مهرجان
القاهرة..
تذهب المناسبة وتبقى الأفلام!
ماجد حَـبُتـّه**
الشكل مهم، والأسماء مهمة، وكلاهما يلعب دورا مهما في أي مهرجان. لكن
المضمون هو الأهم؛ فهو الهدف الذي من أجله تقام المهرجانات.
هكذا يمكننا النظر إلى الدورة التاسعة والعشرين لمهرجان القاهرة السينمائي
الدولي التي انتهت فعالياتها مساء الجمعة الماضي.
وفي هذا المهرجان كان الشكل مرتبكا، ونقصد بذلك عملية التنظيم والتنسيق،
أما أسماء من حضروا حفلي الافتتاح والختام فكانت خافتة، باستثناء عدد قليل
للغاية وكذلك من تم تكريمهم في الحفلين الافتتاحي والختامي.
كما جاءت تلك الدورة لتؤكد ما أكدته الدورات السابقة، وهو أن نجوم السينما
المصرية ملتزمون بمقاطعة فعاليات المهرجان(!!) فلم يتابع الأفلام التي
عرضها المهرجان إلا من كان يتابعها في الأعوام الماضية، أما الباقون فاكتفى
قليل منهم بمجاملة أبطال الفيلمين المصريين، رغم أن المهرجان قدم سينما
مختلفة عن السائد والتجاري، وهي فرصة لا يفوتها المهتمون بالسينما وينبغي
ألا يفوتها صناعها.
فقد كان من بين مجموعة الأفلام المقدمة أفلام تحمل مضامين غاية في الروعة،
وقضايا يعتبر الاقتراب منها مطلبا للعرب والمسلمين مثل قضايا التعايش
والحوار، والتطرف والإرهاب، كما أن بعضها عالج قضايا إنسانية عامة تعتبر
متابعتها مطلبا يفترض أن يكون جماهيريا وليس نخبويا فقط.
وهنا لسنا في حاجة إلى التأكيد على أن إقامة مهرجان سينمائي في أي بلد هو
جزء أساسي من البنية التحتية السينمائية بها، وأن وجود مثل هذا المهرجان
يساعد على تشكيل ثقافة سينمائية تساعد الفنانين والجمهور على تطوير أنفسهم؛
لأنهم سيكونون على اتصال مباشر بالعالم السينمائي الخارجي، وتلك هي
المعادلة التي حققها المهرجان بثراء برامجه وتنوع أفلامه، إضافة إلى هذا
الكم المتاح للمشاهدة.
عيوب الاعتراف الدولي!
هذا هو المضمون الذي قلنا إنه الأهم، والذي قصدنا به نوعية الأفلام التي
عرضها المهرجان وتلك المشاركة في مسابقته الرسمية وذهاب الجوائز لمن
يستحقها، مع الوضع في الاعتبار أن مهرجان القاهرة هو المهرجان العربي
الوحيد الذي يكتسب صفة الدولية، والذي اعترف به "الاتحاد الدولي للمنتجين
السينمائيين" (FIAPF) ووضعه بين المهرجانات السينمائية الأحد عشر الأولى في العالم.
وإذا كان لهذا الاعتراف ميزة، فإن له العديد من العيوب، أهمها أن المهرجان
مقيد بالعروض الأولى في مسابقته، وبناء على ذلك فلا يجد أفلاما تقدم على
المشاركة إلا التي لم تجد لها مكانا في المهرجانات الدولية الكبرى مثل كان
وفينيسيا وبرلين!!.
فليس في المهرجان ما يجذب إليه أي فيلم أو يجعل الحصول على أي من جوائزه
حلما، لسبب غير بسيط وهو أن مكانة مهرجان القاهرة التسويقية تكاد لا تذكر،
وتأثير حركته النقدية في العالم يكاد يكون منعدما أو هو منعدم بالفعل.
الصين.. الضيف الجميل
على تلك الخلفية يمكننا استيعاب الفارق بين مستوى الأفلام التي تنافست على
جوائز المهرجان، وتلك التي تم عرضها في الأقسام المختلفة، وعلى رأسها
الأفلام الصينية، وهي السينما التي تم الاحتفاء بها في فئة "ضيف الشرف"
التي تستضاف في كل دورة سينما عالمية، وتعرض من إنتاجها ما يتوفر من
العشرين سنة الأخيرة.
وإبهار السينما الصينية بدا واضحا من فيلم الافتتاح: فيلم "منزل الخناجر
الطائرة" (TheHouse of Flying Daggers)
للمخرج المعروف زانج يامو الذي يجسد مشواره السينمائي والتطورات التي لحقت
بالسينما الصينية.
فزانج يامو بدأ عام 1978 بعد أن تخلصت الصين من آثار الثورة الثقافية
المدمرة، وسعى مع مجموعة من زملائه للعمل خارج النماذج التقليدية
والمنهجية، بفكر مستقل فتح له أبواب السينما العالمية، ومكنه من اقتحامها،
فكان أن نال جائزة مهرجان برلين الكبرى عام 1987 عن فيلمه "السنابل
الحمراء" لتتوالى أفلامه: "زوجات وعشيقات" و"ارفعوا المصابيح الحمراء"
و"الحياة" و"الطريق إلى الوطن" وغيرها من الأفلام التي كان كل منها بمثابة
حدث سينمائي مهم ليس في السينما الصينية فقط ولكن في السينما العالمية بوجه
عام.
في قسم ضيف الشرف عرض المهرجان أفلاما صينية أخرى، كانت بعيدة شيئا ما عن
إبهار فيلم الافتتاح المدهش، لكنها أثبتت بأساليب أخرى تمكنها الإنساني
وحساسيتها بالغة المدى، عبر أفلام متنوعة ناقشت موضوعات مختلفة ترسم في
مجموعها "حصاد" ثقافة وفنون وحضارة قديمة تمتد جذورها عميقا في تاريخ
البشرية.
ومن هذه الأفلام "زهور عباد الشمس" (إنتاج 2005) و"قمر ساطع" المشارك في
المسابقة الرسمية "وزهرة الصين" 2005 و"فيرا الملاك" 2004 و"تليفون محمول"
2003، إلى جانب عدد آخر من إنتاج بدايات الألفية الثالثة ومنها الفيلم
الشهير الذي عرض في القاهرة "نمر رابض.. وتنين خفي" 2000 للمخرج أنج لي
Ang lee،
وكلها أفلام جعلت السينما الصينية هدفا تتطلع إليه عاصمة السينما العالمية
هوليود.
فالأفلام الصينية في غالبيتها تتميز بالتنوع الكبير في الموضوعات وبتكنيك
مشهدي لافت، وبجمال بصري أخاذ، إضافة إلى تمتعها، رغم تقليدية بعضها، بقيم
إنسانية عالية، واعتماد بعضها على القتال الصيني الذي يعتبر مكونا مميزا
لمضامينها.
أفلام مميزة
انعقاد المهرجان قبل انتهاء العام بأقل من شهر هو ما ساعد إدارته في اجتذاب
مجموعة كبيرة من الأفلام التي لاقت سمعة عالمية خلال عرضها في المهرجانات
الكبرى، وهو ما يدعم وجهة نظرنا بشأن عيوب التصنيف الدولي للمهرجان، والتي
يدعمها أيضا الأفلام التي عرضها المهرجان في القسم الرسمي، خارج المسابقة
وهي مميزة في جزء كبير منها.
فبينها
Hidden للمخرج النمساوي مايكل هانيكي المعروف بأفلامه الصادمة مثل "معلمة
البيانو" (2001) و"الجنة الآن" للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد في ثاني
تجاربه الروائية بعد "القدس في يوم آخر" والذي عُرض قبل أشهر في مهرجان
برلين. والفيلم الألماني الأمريكي
Kinsey بطولة ليام نيسن والذي تم ترشيحه العام الماضي لجائزة أوسكار.
وكذلك فيلم
Vera Drake للبريطاني مايك لاي الفائز في مهرجان كان عام 2004 و...Breaking the Waves
للارس فون ترير صاحب الأوسكار عن
Dancer in the Dark.
من أجل هتلر
قسم مهرجان المهرجانات ضم أفلاما نالت جوائز في المهرجانات السينمائية
الكبرى في السنوات الثلاث الأخيرة من بينها الدانمركي
Brothers
لسوزان بيير،
La Moustache
للفرنسي إيمانويل كاريير، "هكذا تحدثت ليلا" لزياد الدويري من إنتاج فرنسي،
والبريطاني
Afterlife
لاليسن بيبلز، وMelinda and
Melinda لوودي آلن وغيرها.
على أن أبرز ما ميز المهرجان هذا العام هو قسم "القادة السياسيون على
الشاشة"، وهو قسم تم استحداثه -في رأينا- لتجد إدارة المهرجان فرصة أو "تلكيكة"
لعرض الفيلم الألماني
Downfall
لاوليفر هيرشبيجل عن الساعات الأخيرة في حياة هتلر، وأيام السادات، وناصر
56، ومع الأفلام الثلاثة تم عرض
The
Gathering Storm لريتشارد لوكرين وPath
To War لجون فرانكنهايمر وTruman لفرانك بيرسن.
صفر مصري جديد
وبين أكثر النقاط لفتا للانتباه أن مصر لم تشارك إلا بفيلم واحد، مثلها مثل
اليمن التي تشارك بأول فيلم لها في التاريخ!.
غير أن لجنة التحكيم لم تخيب ظننا، ولم تقع في فخ مجاملة الفيلم المصري
"ليلة سقوط بغداد" الذي لم ينافس غير
الأفلام العربية على جائزة أفضل عربي وهي الجائزة التي نالها الفيلم
اليمني/ البريطاني (A New Day In Old Sana'a)
لبدر بن حارسي.
أما بقية الجوائز فتقاسم معظمها الفيلمان الفنلندي "أم لي" (Mother
of Nine) والألباني "العين السحرية" (Magic
Eye)، وربما خفف من وطأة عدم حصول الفيلم المصري الوحيد على أي جائزة
حصول المخرج المصري سمير نصر على جائزة أفضل عمل أول التي تحمل اسم "جائزة
نجيب محفوظ" عن الفيلم الألماني "أضرار لاحقة" (Seeds of
Doubt) الذي يتحدث عن واقع المسلمين في ألمانيا بعد أحداث 11 سبتمبر، وهي
الجائزة التي لم تغير في الحقيقة شيئا: حقيقة حصول مصر على صفر جديد في
مهرجان تقيمه على أرضها!.
لجنة التحكيم كان على رأسها المخرج الصيني هي بينج وضمت في عضويتها المخرج
الألماني بيرسي ألدون، والمخرج والكاتب الهندي أكبار خان، والممثلة
اليونانية تاليا أرجيريو، والمؤلف الموسيقي الإيطالي مانويل دو سيكا،
والمنتجة الهولندية بترا جودينجز، والممثلة الروسية سفيتلانا خوتشينكوفا،
والممثلة اللبنانية كارمن لبس، والممثلة المصرية سميحة أيوب والمخرج المصري
يسري نصر الله.
جائزة لفيلم ضعيف!!
نشير -أيضا- إلى واقعة شديدة الاستغراب، ونقصد تلك الجائزة التي أعطيت
للفيلم اللبناني "دنيا" الذي ابتدعت له جائزة تحت اسم "جائزة الشجاعة"،
والذي عرض في القسم الرسمي خارج المسابقة، ورغم ضعف مستوى الفيلم
والانتقادات اللاذعة التي وجهت إليه؛ فإن حصوله على الجائزة كان مثار
استغراب الجميع.
ويتحدث "دنيا" عن فتاة جامعية قررت أن تصبح راقصة محترفة، وتقول في أحد
المشاهد: "كيف تستطيع المرأة أن تحرك جسدها وتوحي بفعل الحب بينما يسعى
المجتمع لإخفاء أنوثتها"، ثم تلتقي تلك الفتاة بشاب وهو كاتب يقمعه المجتمع
على مقالاته الجريئة، كما يطرح الفيلم قضية التحرر من القيود المجتمعية
والاستهانة بالضوابط التي يضعها المجتمع في قضية تحرر المرأة.
ويفترض الفيلم أن تحرر المرأة هو تحرر لجسدها بالأساس، كما تعرض لقضية ختان
الإناث في المجتمع المصري.
المستغرب فعليا في المهرجان الذي كرم المرحوم مصطفى العقاد صاحب البصمة
العربية في هوليود هو عدم تخصيص برنامج لعرض فيلمي العقاد: "الرسالة" و"أسد
الصحراء"!، وهذا جعله تكريما ناقصا منزوع البهجة.
ويحسب للمهرجان تعريفه بمخرجين عرب لامعين في الخارج مثل المنتج السوري
نادر الأتاسي، والممثل المغربي سعيد طغماوي، ومخرجين لبنانيين شابين هما
جوزيف فارس المقيم في السويد وعمر نعيم الذي قدم فيلمه الأول
The Final Cut
في هوليوود قبل عامين. والفلسطيني هاني أبو أسعد، والعراقي سمير.
___________________
**ناقد سينمائي مصري
|