
يقول «ظَمِئَ الشرقُ فَيَا شامُ اسْكُبي واملئي الكأسَ لَهُ حتّى
الجَمَامْ» يطل الكوميديان السوري ليقول: « إذ لم تتمكن من ملامسة
قلب إنسان اليوم، فحاول أن تقوم بهذا العمل غداً وشارك في حملة
«دفانا محبتنا» إذا كنت أنت سورياً وأنا سورياً، لا يجوز أن يبقى
سوري واحد يشعر بالبرد على أرض هذا الوطن الطيب. لذلك تحدى للخير»
ثم فجّر «غوار الطوشة» مفاجأة عندما كشف أن أحد المتابعين وعده
بإكساء 300 طفل إن أهداه «شروال» غوار! كان رد صاحب الشخصية بأنه
مستعد لتقديم كل ثياب غوار له إن فعل ذلك. ثم تحدى مجموعة أشخاص
للمشاركة في الحملة من بينهم زوجته هالة بيطار وأبناؤه والمخرج
خلدون المالح والمخرج الليث حجو.
وسرعان ما تداولت صفحات الكترونية الخبر عاتبة على وسائل الإعلام
الذي أغفتله، مشيرة إلى أنّه لو حصل ذلك في الغرب وصرح وريث شارلي
شابلن مثلاً بأنه سيهدي قبعته لشخص معين مقابل عمل خيري، لقامت
الدنيا ولم تقعد من التهليل لهذا الفعل.
https://www.facebook.com/video.php?v=857016844359049&set=vr.857016844359...
يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر
| wesamkanaan2@ |