'عفارم' تشريح للتعصب الديني والعنصرية في رومانيا القديمة
العرب/ أمير العمري
الفيلم الروماني يكشف الاضطهاد الإقطاعي للغجر من خلال إستيحاء
أجواء الويسترن.
من الأفلام الجديدة التي لفتت الأنظار في مسابقة مهرجان برلين هذا
العام، الفيلم الروماني “عفارم”، وهي الكلمة التركية التي كانت
مستخدمة في العصر العثماني ومعناها “أحسنت”.
حاز فيلم “عفارم” الروماني جائزة الدب الفضي لأحسن إخراج لمخرجه
راضو جود في مهرجان برلين السينمائي الأخير، وهو فيلمه الروائي
الطويل الثالث بعد “أسعد فتاة في العالم” (2009) و”كل واحد في
عائلتنا” (2012).
وراضو من مواليد 1977، درس السينما في جامعة بوخارست، ثم أخرج عددا
من الأفلام القصيرة، كما عمل مساعدا لكوستا غافراس في فيلم “أمين”،
ومع المخرج الروماني كريستو بيو في فيلمه الشهير “موت السيد
لازاريسكو”، أي أنه ينتمي للموجة الجديدة في السينما الرومانية،
التي فرضت نفسها على خريطة السينما في العالم مع النجاح الكبير
الذي حققه فيلم “4 أشهر و3 أسابيع ويومان” لمخرجه كريستيان مونغو
(2007)، الذي حصل على “السعفة الذهبية” في مهرجان كان.
في المقابل وعلى عكس أفلام السينما الرومانية الجديدة التي تنتهج
أسلوبا يعتمد على اللقطات والمشاهد الطويلة، وعلى الكاميرا الثابتة
والميزانسين، والمزج بين التسجيلي والروائي، يعتمد فيلم “عفارم”
على الحركة: حركة الكاميرا وحركة الأشخاص والأشياء داخل الصورة،
كما يعتمد على البناء الكلاسيكي لفيلم الطريق، مع شكل خارجي يستوحي
أجواء “الويسترن” أو فيلم “الغرب الأميركي”.
تدور الأحداث في ثلاثينات القرن التاسع عشر في مقاطعة “والاشيا”
بشمال رومانيا، وهي منطقة كانت في ذلك الوقت، نظريا، تابعة
للإمبراطورية العثمانية، لكنها عمليا كانت خاضعة للنفوذ الروسي مع
وجود نمساوي ملموس.
والفيلم يمتلئ بالتالي، بالكثير من الشخصيات الثانوية التي تنتمي
لكل هذه الفئات، إضافة بالطبع إلى الرومان، والغجر الذين هم في قلب
موضوع الفيلم.
ومشكلة الغجر في رومانيا مشكلة قديمة، كانت دائما من المشاكل
المسكوت عنها، أي تلك التي لا يسمح النظام السياسي -في كل العصور-
بفتحها ومناقشتها بشجاعة والتوصل إلى حل لها.
فالفيلم يصوّر كيف كان الغجر يخضعون للعبودية، ويعاملون معاملة
الكائنات الأدنى بسبب لونهم الأسمر، وفي الفيلم يشير الجميع إليهم
بكلمة “الغربان” بسبب لونهم، وكان يتم تسخيرهم في العمل الإجباري
الشاق لدى ملاك الأراضي الإقطاعيين، سواء من الأتراك المسلمين أو
الرومان الكاثوليك.
الفيلم يصور كيف كان الغجر يخضعون للعبودية في رومانيا، ويعاملون
معاملة الكائنات الأدنى بسبب لونهم الأسمر
بطل الفيلم ضابط شرطة يكلف من قبل أحد كبار ملاك الأراضي، بالبحث
عن العبد الغجري الهارب من العمل في مزارعه والقبض عليه والعودة به
حيا. ويقوم الضابط باصطحاب ابنه معه، يعيّنه مساعدا له، ويقوم
بتدريبه على “تنفيذ القانون” كما يقول له، مقابل الحصول عند نهاية
المهمة، على هبة مالية جيدة من الإقطاعي.
وأثناء الرحلة عبر الريف الروماني في تلك المقاطعة التي تمتلئ
بالغابات، يلتقي الرجل وابنه، بالكثير من الشخصيات، من رومان وغجر،
سادة وعبيد، فقراء وقساوسة وفلاحين.
الشرطي يهدّد كل من يقابلهم من الفلاحين بالويل والثبور إن لم
يعترفوا بمكان “العبد” الغجري الهارب، إلى أن يلتقي بقس كاثوليكي
هو الذي يرشده إلى مكان الغجري، مقابل الحصول على مكافأة مالية
رصدها الشرطي لمن يدله على الهارب.
في أفلام الطريق يكون المقصود من طريقة البناء عادة استخدام
“الرحلة- الطريق- المسار” في الكشف عن جوانب كثيرة تدعم الفكرة
الرئيسية للفيلم، وتمدّها بالكثير من التفاصيل الفرعية التي تصبّ
فيها بشكل أو بآخر، ولكن دون أن تغيب الفكرة الرئيسية عن الفيلم،
وقد ينتج عن هذا التركيز الدرامي أحيانا بعض التشتت والخروج عن
المسار، أي مسار الحكي، أو بعض الاستطرادات التي يجد صانع الفيلم
نفسه واقعا في غرامها فيطيل فيها ويستطرد.
وهو ما حدث مثلا في مشهد طويل، عندما يتوقف الرجل وابنه عند بيت
للدعارة، حيث يشرب الرجل حتى الثمالة ثم يقضي وطره مع إحدى
الغانيات، وبعد ذلك يشجع ابنه ويدفعه دفعا إلى ممارسة الجنس مع
الغانية نفسها، بعد أن يكون قد ساومها كثيرا على “الثمن”، فهو يريد
أن يتأكد من “ذكورة” ابنه الشاب صائحا عندما يجد الشاب وجلا،
مترددا: أرجو ألا تكون من “السدوميين”!
أما المشهد الأكثر تأثيرا في الفيلم، وهو يلقي بظلال قوية على
الفكر الذي كان سائدا في تلك الفترة المظلمة، فيأتي عندما يساعد
الرجل وابنه، قسا كاثوليكيا على رفع عربته التي انغرست في الوحل،
وبعد أن يعرف أنهما في مهمة لتعقب “غجري” هارب، يبدأ القس بصوت عال
أجش، في صبّ اللعنات على الغجر واليهود والعرب والمسلمين
والإيطاليين والروس والأنكليز وغيرهم، باستخدام أكثر الألفاظ قسوة،
ويستخدم التشبيهات والألفاظ التي تكشف عن عنصرية بغيضة تبرر
استعباد وقتل من يعتقد أنهم من الكائنات الأدنى.
الفيلم يوجه إدانة قوية إلى طبقة رجال الدين الذين يتواطأون مع
الإقطاعيين، ويجدون لهم تبريرا لما يمارسونه من استغلال واستعباد
للآخرين
والمشهد مصاغ في سياق أقرب إلى الكوميديا الهزلية، فشخصية القس
تبدو كاريكاتورية، وما يرد على لسانه من كلمات أو حوار، هي أقرب ما
تكون إلى “المونولوغ” الصارخ الذي يضحك كما يفزع.
يتمكن الضابط أخيرا من القبض على الغجري الهارب، ويربط قدميه ويضعه
فوق الحصان مقلوبا، ظهره وساقاه في مواجهة الكاميرا، بينما يقود
الرجل الحصان يرافقه ابنه على حصان آخر، على نحو ما كنا نشاهده في
أفلام الويسترن الأميركية القديمة (الشريف يعود بالمجرم، أو
المتطوّع يعود به لكي يتلقى مكافأة من الشريف).
وخلال الطريق يحاول الغجري استمالة الرجل وابنه بشتى الطرق، يروي
لهما عن ظروف حياته وعمله الشاق في كنف الرجل الإقطاعي، وتعرضه
للتنكيل والاضطهاد، ولكنه يبوح لهما بعد ذلك بالحقيقة وهي أن زوجة
الإقطاعي “سلطانة” أغوته فمارس معها الجنس، ثم هرب بعد أن عرف أن
الرجل سينكل به، ويبدي خوفه الشديد من المصير الذي ينتظره، ويأخذ
في استعطافهما أن يطلقا سراحه لدرجة أن الابن يطلب من والده إطلاق
سراحه، متسائلا في لحظة ما: كيف يمكنهما أن يسوقا رجلا هكذا يعرفان
أنه سيلقى مصيره قتلا؟
ومع ذلك يذكره والده بأنهما يؤديان واجبهما، وأنهما إذا أطلقا
سراحه سيفقدان المكافأة المالية المنتظرة بعد كل ما أنفقاه من وقت
وجهد، لكنه يطمئن الغجري أن سيده سيكتفي بجلده فقط، وأنه سيتحدّث
إليه ويشرح له الأمر.
ينتهي الأمر بتسليم العبد الهارب إلى الإقطاعي، ويحصل الضابط على
المكافأة، ثم يحاول التدخل وينصح السيد بالاكتفاء بجلده، متعللا
بأن الخطأ ليس خطأه وحده، خصوصا بعد أن تشهد “سلطانة” بأنها هي
التي أغوت الغجري، لكن الأمر ينتهي نهاية تراجيدية عندما يقوم
الإقطاعي أمام زوجته والجميع، بإخصاء الرجل في مشهد شديد القسوة.
يوجه الفيلم إدانة قوية لنظام كامل (سياسي واقتصادي) يقوم على
الطبقية: الإقطاع أو كبار ملاك الأراضي من طبقة النبلاء التي كانت
التالية بعد الملوك والأمراء مباشرة، وطبقة العاملين في خدمة
النبلاء مثل الضابط (البورجوازية الناشئة)، ثم طبقة العبيد أو
الأقنان الذين تسند إليهم كل الأعمال الأساسية: الزراعة والحصاد
ورعاية الحيوانات وغيرها.
وفي الوقت نفسه، يوجه الفيلم إدانة قوية إلى طبقة رجال الدين الذين
يتواطأون مع الإقطاعيين، ويجدون لهم تبريرا لما يمارسونه من
استغلال واستعباد للآخرين، من الكتاب المقدس نفسه، وهو ما يكشفه
الفيلم في مشهد المواجهة بين الضابط والقس الكاثوليكي.
يستخدم المخرج الأبيض والأسود، لكي يوحي بأجواء الفترة القديمة
التي تدور فيها الأحداث، كما يستخدم الشاشة العريضة، لكي يستفيد من
أجواء المشاهد الخارجية التي تدور في الريف والجبال والغابات،
إضافة إلى ما تضفيه من أجواء شبيهة بأجواء “الويسترن”.
في المقابل الفيلم يعاني قليلا، من ثقل الحوار وكثرته عل العكس من
أفلام السينما الرومانية الجديدة، ولعل ما يغفر له أنه يفتح ملفا
مسكوتا عنه بجرأة كبيرة، ويواجه للمرة الأولى مجتمعا يميل إلى طيّ
صفحة مليونين ونصف مليون من الغجر، مازالوا يعيشون في رومانيا حتى
هذه اللحظة.
مهرجان سينما وفنون الطفل رسالة مصر ضد الإرهاب
العرب/ سارة محمد
المهرجان في دورته الحالية يبعث برسالة قوية تؤكد أن أطفال مصر
يقفون لحماية بلدهم ضد التطرف والإرهاب.
القاهرة - يبدو أن الدورة 22 لمهرجان القاهرة الدولي لسينما وفنون
الطفل، ستكون حصانا رابحا، لأنها تتحاشى الانتقادات التي وجهت
للمهرجان في دورات سابقة، وجعلت الطفل صاحب الصدارة في المشهد.
الدورة الجديدة لمهرجان القاهرة الدولي لسينما وفنون الطفل تعود
بعد غياب ثلاث سنوات، وتنطلق فعالياتها خلال الفترة من 20 إلى 27
مارس الجاري، وتشهد تغيرا كبيرا على مستويات مختلفة في الفنون
المقدمة للأطفال أو التطور التكنولوجي الذي أصبح سمة العصر الحالي،
وأيضا في اختيار قضايا جادة يبدو تناولها بعيدا عن عموم الأطفال.
ولأول مرة يخاطب المهرجان الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والذين
يشاركون في عروض حفل الافتتاح، وفي عدد من الفعاليات، وهي خطوة غير
مسبوقة في عمر المهرجان.
سهير عبدالقادر أمين عام المهرجان، قالت لـ”العرب”، إن الحدث
الأعظم والأهم هو التوجه لجموع الأطفال المهمشين من أبناء الصعيد
وسيناء في مصر، الذين يتجاهلهم الإعلام دائما، مع أنهم جزء لا
يتجزأ من تكوين الهوية المصرية، ويشارك هؤلاء أيضا في فعاليات
المهرجان بنفس ملابسهم المتعارف عليها في بيئتهم المحلية
“الجلباب”، تعبيرا عن تقدير ثقافة المحافظات والأقاليم التي ينتمون
إليها.
وأوضحت سهير عبدالقادر في تصريح خاص لـ”العرب” أن هذا الأمر تجربة
جديدة وفعالة في عمر المهرجان، الذي ظل يخاطب أبناء الطبقات
الرفيعة ويتوجه لأطفال نخب معينة في المجتمع.
التحدّي الأكبر الذي سيشهده المهرجان هذا العام، يبعث برسالة قوية
توضح أن أطفال مصر يقفون ضد الإرهاب، وأن إقامة هذه الدورة خير
دليل على ذلك، كما أن دور المهرجان لن يقتصر فقط على السينما وعروض
الأفلام، بل ستكون هناك ورش خاصة لكثير من الفنون التي تشارك في
تنظيمها كليات التربية الفنية، والمركز القومي لثقافة الطفل، من
بينها ورش للطباعة، والمجسمات الإسفنجية، وتدوير مخلفات البيئة،
والرسم على الزجاج، والصلصال، والمجسمات الورقية، والرسم على
السيراميك، والإكسسوارات، والتشكيل بشرائح النحاس.
من بين التطور التكنولوجي الذي أدخله المهرجان في دورته الجديدة،
نزول برنامج “أبليكشن” خاص بالموبايلات محمّلا عليه جميع البرامج
والنداوات بأكثر من لغة، في خطوة تؤكد مواكبة الحدث لتطوّر الأجيال
الحالية من الأطفال، وتزيد من فرص التسويق والترويج للمهرجان ونسب
المشاركة، وتعريف الشعوب الأخرى به. المكرمون في دورة مهرجان هذا
العام وصل عددهم إلى 13 شخصية، بينهم المطرب هاني شاكر، والفنانة
صفاء أبوالسعود، والكاتب والمخرج شوقي حجاب، والفنانة ياسمين
عبدالعزيز، والكاتب عبدالتواب يوسف، والفنان محمد صبحي، والفنانة
شيري عادل، والموسيقار هاني شنودة، والكاتبة عفاف طبالة، والكاتب
محمد المنسي قنديل، واسم الراحلة ماجدة موسى رئيس مجلس أمناء مدارس
مصر للغات، ونوال الدجوي رئيس مجلس إدارة جامعة أكتوبر للآداب
والعلوم الحديثة، والمخرج والمنتج النيجيري فيث إيزياكبر، ومن
المنتظر أن يحضر متحدّو الإعاقة بقوة في حفل الافتتاح، من خلال
الفيلم الفرنسي “بكل قوتنا” الذي يحكي عن واحدة من القصص المؤثرة
لهؤلاء، حيث الطفل “جوليان” الذي يعيش على كرسي متحرك ويدخل في
سباق الرجل الحديدي مع والده الذي ينبذه، ليبدأ هذا الأخير في
تغيير وجهة نظره نحو ابنه.
والدورة 22 لمهرجان القاهرة الدولي لسينما وفنون الطفل لهذا العام
تنقسم إلى مسابقتين، الأفلام الروائية والطويلة والقصيرة
والوثائقية وتضمّ كلها 31 فيلما، ومسابقة أفلام التحريك والتلفزيون
وتضمّ 48 فيلما.
الطاهر الحداد في شريط وثائقي تونسي
الشريط الوثائقي يحاول سرد تفاصيل نضال هذا المفكر والسياسي
والمصلح العربي، وحياته التي كانت غنية بالكتابات الشعرية
والخطابات السياسية والنقابية.
العرب/ تونس - “الطاهر الحداد رائد الإصلاح” هو الشريط الوثائقي
الجديد للمخرجة والمنتجة التونسية هاجر بن ناصر عن سيناريو لمحمد
المي، وبطولة وجدي كروة، فيصل العبدلي وعبداللطيف بن جدو.
وعنه تقول هاجر بن نصر “يحاول هذا الشريط الوثائقي خلال 36 دقيقة
سرد تفاصيل حياة ونضال هذا المفكر والسياسي والمصلح العربي، لقد
كانت حياة الطاهر الحداد غنية بالكتابات الشعرية والخطابات
السياسية والنقابية. كان الحداد صوتا لا يخشى الدعوة لمكافحة
الاستبداد والظلم الذي مارستـه المؤسسات الاستعمارية ضدّ العمال”.
ونما فكر الطاهر الحداد السياسي والنقابي والمصلح الاجتماعي
التونسي المولود سنة 1889، في عصر عانى فيه المجتمع التونسي من
تكلس الأفكار وتعصبها، ووسط قيود الاستعمار الفرنسي المضطهد لحقوق
العمال.
وأسس الطاهر الحداد أول حركة عمالية مع محمد علي الحامي، فكان
ميلاد جامعة عموم العملة التونسيين سنة 1924. وأصرّ على تأريخها
وإرساء جذورها في العالم العربي من خلال كتاب “العمال التونسيون
وظهور الحركة النقابية” عام 1927 الذي صادرته سلطات الاستعمار
الفرنسية ومنعت تداوله آنذاك.
واصل الحداد عمله من أجل إصلاح البلاد التونسية من خلال إصلاح
المجتمع عبر نواته الأولى: الأسرة، فدعا عبر كتابه “امرأتنا في
الشريعة والمجتمع” إلى إصلاح أوضاع المرأة من خلال تعليمها،
وتثقيفها وتمكينها من ممارسة الرياضة، وكذلك نادى بإرساء مجتمع
المعلومات منذ قرن مضى. |