اليوم الختام وإعلان
الجوائز
"وطنيون"
و"بابل"
يتنافسان بـ "لسان عربي" على السعفة الذهبية
“كان” - محمد رُضا:
اليوم،
الثامن والعشرين من الشهر، يختتم مهرجان “كان” دورة جديدة أخرى من دوراته.
ويصبح بذلك على بعد خطوة واحدة من الاحتفاء بعامه الستّين في السنة
المقبلة. لجنة التحكيم التأمت وناقشت وقررت. الفائزون سيصعدون المنصّة
وكلهم يشعرون بأن الجائزة التي سيحصلون عليها لا بد أنها بداية لمرحلة
جديدة أيضاً. لكن ما الأفلام التي ستفوز؟ هل يمكن التنبؤ بها؟ وهل هي
الأفلام التي تستحق الفوز فعلاً؟
حين زار
الرئيس الفرنسي جاك شيراك الجزائر قبل أشهر ليست بالبعيدة، حمل معه بنداً
من بنود المحادثات عبارة عن عرض فرنسي للجزائر بأن تنسى وتغفر لفرنسا ما
ارتكبته هذه في حقها. وحسب صحافية جزائرية معروفة وصلت الى هنا لإجراء
مقابلات وتغطية ما يمكن تغطيته من نشاطات وأفلام، فإن الرئيس الجزائري يميل
الى ذلك، لكنه لا يقدر. تقول “الشعب لا يريد”.
بناء
عليه، يستمر كلامها الذي يمكن تأكيده من جانب محللي الشؤون السياسية،
العلاقة بين فرنسا وبين الجزائر يسودها عدم ارتياح.
فيلم
المخرج الجزائري رشيد بوشارب “مواطنون” (او “بلديّون” كما يجيء في العنوان
المطبوع كترجمة حرفية لعنوانه الفرنسي) هو انتاج فرنسي مع مساهمة تمويلية
مغربية وجزائرية، وهو قد يزيد المسائل تعقيداً فاز او لم يفز.
انه فيلم
حربي يدور حول فرقة عسكرية دخلت معارك عدّة ضد الجيش الألماني في ايطاليا
وفي فرنسا وأسهمت في تحرير التربة الفرنسية من الاحتلال النازي. المميّز في
هذه الفرقة العسكرية أن جنودها كانوا عرباً من شمال افريقيا كما كانوا
جنوداً من العمق الإفريقي الأسود. وأنهم بذلوا كما بذل الجندي الفرنسي الذي
قاتل لصف الجنرال شارل ديجول وقاتل كما قاتل ومات كما مات او عاش بعد
المحنة كما عاش. الفارق أن التاريخ لم ينس الجندي الفرنسي الذي مات او الذي
عاش لكنه نسي الجنود العرب المجهولين الذين ماتوا أو بقوا أحياء.
“مواطنون”
يجد معالجة تقليدية القصّة لتقديم نماذج من البطولات والتضحيات للجنود
الجزائريين والمغربيين الذين شاركوا في تحرير فرنسا ويوظّف الفرص المتاحة
للحديث عن كيف عاملت القيادة الفرنسية هؤلاء معاملة أقل من مساوية
لمعاملتها باقي المحاربين. مع نهاية العرض الجماهيري صفّقت القاعة كلها
تضامناً، لكن عدداً كبيراً من النقاد الفرنسيين خرجوا من عروض الصحافة أقل
تعاطفاً مع الفيلم وسرعان ما عكسوا ذلك في كتاباتهم.
هذا
التباين غالباً ما سينتقل الى الأمام ليتصدّر طاولة النقاش بين أعضاء لجنة
التحكيم. كما يبدو الحال قبل 24 ساعة من اعلان النتائج فإن “وطنيّون” هو
أحد الخيول الأمامية في السباق، جنباً الى جنب مع “بابل” و”فولفر” و”فصول”
و”ماري أنطوانيت”.
انه سباق
مثير بين خمسة أفلام مختلفة جداً عن بعضها البعض يقودها على نحو ظاهر الفرس
العربي الذي يمتطيه رشيد بوشارب. هذا الفيلم، بصرف النظر عن رأي نقاد فرنسا
فيه، يتضمّن خطاباً سياسياً واعياً يأتي في وقته تماماً. فالعالم الغربي
نسى او تجاهل اسهام العرب والمسلمين في بنائه. ومع التصدّع الكبير الناتج
بين ثقافتين انحسرتا وتباعدتا بعدما تلازمتا لوقت طويل، فإن “وطنيّون”
مطلوب لذاته ووصوله الى الجائزة الكبرى، اذا ما وصل، سيكون خير رد عربي على
كل تلك النظرات التي تعتبره اليوم خطراً على الغير بسبب الفئة المتطرّفة
التي خطفت الاسلام وخطفت العروبة وتسببت في أضرار لم تستطع “اسرائيل” ذاتها
انجازها بنا خلال نصف قرن من حياتها.
من ناحية
أخرى، اذا لم يفز بالسعفة الذهبية فإن أي فيلم من تلك المتبقية لها وعليها.
بالتالي لن يكون الفوز المقبول كليّاً.
حسب توارد
عروضها، جاء “فولفر” (أو “بولبر” نسبة لتهجئة عنوانه بالاسبانية) مثيراً
لاعجاب أولئك الذين يعتبرون أن ألمادوفار وميلودرمياته العاطفية- الكوميدية
من أهم مخرجي العالم.
هذا العام
هناك أكثر من فيلم له علاقة بالأوضاع، سياسية او اجتماعية:
“أمة
الطعام السريع” لرتشارد لينكلاتر يطرح لجانب موضوعه الأساسي حول استغلال
شركات اللحوم لجهل الأمريكيين وتوريدها لهم لحوم همبرغر جرثومية، الوضع
السياسي في مرحلة ما بعد 11/9.
“مفكرة
الاعتقال” للأرجنتيني أزرائيل أتيان كايتانو يتحدّث عن بعض ويلات ما جرى
حين وقع الانقلاب العسكري في الأرجنتين سنة 1977 الذي أدى، في جملة من
النتائج، الى اعتقال يساريين ومثقفين وأبرياء من أي انتماء سياسي، على حد
سواء.
“صديق
العائلة” لباولو سورنتينو. يفحص نموذج شخص بالغ الثراء يكره الجميع، بمن
فيهم أقربهم اليه، لكنه ينجح في إبقاء عالمه من دون خدوش ناتجة عن مثل هذا
الكره الى أن يتعرّض لمواجهة بينه وبين الواقع الاجتماعي الذي اعتقد انه
يعيش بمنأى عنه.
و”حق
الأضعف” للبلجيكي لوكاس بلفو عن نماذج هامشية من مجتمع يزداد عبئاً على من
لا يملك لكل الأسباب الجوهرية التي تجعل القلة هي المستفيدة من حال متدهور
كهذا.
حتى في
فيلم صوفيا كوبولا الدرامي- التاريخي هناك ما يكفي من شروط الاطلالة على
الأمس لاستخراج بعض الملامح من مكوّنات الشخصية الأوروبية اليوم.
“بابل”،
في المقابل، فيلم عن كل ما يعصف بشؤون حياتنا. هو أيضاً عربي الملامح كون
ثلث أحداثه تقع في المغرب وبلسان عربي وتم تصويره في مكان حدوثه. المبهر
الذي فيه هو القدرة الكبيرة على مزج الصور الصغيرة بالصورة الكبيرة للعالم.
هذه الجزئيات من حياة شخصيات لا علاقة لها ببعضها البعض موجودة في المغرب
واليابان والولايات المتحدة والمكسيك تشكّل الصورة الكبيرة للعالم الذي
نعيش فيه. سيكون من الجور عدم منح جهد مخرجه ألياندرو غونزاليز ايناريتو
الجائزة التي يستحق. وهو -حالياً وقبل ظهور النتائج مساء اليوم- الفيلم
الموازي في توقعات الفوز بالسعفة الذهبية. اذا حصدها، عوضاً عن “وطنيون”
فإنه الوحيد من بين باقي الأفلام المتنافسة الذي يستحقها.
على صعيد
آخر، المنافسة القوية هذا العام واضحة في مجال الممثلين. الأمريكي سيليان
مورفي في “الريح التي هزّت الشعير”، الصينية لي هاو في “قصر صيفي” الايطالي
سيلفيو أورلاندو في “التمساح”، الفنلندي يان هيتيانن في “أضواء الغسق”
لجانب آخرين.
لكن
المسابقة في شقّها النسائي ستكون حامية الوطيس بين ممثلتين هما كيرستي
دانست وبينيلوبي كروز.
جيرار
ديبارديو: لا
ندرك حجم موهبتنا إلا حين نخسرها
“المغني”
هو أحد أفلام المسابقة هذا العام وواحد من تلك الانتاجات الفرنسية التي
تتمنى لو تفوز بالسعفة. مكتوب بسلاسة ومنفّذ بعناية لكنه محدود التأثير
نسبة الى أن عالمه -أساساً- قائم على شخصيّتين - مغنٍ وامرأة شابة- يقعان
في حب مفاجئ. انه ثاني عمل للمخرج أكزافييه جيانولي الذي اختار جيرار دي
بارديو وسيسيل دو فرانس للبطولة. بينما هي لا زالت جديدة على الشاشة بخلفية
تشمل نحو عشرة أفلام الى الآن، فان دي بارديو له في السينما ثلاثة عقود
مكتظّة بعشرات الأعمال. وأعماله مختلفة ومتنوّعة ودائما ما لديه ما يقوله
عن كل منها معتبراً أن كل فيلم هو تجربة منفصلة. ومعه كان الحوار:
·
حين تقدّم المخرج جيانولي بالسيناريو الذي
كتبه بنفسه اليك، ماذا كانت ردّة الفعل الأولى؟
- ردّة
فعلي الأولى أنه سيناريو جميل جداً من رجل يعرف ما يتحدّث فيه. فرادة
وواقعية الحوار ذكّرتني بالأفلام التي أحبها. لأن الحوار موشم بالشعرية
وبالاحترام لفن الرقص وللغناء.
·
هل تحدّث اليك حول الشخصية ذاتها؟ كيف وصفها
لك؟
- كان
مفاجئاً لي أن أقابل شخصاً في هذه المهنة لديه رؤية واضحة وعقل وامض ويعلم
ما يتحدّث عنه ولديه حب كبير للسينما وللغناء. اكزافييه لديه علم رائع
بالسينما وبذلك أعني أن لديه علماً بها ولا يفضل نوعية على أخرى، وفي ذات
الوقت انتقادي. لذلك حين بعث السيناريو اليّ قلت نعم بدون تردد. ليس هناك
في العمل من رسائل خفيّة واشكالات بل مجرّد قصة بسيطة وحيوية ناتجة عن خيال
شاب مستقل لديه ما يريد قوله في أفلامه.
·
هل كان صعباً عليك أن تندمج في شخصية المغني؟
- شخصية
المغني واسمه في الفيلم “ألان” شخصية رجل يحب الألحان والأغاني التي تدفع
الناس الى الرقص. لم يكن صعباً كثيراً القيام به لأن المطلوب ليس تقليده بل
تجسيده.
·
هل الأغاني فرنسية كلاسيكية؟
- نعم. من
غناء ألان شانون.
·
في أفلامك السابقة، في معظمها على أي حال، كان وجودك البدني يقود الأداء.
حضورك يستمد الكثير من شكلك البدني. هنا يبدو العكس...
- رغم أني
لا أحب الاعتراف بذلك، لكن ربما ما تقوله صحيحاً على الأقل بالنسبة لنصف ما
مثّلت. على ذلك هذا دور يختلف عن كل ما لعبته من قبل. شخصيات الفيلم. أنا
في الفيلم لا أقصد أن أكون مؤثّراً والأغبياء فقط هم الذين يتأثرون. عندما
يكون الناس على طبيعتهم فانهم أناس جيّدون لا داعي للقلق منهم. الباريسيون
لم يعد لديهم حس بما هو واقعي او بما هو لغزي. وشخصيات هذا الفيلم ربما
تفتح باب الفرصة للمشاهدين بأن يعودوا الى طبائعهم العادية البسيطة لأنهم
بذلك سوف يشعرون بقيمة الحياة أكثر. هذه كل “الأجندة” التي عند المخرج فهو
لا يحكم على هذه الشخصيات بل يحبها.
·
هناك أغنية تقول “كل مرة يعتقد فيها الآخرون
انك انتهيت، تعود أقوى”... هل تصف هذه الأغنية وضعك كممثل؟
-
(يضحك).. إنها كلمات بسيطة وقويّة والممثل أول من يشعر بأنه انتهى وأول ما
يلاحظ انه عاد بقوّة كما لو كان يرفض أن ينتهي. الممثل لا يعيش طويلاً في
الحياة العامّة لأن الناس تبعث فيه الحياة، بل لايمانه بنفسه أولاً. حين
نخسر موهبتنا ندرك فقط كم كنا موهوبين، لكن طالما أننا نعمل بنفس الطاقة
ولا نحاول تحليل ما نقوم به والاعتقاد بأننا موهوبون فعلياً فإن الأمور
لابد أن تسير جيّداً.
المفكرة..
"كيف
الحال" .. وغيره
* شهد
العرض الذي أقيم لفيلم “كيف الحال” نجاحاً ملحوظاً فقبل نصف ساعة من بدايته
داخل قاعة من قاعات قصر المهرجان، بدأ وصول الحضور الذي كان مزيجاً مختلطاً
من نقاد وصحافيين ومبرمجي مهرجانات دولية ومشتري أفلام وموزعين. حين فتح
باب الصالة تدافع الحشد لاحتلال مقاعدهم ما نتج عنه إبقاء عشرات الذين
جاؤوا لحضور الفيلم خارج القاعة. وبينما تفاوت رد الفعل النقدي بين الرفض
الجزئي والقبول العام بدا واضحاً أن الإعلام العربي والغربي تحلّق حول هذا
الفيلم على اعتباره الفيلم السعودي الروائي الأول من حيث طروحاته
الاجتماعية الآنية على الأقل.
* ما عرض
ولا يزال حين كتابة هذا التقرير في أرجاء “كان” يتفاوت من أفلام أغدقت
عليها الأموال لإنتاجها على النحو الذي جاءت عليه (لديك كل الأفلام
الأمريكية التي عرضت رسمياً خارج المسابقة والكثير من أفلام المسابقة من
بينها “بابل” و”مواطنون”) وأفلام لم تتمتع بميزانية يوم واحد من ميزانية
فيلم مثل “رجال إكس 3: الوقفة الأخيرة”.
أحد هذه
الأفلام “12.،8 شرقي بوخارست” الذي موّل مخرجه كورنيلو بورمومبوي معظم
تكلفته من جيبه الخاص.
إنه أحد
فيلمين رومانيين عرضا هنا وتحدّثا عن موضوع واحد وزمن واحد هو المرحلة
الأخيرة من حياة البلاد السياسية قبل التخلص من الحكم الستاليني الذي تمثّل
بشخصية الرئيس نيكولاو شاوشيسكو سنة 1989. الفيلم الثاني بعنوان “الطريقة
التي أمضيت فيها نهاية العالم” لكتالين ميتاليسكو.
هذا
الفيلم الداكن والحزين يرفع بين أسماء الذين عملوا فيه اسما المخرج
الأمريكي مارتن سكورسيزي والمخرج الألماني فيم فندرز كمنتجين مشاركين.
* فيلم
بولندي عن أيام ما بعد انهيار الشيوعية يكشف عن وضع لا يخلو بدوره من
تعقيدات الحياة المعاصرة.
الفيلم هو
“استعادة” لسلوفومير فابيشي: دراما اجتماعية عن الطرق المسدودة أمام شاب في
التاسعة لكي يحقق حياة آمنة بعيداً عن مخاطر الفساد الحاصل.
واحد من
أفلام بولندية متزايدة حول مشكلات اليوم في مجتمع تحرر من قيد ووقع في آخر.
الفيلم عرض في “نظرة ما”.
* وفي
التظاهرة ذاتها تم عرض “سكانر داركلي”، ثاني فيلم للمخرج الأمريكي رتشارد
لينكلاتر في هذه الدورة بعد “أمّة الطعام السريع”.
ذلك
الفيلم، لم يترك الأثر الذي يتوخّاه، لكن الذين انتقدوه من نقاد سينما
أوروبيين عموماً أعجبوا بفيلمه الثاني “سكانر داركلي” أيّما إعجاب.
مثلما كان
فعل لينكلاتر قبل أعوام عندما حقق “يقظة” مصوّراً ممثليه على نحو طبيعي ثم
مولجاً بالنتيجة في الكومبيوتر ليستخرج منه فيلماً كرتونيا، يأتي هذا
الفيلم على نفس المنوال.
*
وأخيراً، هناك مجموعة كبيرة من الأفلام القصيرة في مسابقة خاصة بها،
وبعضها من إخراج سينمائيين معروفين: وولتر سايلس (“مفكرات الدراجة”)،
ألكسندر باين (“سايدوايز”)، ألفونسو كوارون (“هاري بوتر وسجين أزكابان”)،
الى جانب جين كامبيون وجس فان سانت والأخوين كووين.
|