قصص يحيى الطاهر عبد الله في السينما
أفنان فهيد – التقرير
شاعر القصة القصيرة، أو “الجنوبي” كما لقبه “أمل دنقل”. وُلد في
قرية الكرنك بمحافظة الأقصر في اليوم الثلاثين من شهر أبريل لعام
1938، عاش بقريته منذ مولده إلى سنة 1959، ثم انتقل إلى قنا للعيش
مع صديقيه “عبد الرحمن الأبنودي” و”أمل دنقل”، وفي قنا كتب أول
مجموعة قصصية وهي “محبوب الشمس” ثم مجموعة أخرى وهي “جبل الشاي
الأخضر”. ثم انتقل للعيش بالقاهرة عام 1964، وأكمل مشوار كتاباته.
في حياته القصيرة استطاع “عبد الفتاح يحيى الطاهر عبد الله” أن
يحقق ما لم يستطع الكثير من أدباء الستينيات تحقيقه، كما تميزت
أعماله بتركيبها اللغوي المنفرد الذي يصعب تقليده أو محاكاته.
انتقل عدد من قصصه إلى السينما؛ منها ما انتقل بشكل مباشر مثل
روايته “الطوق والإسورة”، ومنها ما تحول إلى أعمال سينمائية بطريقة
غير مباشرة، ولكن مع التدقيق يتضح الرابط بين أعمال “يحيى الطاهر”
والعمل السينمائي المقصود. واليوم في ذكرى وفاته الرابعة
والثلاثين، سنلقي الضوء على قصصه في السينما، والترتيب لن يكون حسب
زمن الإنتاج؛ بل سيكون حسب وضوح القصة في العمل.
الطوق والإسورة 1986
أولى رواياته التي تحولت إلى فيلم بشكل مباشر، سيناريو بشير الديك
ويحيى عزمي والحوار لعبد الرحمن الأبنودي ، وقام بإخراجه “خيري
بشارة”.
الفيلم حصد المركز العشرين في أفضل مئة فيلم مصري، ويختلف عن
الأعمال الفنية التي تعرض الصعيد بأنه رؤية أكثر مصداقية، خصوصًا
في النصف الأول من القرن العشرين؛ فأحداثه تدور في قرية “الكرنك”
حيث ولد وترعرع الكاتب “يحيى الطاهر عبد الله”.
خرجت شخصيات روايته لتسير على قدمين؛ فقامت بدور “حزينة” فردوس عبد
الحميد، وقامت بدوري “فهيمة” و”فرحانة” شيريهان، وقام بدوري “بخيت
البشارة” و”مصطفى” عزت العلايلي. كما قام بدور “أحمد الحداد” أحمد
عبد العزيز، وقام بدور “سعد” عبد الله محمود، كما لعب محمد منير
دور “محمد” مثقف القرية.
“ماتت أمي وهي بتولدني، سموني حزينة، من يومها ما دوقتش طعم فرحة”.
بين الغائب الذي تحلم والدته ليل نهار بعودته، وبين الإيمان بالدجل
والأعمال، وبين القتل ثأرًا للشرف تدور أحداث الفيلم. ويعود الغائب
في النهاية ليجد القرية كما تركها منذ عشرين عامًا، لم تزد شيئًا
سوى الجهل؛ ليصرخ مصطفى في النهاية: “عشرين سنة.. عشرين سنة وأنا
متهيألي هارجع وأقول سبحان مغير الأحوال، لكن لقيت الحال هو الحال،
عايشين ع الرغي والحديت والقيل والقال!“.
ينقل الفيلم صورة حيّة لقرى الصعيد، والفقر المدقع الذي يعاني منه
أهلها، وطرق العلاج البدائية التي تودي بحياتهم. كما نقل أغاني
الفلكلور التي توارثت عبر الأجيال.
ليه يا بنفسج 1992
فيلم من إخراج “رضوان الكاشف” الذي تأثر بكتابات “يحيى الطاهر عبد
الله”؛ فنقلها بصورة غير مباشرة لعمله السينمائي “ليه يا بنفسج”،
والذي قام بكتابة نصه السينمائي “سامي السيوي”، وقام “الكاشف”
بإهداء فيلمه لكتاب الستينيات.
العمل الذي تأثر به “رضوان” في الفيلم هو رواية “تصاوير من التراب
والماء والشمس”؛ فحوّل شخصية “قاسم الأعور” الحمّال إلى شخصية
“مسعود” العربجي السكير الذي يبكي بالليل والنهار خوفًا من أن يموت
ابنه كما سبقه إخوانه. تسيطر عليه الفكرة ليل نهار إلى أن يلحق
ابنه بإخوانه، ليخرج علينا الفنان “سيد عبد الكريم” في مشهد
ميلودرامي يحمل جثة ابنه على عربته ويصيح في آسى “ابني مات يا
أحمد!”.
كما أكمل اقتباس الشخصيات والأحداث وإخراجها في صورة مختلفة، عرض
الفيلم صورة المهمشين والفقراء في حواري القاهرة تحت عنوان أغنية
“صالح عبد الحي” ليه
يا بنفسج، والتي
غنتها الفتاة في المقهى كخلفية للمشهد الميلودرامي بين الصديقين
“عباس” و”سيد”.
الفيلم حصد المركز الخامس والخمسين في قائمة أفضل مئة فيلم مصري.
عرق البلح 1980
الأنشودة الخالدة، أو “الصدمة الفنية” كما لقبه النقاد. الفيلم من
إخراج وتأليف “رضوان الكاشف”، بالرغم من أنه لم يعرض في السينما
سوى أسبوع واحد، ولم يحقق إيرادات مالية؛ إلا أنه حقق إيرادات فنية
لحساب السينما المصرية.
قصة الفيلم وفكرته الرئيسة حول القرية القابعة في صعيد مصر التي
هجرها رجالها للعمل بالخليج، والفيلم ليس مبنيًا بشكل واضح على
كتابات “يحيى الطاهر عبد الله”، ولكن فكرة الجد الكبير، والنخلة
العالية التي لا يستطيع أن يتسلقها أحد بعد الجد موجودة في مجموعته
القصصية “الدف والصندوق”، وخاصةً في قصة “العالية”.
أهدى “رضوان الكاشف” فيلمه لـ”الجنوبي”، الذي يمكن اعتباره أي
صعيدي هجر قريته للعمل بالخارج لتوفير معيشة أفضل لأسرته، ويمكن
اعتباره الجنوبي “يحيى الطاهر عبد الله” كما لقبه “أمل دنقل”.
الفيلم عرض صورة أخرى للصعيد؛ إلا أنها تشابهت مع صورته في “الطوق
والإسورة”، وخصوصًا في مشهد قتل الكلب في كلا الفيلمين؛ فعندما عجز
“أحمد الحداد” عن قتل “فهيمة” في “الطوق والإسورة” قتل كلبه، وفي
“عرق البلح” عندما عجز “أحمد مصطفى” عن قتل “شفا” ضرب فأسه في
كلبه.
عندما تبدأ الخالة “زيد الخير” في سرد قصة النجع، تترك المشاهد
ليصطدم بالواقع القبيح الذي عادة لن يراه في أعمال فنية أخرى.
التصوير في الفيلم قطعة فنية في حد ذاتها، قام بها مدير التصوير
“طارق التلمساني”، واللعب بالإضاءة جعل ملامح الممثلين كأنها
منحوتة.
في المشهد الأخير، عندما خرج نساء القرية لإنقاذ “أحمد” من براثن
الرجال العائدين، اعتمد “طارق التلمساني” على أن تكون الإضاءة
مركزة على المشاعل التي تحملها النسوة فيبدو المشهد مظلمًا بشكل
كبير كما يليق بالحدث.
قام بتلحين الموسيقى التصويرية للفيلم “ياسر عبد الرحمن”، وقام
بتأليف أشعار الأغاني “عبد الرحمن الأبنودي”، وأشهرها بيبة.
الأفلام الثلاثة اشتركوا جميعًا في أنهم خرجوا من رحم كتابات “يحيى
الطاهر عبد الله”، واشتركوا في أنهم معزوفة حزينة طويلة، تتخللها
بعض نغمات السعادة التي لا تخلو من الشجن.
الأفلام الثلاثة اجتمعوا في الحديث عن الفقر، وعن الغائب المنتظر
عودته، وعن الحنين للعودة، وعن الصدمة بعد العودة. الثلاثة عرضوا
قصص “يحيى الطاهر عبد الله”، والثلاثة أفلام من أفضل القصص التي
قدمت في السينما.
من برودواي إلى هوليوود في سبعة أيام
بلال فضل – التقرير
تشهد نيويورك هذا الأسبوع بدء عرض ثلاثة أعمال مسرحية مناهضة
للسياسة الأمريكية، العرض المسرحي الأول يحمل عنوان (الجندي إكس)
وهو دراما مناهضة للحروب الأمريكية الأخيرة، من إنتاج فرقة ما ـ يي
المسرحية المستقلة، وتأليف الكاتبة ريحانا ليو ميرزا وإخراج لوسي
تايبرجاين، ويحكي عن اثنين من جنود البحرية الأمريكية (المارينز)
يعودان من الحرب في أفغانستان مصابين بأضرار شديدة على كل
المستويات، لتبدأ أخصائية اجتماعية عاملة في البحرية الأمريكية
بمساعدتهما، لكن طبيعتها المعقدة والغريبة تزيد الطين بلة، فتسبب
مجهوداتها لهما المزيد من المتاعب، وتمتد تلك المتاعب لتلحق بامرأة
مسلمة شابة قتل أخوها في إحدى المعارك الحربية التي قامت أمريكا
بشنها.
العرض الثاني يحمل عنوان (اسمي راشيل كوري)، وهو مونودراما مسرحية
معتمدة على كتابات الناشطة الأمريكية الشهيرة في العالم العربي
أكثر من شهرتها في موطنها، والتي قتلت على أيدي الجيش الإسرائيلي
في غزة عام 2003، حين كانت تحاول إيقاف قيام جرافات الجيش
الإسرائيلي بهدم منازل فلسطينية لبناء مستوطنة، وللأسف لم تذكر ذلك
التغطيات القليلة التي أشارت إلى المسرحية في سطور قليلة؛ بل اكتفت
بوصفها بأنها “ماتت في غزة”، أو “قتلت في غزة”، ليبدو -حتى ولو تم
ذلك بدون قصد- لمن لم يتابع أنها قتلت على أيدي الفلسطينين أنفسهم،
والعمل من إخراج جوناثان كين ويقدم على مسرح صغير، هو مسرح (لين
ريدجريف)، وربما لم يكن اختيار ذلك المسرح غريبًا عن موضوع العرض،
فهي ابنة الفنانة البريطانية الكبيرة فانيسيا ريدجريف المشهورة
بمناصرتها للقضية الفلسطينية، والتي دفعت بسبب تلك المناصرة ثمنًا
باهظًا من المحاربة في الرزق والتشويه والتجاهل والتعتيم الإعلامي،
وربما كانت المفارقة أن هذا العرض الذي تم إنتاجه من قبل أكثر من
مرة في عدة مدن أمريكية، على أيدي فرق مستقلة وفي مسارح صغيرة، لن
يجد سبيلًا لعرضه ولو حتى في مسرح صغير في كثير من الدول العربية.
العرض الثالث يحمل عنوان (جراونديد) وهو مصطلح يطلق في عالم
الطيران على الطيار الممنوع من القيام بطلعات جوية، وتلعب بطولة
العرض النجمة الشهيرة الحاصلة على جائزة الأوسكار آن هاثاوي، من
إخراج المخرجة الكبيرة جولي تيمور وتأليف جورج برانت، وسيتم عرضها
على “البابليك ثياتر” أو ما يمكن تسميته بالمسرح القومي في
نيويورك، تحكي المسرحية عن قائدة طيارة حربية تحب عملها وتفتخر به
وتجيده، لكنها بعد أن أحبت وتزوجت وأنجبت طفلًا، يتم منعها من
الطيران لتحصل بدلًا من ذلك على وظيفة في قاعدة جوية في لاس فيجاس،
حيث تقوم بتشغيل وتوجيه الطائرات بدون طيار “drones”
التي تقوم بقصف أهداف في أفغانستان وباكستان وغيرها، لتجد نفسها
تجلس خلف شاشة لمدة 12 ساعة، لتقوم بقصف أهداف بعيدة، بناءً على
توجيهات تأتيها من الأرض، ومن خلال تأثير ذلك العمل عليها يعرض
العمل كيف تتطور حياة تلك السيدة، وكيف تختلف نظرتها لعملها
وللعالم أيضًا، وتجد نفسها وقد بدأت تحارب عدوًا جديدًا عليها، هو
التعاطف مع العدو الذي تقصفه من مقعدها خلف البحار، بعد أن كانت
تقصفه من خلال طائرتها. بالمناسبة هناك تشابه كبير بين مضمون
المسرحية وبين مضمون فيلم جديد اسمه “قتل جيد” من بطولة النجم
إيثان هاوك وتأليف وإخراج المخرج أندرو نيكول الذي كان قد قدم عدة
أعمال مناهضة للحرب من قبل، أشهرها فيلم “لورد أوف ذي وور” الذي
لعب بطولته نيكولاس كيج حيث استعرض الفيلم العالم الخفي لتجار
السلاح، وسيكون لنا وقفة مع فيلم “قتل جيد” قريبًا بإذن الله.
كانت مسرحية (جراونديد) قد حصلت في عام 2012 على جائزة سميث
للأعمال التي تدور حول السياسة الأمريكية، وكان قد سبق تقديمها في
مطلع العام الماضي في مسرح صغير من إخراج كين راس وبطولة هانّا
كابل، وقد لقيت عروضًا نقدية جيدة، لكنها هذه المرة يتوقع أن تشهد
اهتمامًا جماهيريًا أكبر، بفضل حماس آن هاثاوي التي وبرغم كل ما
قامت به من أدوار سينمائية ومسرحية سابقة، تعتبر المسرحية تحديًا
لها؛ لأنها تؤدي العرض منفردة لمدة ساعة وعشر دقائق.
ـ ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد كانت آن هاثاوي حديث عدد من وسائل
الإعلام خلال الأيام الماضية، ولكن ليس بسبب مسرحيتها الجادة
بالطبع، وإنما بسبب ظهورها المثير في برنامج جديد بعنوان “ليب سينك
باتل”، الذي يقدمه النجم إل كول جي، ويطلب فيه من المشاهير أن
يقوموا بعمل أداء لأغانٍ شهيرة، ليس بغنائها؛ بل بتحريك شفاههم
بشكل سليم مع الأغنية، ليخوض كل نجمين المنافسة على صاحب الأداء
الأفضل في كل حلقة من حلقات البرنامج، وقد جذب البرنامج الذي تقدمه
قناة (سبايك) أنظار ملايين المشاهدين بعد حلقته الأولى التي تنافس
فيها المذيع والكوميديان جيمي فالون مع بطل أفلام الأكشن دواين
جونسون الشهير بذي روك، وفاز فيها جيمي فالون بقدرته المدهشة على
الاستعراض وإثارة الضحك، لتأتي الحلقة التالية أكثر إثارة وجذبًا
للمشاهدين، حيث تتنافس فيها النجمتان آن هاثاوي وإيميلي بلنت، وقد
قررت آن هاثاوي أن تقلد في الحلقة شخصية المغنية الشابة المثيرة
للجدل مايلي سايروس، فلا تحرك شفاهها فقط وهي تغني أغانيها؛ بل
وترتدي الهوت شورت الذي غنت به مايلي، وتقلد حركات اللسان المثيرة
التي تقوم بها، ليتحول الفيديو الترويجي للحلقة إلى واحد من الأكثر
مشاهدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن يدري، ربما تحمست آن
هاثاواي لتلك الحلقة، لتوجه رسالة لمن يهمه الأمر من المخرجين
والمنتجين، بأن لجوءها للمسرح المستقل متواضع الإمكانيات، لا يعني
أنها راغبة في الخروج من دائرة اهتمام الملايين، خاصة وأنها تعتبر
الاستعراض والغناء أمرًا مهمًا بالنسبة لها، كما بدا من خلال دورها
في فيلم (البؤساء) الذي حصلت فيه على جائزة أوسكار أحسن ممثلة.
ـ بالمناسبة كانت آن هاثاوي قد قدمت من قبل بمصاحبة الممثل المثير
للجدل جيمس فرانكو أداءً استعراضيًا غنائيًا في تقديم حفل جوائز
الأوسكار قبل سنوات، أثار استياء الكثيرين وقتها، وتم وصفه بأنه
أسوأ تقديم لجوائز الأوسكار على الإطلاق، وقد جاءت سيرة ذلك الأداء
السيئ لآن وله أكثر من مرة، في حلقة أذيعت الأحد الماضي من برنامج
“كوميدي سنترال روستينج”، والتي تقدم فيها قناة كوميدي سنترال
تقليدًا أمريكيًا شهيرًا، يتم فيه استضافة نجم بصحبة أصدقائه ورفاق
مهنته، ليقوم كل منهم بتقطيعه أو شويه بكلمات ساخرة يختلط فيها
الجد بالهزل، ومن هنا جاء اسم “روستينج” الذي يعني التحميص أو
الشوي، ثم يختم المتحدث مداخلته بكلمات يعبر فيها عن محبته له،
ويسلم على صديقه بروح رياضية، على أن يقوم كل متحدث بسلخ وتقطيع
النجوم الحاضرين بكلامه الساخر، وتترك الفرصة لنجم الحلقة في
النهاية بالانتقام من الجميع، والحقيقة أنني في كل مرة أشاهد فيها
حدثًا من هذا النوع، سواء في كوميدي سنترال أو غيرها، أندهش من
قدرة الجميع على تحمل السخرية المرة والعنيفة والجارحة أحيانًا،
بروح رياضية مدهشة، بنفس الطريقة التي لا يفوتون فيها فرصة الرد
بكل ما أوتوا من قوة، مع أن ذلك لو حدث لدينا لانتهت الحلقة بعد
خمس دقائق من بدايتها؛ لأننا نفضل أكثر المبالغة في التكريم
والاحتفاء الزائف، ونحتفظ بآرائنا الحقيقية في بعضنا لجلسات
النميمة والتقطيع في فروة بعض.
شهدت الحلقة المخصصة لسلخ جيمس فرانكو وتكريمه في نفس الوقت
مداخلات من عدد من نجوم الكوميديا من أبناء جيله على رأسهم سيث
روجان وجوانا هيل وبيل هايدر وسارة سيلفرمان وعزيز أنصاري وآندي
سامبرج، وقد تبارى فيها الجميع في إظهار قدرتهم على الذهاب بعيدًا
في السخرية، وكان أبرعهم وأشدهم جموحًا جوانا هيل، أما ألطفهم
وأكثرهم إثارة للضحك فقد كان عزيز أنصاري الذي لم يفوت فرصة
السخرية من أصله الهندي، من إحدى الممثلات الشابات المشاركات، فوجه
لها ضربات ساخرة ساحقة في نهاية حديثه.
ـ مجلة “ذي نيشن” الأمريكية العريقة أصدرت قبل أيام عددًا خاصًا
ومدهشًا احتفلت فيه بمرور 150 عامًا على انطلاقها، العدد المكون من
270 صفحة تضمن مقتطفات من أهم المقالات والتعليقات والقصائد ورسوم
الكاريكاتير التي نشرتها المجلة عبر تاريخها بوصفها أقدم مجلة
أمريكية مستمرة في الصدور بشكل منتظم حتى الآن، ليأتي بمثابة
استعراض تاريخي لمئة وخمسين سنة من عُمر السياسة الأمريكية ومن
مشوار الثقافة العالمية أيضًا، لتقرأ في العدد مقالات وأعمالًا
أدبية لأسماء بحجم وأهمية ألبرت أينشتاين وآرثر ميلر وجور فيدال
وجون شتاينبك وتي إس إليوت وناعوم تشومسكي وهاوارد زين وإدوارد
سعيد وتوني موريسون وهنري جيمس وناعومي كلاين وآلان جينسبرج وإيما
جولدمان ولانجستون هيوز وجيمس بالدوين وأميري بركة ومايكل مور
ورالف نادر ومارلين روبنسون ومارتن لوثر كينج وإقبال أحمد وأو إتش
أودن وحنا أرندت وراي براد بري ومحمود درويش وروبرت فروست وسيلفيا
بلاث وجان بول سارتر وآن سيكستون وأليس وولكر وويليام ييتس،
والقائمة أكبر من أن أوردها كاملة هنا، فقد ذكرت منها فقط الأسماء
المعروفة في عالمنا العربي، بسبب ترجمة الكثير من أعمالها، وهو ما
أعطاني تأكيدًا إضافيًا على الضعف المخجل لحركة الترجمة في العالم
العربي، حين قرأت تعريفات المشاركين في عدد المجلة الخاص، الذين
سمعت باسمهم لأول مرة، في حين يمتلكون إنجازات مهمة تذكرها المجلة
في تعريفها بهم.
لم تقم المجلة بنشر تلك المساهمات بشكل عشوائي؛ بل قامت بتبويبها
ضمن أقسام يشكل كل قسم فترة زمنية من عمر المجلة، ليقرأه القارئ في
السياق الذي تم نشره فيه، ولتضع المجلة إلى جوار تلك المقالات
مقتطفات من تعليقاتها على الأحداث المهمة في كل فترة، مصحوبًا بعدد
من أغلفة المجلة، ثم حرصت على أن تنثر في صفحات العدد الخاص بعضًا
من التعليقات الإيجابية التي أدلت بها أشهر الشخصيات الأمريكية
والعالمية بحق المجلة، لكنها وضعت تلك التعليقات في مربعات صغيرة
في ذيل الصفحة، لتوصل للقارئ أن تلك التعليقات لم تكن لتظهر، لولا
ما قدمته المجلة من خدمة صحفية، واستمرارها في الانحياز لسياسة
تحريرية مناهضة للتيار العام في السياسة الأمريكية، وهو ما جعلها
تتعرض لاتهامات شرسة عبر تاريخها من اليمين الأمريكي الذي اتهمها
بالشيوعية وخيانة الوطن، كما جعلها تتعرض لأزمات مادية عنيفة هددت
بإغلاقها قبل سنوات، ليتم تنظيم حملات من الاشتراكات والتبرعات،
ساعدتها على الاستمرار في دورها في تقديم صحافة مختلفة تحترم
قارئها الذي يعرف أن أهم ما تقدمه له ليس الورق المصقول الذي تقدمه
مجلات أخرى؛ بل المضمون المتميز والمتنوع، والذي كان آخره ما قدمته
في عددها الأخير قبل يومين، عن كشف فضيحة تورط فيها العديد من
الضباط والجنود الأمريكيين في كولومبيا قبل سنوات، حيث قاموا
باغتصاب العديد من الفتيات القاصرات، وقد أحدث الموضوع فور نشره
ضجة كبيرة، يتوقع أن يتم على إثرها فتح تحقيق جنائي في الموضوع.
ـ بعد سنوات طويلة من تجربة العيش المرير في الظل، بعيدًا عن وهج
النجومية الذي لازمه كثيرًا، يعود الممثل الكبير مايكل كيتون
ليستمتع بثمار نجاحه في بطولة فيلم (بيرد مان) الذي حصد العديد من
جوائز الأوسكار الأخيرة، لم يكن من بينها أوسكار أفضل ممثل الذي
كان مايكل كيتون ينتظره بفارغ الصبر؛ بل ورأى الملايين كيف أخرج من
جيبه خطاب الفوز في اللحظات الأخيرة، قبل أن يعيده إلى جيبه ثانية،
لكن مايكل كيتون تجاوز تلك الخيبة سريعًا، وهو يرى كيف يتسابق
الجميع للاحتفاء به، وكيف تعود العروض الفنية لكي تنهال عليه
ثانية، ليحقق واحدة من أقوى الـ
come – backs
في تاريخ هوليوود، ربما لم تحدث من قبل إلا للنجم روبرت داوني
جونيور، الذي خفتت عنه الأضواء لفترة طويلة، ثم عاد ليصبح اسمه
مرتبطًا بالأفلام التي تحقق أقوى الإيرادات، ومع أن مايكل كيتون
يأمل في مصير كهذا، لكنه أيضًا يخشى أن يتكرر له ما حدث مع النجم
ميكي رورك الذي عاش نفس معاناة خفوت الأضواء، ثم عاد بقوة رهيبة في
فيلم “ذي ريستلر” قبل سنوات، والذي كان فيلمًا شبيهًا لفيلم بيرد
مان في اختلاط بعض تفاصيله بتفاصيل الممثل الذي يقدم بطولة شخصيته
الرئيسة، وعاش ميكي رورك بعد ترشيح الفيلم لعدد من جوائز الأوسكار
والجولدن جلوب فترة من الانتعاش لم تدم طويلًا، ليعود بعدها إلى
التخبط الفني.
مايكل كيتون أثبت من خلال ظهور قوي له السبت الماضي في برنامج (ساترداي
نايت لايف) الشهير، أنه لا زال يمتلك قدرته القديمة على تقديم
الأداء الكوميدي بشكل متميز، ليعيد إلى أذهان ملايين المشاهدين،
تألقه في العديد من الأفلام الكوميدية الكبيرة والناجحة، ولم يجد
مايكل كيتون كأغلب من يوافقون في الظهور في البرنامج، على أن يقدم
سخرية من تأثره الشديد بشخصيتين لعبهما في فيلمي (باتمان) و(بيتل
جويس)، وكيف طغى نجاح الشخصيتين على مسيرته الفنية، بشكل أثر فيه،
وقد اختار البرنامج أن يقدم أغنية ساخرة من هذا الموقف اشترك فيها
مايكل كيتون مع اثنين من ألمع ممثلي البرنامج الشباب، لتكون تلك
بداية قوية لمشاركته المتميزة في البرنامج الذي لم يشترك فيه منذ
أكثر من عشرين عامًا، وليأتي تذكيره بتلك الحقيقة، إشارة غير
مقصودة إلى الانتعاش الذي يحققه الآن؛ لأن المعروف عن برنامج مثل (ساترداي
نايت لايف) أنه لا يتيح فرصة الاشتراك في تقديمه إلا للشخصيات التي
يزداد لمعانها ونجاحها، ولا أدري لماذا شعرت وأنا أطالع وجه مايكل
كيتون في نهاية الحلقة وهو يتلقى التهاني من رفاقه في الحلقة، أنه
على قدر سعادته بنجاحه في الحلقة، بالتأكيد يفكر في كم من الوقت
سيمضي، قبل أن يعود ثانية لتأكيد نجاحه من خلال منبر (ساترداي نايت
لايف)، لكي لا تخفت أضواء نجوميته من جديد. |