الدورة الجديدة
لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي
تكريمات بالجملة سينما عربية ونجوم من
فرنسا
بيروت - فيكي حبيب
ليست هذه المرة الأولى التي تكرم فيها صباح في مصر... فمصر اعتادت تكريم
صباح في كل مرة كان ذلك مناسباً... غير أن صباح التي كرمت دائماً, كانت
صباح المطربة اللبنانية التي اعتبرت جسراً للتقارب الفني بين بيروت
والقاهرة. ومن هنا احتاجت القاهرة الى الانتظار 40 عاماً مرّت على مبارحة
هذه الفنانة مصر وعودتها الى لبنان في شكل شبه نهائي, لتكرمها كممثلة كانت
واحدة من النجمات الكبيرات في السينما المصرية.
وهكذا, بفضل هذا التكريم الذي يخصص الآن لصباح في اطار تكريمات مهرجان
القاهرة السينمائي الدولي, سيستعيد الجمهور على الفور ذكريات صباح كواحدة
من السبع الكبيرات في الغناء خلال العصر الذهبي للأغنية المصرية, الى جانب
أم كلثوم ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد وليلى مراد وشادية وهدى سلطان... لكنه
سيستعيد أيضاً ذكرياته معها كنجمة سينمائية كبيرة, عرفت في أفلام الكوميديا
الغنائية الموسيقية بخاصة كيف تفرض حضورها الكبير والقوي, في أفلام نجومها:
عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد فوزي...
وصباح هي واحدة من نجوم وفنانين كبار عدة يكرمهم مهرجان القاهرة هذا العام,
إذ تكرم الى جانب ليلى فوزي وعبدالحي أديب ورائد فن التوليف سعيد الشيخ
والمخرج يوسف مرزوق. وقد يكون في امكاننا أن نضيف الى هذه الجمعة الطيبة,
عشر نجمات فرنسيات كبيرات يكرمن عبر عرض عشرة من أهم أفلامهن, من كاترين
دونوف وايمانويل بيار وساندرين كيبرلان وبريجيت باردو الى دانيال داريو
وسيمون سينيورييه وميشيل مورغان وفاني أردان وايزابيل هوبير وجولييت بينوش.
بين الماضي والحاضر
وعلى هذا النحو, واذا اضفنا الى هذا تكريم السينما الايطالية عبر تنظيم قسم
خاص في هذه الدورة تحت عنوان "كلاسيكيات السينما الايطالية" تعرض فيه
مجموعة من أبرز الأفلام الايطالية, وتكريم المخرج الروسي الكبير اندريه
كونشالوفسكي, يصبح في وسعنا أن نعتبر أن جزءاً كبيراً من تاريخ السينما
العربية والعالمية, سيطل برأسه الطيب والعابق بالحنين, الى أجواء المهرجان
القاهري.
لكن دورة هذا العام للمهرجان لن تقتصر على ذكريات الماضي الجميل وحده. اذ
نعرف منذ الآن, وحتى من قبل الاعلان النهائي عن كل الأفلام المشاركة في شتى
تظاهرات المهرجان أن العروض العربية في المسابقة الرسمية ستشمل من مصر فيلم
ايناس الدغيدي "الباحثات عن الحرية" وفيلم خالد يوسف "انت عمري" وفيلم محمد
أبو سيف "خالي من الكولسترول", وفي البانوراما العربية التي تشكل اطلالة
على السينما العربية الجديدة يعرض من المغرب ثلاثة أفلام هي: "فوق الدار
البيضاء... الملائكة لا تحلق" لمحمد عسلي و"درب مولاي الشريف" لحسن بن جلون
و"جوهرة" للمخرج سعد شرايبي. ومن تونس "دار الناس" للمخرج محمد دمق و"أوديسه"
للمخرج الراحل ابراهيم باباي, ومن الجزائر "المنارة" للمخرج بلقاسم حجاج
ومن لبنان "زنار النار" لبهيج حجيج. أما مفاجأة البانوراما العربية بحسب
منظمي المهرجان فعرض الفيلم البحريني "زائر" للمخرج بسام الزوادي. اضافة
الى أفلام يبلغ عددها اجمالاً أكثر من 120 فيلماً آخر آتية من بلدان عدة.
طبعاً هذه البلدان ستتقاسم الجمهور العريض الذي يجدها فرصة لمشاهدة جديد
السينما العالمية ومعظمه عبر أفلام لن يتاح له أبداً مشاهدتها في الصالات
التجارية أو حتى على شاشات التلفزة.
وسط ذلك سيكون في وسع الجمهور أيضاً, أن يكرس وقته لتحية النجمتين
الكبيرتين صباح وليلى فوزي, وليحيي عبرهما نمطاً من النجمات لم يعد له حضور
كبير في أيامنا هذه, حتى وإن كانت الاثنتان لا تزالان في الساحة: صباح عبر
فنها الغنائي, وليلى فوزي عبر حضورها المتميز تلفزيونياً.
لقاء النجوم
كانت صباح في السابعة عشرة من عمرها (مواليد 1928) حينما توجهت الى القاهرة
ليعطيها هنري بركات دورها الاول في "القلب له واحد" (1945) الى جانب أنور
وجدي. ومن الواضح ان الجمهور أحب صباح على الفور بطّلتها المحببة وخفة دمها
وشكلها الملائم في ذلك الحين مع سينما كانت تنقل بطلاتها من عالم
الأرستقراطية الى عالم الحضور الشعبي الراقي... وبخاصة في أفلام ذات طابع
غنائي استغلت صوت صباح كمغنية وحضورها الى اقصى الحدود.
دامت رحلة صباح المصرية حتى العام 1964, ومثلت في عدد كبير من الأفلام تحت
ادارة بعض كبار المخرجين مثل عز الدين ذو الفقار ومحمود ذو الفقار وحلمي
رفلة وفطين عبدالوهاب... وبرزت بخاصة الى جانب عبدالحليم حافظ في "شارع
الحب" والى جانب فريد الأطرش في "بلبل أفندي" و"الايدي الناعمة" (عن نص
لتوفيق الحكيم). وهي اذ عادت الى لبنان في العام 1964, مثلت منذ ذلك الحـين
في الكثير من الأفلام, مع لبنانـيين ومصريين, غير أن نجاحها الغنائي كان
أكبر. اذ سرعان ما اضحت المنافسة الرئيسة لفيروز ولا سيما في مجال الغناء
الشعبي اللبناني...
أما ليلى فوزي, "أرستقراطية الشاشة المصرية" كما يصفها النقاد, فبدأت أيضاً
رحلتها الفنية في سن مبكرة تنوعت خلالها أدوارها بين البطولة والأدوار
الثانوية, فكان أول فيلم لها تحت عنوان "مصنع الزوجات", وكرّت السبحة
لتشارك بدورها في التمثيل أمام عدد كبير من المطربين أبرزهم فريد الأطرش
ومحمد عبدالوهاب ومحمد فوزي...
ويقسم النقاد مسيرة ليلى فوزي الفنية الى اربع مراحل, إذ بينما غلب على
أفلام المرحلة الاولى الطابع الميلودرامي في أحيان والكوميدي والغنائي
والاستعراضي في أحيان أخرى, نراها في المرحلة الثانية تقدم مجموعة من افضل
أدوارها على الاطلاق, أما المرحلة الثالثة فشهدت خفضاً كبيراً في عدد
الأفلام التي شاركت فيها, وصولاً الى قرارها بالابتعاد من السينما
والانصراف الى التلفزيون. وتقول عن ذلك في أحاديث صحافية: توقفت بعد الفيلم
التونسي "الملائكة" لأن السينما في مصر تحولت في تلك الآونة الى أفلام
المقاولات والمخدرات والجنس. وهي نوعية من الأفلام التي لا تناسب شخصيتي أو
المستوى الذي ألفته, كما أن الأدوار التي عرضت عليّ في حينه هامشية, من هنا
فضلت الابتعاد لئلا اضيع المجهود الذي بذلته في عملي طوال أربعين عاماً".
وشكّل فيلم "طريق الدموع" نقلة نوعية في مسيرة هذه الفنانة التي اعتبرت أول
شخص يلعب دوره في الحياة على الشاشة في السينما المصرية.
ولا يمكن المرور على مسيرة ليلى فوزي من دون ذكر دورها في "ضربة شمس" عندما
أسند اليها محمد خان دوراً صامتاً في أول أفلامه الروائية واستطاعت فيه ان
تثبت انها ممثلة كبيرة ظلمها المخرجون كثيراً عندما حصروها بدور المرأة
الجميلة.
مهرجان القاهرة إذاً, سيكون بين آخر تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي, والعاشر
من كانون الأول (ديسمبر) المقبل مناسبة طيبة للعودة الى ذكريات الفن
الجميل, وكذلك الى ذكريات النجمات حين كن نجمات حقيقيات, وهو ما سنعود اليه
لاحقاً.
وتكريم عبدالحي أديب: سيناريوات العصر الذهبي
خبر سار بالتأكيد هو ذاك الذي يتحدث عن أن مهرجان القاهرة سيكرم في دورته
المقبلة كاتب السيناريو وفنان السينما المصري المعروف عبدالحي أديب. ذلك أن
هذا الفنان المبدع ليس ولم يكن أبداً حدثاً عادياً في تاريخ السينما
المصرية, هو الذي حمل توقيعه بعض أهم السيناريوات التي حُققت في أفلام
تعتبر علامات في تاريخ هذه السينما. وحسبنا ان نذكر هنا, على سبيل المثال
لا الحصر, "باب الحديد" الذي يعتبر, عادة, من أجمل وأقوى أفلام يوسف شاهين,
بل يضرب به المثل على ان شاهين يكون في ذروة تألقه السـينمائي حين يقيض له
أن يحقق فيلماً كتب غيره السيناريو له (وفي هذا الاطار يمكن التذكير بأن
حسن فؤاد كان هو كاتب سيناريو "الأرض" ولطفي الخولي صاحب سيناريو
"العصفور"...).
ويمكن أن نذكر من أعمال عبدالحي أديب الأخرى المميزة, سيناريو "امرأة على
الطريق" الذي كان ويبقى من أجمل أفلام عزالدين ذو الفقار, والفيلم الذي كتب
فيه أديب لهدى سلطان, الدور الذي أثبت كينونتها كممثلة كبيرة باكراً.
طبعاً لا يعني هذا ان كل ما كتبه عبدالحي أديب من سيناريوات (يمكن أن يبلغ
تعدادها المئة في نهاية الأمر) كان "فوق الشبهات", إذ ان هذا الكاتب, الذي
أتى الى عالم السيناريو, من النضال السياسي اليساري ومن الكتابة الأدبية,
اذ اكتفى طوال حياته بمهنة الكتابة لم يبرحها أبداً, حدث له في أحيان كثيرة
ان كتب أعمالاً لا تخرج عن اطار الترفيه, كما كتب أعمالاً متوسطة القيمة...
غير ان اللافت دائماً هو أن سيناريوات عبدالحي أديب, ومهما كان من شأن
مستواها الفكري, تبدت دائماً محكمة الصنع, وذات مستوى تقني مدهش... وحب
المرء للتيقن من هذا ان يشاهد ويعيد مشاهدة عدد كبير من السيناريوات التي
كتبها عبدالحي أديب خلال العقدين الفائتين لأفلام حققتها ايناس الدغيدي,
التي اعتبر عبدالحي أديب, استاذها الكبير دائماً وصاحب الفضل في وصول كتابة
السيناريو في السينما المصرية, ولا سيما في خمسينات وستينات القرن الفائت,
الى مستويات عالية, جنباً الى جنب مع كتاب آخرين, سبقوا عبدالحي أديب في
حصولهم على تكريم مهرجان القاهرة خلال دوراته المتتالية, ومنهم يوسف جوهر.
إذاً, تكريم عبدالحي أديب, في المهرجان القاهري العتيد, سيعيد الى اذهان
الحضور عصراً ذهبياً لكتابة السيناريو في مصر, ويذكر بأنه اذا كانت الشكوى
من غياب السيناريو عن السينما المصرية مشروعة, فإن انجازات عبدالحي اديب
ورفاقه من أبناء جيله تأتي لتذكرنا بأن الأمر لم يكن كذلك على الدوام.
|