أثار عنوان مقال للكاتب الشاعر عبدو وازن جاء على شكل السؤال التالي: “هل
يمكن تجريد البطل من فحولته اللغوية...؟”، عندي بعض التداعيات واستدعى إلى
ذهني بعض التأملات ذات العلاقة بتعبير “البطولة السينمائية”، والذي يمكن
تحويره ونقله إلى مجال السينما ليصبح: هل يمكن تجريد الأفلام من فحولة
الأبطال؟ ذلك لأن تعبير البطولة الذي يطلق كتسمية على الممثلين أو الممثلات
في الأفلام ارتبط بالسينما من بداياتها الأولى، وساهم في إشاعة ذلك كون
الكثير من الأفلام الأولى كانت من نوع أفلام المغامرات التي تحتاج إلى
نماذج بطولية، نماذج كانت السينما، على الأغلب، بحاجة إليها كي تحقق الرواج
الجماهيري.
تستخدم اللغة الإنجليزية كلمتين مختلفتين، متقاربتين في الدلالة، لوصف كل
من الشخصية الرئيسية في الرواية وفي الفيلم السينمائي، حيث تسمى الشخصية
الرئيسية في الرواية (بروتاغونيست)، في حين تسمى الشخصية الرئيسية في
الفيلم “هيرو”، أي نفس الكلمة المستخدمة أيضا في العديد من اللغات الرئيسية
في العالم بالعلاقة مع السينما.
في واقع الحال، فإن البطولة في السينما، بطولة مزيفة مصطنعة، يجسدها أشخاص
هم في نهاية المطاف أدوات بين يدي المخرج ويمكن استبدالهم بسهولة. أبطال
الأفلام خيالات ظل متحركة، غير أن لتلك الخيالات مفعولا سحريا، فهي تجذب
الناس وتثيرهم وتتحول في ذاكرتهم إلى أسطورة فيصبح أبطال الأفلام شعبيين
تعشقهم جماهير السينما، وتصبح أسماء الممثلين الذين يجسدونهم مثل مغناطيس
يجذب المشاهدين نحو شباك التذاكر، ويجعلهم يهتمون بمتابعة أخبارهم في وسائل
الإعلام المختلفة، بحيث تكرست فكرة البطولة في أذهان الناس، واختلطت
الشخصية بمن يجسدها، إلى درجة أنها استقرت في أعماقهم بحيث لا يزحزحها
انكشاف أسرار جديدة عن شخصيات الممثلين، وعن أفعالهم البطولية، تلك الأسرار
التي كشفتها صناعة السينما نفسها، إذ باتت لا تتحرج من الحديث عن نوع جديد
من الممثلين يقومون بالحركات الخطرة بدلا عن أبطال الفيلم، وهم أشخاص
رياضيون مهرة، كل منهم، أو منهن متخصص في نوع من أنواع الحركة الخطرة وكل
يقوم بدوره الخطر نيابة عن البطل، مجهولون، لا قيمة لهم إلا بمقدار ما
يساهمون بتكريس صورة البطل، النجم، المحبوب جماهيريا، الأسطورة.
فكرة البطل في السينما باتت ضرورة ملتصقة بها إلى حد أنها تعدت أفعال
البطولة وهكذا شاع مصطلح “بطل الفيلم” الذي يطلق على أي ممثل مهما كان دوره
ومهما كانت طبيعة الدور فلم يعد ضروريا أن يقوم البطل بأفعال خطرة أو أن
يتصدى لشرير ما كي يغدو بطلا فقد يلعب بطل الفيلم دور عاشق متيم، أو دور
رجل خائب الرجاء، محبط، أو فاشل في حياته ومع ذلك يبقى بطلا للفيلم.
بعكس السينما لا يوجد في الأدب أبطال بقدر ما توجد شخصيات أدبية، بدءا من
أوليسيس مرورا بهاملت ودون كيشوت وزوربا وغيرها من شخصيات أدبية لا ترتبط
أهميتها بمرحلة زمنية وأمزجة وحاجات نفسية ولا ترتكز على مفهوم البطولة،
لذا تبقى محتفظة بأهميتها في كل الأوقات.
في الوطن العربي، لا تقتصر كلمة “بطل” على وصف الشخصية الرئيسية في الفيلم،
بل تشمل وصف كل الممثلين الرئيسيين في الفيلم الواحد بغض النظر عن طبيعة
الأدوار التي يؤدونها، فقد اعتاد الناس على تقسيم الممثلين إلى أبطال
و”أشرار”، ومع ذلك، فالممثلون من الطرفين، ظلوا أبطالا للأفلام ويلقبون في
الملصقات الدعائية بأبطال الفيلم، كما تتصدر العناوين المطبوعة في مقدمة
الأفلام كلمة “بطولة” ويليها وصف لأسماء العديد من الممثلين والممثلات.
حدثني صديق كان يعمل مساعدا للإخراج في أفلام تجارية أنه ذات يوم كان أحد
المخرجين يصور فيلما يعشق فيه البطل إحدى الحسناوات. لضمان نجاح فيلمه اتفق
المخرج مع أحد نجوم السينما لبطولة الفيلم. بعد أسبوعين من التصوير اختلف
المخرج مع النجم، فظن هذا أن بمقدوره أن يربح المعركة اعتمادا على شهرته،
فهدد بترك العمل في الفيلم، وكان الفيلم قد شارف على نهاية مرحلة التصوير،
فما كان من المخرج آنذاك إلا أن قبل التحدي وقرر الاستغناء عن الممثل
البطل. كان الحل الذي لجأ إليه المخرج بسيطا: فقد أجرى تعديلا طفيفا في
مجرى حكاية الفيلم، إذ جعل بطله يموت في حادث سيارة، بعدها يصل شقيقه من
الغربة لحضور الجنازة وهنا يلتقي بحبيبة أخيه فيقع الاثنان في الغرام. منذ
هذه اللحظة يستمر الفيلم في مجراه الطبيعي وكما تم رسم أحداثه بداية. حتى
الآن، لم يغير في هذا الوضع كون الناس اكتسبوا معرفة أكثر بالسينما
وأبطالها وخبايا صناعتها.
الخليج الإماراتية في
02/05/2009 |