|
ما بين من يرى أنه يروج لزواج المتعة فى المذهب الشيعى، ومن يرى أنه يقتحم
مناطق جنسية مسكوتا عنها فى المجتمع العربى.. والمعلومات المغلوطة التى تم
تداولها عن الفيلم ونحاول هنا كشفها. «مقداد» قال لـ«روزاليوسف» هذه
الكلمات فى اتصال معه رداً على سؤال حول ما إذا كان يشعر بأن الحل من أجل
أن يقدم أفكاره المختلفة بشكل حر ومستقل.. هو أن يهاجر أم أن يقاوم.. ولكنه
فضل المقاومة. وفى هذا الحوار لا نتوقف عند الفيلم نفسه بقدر ما توقفنا عند
الخلفيات الاجتماعية التى جعلته يخرج علينا بهذا المشروع السينمائى الجرىء
وقضاياه المهمة. 24 دقيقة هى المدة الزمنية التى تستغرقها أحداث «موز» على
الشاشة.. فهو فيلم روائى قصير من إنتاج 2009 استغرق تصويره 3 أسابيع
بكاميرا ديجيتال.. أى أنه لا يختلف كثيرا عن تلك المشاريع المستقلة التى
ظهرت مؤخراً فى مصر خلال السنوات الأخيرة. مشاركته فى مهرجان الخليج
السينمائى فى دبى يعد أول ظهور له .. خاصة أن الفيلم أنتج لصالح المهرجان،
أو بمعنى آخر تم شراء حق عرضه لصالح المهرجان. أما جهة الإنتاج فهى جماعة
سينمائية مستقلة تدعى «عكس» أى عكس الاتجاه. المفاجأة أن الجماعة تضم «مقداد»
نفسه مخرج الفيلم ومؤلفه بالإضافة إلى شباب آخرين.. وحتى الآن أسهمت هذه
الجماعة فى إنتاج ما يقرب من 4 أفلام تتناول قضايا تشغل المجتمع العربى
بشكل عام أكثر من كونها تشغل المجتمع الكويتى.. ولكن الذى يوحد هذه الأفلام
هو شعار واضح ومحدد «رياح التغيير قادمة»!! «أحمد» مهندس شاب فى العقد
الثالث من عمره ، متزوج ويعانى من برود وفتور فى علاقته الجنسية مع زوجته،
الأمر الذى يؤرقه خاصة فى ظل الهلاوس الجنسية المسيطرة عليه، الأمر الذى
يدفعه فى النهاية إلى اللجوء إلى زواج المتعة المتعارف عليه فى المذهب
الشيعى متخيلا أنه الحل. هذا هو الطرح البسيط لقصة فيلم «موز».. وهو نفسه
السبب الذى جعل صانعه يتهم بالترويج لزواج المتعة.. ولكن وفقا لما قاله لنا
«مقداد»، فإن الفيلم يحفل بدلالات وبقضايا أخرى أكثر سخونة وأهمية تبدأ من
اسم الفيلم نفسه «موز» ذلك الاسم الذى قال أنه يحمل أكثر من دلالة!
أحداث الفيلم تقول إن «الموز» هو فاكهته المفضلة، ولكن له دلالات وإيحاءات
ما يستطيع أن يفهمها المتلقى بدون تقديمها بشكل مباشر.. أيضا اسم الفيلم له
علاقة بقضية أخرى أطرحها فى الفيلم ولكن بحذر ألا وهى قضية «الشذوذ الجنسى»..
تلك القضية التى نخشى الاقتراب منها، ولكنها حاضرة فى فيلمى بشكل أو بآخر
فـ«أحمد» لديه ارتباك واضطراب فى هويته الجنسية .. ودائما تختلط خيالاته
الجنسية بالواقع خاصة أنه يقضى معظم يومه فى موقع البناء، وبالتالى تصبح
الفرصة متاحة أمام تلك الهلاوس لتأخذ مواقعها وتبدأ الهجوم بضراوة.. بينما
يحتل الـ«موز» جزءا مهما من تلك الخيالات ولكن بشكل غير واضح أو فج. سألت «مقداد»
عن رؤيته هو لمشكلة «أحمد» وما إذا كان يقدم «زواج المتعة» كحل فأجاب:
«مشكلة أحمد أنه يعانى من ارتباك فى هويته الجنسية، ولكنه فى مجتمع يرفض
الاعتراف بهذه المشاكل.. وبالتالى يؤثر هذا على علاقته الجنسية مع زوجته
حيث يسيطر عليها الفتور.. وبالتالى هو يبحث عن بديل.. وحتما لن يكون هذا
البديل رجلا لأنى أقدمه على أنه شخص متدين يحرص على الصلاة فى المسجد
وبالتالى لن يقدم على خطوة كهذه.. ولذا يتخيل أن الحل هو أن يكون هذا
البديل امرأة.. ويتصور أن الخلاص هو «زواج المتعة». حرصت على أن تقدم هذا
المضمون بطريقة غير مباشرة أليس كذلك؟ - أدواتى فى الفيلم هى الصور
والإيحاءات.. خاصة فى مشاهد الأحلام التى تختلط بالواقع والتى يظهر فيها
حبه الغريب للموز، ويكرر فيها جملة «باحب الموز» كثيرا، وأردت أن أترك
للجمهور فرصة استنتاج المغزى.
ونحن فى حاجة لأن نشير إلى أن «زواج المتعة» يحتل مساحة محدودة من أحداث
الفيلم، فهو يظهر فى مشهد فى المسجد حيث يذهب «أحمد» إلى شيخ يسأله عن زواج
المتعة.. ولكن ينتهى المشهد قبل أن نستمع إلى رأى الشيخ.. ثم فى نهاية
الفيلم نرى «أحمد» مع عروسه التى قرر أن يتزوجها وفقا لأحكام «زواج المتعة»
حيث نراهما يتفقان على الثمن الذى سيدفعه لهذه المتعة مقابل مبلغ مالى..
لينتهى الفيلم على مشهد يتخيل فيه أن صديقه القريب منه والذى نراه معه خلال
أحداث الفيلم يقتله بـ«موزة».. بينما يكون المشهد الأخير لقطة عامة له وهو
فى الصحراء التى تحفل بعدد هائل من الـ«غتر» الخليجية ملقاة على الأرض قبل
ان يقع هو بينها.. وفيما عدا هذين المشهدين لا توجد مساحة تذكر لـ«زواج
المتعة». سألنا «مقداد» عما إذا كان يقصد هذا أم لا فأجاب: «لقد تعمدت أن
يكون موقفى حياديا للغاية من «زواج المتعة»، فأنا أقدمه كظاهرة وليس كحل..
لم أشأ أن يكون لدى حكم أصدره عليه». ولكن ماذا عن موقفك أنت الشخصى من
«زواج المتعة»؟ - ما أستطيع أن أقوله أنه منتشر فى مجتمعنا بدرجة كبيرة،
ولكنى لا أستطيع أن أبدى رأيى فيه لأنه موضوع حساس للغاية.. فضلا عن أنه
بمجرد أن نشر مقال كويتى يتحدث عن فيلمى والقضايا التى أتناولها تسبب لى
هذا فى مشاكل على صعيد أسرتى التى هى فى النهاية أسرة محافظة ومتحفظة.
لم يكن فيلم «موز» هذا هو الأول لـ«مقداد الكوت» الحاصل على ليسانس أداب
قسم لغة إنجليزية من جامعة الكويت ويعمل مترجما بوزارة الكهرباء .. ولم
يدرس السينما إلا عن طريق القراءات ومشاهدة الأفلام لأنه لا توجد جهة
أكاديمية ما يمكنه من خلالها التعلم. سبق «موز» فيلمان آخران أحدهما يمزج
بين التسجيلى والروائى اسمه «مفارقات» يتناول بشكل ساخر حياة أشخاص ينتمون
إلى المجتمع الكويتى ويعانون من أحداث مأساوية لها علاقة بتركيبة المجتمع
نفسه ومشاكله. أما الفيلم الآخر فاسمه «جمال عقل خالد» وهو فيلم نفسى فى
الأساس. «الكوت» له تفسير لذلك المنحى المتشائم الذى تسير فيه أفلامه، إن
مجتمعنا يحفل بكم من القوانين غير المكتوبة، وبمشاكل نفسية واضطرابات
اجتماعية خطيرة.. بالإضافة إلى تلك العادات والتقاليد التى تسيطر عليه
وتقتل أحلام الناس وطموحاتهم.. ولاتنس أيضا النظرة الرجعية التى يتسم بها
معظم الآباء والأمهات. هناك قضايا وقوانين وأحكام لا نريد التحدث عنها
ونخشى مجرد الاقتراب منها.. وفى مجتمعنا العربى من يملك الجرأة على التحدث
عن مشاكله ومواجهة نفسه بعيوبه.. يعتبر خارجا عن القطيع ويصبح من حق الجميع
أن يهاجمه ويصمه بجميع أشكال التهم.. لا يوجد لدينا مفهوم اسمه «نقد ذاتى».
مقداد.. ليس مجرد فرد عادى، وإنما هو جزء من جماعة «عكس» السينمائية..
أفكاره هى جزء من أفكار جيل بدأ يكشف عن نفسه فكريا وسينمائيا فى الكويت ..
كجزء من حركة تغيير أكثر شمولا تجتاح المجتمعات العربية.
روز اليوسف المصرية في
09/05/2009 |
