مهرجا القاهرة في دورته28
جسد بلا
روح
جاءت الدورة الـ28 لمهرجان القاهرة
السينمائي الدولي خالية من البهجة وبلا روح حيث أصبحت هناك أشياء كثيرة
يفتقدها
المهرجان منها حالة الجدل التي كان يثيرها المهرجان بأفلامه, والزحام حول
دور
العرض, شيء ما غائب تتحمل الإدارة مسئولية جزء كبير منه وقد
يكون الظرف السياسي
والاجتماعي عاملا مهما فيه ولكن عندما تترك إدارة المهرجان نفسها إلي هذه
الحالة من
الموات فهي مسئولة لأنك وللغرابة ستجد أن دور عرض قليلة هي التي تشارك في
المهرجان
وأغلبها مليئة بالأفلام الأمريكية الجديدة, في حين أن حدثا
مثل مهرجان القاهرة
الذي هو من أعرق المهرجانات في العالم العربي كان من المفترض أن يتحول إلي
عيد
للسينما مثلما يحدث في كثير من الدول الأوروبية وبالتحديد فرنسا التي عاش
فيها رئيس
المهرجان شريف الشوباشي أكثر من20 عاما هناك ما يسمي بعيد
السينما حيث تباع تذكرة
لمدة أسبوع كامل مخفضة القيمة حتي يتمكن كل محب للسينما من مشاهدة أحدث
الإنتاجات, وبذلك تربي جيل من الشباب الذي قد يدخل هذه
الأفلام بمنطق قضاء الوقت
ولكن علي الأقل ستكسبه كمتابع لسنوات قادمة ينتظر هذا الحدث وهذا ما يصنع
حالة
الرواج.
والتساؤل الملح هنا هل نضب الخيال أم أن حالة العقم أصابت المهرجان
وإدارته التي لم تتغير منذ سنوات طويلة؟ وهل أصبح مجرد وجود
أفلام وآلالات عرض تدور
لعرض مجموعة من الأفلام علي جمهور من المختصين والمبدعين ـ تقريبا نفس
الوجوه ـ حتي
شباب المنظمين وجوههم أصبحت محفوظة كأننا أصبحنا نستكين لكل ما هو قائم
وعليك أن
تتساءل عن شباب المخرجين والكتاب والنجوم من العالم العربي
والدول الأوروبية ومصر
فلماذا لا يفكر القائمون علي المهرجان بعمل سمنار حول السينما العربية
الشابة
ويلتقي هؤلاء الشباب مع بعضهم البعض لماذا لا يحول الندوات التي تقام عن
الدعم
الأوروبي والمنح.
نفس الوجوه وأصحاب المصالح هم الذين يتحدثون في هذه الندوات
محمد حسن رمزي, أنطوان زند, شركة أفلام مصر العالمية,
منيب شافعي, إلي فرص
حقيقية لشباب المخرجين وتقام مسابقة علي هامش المهرجان لدعم عدد من
السيناريوهات
وإنجاز مشروعات حتي لو قصيرة.
ولكن أصبحت إدارة المهرجان تستكين إلي هذا الشكل
وتلك الوجوه وترفع شعار لا للدور الثقافي للمهرجان ونعم للدور
السياحي وتكفي حفلات
الرقص والسمر والعشاء التي تقام في القطامية وسقارة يراقص فيها نجومنا
المصريين
الضيوف أو بعضهم بعضا.
مع أنه من الممكن للمهرجان أن يقوم بالوظيفتين فالأولي
لا تلغي الثانية.
ومن الواضح أن تلك الروح الباهتة جاءت متوافقة تماما مع
الأفلام المصرية التي شاركت باسم مصر في المسابقة الدولية أنت
عمري لخالد يوسف,
والباحثات عن الحرية لإيناس الدغيدي مما زاد من حالة الفتور والتساؤل حول
معايير
اختيار الفيلم المصري المشارك أمام سينما العالم ولكن لا يجب علينا أن
نتعجب فنفس
هذه اللجنة سبق وأن رفضت فيلما بقيمة بحب السينما بحجة أنه غير
لائق
فنيا.
أنت عمري
الفيلم هو التجربة الثالثة لمخرجه خالد
يوسف بعد فيلمه العاصفة وجواز بقرار جمهوري والمشاركة الثانية له في
المهرجان,
وإذا كان الظرف السياسي وفكرة فيلمه الأول قد خدمت نواحي القصور في الفيلم
ولغته
السينمائية المباشرة والحوار الخطابي وكذلك خدمته الضجة
الإعلامية التي ارتبطت
بفيلمه الثاني جواز بقرار جمهوري إلا أن خالد خدمه الحظ في أن يقدم تجارب
متبانية
تماما حيث تنوعت ما بين الاجتماعي والسياسي والكوميدي السياسي وأخيرا
التراجيدي ـ
الرومانسي,( أنت عمري) وهو فيلمنا المشارك في مهرجان
القاهرة والذي عرض في أول
أيام عروض المهرجان والذي صاغ له السيناريو والحوار د. محمد رفعت طبيب
الأطفال
صاحب مسلسل تعالي نحلم ببكره.
أعتقد أن خالد يوسف كانت لديه صعوبات في تنفيذ
مشروعه فالسيناريو جاءه مكتملا وعمل مع المؤلف علي تطويره,
وجهة الإنتاج ـ جهاز
السينما ـ رحبت بشدة, والشركة المنفذة هي أفلام مصر العالمية ـ بيت خالد
ـ إذن
فالفيلم تم تنفيذه في ظروف إنتاجية ميسرة لذلك سيكون التساؤل الحقيقي حول
حجم الجهد
الإبداعي المبذول في هذا الفيلم.
بدءا من قصة العمل التي تتناول قصة شاب في
مقتبل العمر هاني سلامة يوسف مهندس ناجح اختار أن يعيش حياته بعيدا عن زحام
القاهرة
في الغردقة مع أسرته المحبة وشديدة اللطف الزوجة ـ منة شلبي ـ وتربطهما
علاقة غاية
في الرومانسية والحميمية والأب عبد الرحمن أبو زهرة والابن الذي يخطف القلب
إلي أن
يكتشف المهندس الشاب أنه مصاب بسرطان الدم اللوكيميا ويقرر
الزوج الهروب من أسرته
حتي لا يعذبهم واختار أن يموت وحيدا, في رحلة هروبه وعلاجه في نفس الوقت
يقابل
نيللي كريم راقصة الباليه الشهيرة المصابة بنفس المرض والتي يتخلي عنها
حبيبها,
وتقع في غرام هاني سلامة ويساعدهما الطبيب المعالج هشام سليم علي العلاج
إلي أن
تكتشف الزوجة مكان زوجها وتعرف علاقته بالأخري ويبدأ صراع
ينتهي بانتصار الحب في
معناه الأسمي وعلينا أثناء مشاهدتنا للفيلم أن نستمع إلي جمل أصبحت
أكليشهات في
السينما المصرية من نوع هموت.. امته يا دكتور, فاضل لي كام يوم, أو
شهر, لا
شهور, احنا لازم نهزم المرض مش المرض هو اللي يهزمنا.
بغض النظر عن هنات
القصة ومنطق الزوج غير المفهوم في اختياره قرار الابتعاد فقد كنت أصدق ذلك
أكثر لو
كانت علاقته بزوجته عادية, ولا يجمعهما كل هذا الحب لأن منطق
الأشياء أن تلجأ لمن
يحبك والأقرب إليك ولكن سأقبل الفرضية الدرامية التي صاغها المؤلف د.
محمد رفعت
وسأتعامل مع هذه النوعية من المثالية الزائدة عن الحد, وسأتصور أن هناك
عالما
شديد الجمال والرقي وخاليا من القبح إلي هذه الدرجة.
فما أحوجنا إلي ذلك في ظل
الظروف المقبضة التي نحياها ولكن منذ اللحظة الأولي ستشعر أن المؤلف لا يحب
شخصياته
فهو يتعامل معها من الخارج لذلك يشاهدها مثلنا تماما, لذلك عليك أن
تتعامل مع
سلسلة من الصدف وتقبل أن يكون الطبيب المعالج للحالتين واحدا
يوسف وشمس نيللي كريم
وهو طبيب بالضرورة مختلف ـ هشام سليم ـ يؤمن بإرادة الإنسان في التغلب علي
المرض
صدفة تصطدم شمس بيوسف في أروقة المستشفي, هي لحظة خسارتها لحبيبها ـ الذي
أساء
المخرج اختياره لأن أداءه أثار الضحك ـ ويوسف لحظة تأكده من
إصابته باللوكيميا,
وصدفة يقع ملف يوسف وتلتقطه نيللي كريم وهي ترقص علي أنغام أنت عمري لأم
كثلوم في
حجرة الطبيب الشديد اللطف والذي ترك لها حجرته في المستشفي لتقرأ وتسمع
الموسيقي,
فتقرأ هي الملف ـ الوحيد الذي يحمل صورة المريض, وصدفة تظهر الأم في
المشاهد
الأولي للفيلم, ثم فجأة يتذكرها المؤلف بعد مرور ساعة وربع
الساعة من أحداث العمل
إذن علينا أن نسلم بسلسلة الصدف هذه التي تنسج هذه الأحداث وتلك هي
المفارقة
فالمصادفة هي عكاز الدرامتورجي وكبار المؤلفين في العالم والذين صاغوا كتب
السيناريو أكدوا علي الفيلم بأكمله يجب ألا يحمل أكثر من
صدفتين.وطوال أحداث
الفيلم علي أن أتعامل مع ما يمليه علي المؤلف والمخرج من تفاصيل هم يرونها
شديدة
الدقة وتفيد الدراما في حين أنها أثارت الضحك والتعليق مثلا عليك أن تصدق
أن هناك
زوجة لا يشغلها شيء في الحياة غير زوجها الذي تعتمد عليه في كل
تفاصيل الحياة,
حتي شراء الاحتياجات المنزلية لدرجة أنها لا تعرف نوع اللبن الذي يدخل
منزلها ـ
ويختلط عليها الأمر عندما يصطحبها الزوج معه إلي السوبر ماركت, في إطار
أنه
يؤهلها لما هو قادم بعد رحيله, ليس اللبن فقط بل أيضا كيس
الشيبسي هل علي كمشاهد
أن أصدق هذه المبالغات الدرامية الفاقعة قد أقتنع بأنها غير قادرة علي حكي
حدوتة
لطفلها فملكة الحكي لا تتوافر للجميع ولكن باقي التفاصيل تثير الضحك كما
قلت.
ولا أعرف من قال إن الطريقة الوحيدة للتعبير عن الخوف من الموت والمرض هي
البكاء ولا أستطيع أن أتعامل مع فكرة أنه منذ اللحظة التي
اكتشف فيها يوسف مرضه وهو
يبكي تقريبا ثلث ساعة من زمن الفيلم كيف فات علي خالد يوسف مثل هذه المسألة
وأسأله
ألم يشاهد فيلما لتوم هانكس اسمه فيلادليفيا عندما قدم دور مريض بالإيدز
كيف كان
الأداء ولماذا أقنع خالد يوسف, هاني سلامة بأنه عليه أن
تنهمر دموعه بهذا الشكل
حقيقة لا أفهم فهذه ليست مليودراما ولكن قد يكون هذا نوعا جديدا لم نعرفه
بعد.
وأعتقد أن أصول الدراما كما علمنا إياها كبار أساتذة السيناريو وحيد حامد
ومحسن زايد تقول إن المشاهد عندما يتوقع الأحداث القادمة فهذا يعني أن هناك
خللا في
دراما الفيلم, وهذا ما حدث فعندما يحكي هشام سليم عن المنتجع الذي يقيمه
والده
الطبيب في أسوان وعن الرجل مريض السرطان الذي شفي بالإرادة
ستتوقع ذهاب البطل
والبطلة إلي هناك ـ أقصد هاني ـ ونيللي وعندما تتحدث نيللي كريم لهاني عن
حلمها بأن
تسير مع من تحب علي هذا الكوبري وتمطر السماء في لحظة ستمطر السماء حقيقة
لا أفهم
كل هذه المبالغات الدرامية التي تصل إلي حد السذاجة وكل ذلك
أدي إلي أن يلجأ المؤلف
إلي التكتيك لإنهاء الفيلم فبعد ساعتين حدثت النهاية فجأة ضحت الزوجة
بزوجها حتي
يشفي ورفضت الحبيبة أن تعود إليه, مات الزوج وعاش الاثنان علي ذكراه
يربيان الولد
وفجأة ظهرت لوحة تقول بعد15 عاما لنري منة ترتدي نظارة,
وبجوارها نيللي كريم في
حفل تسلم الابن لجائزة أحسن مهندس معماري عن مشروعه وصوت الأب يعلق والأم
والحبيبة
تبكيان؟!
وبالتأكيد أثرت كل هذه المسائل علي إيقاع الفيلم الذي شهد إسهابا في
الموسيقي التصويرية, وتكرارا للأغاني في كثير من المشاهد إلا
أنني لا أنكر الجهد
غير العادي المبذول من مدير التصوير سمير بهزان والذي أضفي بإضاءته رونقا
خاصا علي
الصورة ولكن في ظني أن المستفيد الوحيد من الفيلم هي نيللي كريم التي
استطاعت أن
تعبر عن شخصيتها وانكساراتها بشكل جيد وخدمها خالد إخراجيا في
مشاهد الرقصات
فالإضاءة كانت لصالحها ولقطات وزوايا الكاميرا وهاني سلامة أشعر أنه يحاول
دوما أن
يطور من أدائه ولكن دوما هناك شعرة صغيرة تفلت منه ولكن أحيي فيه اختياراته
الفنية
فهو يحاول أن ينوع فيما يقدم ولكن تمثيليا كان أفضل بكل
المقاييس في السلم والثعبان
منة شلبي في مستواها العادي تحاول الاجتهاد دوما, ولكن المخرج في الأول
والآخر هو
المسئول عن أداء ممثليه وإدارتهم وفي النهاية ليست بالدموع وحدها تصنع
الأفلام
وبكاء المشاهد لم يكن المشاهد يوما دليلا علي النجاح ولكن ما
يتبقي في العقل
والوجدان من تأثير وعن نفسي مازلت أذكر العديد من الأفلام الأمريكية
والأوروبية عن
قصص حب وآلام السرطان فمن منا ينسي شخصية مثل سوزان سارندون فيStepMother
أو كما
قلت
|