قدّمت
هوليوود على مدى عقود عدة، عشرات الأفلام التي تناولت حياة مشاهير الفنانين
التشكيليين في العالم، من القرن الخامس عشر حتى القرن العشرين. وتناولت بعض
هذه الأفلام حياة اثنين من الفنانين التشكيليين عاصر أحدهما الآخر، وربطت
بينهما أحيانا علاقة صداقة أو زواج، وتعددت مواهب بعضهم بحيث شملت أيضا
النحت أو الموسيقى أو السينما، كما يتضح في العرض التالي لبعض هذه الأفلام.
الفنان
التشكيلي الفرنسي قصير القامة هنري دي تولوز - لوتريك، كان موضوعا لستة
أفلام سينمائية ومسلسل تلفزيوني، أهمها فيلما الطاحونة الحمراء اللذان صدرا
في العامين 1952 و2001. يستعرض الفيلمان الحياة البوهيمية التي عاشها هذا
الرسام والتي قضاها في شرب الخمر والرسم في النوادي الليلية وحلبات السباق
ودور الدعارة.
وقد عكف
هذا الفنان على شرب الخمر انتقاما لتشوه جسمه إثر توقف ساقيه عن النمو بعد
إصابته بكسور فيهما في سني المراهقة، ووافته المنية في سن السادسة
والثلاثين. يحمل الفيلمان اسم النادي الليلي الطاحونة الحمراء في باريس
والذي كان تولوز - لوتريك يتردد عليه في أواخر القرن التاسع عشر. فاز
الفيلم الأول باثنتين من جوائز الأوسكار، وبإحدى جوائز الكرات الذهبية،
بينما فاز الفيلم الثاني الذي اتخذ طابعا غنائيا بسبع وستين جائزة، بينها
اثنتان من جوائز الأوسكار، وثلاث من جوائز الكرات الذهبية.
رغم أن
الفيلم المتميز شهوة الحياة (1956) يسلط الضوء على الحياة المأساوية للفنان
التشكيلي الهولندي فنسنت فان جوخ، إلا أنه يتناول أيضا حياة صديقه الفنان
التشكيلي الفرنسي بول جوجان الذي التقى به في باريس، حيث اكتشف فان جوخ
المذهب التعبيري وأُعجب به وتبناه.
عانى فان
كوخ من مرض الاكتئاب ثنائي القطبين، وانتهت حياته بالانتحار في سن السابعة
والثلاثين، تاركا وراءه 900 لوحة و1100 رسما. فاز الفيلم بجائزة الكرة
الذهبية للممثل كيرك دوجلاس الذي جسد فان كوخ، وبجائزة الأوسكار للممثل
أنتوني كوين الذي تقمص شخصية جوجان.
تناول
فيلم متميز آخر هو فيلم النشوة وسكرات الموت (1965)، حياة عملاق عصر النهضة
الفنان التشكيلي والنحات والشاعر والمهندس المعماري الإيطالي مايكل أنجيلو
(الممثل تشارلتون هيستون) الذي كان موضوعا للعديد من الأفلام السينمائية
والتلفزيونية. يركز هذا الفيلم على العلاقة المشحونة بالتوتر بين مايكل
أنجيلو والبابا يوليوس الثاني الذي كلفه برسم سقف كنيسة سيستين في
الفاتيكان. رشح هذا الفيلم لخمس من جوائز الأوسكار، ولاثنتين من جوائز
الكرات الذهبية.
يقدّم
فيلم وسط البلد (1981)، صورة حية للحياة اليومية للفنان التشكيلي الشعبي
والشاعر والموسيقي والممثل الأميركي الأسمر جون - ميشيل باسكويات، الذي
يمثل نفسه في هذا الفيلم الدرامي الوثائقي. ويقدم الفيلم عرضا للأعمال
الفنية التي كان هذا الفنان يرسمها في الأماكن العامة ومترو الأنفاق بمدينة
نيويورك.
هذا
الفنان هو موضوع فيلم آخر يحمل اسمه باسكويات (الممثل جيفري رايت) صدر في
العام (1996)، يُبرز علاقة الصداقة التي ربطت بينه وبين الفنان التشكيلي
الأميركي أندي وارهول (المغني والممثل البريطاني ديفيد بووي)، وهو من إخراج
فنان تشكيلي أميركي آخر هو جوليان شنابيل.
رحل
باسكويات في سن السابعة والعشرين متأثرا بتعاطي المخدرات. وفاز فيلم
باسكويات بجائزة خاصة من المجلس القومي الأميركي لاستعراض الأفلام
السينمائية، وهو أقدم روابط نقاد السينما الأميركيين، كما رشح مخرجه جوليان
شنابيل لجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي.
الفنان
التشكيلي الإسباني بابلو بيكاسو، أشهر فنان تشكيلي في القرن العشرين، كان
موضوعا للعديد من الأفلام الوثائقية وللفيلم الروائي المتميز النجاة من
بيكاسو (1996) الذي جسد شخصيته فيه الممثل البريطاني أنتوني هوبكنز بواقعية
مذهلة. يركز هذا الفيلم على السنوات العشر التي قضاها بيكاسو مع عشيقته
الفنانة التشكيلية الفرنسية فرانسوا جيلو (الممثلة البريطانية ناتاشا
ماكيلهون)، بكل تقلباتها. كما يبرز الفيلم قسوة بيكاسو في علاقاته النسائية
التي تصل إلى حد السادية والمعاملة اللاإنسانية، وتتلخص في إغوائه للنساء
واستغلالهن والإساءة إليهن ثم هجرهن.
يجسد
الممثل إيد هاريس شخصية الفنان التشكيلي الأميركي جاكسون بولوك في فيلم
بولوك (2000) بحساسية مرهفة، ويستعرض الفيلم الذي قام إيد هاريس بإخراجه
الحياة المضطربة لأحد رموز الرسم التعبيري التجريدي الذي وافته المنية في
سن الرابعة والأربعين متأثرا بالإدمان على الكحول.
كما
يستعرض الفيلم الأثر الإيجابي لزوجته الفنانة التشكيلية لي كراسنر، وصداقته
مع الفنان التشكيلي الهولندي وليم دي كوننج. رشح الممثل إيد هاريس عن دوره
لجائزة الأوسكار، وفاز بجائزة نقاد السينما في تورونتو، كما فازت الممثلة
مارشا جاي هاردين بجائزة الأوسكار عن تقمصها الواقعي لشخصية الزوجة.
الممثلة
عربية الأصل ومكسيكية المولد وأميركية الشهرة سلمى الحايك تجسد شخصية
الفنانة التشكيلية المكسيكية فريدا كاهلو في فيلم فريدا (2002)، والتي عاشت
حياة صاخبة ومثيرة وحافلة بالأحداث مع زوجها دييجو ريفيرا (الممثل ألفريد
مولينا)، أشهر الفنانين التشكيليين المكسيكيين، والذي عرف بمطاردته للنساء.
أصيبت
فريدا كاهلو بشلل الأطفال في طفولتها، وتعرضت لحادث اصطدام حافلة مريع كاد
يودي بحياتها في سني المراهقة، وأفرغت كل مشاعرها وأحاسيسها في لوحاتها
الفنية، وتوفيت في سن السابعة والأربعين. رشحت سلمى الحايك عن أدائها في
هذا الفيلم لجائزتي الأوسكار والكرات الذهبية.
مع أن
الممثلة الأميركية الفاتنة إيدي سيدجويك (الممثلة سينيا ميلر) هي الشخصية
المحورية في فيلم فتاة المصنع (2006) الذي يصور صعودها السريع في المجتمع
الفني بنيويورك ومعاناتها من الاضطرابات العصبية ووفاتها المبكرة في سن
الثامنة والعشرين متأثرة بتعاطي المخدرات، فإن الفيلم يسلط الضوء أيضا على
الدور الذي لعبه الفنان التشكيلي والمخرج والمنتج والممثل والمؤلف
السينمائي أندي وارهول (الممثل جاي بيرس) في حياتها بعد انضمامها إلى
أستوديو المصنع الذي قام بتأسيسه. ويصور الفيلم أندي وارهول كشخص فج ونرجسي
وانتهازي يبحث عن الأغنياء لاستغلالهم.
ويتناول
فيلم أشباح جويا حياة الفنان التشكيلي والنقّاش الإسباني فرانسسكو جويا
(الممثل ستيلان سكارجارد) الذي يعدّ آخر الأساتذة القدماء وأول المستحدثين،
والذي تأثرت به أجيال من الفنانين التشكيليين مثل مانيه وبيكاسو.
يركز
الفيلم على حياة جويا الذي فقد حظوته لدى الأسرة الملكية الإسبانية حين
استهدفته محاكم التفتيش بعد أن قام برسم الشابة أينيس (الممثلة ناتالي
بورتمان) التي اتهمتها الكنيسة الكاثوليكية بالهرطقة. ويعرض الفيلم مجموعة
كبيرة من أعماله الفنية. وقد رشح هذا الفيلم لخمس جوائز سينمائية.
عند
استعراض هذه الأفلام نجد أن هؤلاء الفنانين التشكيليين العظماء يشتركون في
الجوانب العبقرية لشخصياتهم وفي التراث الفني الإنساني الذي خلفوه وراءهم.
كما نجد أن كثيرين منهم توفوا في سن مبكر متأثرين بالإدمان على شرب الكحول
أو تعاطي المخدرات.
الرأي الأردنية في 30
يناير 2009 |