أخيرا أُتيحت الفرصة لمشاهدة الفيلم الوثائقي الذي طال الحديث عنه،
وهو فيلم "سيحلّ الليل"
Night Will Fall
للمخرج البريطاني أندريه سنجر
Andre Singer
الذي يعيد تناول موضوع "الهولوكوست"، أو ما يعرف بـ "الإبادة
الجماعية" لليهود على أيدي الألمان النازيين خلال الحرب العالمية
الثانية في معسكرات الاعتقال الجماعي التي أقيمت في ألمانيا
وبولندا.
يعتمد الفيلم، في معظم أجزائه على لقطات ومشاهد كاملة من الفيلم
القديم الذي كُلِّف بإنتاجه وإخراجه سيدني برنشتاين (وهو يهودي)
كان رئيسا لوحدة السينما بوزارة الإعلام البريطانية، وكان الهدف
صنع فيلم دعائي عن الفظائع التي وجدت داخل معسكرات الاعتقال
النازية، على أن يعرض الفيلم بعد إكماله، على الشعب الألماني
لترسيخ عقدة الإحساس بالذنب، في إطار الحرب النفسية التي كانت تهدف
إلى عمل نوع من "غسيل المخ" عن طريق الصور الصادمة، لكل من كان
يؤمن بالنازية من الألمان، بعد هزيمة ألمانيا في الحرب.
كان برنشتاين يرتبط بصداقة وطيدة مع المخرج البريطاني الشهير
ألفريد هيتشكوك، وبعد انتهاء العمل في المونتاج الأولي للمناظر
الكثيرة التي استطاع جمعها من مصوري الجيش وغيرهم، اتصل بصديقه
هيتشكوك في هوليوود وطلب منه المجيء إلى لندن لكي يُشرف بنفسه على
الوصول إلى الشكل النهائي للفيلم.
ولكن هيتشكوك تأخر أولا في تلبية النداء بسبب انشغاله في العمل، ثم
ذهب إلى لندن لفترة قصيرة حيث شاهد العمل، وأبدى بعض الاقتراحات
الفنية ثم غادر، ولكن لم يُقدَّر لهذا الفيلم الذي أطلقوا عليه
"إحصائية دقيقة عن معسكرات الاعتقال الألمانية"، أن يعرض قط، لا
على الألمان، ولا على غيرهم. والسبب الذي نسمعه أكثر من مرة في
الفيلم، أن تشرشل وجد أن عرضه، سيمثل ضغطا نفسيا مضاعفا على
الألمان في وقت كانوا قد بدأوا يتعاونون مع الحلفاء بجدية في إعادة
بناء البلاد، والنهوض بالاقتصاد الألماني مرة أخرى، وأن عرض الفيلم
يمكن أن يكون له أثر سلبي.
أما الفيلم الذي نحن بصدده، وهو "سيحلّ الليل" فهو يعيد اكتشاف
فيلم برنشتاين- هيتشكوك، ويستخدم الكثير من مشاهده ولقطاته، يمزجها
بمقابلات مسجلة بالصوت والصورة مع عدد كبير من المصورين الذين
صوروا المعسكرات الألمانية بعد الحرب، من البريطانيين والأمريكيين،
ومع طاقم العاملين في الفيلم القديم مثل المصور والمونتير
وبرنشتاين نفسه بالطبع، وكذلك مع عدد من نزلاء المعسكرات الذين
نجوا، وكانوا أطفالا في ذلك الوقت، ومع ضباط سابقين في الجيش
البريطاني، ومع مدير "متحف الحرب الإمبريالية" البريطاني الذي عمل
على تجميع وإنقاذ وترميم الأجزاء التي أمكن العثور عليها من الفيلم
القديم، بعد سبعين عاما من نهايية الحرب الثانية.
تحذير من الصدمة
في تقديم الفيلم يحذرنا التعليق الصوتي المصاحب بصوت الممثلة
البريطانية هيلينا بونام كارتر، من أن ما سنشاهده في هذا الفيلم،
سيكون صادما، وقد لا يستطيع الكثيرون منا تحمله، وأن اللقطات التي
ستعرض من داخل المعسكرات لم يسبق لها مثيل في البشاعة. ولكن بعد
مشاهدة الفيلم نفسه، نجد أن هناك الكثير، إن لم يكن معظم ما نراه
من لقطات، سبق أن تكررت في عشرات الأفلام الوثائقية التي تناولت
موضوع "الهولوكوست"، ومنها أفلام أُنتجت مبكرا بعد سنوات قليلة من
نهاية الحرب، مثل فيلم "ليل وضباب" الذي أخرجه المخرج الفرنسي آلان
رينيه عام 1955، وهو فيلم قصير (32 دقيقة)، كان يحتوي على الكثير
من اللقطات نفسها، لأكوام من الجثث العظمية الشاحبة لأشخاص فاغري
الفم، تحدق عيونهم المجوفة في الفراغ، وأكوام من الشعر البشري
موضوعة في أجولة، وأكوام أخرى من الأحذية والنظارات ولعب الأطفال
والملابس وغيرها من متعلقات النزلاء الذين يقول الفيلم إنهم قتلوا
داخل المعسكرات بوحشية، لكنه لا يفسر لنا بقاء الكثيرين من النزلاء
الذي تم تحريرهم على أيدي الحلفاء على قيد الحياة، ومنهم من
يتحدثون في الفيلم، عن الفظائع التي رأوها بعيونهم، ومنهم توأم-
سيدتان- كانتا طفلتان في ذلك الوقت عندما جرى اعتقالهن مع والديهما
وسيقا إلى أوشفتز، وهما ترويان كيف أصبحتا ضمن مجموعة من الأطفال
خضعوا للتجارب الطبية التي كان يجريها الدكتور جوزيف منجل (المعروف
إعلاميا بطبيب الرعب).
ويروي الميجور البريطاني ليونارد بيرني، عما شاهده أثناء دخول
القوات البريطانية معسكر "بيرغن- بيلسن" في ألمانيا، ونرى بالطبع
عشرات اللقطات من الفيلم القديم، للجنود البريطانيين وهم يسحبون
الجثث التي وجدت داخل المعسكر كما نرى أيضا كيفية عمل حفرة كبيرة
عميقة باستخدام جرافات الجيش، ولقطات أخرى لشاحنات تحمل أكواما من
الجثث، ثم كيف يرغم البريطانيون ضباط الإس إس (قوات النخبة
الألمان) على حمل الجثث بأنفسهم وإلقائها في الحفرة، وينتقل الفيلم
من هذا المعسكر إلى معسكرات أخرى مثل أوشفتز الذي كان قد وقع في
قبضة السوفييت. وحسب ما يقوله التعليق في الفيلم، كان البريطانيون
والحلفاء عموما لا يثقون في دقة التقارير السوفيتية بعد الحرب عن
فظائع النازية ويعتقدون أنها مبالغ فيها، إلا أنهم اقتنعوا
بأهميتها بعد ما وجدوه في "بيرغن- بيلزن"، وبالتالي قرر بيرنشتاين
استخدام الكثير من المشاهد التي صورها السوفييت في أوشفتز في
فيلمه، وهي التي نراها في فيلمنا هذا.
طواحين الموت
يتطرق الفيلم أيضا إلى الخلاف الذي وقع بين الأمريكيين
والبريطانيين بسبب فيلم بيرنشتاين، فعلى حين رفض البريطانيون عرض
الفيلم على الألمان، أصر الأمريكيون على أهمية عرضه، بل أقصوا فريق
بيرنشتاين عن العمل وحصلوا على المادة، وكلفوا المخرج الشهير بيللي
وايلدر (وهو يهودي نمساوي كان قد فرّ في الثلاثينيات من النازية
إلى أمريكا) بعمل الفيلم الذي أطلق عليه "طواحين الموت"
Death Mills.
كانت المادة - كما يقول لنا صوت هيلينا بونام كارتر- متشابهة، ولكن
الأسلوب كان مختلفا، فقد كان الفيلم الأمريكي يحمل إدانة مباشرة
للألمان ويتهمهم مباشرة بارتكاب جرائم حرب، وقد استُخدم فيما بعد،
مع غيره من الأفلام، في محاكمات نورمبرج الشهيرة كدليل إدانة ضد
الزعماء النازيين.
يعرض الفيلم أيضا لقطات لوصول أيزنهاور قائد القوات الأمريكية في
أوروبا، إلى معسكر بيرغن- بيلزن، ويقول التعليق الصوتي: "الآن يعرف
الجندي الأمريكي لماذا كان يحارب"، أي لإنقاذ العالم من البربرية
الألمانية، ولكن الفيلم لا يقول لنا ماذا سيكون رد فعل الجندي
الأمريكي نفسه إذا ما شاهد مناظر الدمار وضحايا القنابل الذرية
التي ألقيت فوق هيروشيما ونغازاكي؟!
عنوان الفيلم "سيحلّ الليل" معناه كما يقال لنا في النهاية، أنه
إذا تكررت مرة أخرى تلك الجرائم التي شاهدناها فمعنى هذا أن الليل
سيحلّ على العالم. ولكن مما يلفت النظر في هذا الفيلم أن كلمة
"يهود" لا تتردد سوى مرة واحدة على لسان إحدى الشخصيات، ويتم تصوير
الممارسات النازية العنيفة باعتبارها موجهة ضد فئات متعددة من
الأبرياء، فقد كانت معسكرات الاعتقال تضم الغجر واليساريين
والمثليين وكل الرافضين لنظام هتلر. وعلى نحو ما ودون أن يكون هذا
مقصودا من جانب صناع الفيلم، نرى الضباط الألمان وهم يحملون جثث
القتلى ويقذفون بها في الحفرة الكبيرة، ونعرف أنهم فعلوا هذا بطلب
من البريطانيين المنتصرين، وهو ما يتناقض مع ما نراه في الكثير من
أفلام الدعاية الغربية، التي توحي للمشاهدين بأن تلك اللقطات صورها
الألمان أنفسهم، وأن هذا ما كان يحدث حقا.
صحيح أن الفيلم يصور المحارق وفي داخلها بقايا الجثث المحترقة، لكن
دون أن يصور ولا لقطة واحدة، لما يسمى بغرف الغاز، أو حتى يقدم
رسما تخطيطيا لها أو لموقعها داخل أي من معسكرات الاعتقال الجماعي
التي اعتبرت "مصانع للموت"، كما لا يذكر أي من الشهود ولا مرة
واحدة، "غرف الغاز" التي تعتبر الأساس المركزي لما يعرف بـ "الهولوكوست"،
ومن دونها تسقط نظرية الإبادة الجماعية لستة ملايين يهودي، وقد
يكون هذا السبب فيما تعرّض له الفيلم من هجوم في بعض الصحف
الإسرائيلية.
ولا يناقش الفيلم التفسير الذي يقول إن وجود المحارق كان ضروريا
داخل المعسكرات لحرق جثث النزلاء الذين أصيبوا بالأمراض المعدية
مثل وباء التيفوس، بسبب الظروف والأوضاع غير الإنسانية، خاصة خلال
المرحلة الأخيرة من الحرب، بعد تدمير خطوط الاتصال الألمانية وعجز
الألمان بالتالي عن توصيل المؤن والأدوية، وموت الكثيرين من الجوع
والأمراض، وكذلك بتأثير الغارات الجوية المكثفة العنيفة الأمريكية
والبريطانية التي أوقعت أعدادا كبيرة من القتلى، وهو أمر ثابت
ومعروف في أدبيات الحرب العالمية الثانية، فليس كل ما يصوِّره
الفيلم من قتلى هم ضحايا العنف الألماني، بل وضحايا غارات الحلفاء
الكثيفة.
ولعل من الطريف أيضا أن نرى في هذا الفيلم رجلا يدعى تومي شاشام،
كان محتجزا في معكسر أوشفتز، يروي كيف أن السوفييت أرادوا عمل فيلم
دعائي عن المعسكر، وكيف أنهم طلبوا من الذين نجوا من النزلاء (بعد
تحرير المعسكر) ارتداء البيجامات المخططة فوق ملابسهم، والسير داخل
حاجزين من حواجز الأسلاك الشائكة ثم قاموا بتصويرهم. ويتحدث
بنجامين فريتز من الجيش الأمريكي عما وجدوه من انتشار كبير للأمراض
في معسكر بوخنوالد، مثل الدوسنتاريا والتيفود وكل أنواع الأمراض.
وإذا كانت المحارق تستخدم في حرق الجثث لمنع انتشارالأمراض، إلا أن
أحد الجنود الأمريكيين يقول في الفيلم إن الألمان كانوا يحرقون
الأشخاص أحياء!
يعرض الفيلم في نهايته لقطات طويلة للألمان من سكان المناطق
القريبة من معسكرات الاعتقال الذين تم تجميعهم وإرغامهم على
المرور في صفوف طويلة، والتطلُّع إلى أكوام الجثث الموضوعة في حفرة
كبيرة، حتى يقال لهم بشكل ما- كيف أنهم كانوا يمارسون حياتهم بينما
كانت تلك الفظائع تقع بالقرب منهم.
أخيرا لعل السبب الحقيقي الذي أدى بالبريطانيين إلى إغفال الفيلم
وإبقائه "على الرف" لمدة سبعين عاما، أنه كان يمكن أن يكشف زيف
الكثير من الأفلام الدعائية التي صنعت في أمريكا وغيرها، والتي
قدمت الكثير من اللقطات المتشابهة والمتطابقة، وقدمت لها تفسيرا
مغايرا تماما، كما أن وجود اسم هيتشكوك - سيد أفلام الإثارة والخدع
السينمائية - كان يمكن أن يضرّ الفيلم أكثر مما يفيده!
"آخر
الفِيَلة"..وحرب إبادة الطبيعة
قيس قاسم
"هذه
حرب غير معلنة ضدنا وضد الطبيعة، الجشع دافعها، ولسَعَتها لا
نستطيع العمل على وقفها فنحن الخاسرون فيها"
..
هذه الخلاصة المتشائمة توصل إليها الألماني جاكوب كنيسر بعد أن صور
مئات الساعات بكاميرا خفية وقام بجولات مكوكية بين قارتي آسيا
وأفريقيا وثق خلالها عمليات قتل الفِيَلة ووحيد القرن في الغابات
الإفريقية والمحميات الطبيعية، من أجل الحصول على أنيابها وقرونها
العاجية، بلا رحمة ودون مراعاة للعواقب، التي ستلي نهايتها
الوشيكة، والمُهدّدة لوجودنا البشري وللتوازن البيئي الذي بدأت
آثار اختلاله التدميرية تتضح أكثر فأكثر.
بصبر ورغبة في الإحاطة بموضوع ليس بالسهل قرر "آخر الفِيلَة" خوض
التجربة التي شبهها الكثيرون بـ"اللعب بالنار" لأن الأطراف
المشتركة في عمليات الصيد وتهريب العاج وقرون وحيد القرن لا تقتصر
على الصيادين غير الشرعيين بل تمتدّ إلى عصابات منظمة ومنظمات
إرهابية وشركات صناعية كبرى ومسؤولين في دول بل ودول عملاقة، ولهذا
تجنب الوثائقي الاقتراب مباشرة من الخطر وفضّل العمل بـ"سرية" عند
نقاط التماسّ الشديدة التوتر وبخاصة في الأماكن التي تجري فيها
عمليات البيع والشراء غير القانونية في بعض الدول الآسيوية.
أولى المفآجات، وهي كثيرة في هذا الوثائقي الشجاع، أن عمليات قتل
الأفيال تتم في المحميات الطبيعية وليس فقط في الغابات الشاسعة
والتي يفترض أن تكون بحماية الدول لكن هذا لا يحدث في الواقع.
فمنطقة كينا - روكنيغا وهي أكبر محمية طبيعية كينية، دائمة
التعرُّض لهجمات الصيادين ولصوص العاج الذين يستخدمون أسلحة شديدة
الخطورة لا تملكها إلا الجيوش، ما يعني وجود تعاون بينهم وبين
متنفذين في الدولة وجيشها، وأن عمليات القتل المنظمة يقوم بها
محترفون يعرفون كيف يخفون جريمتهم وذلك بفتح جروح في مناطق معينة
من جسم الحيوان القتيل تدفع رائحة لحمها بقية الحيوانات والطيور
لافتراس "الضحية" كاملة فلا يبقى منها دليل على جريمتهم، فيما تلجأ
ميليشيات جنجاود في جنوب السودان إلى طرق بسيطة وهمجية أثناء صيدها
وانتزاع أنيابها من أجل تأمين المال لحركتهم بعد بيعها في الأسواق
السوداء النشطة بين حدود دول القارة.
هذه الوسائل والإمكانيات المختلفة المستوى تُفسِّر الانخفاض المخيف
في عدد الأفيال المقتولة خلال القرن العشرين والتي حسب ما يقدمه
الوثائقي من معطيات مذهلة تبيّن التهديد الحقيقي لانقراضها، ففي
بداية القرن الماضي كان عدد الفِيَلة في الغابات الإفريقية يقارب
عشرة ملايين فيل لم يبق منها في العام 1989 سوى 600 ألف وفي العام
الماضي 2014 وصل ما موجود منها هناك إلى أقل من نصف مليون، ولهذا
توصف عملية قتلها وأخذ أنيابها وقرونها بأنها أكبر عملية قتل جماعي
للحيوانات على وجه البسيطة، وإذا استمرت على نفس المنوال خلال
الـ15 سنة القادمة فلن يبقى فيلاً ولا وحيد قرن على الأرض..!
يتبع الوثائقي بتروِّي حلقات السلسلة الطويلة والمترابطة ويعرضها
بطريقة مذهلة تُثير الدهشة من مهارة تصويرها وتقطيعها في ظل
التخفِّي والخوف المحيط بفريق العمل، والذي وجد نفسه وسط معارك
قوية جرت بين حراس المحميات الخاصة في أوغندا وبين اللصوص صُوِّر
بعضها رغم المحاذير الكثيرة.
وفي إحدى المرات اقترب أكثر من بعض الحراس مستغلاً حماستهم في
مطاردة سُرّاق أرزاقهم ليتعرف من خلالهم على دوافع هؤلاء اللصوص
فظهر أنه الربح السهل والأموال الكبيرة التي يجنوها من بيع العاج
وقرون وحيد القرن إلى الوسطاء، فقرن واحد يباع بآلاف الدولارات
يمكنه بها شراء الذهب والهدايا الثمينة ويقدمها لفتيات الليل في
المواخير التي يقضون فيها وقتاً طويلاً.
أثناء حديثهم عن الوسطاء كانت كلمة فيتنام تتردد كثيراً ما دفع
الوثائقي لتقصِّي السبب فظهر بعد بحث معمق أن فيتنام وبعد انتقالها
إلى سياسة السوق الحر أصبحت من بين أكبر المستوردين للعاج وأن
استخدامات قرن وحيد القرن تدخل في صناعة الأدوية الشعبية إلى جانب
إقبال حديثي النعمة على شراءه كزينة يفتخرون بها.
في لقاء مع صحافي محلي كشف للوثائقي عدم وجود ما يؤكد صحة استخدام
القرن في علاج الأمراض وخاصة السرطان وبعد تحليله مختبرياً ثبت
بأنه مادة تشبه الأظافر، لكن الشركات التي تريد بيع المزيد من
القرون تُروِّج لهذه الفكرة وأن الدولة ورغم منعها قانونياً بيع
الأنياب والقرون فإنها تتغاضى عن التجارة المنتشرة في مناطق واسعة
من البلاد وبخاصة في هانوي.
من فيتنام قادت المعطيات الجديدة الوثائقي الحصيف إلى الصين بوصفها
المستهلك الأول في العالم للقرون والعاج وأن استخدامها في صنع
التماثيل يعود إلى تاريخ طويل من الصعب تجاوزه، وأكثر من هذا
الدولة نفسها دخلت على الخط وفتحت مصانع لنحت التحف الثمينة ولكن
بأدوات صناعية أبرزها "محفارة طبيب الأسنان". وإذا كان النحات
التقليدي يحتاج سنوات لصناعة تحفة جيدة لا يحتاج العامل إلى أكثر
من ساعات قليلة.
يكشف الفيلم أن الكمية المستخدمة في الصناعة والتي تعلنها الدولة
الصينية غير دقيقة، فبدلاً من عشرات الأطنان تستهلك مئات بل آلاف
الأطنان وكلها تأتي بطرق غير شرعية من إفريقيا وعبر وسطاء سيظهر أن
حركة "الشباب" الصومالية أحدهم حيث تغطي بما تحصل عليه جزءاً من
عملياتها العسكرية، كما أن السوق المزدهرة في هونغ كونغ يمتزج فيها
العاج المزيف مع الأصلي في عملية غش كبيرة ومكشوفة أمام أنظار
الشرطة تجري بسلاسة غير معهودة وقد سجّلها مصور الوثائقي بعد أن
انتحل شخصية تاجر صيني ادعّى رغبته في شراء تحف من العاج وقرون
وحيد القرن من بعض التجار فحصل على نماذج مغشوشة تكفي لسجن بائعها،
ولكن لا شيء من هذا يحدث، والمفارقة أن تجارة وذبح الأفيال تبلغ
مستويات لا تقلّ عن مستويات تجارة المخدرات لكن عدد المقبوض عليهم
لا يقارن بعدد المطاردين والمسجونين بجرائم تجارة االمخدرات ما
سيشجع اللصوص والوسطاء والدول على الاستمرار في إبادة أكثر
الحيوانات ألفة وجمالاً.
في مثل هذه الحالة يطرح الوثائقي على نفسه سؤالاً: هل نستسلم في
هذه الحرب ونعلن هزيمتنا؟ يظهر من بين الخبراء ونشطاء حماية البيئة
رأياً ثانياً يريد مناشدة المستهلك وتعريفه بخطورة المادة التي
يشتريها، وفي هذا الإطار تدخل الممثل المشهور جاكي شان وقام بحملة
دعائية توضح للناس خطورة شراء المواد والتحف المستخدمة فيها أنياب
الفيلة والقرون لأنها تسهم بطريقة غير مباشرة في نمو العنف وازدهار
تجارة العصابات المنظمة والسلاح.
لكن الوثائقي المتمرس الآن والعارف بالحقائق لا يعول على التوعية
فقط بل يريد من الدول وقف تجارة وإبادة الحيوانات البرية فوراً لأن
الوقت يجري ولم يبق متسع منه لحماية أجيالنا القادمة وطبيعتنا التي
تُنتهك وتُدمَّر في حرب نحن الخاسرون فيها حتى اللحظة!
"طريق
مانديلا":عن الروائي والوثائقي والذاتي
طاهر علوان
"
لقد مشيت طريقا طويلة نحو الحرية ولكنها لم تنتهِ بعد
.."
مانديلا
الطبيعة الممتدة التي تحتضن قرى هادئة من " اومتاتا " في جنوب
إفريقيا والكل يرقص رقصة اسمها الحياة فيما صوت مانديلا الطفل
والفتى الذي لا يهدأ تتردد أصداؤه وإن هو إلا ذلك الفتى الذي يحمل
اسم "أوليس لاسا" كما سمّاه أباه ومعناه "صانع المشاكل" لكنه منذ
ذلك الحين وهو يُعلِّق ضاحكا، إنني لم أكن يوما صانع مشاكل أبدا
لكنني إنسان عاشق للحياة والحرية وكاره للعبودية
.
إنه مانديلا الإنسان والثورة والتاريخ، في سيرة أخرى جديدة تضاف
لمن تناول ذلك التاريخ الحافل سواء روائيا أو سيرة ذاتية أو فيلما
وثائقيا ولابد أن نُذكِّر هنا الأفلام الآتية التي تناولت هذه
السيرة: فيلم مانديلا ، إخراج فيليب سافيل / 1987، فيلم مانديلا
وكليرك ،إخراج جوزيف سارغيت / 1997، فيلم وداعا بافانا، إخراج بيل
أوغوست / 2007 ،فيلم الذي لا يقهر للمخرج كلينت ايستوود 2009 /
،فيلم ويني مانديلا، إخراج داريل رودت / 2011
ها نحن مع فيلم: "مانديلا: مسار طويل إلى الحرية" للمخرج "جاست
تشادويك" وهو آخر ما أنتج من أفلام عن سيرة هذا العملاق وكان هو
يحتضر في لحظة العرض الأول للفيلم في إحدى الصالات البريطانية
بحضور ابنتيه (زيناني - 1959) و (زيندزي - 1960) وبحضور الأمير
ويليام الذي لم تفارقه الصدمة ساعة خروجه من الفيلم فراح يرثيه
بكلمات متأثرة قائلا:" يجب أن نتذكّر على الدوام أي إنسان استثنائي
وملهم هو مانديلا
" .
نحن الآن في حقبة الأربعينيات من القرن الماضي مع مانديلا الشاب
وقد تخرّج من كلية الحقوق ليجد مكانه الصحيح في الدفاع عن الحق
والحرية - يؤدي الدور الممثل والمنتج والموسيقي البريطاني وأصوله
من سيراليون "إدريس إيلبا" وها هو بصوته الجهوري يدافع عن امرأة
بريئة ويطلق سراحها ثم ليفنّد الادعاءات في مقتل شاب ضربا حتى
الموت لأسباب عنصرية على أيدي البيض.
من هنا ستنطلق الشرارة وسيتابع الفيلم مراحل انطلاق الثورة ضد نظام
الفصل العنصري "الأبارتهايد" بينما يخوض مانديلا الشاب وضعا
اجتماعيا غير مستقر بسبب غيابه الطويل عن أسرته مما يتسبب في
تصدعها ولقائه مع أول فتاة إفريقية تعمل في مجال الخدمة الاجتماعية
في جمهورية البيض وهي رفيقة دربه ويني (الممثلة نعومي هاريس)
.
لن تفلح محاولات ثنيه عن الحدّ من نشاطاته الثورية وتعرض حياته
للخطر فها هو يقود تظاهرة لاعتصام الأفارقة عن ركوب الباصات تفضي
إلى صدام دامٍ مع أجهزة الأمن ثم ليتصاعد الصراع بسبب طلب السلطات
من جميع السود أن يحملوا على الدوام ما يثبت هويتهم، وهو ما يدفع
مانديلا وصحبه وسائر المنتفضين إلى إعلان العصيان على هذا القرار
العنصري والبدء بإحراق الهويات الشخصية ثم تنظيم تظاهرات ضخمة
تنتهي بصدام دام جديد مع أجهزة الدولة وهو ما يترتب عليه إعلان
الكفاح والعصيان المسلح والثورة وذلك من خلال الجبهة التي أسسها
مانديلا وصحبه، ثم ليتبع ذلك سلسلة من التفجيرات واستهداف المقار
الحكومية حتى يصبح مانديلا والمجموعة المقربة منه هدفا مباشرا
لأجهزة الدولة المنشغلة في البحث عنه لكنه لن يتوقف عن تثوير
جمهوره وإلقاء الخطب الحماسية وتوزيع المنشورات التي تدعو للثورة
.
"خمسون
عاما ونحن نتحدث عن السلام والمطالب المشروعة فيما تفرض الحكومة
السلاح على شعب غير مسلح وعاجز" .. بهذه الكلمات يعلن مانديلا
قيادة التمرد ليلاحَق من طرف السلطات ويلقى القبض عليه في العام
1963 ثم ليصدر الحكم بالسجن المؤبد ضده وضد زملاءه ولينقل إلى
جزيرة روبن في العام 1964 ليقضي محكوميته هناك
.
بعد هذا الفصل المهم سنكون إزاء ثنائية الوثائقي/الروائي إذ سرعان
ما سيتبادر إلى الذهن سؤال عن كيفية ملء تلك الفجوة أو المساحة
الممتدة زمانيا وهي زمن السجن في تلك الجزيرة 1964)) والأحداث
التي وقعت في إطار الثورة المتصاعدة التي خلّفها مانديلا وراءه
وصولا إلى خروجه من السجن ((1990
.
لعل استخدام الوثائق الفيلمية هي إحدى الأدوات التي لجأ إليها
المخرج في تدعيم قصة الفيلم وعدم إشعار المشاهد بالرتابة وترهل
الأحداث فيما يتعلق بحياة المعتقل اليومية، بل إنه في الحقيقة أقام
توازنا موضوعيا في البنى السردية ما بين الروائي والوثائقي إذ ظلّت
العلاقة نديّة بين مانديلا وسجانيه، وفي أقلّها ذلك السجال بينه
وبين آمر السجن في تلك الجزيرة النائية الذي أمعن في التنكيل
بمانديلا وصحبه
.
يقرأ الناقد (جوردان هوفمان) هذه العلاقة الإشكالية الثلاثية:
الروائي – الوثائقي – السيرة الذاتية.. فيما يتعلق بمانديلا وعلى
مرّ التجارب الفيلمية التي جسدّت شخصيته أن المخرج قد استفاد منها
في إعادة صياغة معالجة مختلفة، ركّز كثيرا على خطابات وأحاديث
مانديلا وجعلها خلفية للأحداث، ولنا أن نضيف منح المخرج لحياة
مانديلا الشخصية مساحة مقنعة ومبررة إلى حد ما كمشاهد فشل زواجه
الأول، والرومانسية التي طبعت صلته برفيقة دربه (ويني)، وقد أظهر
مانديلا وهو الواثق من قراراته رغم اختلافه مع مكتبه السياسي في
اعتماد النضال السلمي بديلا عن العنف وهي نقطة خلاف جوهرية مع ويني
التي أفضت إلى انفصالهما قبل سنوات من رحيله.
إذاً فيما يتعلق بالسيرة المتشعبة والتي تعج بالأحداث نجد أن كاتب
السيناريو (وليم نيكولسون) والمخرج سعيا إلى إدامة جذوة الصراع
لمحور أساسي مع عدم غغفال الفضاء الاجتماعي والإنساني لمانديلا وهو
ما سيظهر في طبيعة علاقته مع زملاءه ومع والدته وحتى مع سجّانه
الذي أمضى معه زمنا في جزيرة روبن.
مونتاجيا وسرديا حفل الفيلم بجماليات مضافة عززت من البناء الروائي
للسيرة الشخصية لمانديلا كمشهد إلقاء القبض عليه والمشاهد واللقطات
من الاعلى لسيارته المحاصرة بين سيارات الشرطة، مشهد عزله في
الزنزانة في مقابل زوجته المنشغلة بأطفالها في مشهدين متوازيين
صُورّا من أعلى، الهجوم على منزل ويني واعتقالها في مقابل الأشغال
الشاقة التي فُرضت على مانديلا، اجتماع رجالات الحكم العنصري للبحث
عن مخرج للأزمة في مقابل البوح الشخصي لمانديلا
(voice over).
سنصل إلى العام 1970 وإطلاق سراح ويني بعد قرابة عام ونصف من السجن
والتعذيب وهو ما يدفعها إلى تأكيد ان لا سبيل للثورة السلمية وأن
الحقوق تؤخذ بالصدام المسلح المباشر وهي نقطة خلافها الجوهرية مع
مانديلا. وابتداء من ذلك العام سنشهد تصاعدا في الصراع: تدفق للصور
الوثائقية لمقاطعة البضائع التي تنتجها الحكومة العنصرية،
المظاهرات والصدامات الدامية، انطلاق مطالبات على مستوى العالم
لإطلاق سراح مانديلا ثم لتتوالى عروض حكومة الفصل العنصري لمانديلا
بغرض السيطرة على العنف وفي إطار ذلك نقله في العام 1983 إلى سجن
في كيب تاون أتاح له مزيدا من التواصل مع أسرته ولتشهد حقبة
الثمانينات تصعيدا دمويا مروعا في المصادمات بين الطرفين حتى أصبح
نظام (الأبارتهايد) علامة فارقة على مستوى العالم، ففي تظاهرة
واحدة قُتل 300 متظاهرا من السود في مقابل شخص واحد من البيض،
وهنا يُعرض على مانديلا منحه حصة من السلطة في مقابل إسكات
التظاهرات والصدامات اليومية، لكن مانديلا سيطرح سؤالا محددا
للمفاوضين البيض الذين أرسلهم الحاكم العنصري دي كليرك: ماذا
تريدون؟ الانتقام أم العيش بلا خوف وبلا كراهية؟ فمنح حصة من
السلطة معناه استمرار الانتقام والانتقام المضاد وأما منح الحقوق
المدنية كاملة فمعناه أن يعيش الطرفان بلا خوف ولا كراهية.
هاهو شكل البلاد يتغير فجأة: مشاهد أكثر دراماتيكية في ذكرى عيد
ميلاد مانديلا السبعين وحيث تلقي ابنته خطابا تضمّن خارطة الطريق
من وجهة نظر مانديلا لإنقاذ بلاده، ليزداد تمسُّك الثوار به
وبزعامته وسيتدخل لوقف العنف مرارا وخصوصا في أحداث مطلع العام
1990 الدامية لكن ذلك لن يحيد مانديلا عن طريق سلمية الثورة، فها
هو وقد أمضى 27 عاما سجينا يقول لسجانيه: "لقد أذهبتم نصف عمري في
سجونكم وظلمكم لكنني لن أنتقم.." ويدعو شعبه لمسامحة جلاّديه في
مقابل الحرية الكاملة والاحتكام لصندوق الاقتراع الذي يتوِّج
مانديلا رئيسا لجنوب إفريقيا (1994-1999)، وحتى تقاعده وهو يخاطب
شعبه وجلادّي الأمس والعالم قائلا: "بلادي لم تكن أرضا للكراهية
ولا يولد الإنسان وهو يكره غيره بسبب لونه، بل الآخرون هم الذين
يُعلمونّه الكراهية ويمكن تعليمه الحب بدلا عن ذلك
".
تكتمل في هذا الفيلم عناصر كثيرة أسهمت في تميّزه، منها الأداء
المتميز للممثل (إدريس إيلبا) الذي أدّى دور مانديلا بتمكُّن
وإجادة، ومن ذلك حركات مانديلا وطبقة صوته وردود أفعاله، كذلك
المزج المتقن للعناصر الوثائقية والتصوير بعيدا عن الاستديوهات في
أماكن حقيقية مع استخدام وافر للحشود المصحوبة بخلفيات صوتية
مميزة، وتوظيف جيد للموسيقي التي ألفّها "أليكس هيفيس" فضلا عن
مهارات مميزة في التصوير على يد مدير التصوير "لول كراولي".
في عيد العشاق: سيرفانتيس الإسباني يحتفي بالحب
المصطفى الصوفي
تفنّن العديد من المخرجين السينمائيين من مختلف أنحاء العالم، في
إبداع أعمال سينمائية راقية، تحتفي في العمق بنبض القلب، وسمو الحب
والوجدان، وتمنح للسينما في بعدها الكوني والإنساني ألقها
الرومانسي الجميل، ما يمنح للجمهور مساحات شاسعة للاستمتاع بمشاهد
إبداعية رقيقة تنعش الروح، وتسافر به إلى ضفاف الأحلام.
وقد برعت السينما العربية والمصرية خصوصا، في إنتاج مثل هذه
الأعمال الرومانسية اللطيفة، التي حققت مداخيل مهمة، حيث تذكرنا
العديد من الأفلام الشهيرة، لمخرجين كبار، كم استطاعت تلك الأفلام
جذب جمهور عريض إلى القاعات السينمائية، والتي أصبحت حاليا تتناقص
بشكل فظيع، بفعل الطفرة التكنولوجية الحديثة، والتي بسطّت الحصول
على الأفلام ومشاهدتها مجانا دون عناء الذهاب إلى دور العرض.
ومما لا شك فيه أن السينما الهندية حاليا، ما تزال تشكل أحد
مرتكزات السينما العالمية في بعدها الرومانسي، الذي يستند على
العلاقات الإنسانية الجوهرية، وتكريس روح التعايش والألفة بين
الأنا والآخر، رغم كل الاختلافات المذهبية والعقائدية والفكرية،
التي تميز المجتمع الهندي، حيث توظف تلك الأفلام تيمة الحب
والرومانسية، في مجمل أعمالها، وهو ما منح للسينما البوليودية،
قاعدة كبيرة من الجمهور، وعشاق الموسيقى الهندية بنجومها الكبار
والشباب، مهما كانت تلك الأفلام درامية أو كوميدية.
أفلام يحبها العشاق
وفي تاريخ السينما العالمية، يسجل المتتبعون عددا من الأفلام
الرومانسية الشيقة، التي يفضل الجمهور والشباب مشاهدتها في ذكرى
القديس (فالنتاين) أو ما يطلق عليه بعيد الحب والعشاق، حيث يمكن
اعتبار الفيلم الكلاسيكي (الدار البيضاء)، بطولة كل من همفري
بواغرت وانغريد رغمان، من أعظم الأفلام الرومانسية الجميلة الأكثر
شعبية، فضلا عن العديد من الأفلام الأخرى ذات الشهرة العالمية،
والتي تحتفي بموضوع الحب والرومانسية، ومن أبرزها أيضا فيلم (دفتر
الملاحظات) لمخرجه الأمريكي نيك كازافيتيس، الذي حصد الكثير من
الجوائز العالمية حيث تم تصنيف مشهد قبلة الحبيبين، تحت وقع المطر،
من أروع وأعظم اللحظات الحميمة في تاريخ السينما العالمية.
كما يعتبر الفيلم البريطاني (الحب الحقيقي) كذلك، من الأفلام
الكوميدية والرومانسية الشهيرة، التي يعشق الشباب متابعتها في عيد
الحب، فضلا عن الفيلم الأمريكي (امرأة جميلة) لمخرجه غاري
مارشال،وهو من بطولة النجم ريتشارد جير، وجوليا روبرتس، وكذا
الفيلم الأمريكي (عندما التقى هاري سالي)، والذي أنتج العام 1989،
حيث يعد من الأكثر الأفلام مشاهدة في عيد الحب، وذلك بالنظر إلى
الحكاية الرائعة، التي جمعت البطلة الجميلة ميج ريان بالممثل
الرائع بيلي كرستيان، في علاقة وجدانية مؤثرة للغاية.
هذا دون نسيان الفيلم الايرلندي (ذات مرة) ومدته 86 دقيقة، الذي
قدم للجمهور سحر قصة خرافية عن أقاصيص الحب ومشاعر العشاق، حيث
يلتقي ثنائي مجنون ذات ليلة ساحرة، على إيقاعات نبرات قيثارة. هذا
دون نسيان أفلام عالمية كبرى، حازت على عدة جوائز أوسكار، ومنها
فيلم (تيتانيك) لمخرجه جميس كامرون، وبطولة كل من الممثل الوديع
ليوناردو ديكابريو والنجمة الساحرة كيت وينسليت.
العلوي تتألق في "عريس ياسمينة"
وبمناسبة ذكرى عيد الحب، و(سان فالنتاين)، أقدم معهد سيرفانتيس
الإسباني بالعاصمة الرباط، على استهلال برنامجه الثقافي للعام
الجاري، بتنظيم دورة سينمائية خاصة واستثنائية، اختار لها
شعار"الحب والصداقة"، وذلك خلال شهر فبراير الجاري.
وقد انطلقت فعاليات هذه الدورة، في السادس من شهر فبراير الجاري،
وذلك بعرض أولى أفلام هذا الموضوع، ويتعلق الأمر بفيلم (عريس
ياسمينة) لمخرجته الإسبانية إيرين كاردونا، مدته 97 دقيقة، وهو من
بطولة الممثلة المغربية سناء العلوي، والتي تألقت في العديد من
المسلسلات والأفلام الأوربية والمغربية، منها فيلم"غصن الورد"
لمخرجه المغربي لحسن زينون، والذي عرض مؤخرا بالمهرجان الدولي
للفيلم بمدينة مراكش، وذلك ضمن فقرة أفلام الوصف السمعي الخاص
بالمكفوفين وضعاف البصر، و التي يقدمها المهرجان بالتعاون مع
قناة(ارتي) الفرنسية الألمانية. فضلا عن ترأسها مؤخرا لجنة تحكيم
الدورة العاشرة لمهرجان السينما الأوروبية العربية بمدينة سانتياغو
دي كومبوستيلا، بغاليسيا الإسبانية.
ويعتبر فيلم (عريس ياسمينة)، ذو المسحة الرومانسية الخفيفة، والذي
تابعه جمهور عريض بالمعهد من طلبة وباحثين وسينمائيين وعموم
الجمهور، أحد النقط السينمائية المضيئة في مسيرة المخرجة الإسبانية
كاردونا، حيث أبدعت هذا العمل السينمائي الممتع، بعد سلسلة أفلام
تسجيلية روائية، وقصيرة، كما شارك بعدد المهرجانات العربية
والأوربية، ونال جوائز قيمة.
حكاية سينمائية أشبه بزهرة الفل
ويعالج الفيلم قصة فتاة مغربية هاجرت إلى إسبانيا إحدى بلدان
الشمال المتقدم، من أجل إتمام دراستها الجامعية والأكاديمية،
لكنها، تصطدم بواقع آخر، ليس الواقع الذي كانت تحلم به، حيث تجد
صعوبة كبيرة في الحصول على أوراق الإقامة، ما منح الفيلم مساحات
كبيرة للتشويق والإمتاع السينمائي الجميل. وبالرغم من وجود عائلات
ومعارف البطلة المشبعّة بعادات وقيم وثقافة مغربية تتناقض وبلاد
الاستقبال، والكثير من الأصدقاء الذين يمكن الاعتماد عليهم من أجل
مساعدتها على تحسين وضعها الثقافي والتعليمي والاجتماعي، وتحقيق
حلمها، وهو إتمام دراستها والعودة إلى أحضان الوطن إلا إنها تصطدم
بعالم آخر، هو عالم المهاجرين، الذين يصارعون من أجل تحقيق الذات
والاندماج، وتحسين أوضاعهم المادية والمعنوية.
كما يكشف الفيلم، الذي برعت فيه المخرجة، في تقديمه بلغة سينمائية
ممتعة، تجعل من الصورة السينمائية، اللغة الحية للتعبير بكل
إضاءاتها الخصبة، القناع عن كثير من المواقف، التي تبرز زيف
الشعارات، وتباين الرؤى بين ثقافتين، حيث تصير العروس ياسمين،
المحملة بعادات وطقوس جنوبية مغايرة عن عادات وطقوس الشمال، بين
مخالب، واقع مرير، يفند سحر الفردوس والحلم المنشود، الذي يحلم به
كل مهاجر إلى الديار الأوربية. بالرغم من كل ذلك تحاول البطلة
تحدّي كل الصعاب، للتكيُّف مع أجواء الواقع، وذلك من أجل الاستمرار
في الحياة دون العودة إلى البلاد بخفي حنين.
ومع توالي أحداث الفيلم، الذي كسر رتابة بعض مشاهده حس كوميدي
ساخر، وعدم قدرة البطلة، التي تلعب إلى جانب كل من ماريا لويسا
بورويل، خوسيه لويس غارساي بيريس، وفرانسيسكو اولمو، على مجاراة
الحياة القاسية التي يعيشها المهاجرون وبخاصة في الضيعات الفلاحية،
وحلمهم الكبير بجمع الثروة والرجوع إلى البلاد، والوطن الأم، وعدم
التكيف مع الحياة الجديدة، والاندماج في محيط الجالية المهاجرة،
وكذا المحيط الإسباني، تختار ياسمين ربط علاقة مع شرطي إسباني يدعى
(خابي)، عساها تنسى هموم أخيها (عبدو) الذي جاء إلى إسبانيا
للانشغال في المزارع الفلاحية رفقة أصدقائه المهاجرين.
وبهذا التجاذب الفيلمي، تنفتح مشاهد الشريط على آفاق أخرى من
المتعة البصرية، والتشويق، وهي الحبكة السينمائية التي تعمدت
المخرجة كاردونا خلقها في الفيلم، من أجل إعطاء تجليات مرتفعة،
وإيقاعات شاعرية وجمالية ممتعة، منحت الشريط، إيقاعا سينمائيا
تتوازى فيه الثنائيات الضدية، وروح الاختلاف وقيمة التباين في
مواقف عدة، وكذا اختلاف بين ثقافتين وعادات مختلفة، لكنها تلتقي
عند مفترق نبض القلب. إنها حكاية أشبه بزهرة الفل والياسمين، التي
أزهرت وتفتحت ذات ربيع، وتحلم بأن تبقى طول المواسم أنيقة ومزهوة
بنخوتها الطبيعية، ورائعة الحسن والجمال، بأوراقها، وأريجها،
وعشاقها أيضا، ملامحها الرومانسية الغالية.
(خوانا)
الحمقاء تعشق (فليبي) الوسيم
وبعد فيلم الافتتاح، الذي قدم نموذجا حيا للتعاون المغربي الإسباني
في المجال السينمائي، وتقديم حالات مشابهة للواقع، والتي يعيشها
المهاجرون والمهاجرات المغربيات الحالمات بالفردوس الأوروبي تختار
لجنة التنظيم لهذه الدورة تقديم الفيلم الثاني يوم 13 من شهر
فبراير الجاري، وهو بعنوان (خوانا الحمقاء) لمخرجه بيتين اراندا،
وهو فيلم رومانسي درامي، مدته 115 دقيقة.
ويحكي الفيلم الممتع، قصة البطلة (خوانا دو كاستل) الفاتنة،
ولقائها الأسطوري، بحبيبها (فيليبي) الوسيم، على متن سفينة، في
صورة حالمة تستحق المشاهدة، حيث ستبحر بالطرفين، إلى إحدى القصور
ببلجيكا، لإتمام عملية الزواج الخالد للحبيبين، اللذين وقعا في
غرام حالم، وعشق جارف، أنساهما الكثير من الالتزامات العملية
والشخصية.
ويقدم هذا العمل السينمائي الطويل صورة رومانسية، للمقولة الشهيرة
(الحب من أول نظرة)، حيث أن اللقاء القصير الذي جمع (جوانا)
و(فليبي)، كان كافيا لإشعال نار الحب والهيام في قلبيهما، وليكون
أرقى لقاء غرامي بين عاشقين متيمين، برع المخرج في ترجمه تلك
الأحاسيس المشتركة بين البطلين، إلى عالم ساحر من الرومانسية،
تتهادى مزهوة بالعفة والحميمية، على أمواج البحر الحالمة.
(أوبابا)
وقصة السحلية العجيبة
أما الفيلم الثالث الذي برمجته لجنة التنظيم لهذه الدورة، في الـ
20 من شهر فبراير الجاري، فهو فيلم (أوبابا) لمخرجه مونتشو
أرماندريز، وهو مقتبس عن قصة رومانسية من رواية للكاتب برناردو
أتاغا من إقليم الباسك الإسباني، والمعروف بكتاباته الغرائبية
لكنها واقعية، وتحكي الرواية قصة سحلية عجيبة كانت تدخل في أذن
النائم على العشب فتصيبه بالصمم.
ويحاول المخرج عبر هذا الفيلم، الدرامي المشوق، إلى ترجمة الخوف
والغرابة في الرواية إلى واقع هادئ وساكن وغير مخيف، بل إلى لحظات
وجدانية لا تُنسى، تقديم صورة سينمائية مبدعة، مفعمة بفيض رومانسية
وصداقة وحب، حيث البطلة فتاة جميلة تدعى (لودريس)، تقوم برحلة
استكشافية إلى منطقة (أوبابا)، لتصوِّر بكاميرا اليد، مشاهد
وثائقية عن الواقع اليومي والمعاش في تلك المنطقة، بعالمها الغريب
والمدهش، وخلال عملية التصوير، تكتشف (لودريس) أن أهالي المنطقة،
مع اختلاف مراحل حياتهم، سواء أثناء طفولتهم أو شبابهم، أو ما
يحلمون به في المستقبل، إلا أنهم ما يزالون يحافظون على عاداتهم،
متشبثين بماضيهم القديم.
الحب في زمن الحرب
وسيسدل
الستار على دورة الحب والصداقة، التي ينظمها معهد سيرفانتيس
الإسباني، بعرض فيلم (لا بوينا نويفا) لمخرجته إيلينا تابيرنا، في
الـ 27 من شهر فبراير الجاري، وهو من بطولة فرانسيكسو اكوانيا،
وخورخي أليس، ودانيال انتيفيلو.
ويحكي
الفيلم، الذي تدور أحداثه خلال الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936،
قصة رومانسية، جمعت بين أحد اللاجئين، الذي عُيِّن كقسيس في بلدة
اشتراكية يدعى(ميخائيل)، وأرملة فقدت زوجها خلال تلك الحرب، تدعى (مارغري)،
والتي تمارس مهنة التدريس في إحدى المؤسسات التعليمية.
وبهذا يكون معهد سيرفانتيس الإسباني، قد أعطى للحب في السينما
قيمته الإنسانية الخاصة والسامية، في ذكرى عيد الحب، وذلك بعرض
تجارب سينمائية مختلفة، تحبل بالكثير من الإشارات الفيلمية
الموحية، والعلامات الرقيقة، رغم دراميتها في كثير من الأحيان فضلا
عن الاحتفاء بالحب، كشعور إنساني ووجداني نبيل وراق، به تسمو
الحياة عبر السينما، التي تظل وسيلة حقيقية للفرجة والمتعة البصرية. |