فنجان شاى مع وحيد حامد(2)
مصرتُخيف.. ولا تخاف
القاهرة – بوابة الوفد –حنان أبوالضياء
«كثيرون
لا يعرفون «وحيد حامد».. ولكن يصدقونه.. والسر يكمن داخل هذا
الوجدان الذى مازال يجرى ويحبو داخل طفولته بين الحقول، ممسكاً
بجلباب أبيه الفلاح؛ ناثر البذور باحثاً عن الرزق؛ فتحتضنها الأرض
السوداء، وتنجبها قمحاً أخضر مشبعاً برائحة النقاء ومبللاً بقطرات
ندى الأخذ بالاسباب، ثم الرجاء على الله.. أجمل الأوقات التى
تقضيها مع «وحيد حامد» تكون دائما مع ذكرياته فى طفولته وشبابه؛
أكسير الحياة الذى يجعله أكثر تفاؤلاً وسعادة.. فخوراً هو دائما
بسنوات الكفاح يتلفح بها فتقيه شر السقوط فى آفة الكبر.. فى
أحياناً كثيرة أراه يتزين بطفولته البسيطة التى لا يمحوها من
الذاكرة كما يفعل الكثيرون، هى مجوهراته التى لا يفرط فيها أبداً.
وخاصة يوم «الخبيز».. وها هى أمه ذات الوجه الصبوح المنير بنعمة
الرضا التى أورثته إياها تخلط دقيق الذرة بدقيق القمح قبل العجين..
الأجمل أنه دائما يتذكر أنها مرات عديدة كانت تتعمد جعل نسبة دقيق
الذرة الأعلى، تلك هى الحكمة الاقتصادية للمرأة المصرية القادرة
على إدارة زمن الأزمات، رائحة الخبيز تعود به لجمال هذه الأيام..
وصدقونى أن من يتعطر برائحة خبيز الأم.. إنسان مختلف.. وهذا هو
«وحيد حامد» الذى أعرفه».
فى المرات العديدة التى التقيت فيها وحيد حامد خلال 25 عاماً أو
أكثر؛ قليلاً جداً ما أمسكت ورقة وقلماً، كنت أحافظ على كنوزى
الخاصة بالحوار معه فى كل شىء؛ وأجد أن الحوار الصحفى له شاطئ يجب
أن ترسو عليه إن آجلاً أو عاجلاً أما الحوار الإنسانى فشواطئه بلا
مرسى، وجميل هو الإبحار مع إنسان داخله مبدع، ومن هنا عرفت وحيد
حامد الصديق الوفى لأفكاره ومبادئه وأصدقائه.
فى لقائنا الأخير استدرجته إلى الكلام عن السعادة والجمال وخاصة
أنه عاشق للاحتفاظ بكل صورة جميلة وله مفهومه الخاص عن رؤية
الإنسان للجمال من حوله وقبل انتهائي من السؤال كانت الإجابة من
خلال ما يحبه من شعر إيليا أبو ماضى:
أيّهذا الشّاكي وما بك داء
كيف تغدو إذا غدوت عليلاً؟
إنّ شرّ الجناة في الأرض نفس
تتوقّى، قبل الرّحيل، الرّحيلا
وترى الشّوك في الورود، وتعمى
أن ترى فوقها النّدى إكليلا
·
وحيد حامد له فلسفته الخاصة بالنسبة للفلوس يرى أنه لا تعدو أن
تكون بنزين عربية الحياة، وما زاد عن ذلك فهو فائض عن احتياجات
الإنسان.
-
عالم السينما له قوانينه الخاصة جداً والتى تتحكم فيه وعلى رأسها
لا صوت يعلو فوق صوت النجم، ولكن هذا القانون يتوارى عندما يصبح
المبدع وحيد حامد هو الكاتب، فالكلمة الأولى والأخيرة له، مهما كان
اسم النجم المشارك فى العمل، خاصة أن معظم النقلات الحقيقية فى
حياة هؤلاء النجوم كان سببها وحيد حامد، وأكبر دليل على ذلك «عادل
إمام» فالدخول إلى عالم الأفلام السياسية والتى حولت مجرى حياته
تماما كانت من خلال ما كتبه وحيد وأخرجه شريف عرفة «اللعب مع
الكبار» طيور الظلام «الإرهاب والكباب» و«المنسى» و«النوم فى
العسل».. وأخيرًا «عمارة يعقوبيان»، هذا العمل الذى حلم به وحيد
حامد كثيراً فى أن يجد نصاً يجمع أكبر عدد من النجوم.. وعمارة
يعقوبيان كانت بمثابة الدعم الأول لابنه مروان حامد فهو كان يرى أن
من حق الإنسان وضع ابنه على بداية الطريق ثم يتركه سابحاً فى
الاتجاه الذى يريده.
·
سألته عن مروان كمبدع؟
-
مروان مبدع له أسلوبه الخاص وسعدت كثيرا بما حققه فيلمه «الفيل
الأزرق» من جوائز.
·
كيف ترى أحمد مراد؟
-
كاتب له أدواته المتمكن منها، إلى جانب أننى معجب جداً بمستوى
أخلاقه.
·
ولأن وحيد حامد يعرف قيمة الوقت سألته عن فيلم قط وفار.. وهل جاء
فى وقته؟
-
فيلم قط وفار عمل بمثابة «البنبونية».. ولكن يجب احتواؤه على كل
مفردات السينما الجميلة، أنا أحب هذا النوع من كوميديا الموقف؛
لذلك عندما قرأت قصة عبدالرحمن فهمى، أردت الدخول بها إلى دنيا
لعبة القط والفار المستمرة بين المواطن العادى، والسلطة التى تحكمه.
·
لماذا تكره الناس أمن الدولة وتخاف من المخابرات؟
-
لا يوجد دولة فى العالم إلا ولديها أجهزة أمنية حتى الدول الآمنة
مثل سويسرا, وشىء طبيعى أن يكون هناك عداء بين اللص والشرطة.
والأجهزة الأمنية تطارد الخارجين على القانون, وشىء طبيعى أن يتم
استهدافها سواء كانت مخابرات أو أمن دولة. والخطة كانت موجودة لغزو
المخابرات أيام ثورة 25 يناير كما حدث مع أمن الدولة والحمد لله أن
هذا لم يحدث.
·
هناك ناس مازالت تلعب على حكاية أن أجهزة أمن الدولة عذبت الإخوان؟
-
إذا كانت عذبتهم فإن جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم فلماذا لم
يقيموا قضايا ضد من عذبوهم!
·
لأنه لم يتعذب أحد؟
-
إن جناح خيرت الشاطر فى السجن قبل 25 يناير كان فيه كل الوسائل
للحياة الناعمة, لدرجة أن من سعد وهناه من المسجونين من النظام
السابق أن يكون هذا مكانه.. وسأذكر لك حكاية تؤكد ما أقول قبل
الثورة بفترة كان معى ميعاد مع عصام العريان وتم التأكيد عليه
ليلا. وفى الصباح انتظرته ولم يأت, وعندما قلت لصحفى كان يزورنى
إننى فى انتظار عصام العريان, قال لى: ستنتظر كثيراً لأنه قبض عليه
بالأمس, فحاولت الاتصال بتليفونه المحمول لاطمئن عليه وبعد محاولات
عديدة رد علىّ ابنه وأكد المعلومة, وقال لى إذا أردت أن تراه فهذا
سهل لأنه ينزل كل يوم أربعاء لمستشفى قصر العينى لعلاج أسنانه..
وهذا ما كان يحدث وهو مسجون وأتحداه أن يكذبنى. وإذا فعل ذلك يمكنك
التأكد من ملفات المستشفى نفسها.
·
فى فيلمك «دم الغزال» أشرت بقوة إلى أسباب ظاهرة الإرهاب؟
-
نعم هى الفقر والبطالة المتمثلة فى الشخصية التى أداها محمود
عبدالغني.
·
المصرى البسيط يقع دائما بين راحتى التسول أو السقوط فى براثن
الإرهاب؟
-
إننا فى مأساة حقيقية كثيراً ما أنظر حولى باحثاً عن المصرى
الحقيقى صاحب العزة والكرامة فأراه قد اختفى؛ ومن أراه لم تعد تلك
الصفات من شيمه وأخلاقه، فالجميع أصبحوا متسولين بطريقة أو بأخرى..
والغريب أن التسول أصبح الإعلان عنه بصور دائمة ليل نهار بأشكال
مختلفة مليئة بالقسوة والفظاظة من خلال وسائل الاعلام.
·
فاجأته.. بالعودة للوراء وقلت له: منذ 25 عاماً قال لى الكاتب
الراحل صالح مرسى (إن هناك مخططاً لتدمير الإنسان المصرى خلال
عشرين عاماً عن طريق التعليم).. هل تؤمن مثلى الآن أن هذا المخطط
نفذ بقوة؟
-
للأسف أن أول شىء كان التعليم, وتم تدميره تماماً.. ونفذ المخطط
بكفاءة منقطعة النظير وبوحشية مفرطة. ولكن إذا أحببتى القضاء على
مجتمع فالباب الأول الذى تنفذى منه هو الصحة. ومصر ويلا الأسف
الأولى باقتدار فى أمراض الكبد والسرطان والسكر، إلى جانب الانهيار
التام للمؤسسات الطبية, فلا يوجد فى مصر مستشفى حقيقى, بل إن معظم
المستشفيات مرتع للأوبئة, الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.
وعامل الانهيار الثانى فى مصر هو الثقافة وأقصد بها الثقافة
العفوية التى تستسقى من المصادر السمعية والبصرية، للأسف نحن الآن
نعيش مرحلة تدمير الثقافة الشعبية وحل محلها الثقافة العشوائية,
الرخيصة, فتغيرت اللغة والسلوكيات بناءً على تلك الثقافة, التى
انتقلت بسرعة كالنار من خلال أفلام المقاولات والاغانى الهابطة.
·
هل تلك الأفلام والأغانى كانت مقصودة؟
-
سآخذك إلى منحنى توضيحى يفسر لكى ما حدث قبل الإجابة عن
السؤال!..للأسف إن فى السنوات الأخيرة تم تحميل المجتمع ما لا
يتحمله من البشر, وحدث فى مصر انفلات سكانى, وأعتقد أن التيارات
الدينية التى سيطرت على مصر من السبعينات شجعت على إنجاب هذا السيل
من البشر. الذين بلا تعليم ولا فرصة عمل ولا ثقافة, مما زاد من
مشكلة المجتمع المصرى بضراوة. إلى جانب إلى أنه تم تقسيم مصر بشكل
طائفى (غير معترف به) ولكنه فى الواقع قائم ومن هنا يكمن الخطر.
مصر لم تقسم جغرافياً ولكن قسمت طائفياً.
·
ما سر اشتعال المنطقة حولنا؟
-
يجب أن يعلم الجميع أن أمريكا وإسرائيل لا تريدان الدخول في حرب
مباشرة في المنطقة العربية، ولكن يورطان غيرهما بهذه الحرب فالحلم
الدائم هو تفتيت الأمة العربية وإضعافها، وما يحدث بين الحين
والآخر من إحداث فتنة بين السنة والشيعة، والمسلمين والمسيحيين جزء
منها. الخطة كبيرة و30 يونية أفسدتها لأن الإخوان كانوا ينفذونها
كما قال الكتاب.
·
كنت أول من نبهت إلى خطورة «التنظيمات الاسلامية» وعلى رأسها حماس؟
-
كل الشواهد والاحداث تقول إن «حماس» صناعة إسرائيلية، الهدف الأول
من أنشائها كان القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، التي هي أصل
المقاومة الفلسطينية. هل يعقل أن تلك الجماعة لم توجه رصاصة واحدة
حقيقية تجاه إسرائيل وهاهم يعيسون فى الأرض فساداً ويحاولون بشتى
الطرق توجيه الضربات للجيش المصرى.
·
وداعش؟
-
رافد جديد من روافد المنظومة الإرهابية الأمريكية لتحقيق حلم الشرق
الأوسط الجديد, فكما هو معروف من أن تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن
صناعة أمريكية فإن داعش خلقت بعد فشل المشروع الأمريكى لتقسيم
المنطقة؛ وإلا بماذا تفسرى أنه عندما تحدث أي إساءة لأي مسيحي في
مصر أو لبنان تنقلب عليه أمريكا وتتحدث عن حقوق الإنسان بينما
عندما تقتل «داعش» المسيحيين في مدينة الموصول العراقية لم تحرك
ساكنًا، أما إدانتها لمقتل المصريين مؤخراً فهو بمثابة ضجيج بلا
طحن وذر للرماد فى العيون.
ولأن النضال لا يحتاج إلى طلقات رصاص ففى أحيان كثيرة تصبح الكلمات
أشد قوة من طلقات الرصاص لأنها دائماً ما تكون كاشفة ومبصرة لما لا
يراه العامة وهذا ما كان يفعله وحيد حامد فى أعماله السينمائية
والتليفزيونية ومقالاته.. وإذا كان وحيد قد كشف تاريخ الخرفان فى
مسلسل الجماعة فإنه أرخ لنشأة الفاشية الدينية فى مسلسل العائلة،
لذلك فأنا أتمنى أن يقدم مسلسلا يستقى شخصياته من سلسلة مقالاته
«جمهورية عساكر وثورة الكبش».. وهذا هو الحلم الذى يحتاج إلى فنجان
شاى آخر مع وحيد حامد إن شاء الله. |