يعتبر هذا المخرج تجربة استثنائية في السينما اللبنانية. شريطه
«الوادي» الذي يشكل الجزء الثاني من الثلاثية التي يحضر لها، جال
مهرجانات العالم حاصداً الجوائز، قبل أن يُطرح أمس في «متروبوليس
أمبير صوفيل»
بعد تجواله في عدد من المهرجانات حول العالم، منها «أبو ظبي» حيث
نال جائزة أفضل إخراج، طُرح فيلم «الوادي» للمخرج اللبناني غسان
سلهب (1958) أمس في «سينما متروبوليس صوفيل». في الشريط الروائي
الطويل الذي يتبع فيلم «الجبل» ويشكل الجزء الثاني من الثلاثية
التي يحضر لها، يسرد لنا سلهب قصة رجل يفقد الذاكرة جراء حادث سير
تعرض له في الوادي.
بعد نجاته وتجواله الهائم في المنطقة المعزولة حيث وقع الحادث،
يلتقي بمجموعة من الأشخاص لا يقلون غرابة عنه، فيقررون اصطحابه إلى
المقر السري لإقامتهم في مزرعة في البقاع. في ما بعد، يتضح ـ كي
يكتمل حظ البطل السيء ـ أنهم تجار مخدرات.
اللافت في الشريط هو جمالية لغته السينمائية التي تبرز منذ البداية
عبر الكاميرا التي ترافق خطوات البطل المجهول (كارلوس شاهين)
الثقيلة والمتعثرة بعد نجاته من الحادث. تلتقط التفاصيل المذهلة
بدقتها، كالتجعيدة الصغيرة على ظهر قميص البطل، التي تنفرد ثم تزم
بحسب إيقاع تنفسه، أو حين يركب السيارة برفقة الغرباء الذين التقى
بهم للتو (فادي أبي سمرا، كارول عبود، منذر بعلبكي ويمنى مروان)
حيث يصور المخرج ـــ عبر لغة سينمائية استثنائية في جماليتها
وإيقاع الموسيقى الذي يجسد حالة القلق المتصاعد ــ الانعكاسات على
زجاج السيارة التي تمتزج فيها المشاهد المتعاقبة في الخارج مع
المشهد في الداخل في بعض اللقطات أو يلعب على التناقض بين
الانعكاسات المختلفة كما في المشهد الذي نرى فيه السيارة تتراجع
وتتقدم كأنما في الوقت نفسه.
لغة سينمائية استثنائية في جماليتها وإيقاع الموسيقى
وإذا كان بورتريه البطل الفاقد للذاكرة يبعث على الغرابة المقلقة
والطريفة في آن معاً كما حين يرسمه المخرج بتعابير وجهه التي تعبر
عن الذهول التام أو البراءة كطفل ولد للتو بالتناقض مع ضخامة جسمه،
فشخصيات بقية أفراد عصابة المخدرات لا تقل تعقيداً ولا العلاقات
المركبة التي تجمع بعضهم بعضاً. بالرغم من أنهم خارجون فعلياً عن
القانون كما نكتشف في ما بعد، إلا أنّهم يعيشون ضمن منظومة لها
قوانينها الخاصة كوجوب احترام وقت الطعام المقدس، ووجود نظام أمني
صارم وحده الحمار لا يلتزم به، كما نرى في أحد المشاهد الساخرة حين
يبلغ الحارس الليلي (أحمد غصين) عن الحمار الضائع. أما علاقتهم
بالوافد الجديد، البطل الفاقد للذاكرة، فهي مزيج من الفضول والخشية
والرغبة في استكشاف هذا الآخر الذي أتى ليحطم عزلتهم. ينشغلون
بتخيل هوية هذا المجهول ويتجادلون في ما بينهم بحضوره حول اختراع
اسم أو مهنة مناسبة له، غير مكترثين لوجوده. يتحول تدريجاً إلى ما
هو أشبه بلعبة ضخمة يتنافسون في ما بينهم على تملكها والعبث بها.
أما البطل، فيبدو مشغولاً بمحاولة الهرب من قبضة هؤلاء المجانين
أكثر من استرجاع ذاكرته المفقودة. أكثر مشهد يجسد تلك العلاقة
الملتبسة من الافتتان الممزوج بالسادية التي تربطهم بالبطل، عندما
يحاول الهرب، فيقيدونه إلى كرسي فيما يتناوب الرجال على تعذيبه
والنساء على إغرائه. يصبح جسده واللهو به مستباحاً مثل ذاكرته كما
في اللقطة الطريفة حين تنفرد به الرسامة الشابة بحسب الفيلم (يمنى
مروان) وتبدأ بالرسم على جسده. لا يستعيد البطل ذاكرته إلا حين
تندلع الحرب التي تدمر كل شيء بما فيه مدينة بيروت. يبقى هو الشاهد
الوحيد كأنما على ذاكرة المدينة المفقودة. تبرز اللغة السينمائية
كدعامة للسرد الروائي في حين أنّ الحوارات متفاوتة، إذ جاءت معبرة
أو طريفة في بعض المقاطع أكثر من الأخرى.
أما بالنسبة إلى إيقاع الشريط، فيتسم في بعض المقاطع بالبطء
المتعمد الذي يتجسد عبر الصمت الذي يسبق الحوارات أو يتخللها، أو
حتى تحركات الشخصيات ضمن المشهد، والأوتوماتيكية التي يعكسها هذا
الإيقاع الموحد والمقلق وسط حالة جماد تام فيما تبدو الشخصيات أشبه
بالمومياء. وحده البطل الصامت غالباً يحمل نبض الحياة المفقود لدى
البقية، وربما ذلك لأنه فاقد للذاكرة على عكسهم. الخيار السينمائي
الذي يبدو مقصوداً من قبل المخرج، تمكن رؤيته من وجهات نظر مختلفة.
من جهة، هو يعبر عن الحالة التي يود نقلها للمشاهد أو مفهوم الوقت
كما تعيشه الشخصيات بثقل فراغاته. لكن الأسلوب الذي يجسد ذلك
حرفياً، قد يغرق المشاهد في الحالة نفسها. ومن هنا وجه المجازفة
التي يقبل المخرج بخوضها. خيار يشكل جزءاً من وحدة رؤياه
السينمائية التي ــ بخصوصيتها وجمالية لغتها السينمائية ـ تشكل
تجربة استثنائية في السينما اللبنانية.
«الزيارة»...
سحر المعمار ولذة الموسيقى الصوفية
نورالدين بالطيب
تونس
| بعد
شريطه الطويل الأول «الكتبية»، قدم السينمائي نوفل صاحب الطابع
للجمهور التونسي شريطه الجديد «الزيارة». العمل لون جديد في
الكتابة السينمائية لم يعهده الجمهور في ما سبق من أفلام. انطلق
نوفل صاحب الطابع وطارق بن شعبان الذي شاركه كتابة السيناريو من
حكاية بسيطة في ظاهرها هي قصة الشاب يوسف الذي يصاب بفقدان الذاكرة
وبفصام الشخصية بعد مشهد سقوط شقيقته في البئر وتعنيف والده لأمه
حتى الموت.
من خلال هذه الحكاية، يطرح المخرج قضية الذاكرة بالتركيز على البيت
المهجور في المدينة العتيقة، واستعراض المعمار الكولونيالي
الفرنسي. هكذا، يتحول الشريط الى رحلة بين الماضي والحاضر تتخللتها
حفلات «السطمبالي» («الموسيقى الزنجية») التي يعتقد بأنّها قادرة
على طرد الأرواح الشريرة التي تسكن الإنسان. يوسف (غازي الزغباني)
الذي يعمل سائق أجرة، كان شاهداً في صغره على سقوط شقيقته في البئر
وقتل والده لأمه. يعيش يتيماً ووحيداً في شقة في المدينة الحديثة،
فاقداً للذاكرة.
يصادف أن ترافقه فتاة أثناء عمله إلى منزل مهجور في المدينة
العتيقة، وكان هذا المنزل هو نفسه الذي شاهد أمامه حفلة لموسيقى «السطمبالي»
بعدما قاده حريف الى هناك. تبين في ما بعد أنّه عضو في مجموعة
موسيقى «السطمبالي». وبعد دخول الفتاة إلى البيت المهجور في ليلة
ممطرة، تنطلق رحلة يوسف في النبش في ذاكرة عائلته واستحضار الماضي.
بتردده على الحي، يتعرف يوسف إلى شيخ طريقة من الطرق الصوفية
(الفنان صلاح مصباح)، يفاجئه بأن المنزل الذي تقيم فيه الفتاة
مهجور منذ ٣٠ سنة، وينصحه بعدم الاقتراب منه لأنّه مسكون بـ «ناس
أخرى» (أرواح شريرة). مع ذلك، يصر يوسف المأخوذ بسحر تلك الفتاة
الغامضة التي أوصلها في ليلة ممطرة، على دخول البيت. وتحت تأثير
موسيقى السطمبالي ورؤية مجموعة من الصور القديمة، تستيقظ ذاكرة
يوسف ويستحضر كل المشاهد الدامية التي عاشها في طفولته.
الشريط الذي يبدأ بنسق بطيء في البداية، ترتفع وتيرة أحداثه بشكل
متواتر. يكتشف المشاهد دراما إنسانية أخاذة يتداخل فيها الواقعي
بالغرائبي وسحر الموسيقى السطمبالي بسحر العمارة العربية الاسلامية
في المدينة العتيقة وجمالية المعمار الكولونيالي في مستعمرات فرنسا
القديمة. لذلك، يمكن اعتبار هذا الشريط الذي استعار المصطلح الصوفي
«الزيارة» (موعد اسبوعي أو سنوي لزيارة الاولياء الصالحين في طقس
احتفالي) سيبقى في ذاكرة الجمهور التونسي باعتباره شريطاً خارج
كليشيهات السينما التونسية.
أحمد خالد: السينما المستقلة باللحم الحيّ
علا الشافعي
القاهرة
| إنّه
واحد من المخرجين المصريين الشباب ممن لهم نشاط كثيف في مجال
السينما المستقلة. شارك في العديد من المهرجانات الأوروبية
والعربية، وأخرج «أبواب الخوف» (بطولة عمرو واكد) الذي يعد أول
مسلسل رعب في الوطن العربي. قدم فيلمين روائيين قصيرين هما «الجنيه
الخامس» و«عين السمكة»، وأنجز العديد من البرامج الوثائقية
والإعلانات التلفزيونية.
أخيراً، يستعدّ أحمد خالد (1979) للمشاركة في «مهرجان كان
السينمائي» بفيلمه القصير «سكر أبيض» في أيار (مايو) المقبل. عن
كيفية استقباله خبر اختيار فيلمه للمشاركة في المهرجان، يقول لنا
إنّ «خبر مشاركة الفيلم في أي مهرجان يسعدني ويشعرني بالرضى،
ويمنحني دفعة، وأيضاً لكل صناع السينما الموهوبين الذين شاركوني في
الفيلم. فالعروض مهمة للفيلم لأنها تتيح للجمهور من دول وثقافات
مختلفة مشاهدته، وتمدّ جسوراً من التعارف بين ما أُصنع والمتلقي».
وأضاف أن الأمر يختلف بالتأكيد في «مهرجان كان» الذي يعدّ أهم
وأكبر تظاهرة سينمائية في العالم. و«هنا أحب أن أشير إلى أن الفيلم
سيعرض في الركن الخاص بالأفلام القصيرة ولا تتخلله أي مسابقة، لكنه
يعد أهم سوق سينمائي للفيلم القصير، ويتمتع بمميزات كبيرة لأي فيلم
يشترك ويتم قبوله به».
وحول ردود الفعل التي تلقّاها بعد عرض الفيلم في «مهرجان دبي»،
أوضح أنّ عرضه الأول في دبي قوبل بشكل جيد جداً، كما أن «الفيلم
سيمثل مصر في بعض المهرجانات أقربها مهرجان «أفريكاميرا» في
بولندا، وقد تلقيت أكثر من دعوة من مهرجانات أوروبية وعربية أخرى».
يشارك في «مهرجان كان»
بفيلمه «سكر أبيض»
وفي ما يتعلق بكواليس تنفيذ الفيلم وأصعب المواقف التي واجهها،
أجاب أنّ «السينما المستقلة كناية عن مجموعة من المصاعب والمراحل
التي نحاول اجتيازها بدءاً من اختيار الفكرة وصولاً إلى وضع خطة
التنفيذ. أهم مرحلة هي اختيار المواهب والطاقات التي تبحث عن
مشاريع مستقلة تستطيع التعاون فيها لإنجاز أفلام فنية تستوعب
موهبتها وطاقاتها».
وعما إذا كان يملك رغبة في التمثيل أيضاً، خصوصاً أنه يجسّد بطولة
الفيلم، قال خالد إنّ «السينما التي أصنعها في أفلامي القصيرة تحمل
مغامرة فنية تتطور حسب الفيلم ورؤيتي له، خصوصاً أنّ الشريط ذو
طبيعة خاصة، فأنا اخترت أن يكون التصوير كله من وجهة نظر الكاميرا،
وبالتالي فالبطل لن يظهر في الفيلم، لكن هو من سيقودنا خلال الحلم
ليدخلنا إلى عالمه. طبيعة حركة الكاميرا معقدة، وكنت أفكر في
الاستعانة بممثل آخر، لكن حساسية حركة الكاميرا وصعوبة الدور
واختلافه وإيماني بأن الفيلم مختلف منذ بدايته، جعلتني أستكمل
المغامرة الفنية إلى آخرها».
وعن المشاكل الإنتاجية التي واجهته، أوضح أن مشاكل إنتاج الفيلم
القصير وتمويله لن تنتهي، خصوصاً أنه اهتم بأن تكون التقنية على
أعلى مستوى. وعما إذا كانت هناك إجراءات معقدة اتبعها للحصول على
منح تمويلية للعمل، أجاب: «فزت بمنحة لإنتاج الفيلم من «مؤسسة
المورد الثقافي». وقد غطت نصف التكاليف، وباقي التكاليف دبرناها
أنا وصديقي السيناريست محمود دسوقي، عن طريق تأسيس شركة، ونستعد
لتكرار التجربة في مشاريع نحب أن ننتجها. وبالنسبة إلى وزارة
الثقافة، فلا أريد أن أتحدث، لأن الحقيقة أن وزارة الثقافة المصرية
بتكوينها الحالي هي أداة لمحاربة الثقافة ونشر الجهل ومحاربة
الإبداع والفكر». وتابع أنّ المؤسسات الحكومية المعنية بالسينما
والثقافة في مصر متخمة بالفساد وتتميز «بقدرة نادرة على طرد
المواهب ومحاربة الثقافة. للأسف نحن نعاني من مؤسسات منتهية
الصلاحية ولا توجد نية للاعتراف بالفشل أو مواجهة الأمر الواقع».
يحفل «سكر أبيض» بعوالم سينمائية يتقاطع فيها الخيال والواقع بل
يتلاشى الخط الفاصل بينهما أحياناً، كما بين الحياة والموت، مانحاً
المشاهد مساحة سحرية لتتبع عوالم شاب مسجون في عالم الأحلام. يرصد
العمل المخاوف اليومية وانعكاساتها ومطاردتها لنا سواء في الواقع
أو الحلم. وستتاح للجمهور المصري مشاهدة الفيلم خلال مهرجان «لقاء
الصورة» الذي يقام في المركز الفرنسي في القاهرة الشهر المقبل.
http://www.ahmedkhaled.com
عدسات شبابيّة تغزو سوريا
علي وجيه
دمشق
| إنّه
موسم مهرجانات السينما الجديدة في سوريا. مع استمرار تعليق «مهرجان
دمشق السينمائي» منذ عام 2011، ظهرت مهرجانات بديلة موجّهة للهواة
أولاً. «مهرجان خطوات السينمائي الدولي» فتح الباب عام 2013 في
اللاذقية، مستمرّاً للدورة الثالثة التي اختتمت أخيراً. التنظيم
لـ«مجلس الشباب السوري» بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما في
صالة «المسرح القومي».
منذ الدورة الثانية، توسّعت برمجة المهرجان لتضمّ أفلاماً عربية
وأجنبيّة، إضافةً إلى إشراك أفلام المحترفين خارج المسابقة.
سريعاً، تبعه «مهرجان الشباب السينمائي للأفلام القصيرة» في حلب
عام 2014، على مسرح نقابة الفنانين. «الاتحاد الوطني لطلبة سورية –
فرع معاهد حلب» يقود التنظيم، بالتعاون مع نقابة الفنانين ومديرية
الثقافة. أيضاً، اقترح مسابقة رسمية لأفلام الهواة، وعروضاً خارجها
للأشرطة الاحترافية. في العاصمة، أضافت المؤسسة العامة للسينما
«مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة» إلى السلة العام الماضي.
أفلام «مشروع دعم سينما الشباب» تنافست على الجوائز، فيما عُرضت
أفلام الإنتاج الكامل على الهامش في دار الأوبرا السورية. أحدث
الملتحقين بالركب هو «مهرجان أفلام الموبايل» الذي أعلن ملتقى «يا
مال الشام» الثقافي إطلاقَ دورته الأولى في موعد يحدّد لاحقاً،
داعياً المهتمّين إلى إرسال أفلامهم عبر صفحته على الفايسبوك.
يشترط المهرجان أن تكون الأفلام مصوّرة بكاميرا الموبايل، وألا
تتجاوز 10 دقائق. لجنة التحكيم تضمّ كلاً من السينمائي محمد عبد
العزيز، والممثلة اللبنانية كارمن لبّس، والمخرج والممثل سامر
عمران، والزميل وسام كنعان. «هذا المهرجان يأتي لإتاحة الفرصة أمام
كل من لديه موهبة لصناعة فيلم، وتمنعه العوائق الإنتاجية من ذلك»
يقول مدير الملتقى أحمد كنعان لـ«الأخبار»، مضيفاً: «هي فرصة
للتعرّف إلى أسماء جديدة، قد تكون أهم من الأسماء المكرّسة. لا
أريد القول إنّنا نرغب في تصدير صورة عن واقع الحياة في دمشق هذه
الأيام، لأنّ مجرد إقامة المهرجان يقدّم صورة واضحة لمن يريد
الرؤية». إلى جانب عرض الأفلام المختارة (في مكان بديل أيضاً)،
يتحدّث المسرحي والكاتب السوري عن فائدة عملية: «سندعو بعض
المهتمّين بالإنتاج، فقد يكون الملتقى صلة وصل بين مبدع الفيلم
ومنتجه». هذا المهرجان ليس الأوّل في البلاد. «مهرجان سوريا لأفلام
الموبايل» انطلق في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، بتنظيم من «مؤسسة
الشارع للإعلام والتنمية». على اعتبار أنّ مقاطع الموبايل شكّلت
«سمة أساسية من سمات الثورة السورية»، حسب موقع المهرجان
(syria-film.com)،
فإنّ هذه المبادرة «تسعى إلى تشجيع ودعم المواهب الجديدة في
التعامل مع هذه الكاميرا كأداة إبداعية وليس فقط إخبارية، وكمحاولة
لخلق منصة عرض فاعلة للتجارب الجديدة». حتى اليوم، أقام المهرجان
عروضاً داخل سوريا في حلب وكفر نبل وجبل الزاوية، وخارجها في لندن
وإسطنبول وغازي عنتاب وباريس.
بدوره، يستعد «مهرجان حلب» للدورة الثانية تحت اسم مختلف هو
«مهرجان الشباب السينمائي العربي 2» بين 10 و 15 أيار (مايو). فتح
المجال للمشاركة العربية، وتخصيص مسابقة لأفلام المحترفين إلى جانب
مسابقة الهواة يرسمان جديد الحدث. هي الخطوة الأولى في هذا النوع
من المهرجانات. ولكن، ماذا عن واقع المدينة ومحيطها المشتعل؟ يقول
مدير المهرجان حسام حمود لـ«الأخبار»: «استمرار المهرجان للسنة
الثانية يحتاج إلى مزيد من التطوير والكوادر في ظروف عمل شبه
مستحيلة. الكهرباء في حلب منعدمة، وحتى الماء أحياناً، بالإضافة
إلى القذائف المباغتة». بعد شهر من المهرجان الحلبي، يحلّ موعد
الدورة الثانية من «مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة». نحن
على موعد مع أحدث ما أنجز ضمن «مشروع دعم سينما الشباب»، وإنتاجات
المؤسسة من الأفلام القصيرة. في المجمل، يُحسَب لهذه المهرجانات
إسهامها في خلق حراك شبابي، وتوليد الحافز والحماس. في المقابل، هي
تكشف أطناناً من المشاكل التي لا يمكن أن تصنع فيلماً وازناً:
كليشيهات تلفزيونية في بلاد مسلسلات الحارات المغلقة وسفاح القربى.
شريط الصوت المتهالك. غياب إدارة الممثّل. تدبيج الخطب والوطنيات
والمواقف «الثورية» لا تنتشل بنى ولا تبني اشتغالات. النقطة الأبرز
هي الحصول على الموافقات الأمنية من أجل التصوير الخارجي. اللهاث
بين الفروع الأمنية، وسرقة الدقائق لتصوير بعض اللقطات، ليس من
مهمات صانع فيلم بالتأكيد. بعد 120 عاماً على «خروج من مصانع
لوميير» (40 ثانية)، صار الأمر بديهياً. الكاميرا سلاح جمالي، لا
مدفع هاون.
فراس حاطوم «يستقصي» أحوال كوباني
زينب حاوي
الى روح الصحافية اللبنانية سيرينا سحيم التي قضت في حادث سير غامض
على الأراضي التركية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أهدى فراس
حاطوم معّد ومقدّم برنامج «استقصاء» على
lbci
حلقته التي بثت نهار الجمعة الماضي من كوباني.
يوم مقتل سحيم، توجّهت أصابع الاتهام إلى السلطات التركية التي
ربما ضاقت ذرعاً من الصحافية اللبنانية التي كشفت من داخل مدينة
«عين العرب» السورية، عدداً من الفضائح التي تدين تركيا في دعمها
للمسلحين الإرهابيين.
في هذه الحلقة الاستقصائية التي سجّلت أول مهمة للبرنامج خارج
الأراضي اللبنانية، قصد حاطوم مع المصور روني رميتي كوباني بعد
تحريرها من «داعش» بفضل سلسلة ضربات جوية شنّها «التحالف الدولي ضد
داعش»، مضافةً إليها مقاومة شرسة من المجموعات الكردية المسلحة.
حلقة سردت مسار فريق العمل من تركيا وصولاً إلى أبعد نقطة ساخنة في
كوباني. مسار تولى قيادته مسؤول «مكتب اتّحاد الإعلام الحرّ في
كوباني» مصطفى بالي الذي أدخل الفريق وغيره من الصحافيين الأجانب
والنشطاء المدينة السورية عبر المعبر الحدودي التركي بطريقة التسلل
غير الشرعية. عند نقطة العبور، غابت الصور لضرورات أمنية واستعيض
عنها بالرسوم الغرافيكية لشرح هذه العملية والرعب الذي رافقها بسبب
إمكانية كشف المتسللين من قبل حرس الحدود التركي.
أهدى الحلقة الى الصحافية الراحلة سيرينا سحيم
في شقة صغيرة في قلب مدينة كوباني، تجمّع عدد من المراسلين الأجانب
والى جانبهم فريق «استقصاء» استعداداً لبدء رحلة التجوال داخلها،
ونقل ما خلّفه الاحتلال الداعشي للمدينة من دمار وخراب. وسط هذه
المشاهد المؤلمة، كانت أفواج من المواطنين الأكراد تدخل المدينة من
الأراضي التركية للعودة الى منازلها. لكن هذه المشاهد بالنسبة الى
فريق العمل لم تكن كافية كي يعود بزوادة العمل الاستقصائي، فما كان
من المراسل الشاب إلا أن طلب الذهاب الى أبعد نقطة ساخنة وتحديداً
الى قرية ديكماداش، النقطة العسكرية التي تحارب فيها مجموعة من
المقاتلات الكرديات. نرى في الحلقة كيف حملت هؤلاء النسوة السلاح
«حماية للوطن» وتحقيقاً لرغبة «أوجلان (زعيم الحزب العمال
الكردستاني) بأن تكون المرأة الكردية حرّة، فلا امرأة حرّة بلا وطن
حرّ» كما صرّحت إحدى المقاتلات.
ومن ديكماداش الى قرية سليب قران التي تقع «على مرمى رصاصة من داعش»،
توجه فريق العمل حيث رصد مجموعة اشتباكات حيّة بين المقاتلين
الأكراد والتنظيم الإرهابي. وفي التحضير لعملية العودة، كانت أخبار
مصدرها الإعلام التركي ترّوج لسيطرة «داعش» على مدينة كوباني. من
داخل الغرفة التي تجمهر فيها الصحافيون الأجانب، كان صوت لأحدهم
يصدح على الهاتف وينفي صحة المعلومات التي يوردها الأتراك ويضعها
ضمن سياق «البروباغندا» التركية.
وفي لحظة الاستعداد لشد الرحال، كانت الأمور تزداد صعوبة إزاء
إمكانية الخروج بطريقة التسلّل غير الشرعي كما كانت الحال عند
الدخول. لذا، قرر حاطوم والمصّور المرافق ومعهما صحافيان من «دير
شبيغل» الألمانية، تسليم أنفسهم لحرس الحدود التركية وهكذا كان.
لكن الأمر تفاقم الى درجة الاستجواب البوليسي عن سبب وكيفية دخول
المدينة السورية. ولولا اتصال السفارة اللبنانية لإيضاح ماهية عمل
فريق «استقصاء»، لكان الأمر انتهى ربما بالاحتجاز. والمعلوم أن
ساعات التوقيف أثارت ضجة في الإعلام اللبناني (9/2/2015) وعلى
أساسها بنى البرنامج.
إعلانه الترويجي لحلقة «كوباني»
يمكنكم متابعة الكاتب عبر تويتر
| HawiZeinab@ |