رؤية قاسية
لأنها حقيقية
مصر كلها محشورة بين الفقر والاستبداد فى عمارة يعقوبيان
سعيد شعيب
مصر قاسية
أوى على أهلها، محدش يقدر يتحمل ظلمها هذه الجملة التى قالتها الفنانة هند
صبرى فى فيلم عمارة يعقوبيان أظن أنها مفتاح لهذا العالم الذى يقترب من
الوحشية، إنه عالم مصنوع من الفقر والاستبداد دمر العمارة واهلها.. دمر هذا
الوطن، وجعل ناسه يعيشون حياتهم كالأموات، حياة خالية من الحياة.
فالشخصيات
فى هذا العمل الكبير كلها تفتقد الأمان، الحلم، ربما باستثناء الوزير خالد
صالح فهو يدير آلة ضخمة لحسابه، يعتصر البلد لحسابه وحساب آخرين لم يظهروا
على الشاشة، ولكننا نتلمسهم فى كل زاوية من زوايا مصر المحروسة. وحتى شخصية
الحاج محمد عزام -أداها الفنان نور الشريف- التى تبدو وكأنها تملك مصيرها
بقوة المال، وتعيش زمانها بالضبط لا غيره، تنكسر أمام سطوة من هم أكبر،
سطوة من يحكمون لعبة جهنمية، فينكسر هو الآخر رغم أنه أحب نفسه كثيراً وهو
يؤكد لابنه تامر عبد المنعم أنه قوى.
هذه
البانوراما الضخمة التى كتبها السيناريست الكبير وحيد حامد عن رواية بديعة
للأديب الكبير علاء الأسوانى تمثل مقطعا عرضيا من مصر.. مصر الآن وإن كنت
أتمنى ألا تستمر هكذا طويلاً.
الفقر هو
العنوان الأكبر الذى لا يمكن أن تفلت منه الشخصيات بقدراتها وكفاحها، فطه
الشاذلي محمد عادل إمام الشاب المجتهد يرفضونه فى كلية الشرطة لأنه ابن
بواب وتدريجياً ينتقل إلى عالم من يحترمونه وتدريجياً يتحول إلى إرهابى
ينتقم من الذين اغتصبوه.
وبثينة
التى تعمل للصرف على أشقائها وتضطر لتقديم قليلاً من التنازلات الأخلاقية
حتى تعيش، فالمجتمع لا يحترمها، ولذلك بكت بكاءً حاراً وهى تغسل ملابسها
بعد لقاء جنسى سطحى مع صاحب محل الملابس الذى تعمل فيه.. ولذلك أحبت زكى
الدسوقى عادل إمام فقط لأنه احترمها وعاملها كانسانة.
وشخصية
احمد بدير وأخيه احمد راتب نموذج آخر لما يمكن أن يفعله الفقر، فليس
أمامهما سوى ممارسة الأعمال القذرة غير الأخلاقية حتى يتمكنا من الحياة
والصعود الطبقى، مثل نور الشريف الذى كان ماسح أحذية واصبح مليونيرا وعضوا
بمجلس الشعب، ففرص الترقى فى كل أركان مجتمعنا لا تعتمد على أى مهارات
حقيقية وليس أمام البشر سوى الحياة الخالية من الحياة أو ممارسة الحيل غير
الأخلاقية.
ليس هذا
فقط هو ما فى العمارة -مصر- فقد مات فيها التسامح الذى يعيش على ذكراه زكى
الدسوقى، الزمن الذى كانت فيه مصر ناهضة بجد، ومتسامحة تعيش فيها كل
الأفكار والديانات والجنسيات بلا مشاكل، تعيش متجاورة بشكل طبيعى، ولا أظن
أن علاء الأسوانى أو وحيد حامد يريدان أن يعيدانا إلى هذا الماضى ولكنهما
يدفعاننا دفعاً إلى التمسك بقيم نبيلة، قيم التسامح، وهى التى ضاعت فى فوضى
الفقر والاستبداد ومن هنا يبدو عادل إمام غريبا، فهو ابن الباشوات لا يعانى
الفقر، ولكنه يعيش فى مجتمع خشن فقد روحه، أخته دولت إسعاد يونس تخطط
للاستيلاء على الشقة الكبيرة فى وسط البلد.. وهذا ما يجعله يقرر رغم كل هذه
الهزائم أن يبدأ حياته فى الخامسة والستين ويتزوج بثينة الفتاة الجميلة،
فربما يستطيعان الحياة.
الفيلم
كبير وفيه رسائل كثيرة، ومليء بالشخصيات والأحداث، وهذا هو مكمن الضعف فيه،
والقوة أيضاً، بمعنى أن الفيلم مثل الرواية أراد صاحباه أن يقدما مقطعاً
لوصف مصر الآن، بانوراما تجتهد فى أن تقول كل شيء دفعة واحدة، وهنا من
الطبيعى أن نجد بعض العيوب منها الإغراق فى تفاصيل يمكن الاستغناء عنها
وشخصيات يمكن حذفها، ورغم ميلى الشديد لأن يملك السيناريست الكبير وحيد هذه
الجسارة، وهو ما كان سيجعل عناصر الفيلم الدرامية أكثر التحاما.. بدلا من
أن تبدو كجزر منعزلة، ولكنى مع ذلك أشعر أن هذا العمل كان سيفقد الكثير من
زخم اللوحة المشحونة التى أراد رسمها للبلد. وربما يكون سبب هذا الضعف أن
وحيد أراد الالتزام تماما بتفاصيل الرواية، بل وبالرسائل التى تحملها..
واتصور أن هذا ما قيد السيناريست فى أن يعتبر الرواية مادة خاما عليه إعادة
تشكيلها.. وأظنه لو فعل ذلك لتلافى هذه العيوب.
والحقيقة
أن هذا العمل اكتملت له عناصر النجاح.. فريق التمثيل كان يتبارى فى أن يقدم
أجمل ما لديه.. مثلاً نور الشريف الذى لم يكن يمثل بصوته فقط، ولكن حتى
بعينيه ومشيته الواثقة دون غرور، وعادل إمام الذى رأيته يمثل أكثر بكثير من
أفلامه الأخيرة، مثل المشهد الذى يلقى بنفسه على السرير وعلى وجهه ملامح
غضب أسطورى والمشهد الذى يفك فيه شعر بثينة.
وعلى نفس
الوتيرة احمد راتب واسعاد يونس - لا اعرف لماذا توقفت عن التمثيل- واحمد
بدير وطلعت زكريا ويوسف داود وأحمد صلاح السعدنى، كانت مباراة ممتعة فى
التمثيل، لكن محمد إمام كان فاتراً إلى حد ما، بمعنى أنه يؤدى بنفس
الانفعال تقريبا فى كل المواقف، ربما وقع تحت سطوة شخصيته الحقيقية أكثر
بكثير من الشخصية التى يؤديها، ولا اعرف إذا كانت هذه قلة خبرة أم قلة
موهبة.. الإجابة ستكشفها الأيام.
والفيلم
كانت فيه مفاجآت فنية كبيرة، أولها الفنان خالد الصاوى الذى خرج أخيرا من
عباءة الشرير الضيقة إلى رحابة البشر، ليقدم دور عمره دون ابتذال وبحساسية
فائقة، وقدرة مذهلة على أن يبث روح الشخصية فى كل التفاصيل.. لقد فرحت من
اجل خالد لأن موهبته الكبيرة أخيرا ظهرت فى السينما.
المفاجأة
الأخرى كانت فى المونتاج الذى قدمه الفنان خالد برعى، فلم يكن فقط مجرد
ترتيب زمنى للفيلم، ولكن أعطاه معنى، مثل الانتقال من غضب عادل إمام إلى
وضوء طه الشاذلى، إلى وقوف بثينة على سطوح العمارة فى طراوة الصباح.. ومثل
مشاهد المظاهرات أو التدريب العسكرى للجماعات الإرهابية، كما أن المونتير
لم يلتزم مثلا فى مشاهد عرس طه بالتتابع الزمنى التقليدى، ولكنه مزج مشهد
الزفاف مع مشهد الممارسة الجنسية.
أما
الموسيقى التى قدمها المبدع خالد حماد فقد كان عيبها الوحيد أنها تعلو
قليلا على حوار الشخصيات، ولكنها منحت الصورة أبعادا عميقة، بل لأنها كانت
تتحدث بمشاعر الشخصيات، مثل المشهد الذى كان نور الشريف ينظر إلى الفتاة من
خلف زجاج مكتبه أو مشهد اقتحام أمن الدولة لبيت طه، إيقاع غاضب وحزين وسريع
ومتوتر.
تصوير
سامح سليم حوّل كادرات الفيلم إلى لوحات، ليس فقط باستخدام زوايا مبتكرة
بالكاميرا، ولكن أيضاً بالضوء والظل، مثل نظرات طه ووجهه نصف المظلم للساكن
وزوجته اللذين يتعاليان عليه وهو يمسح السلم.. أو الكادر البديع من أعلى
للضابط وطه متجاورين، فمن القاتل ومن المقتول؟
ملابس
ناهد نصر الله كانت مذهلة، ليس فقط بتعبيرها عن الشخصيات، ولكنها تضيف
إليها، وتتطور مع تطور الشخصية، مثل ملابس بثينة، أو ملابس ملاك أحمد بدير
وأخيه أحمد راتب.
المفاجأة
الأكبر فى هذا العمل الهامّ هى المخرج مروان حامد الذى سيطر بفنية شديدة
على كل عناصر الفيلم وقدم عملا بديعا ولم يكن فقط مجرد منفذا للحوار.. ولكن
هناك إصرارا على أن تشكل هذه العناصر أفقا رحبا لبشر من لحم ودم، فمنح
كلمات الحوار على لسان الممثلين طعما ولونا ورائحة.. رائحة مصر القاسية
التى نحبها، ومش قادرين نتحمل ظلمها كما قالت بطلة الفيلم.
|
محاولة
للفهم
عمارة يعقوبيان: نحو سينما لا تشارك في تغييب وعي
المصريين
بقلم: رياض
سيف النصر
لو أن
تأثير فيلم "عمارة يعقوبيان" اقتصر علي إثارة الجدل الدائر في التليفزيون
والصحافة والبيوت.. حول القضايا التي يطرحها.. لكان ذلك دليل نجاح.
ولو أن
الإقبال الشديد علي مشاهدته كشف عدم مصداقية الذين يدعون أن المشاهدين لا
يتحركون من بيوتهم إلا لمشاهدة الأفلام التافهة التي أصابتنا بالتخلف
العقلي. لاستوجب ذلك شكر الذين قدموا "عمارة يعقوبيان".
لا يهم
إذا كان البعض يتفق مع الاطروحات التي قدمها الفيلم.. أو يختلف. بل أن
الاختلاف يعتبر دليل صحة وحيوية.
نجح وحيد
حامد أن يحافظ علي مضمون الرواية الرائعة ذائعة الصيت لعلاء الأسواني..
وشاركت كتيبة الممثلين والفنيين في تقديم عمل جاد يساهم في إعادة الاحترام
للسينما المصرية.
"عمارة
يعقوبيان" فيلم يعالج الواقع المصري وفق رؤية صناعه.. وعلينا أن نحترم هذه
الرؤية.. سواء اختلفنا معها.. أو اتفقنا.
وإذا كان
البعض عبر عن اعتراضه علي الفيلم لأنه يقدم رؤية قاتمة للواقع.. فهذا حقه..
وإن كان لا يخفي علي أحد من الذين شاهدوا الفيلم أن تلك الرؤية تطرح في
إطار الرغبة في التغيير إلي واقع أفضل.
ويستحق
علي أبوشادي الذي اجاز الفيلم.. كل التحية والتقدير.. لأنه لم يجعل من نفسه
وصيا علي المبدعين.. وأكد أن الرقابة ليست خصما لهم.. وتحمل في سبيل ذلك
ضغوطا غير مسبوقة في مختلف سنوات عمله علي رأس جهاز الرقابة.
وبالرغم
من أن الرقابة ليست مسئولة عن منع فيلم "شفرة دافنشي" لأنه لم يعرض عليها
إلا انني كنت أتمني ألا يمنع فيلم من العرض في مصر.. وإن يقاطعه المصريون..
بدلا من اتخاذ إجراء إداري بمنعه.
لقد
أنفردنا في "الأسبوعي" بأول مقال نقدي في العالم عن الفيلم بعد أن شاهده
الزميل سمير فريد في العرض الخاص.. وأشار إلي أنه حظي بدعاية أكبر مما
يستحق. كما فند الأسس الواهية التي يستند إليها معدو "شفرة دافنشي".
واعتقد أن
عددا من النقاد كان سينضم إلي ناقدنا الكبير في التصدي للأفكار التي يروج
لها الفيلم.. ويكشف الأهداف الخفية التي يسعي إليها. كما يعري الفيلم من أي
قيمة فنية.
ولن أضيف
جديدا إذا قلت إن المنع لم يعد الوسيلة الناجحة للحد من انتشار الأفلام..
أو الكتب بل أنه أسرع وسيلة لزيادة التوزيع والانتشار في عالم يقال عنه إنه
أصبح قرية واحدة.. وفي ظل انتشار مئات القنوات الفضائية التي تعبر عن
توجهات مختلفة.. وتستثمر قرارات المصادرة للكتب والأفلام لتحقيق الأرباح عن
طريق الترويج للمواد المصادرة.. والتي تجد إقبالا واسعا من الجماهير للتعرف
علي محتوياتها.
ولا
يخامرني شك في أنه لو سمحت الحكومات بتداول تلك الأفلام والكتب.. لما وجدت
الرواج الواسع.
لقد شاهدت
بعض رجال في برامج تليفزيونية مختلفة. يحبذون قرارات المنع والمصادرة..
خوفا علي المؤمنين من التراجع عن إيمانهم.
وهذه أضعف
الحجج التي تبرر قرار المنع.. خاصة أن أي دين لن يكون بحاجة إلي الذين
ينتسبون إليه.. لو تراجعوا عن إيمانهم بمجرد مشاهدة فيلم.. أو قراءة كتاب.
لأن هؤلاء يعتبرون عبئا علي الدين.. أي دين.. يفضل التخفف منه.
بالإضافة
إلي أن تدخل رجال الدين لمنع أو اجازة الأعمال الأدبية والفنية.. لم يعد
مقبولا. وإلا فاننا سنغلق الأبواب أمام الابداع.. والمبدعين.
لقد ناشد
بابا الفاتيكان المؤمنين بمقاطعة فيلم "شفرة دافنشي" وكشفت الكنيسة الاخطاء
التي تضمنها. ولكنها لم تطالب بمصادرته.. بل أن عرضه في كل الدول الأوروبية
فتح باب النقاش الواسع حول ما تضمنه من أفكار ومن المؤكد أن النتيجة حسمت
لصالح المتدينين.
وإذا كانت
السينما الأوروبية قد أعدت أفلاما عديدة حول السيد المسيح.. لاقت رواجا غير
مسبوق. إلا أن هناك اعتراضات عديدة علي تقديم فيلم سينمائي مصري يكشف
الأكاذيب التي تروج في السينما العالمية.. ويستند السيناريو الذي أعده
"فايز غالي" إلي الإنجيل ويأمل أن يحظي بتأييد الكنيسة. للرد علي ادعاءات
"شفرة دافنشي" وغيره من الأفلام التي لا تعبر عن رؤية أصحابها بعيدا عن
صحيح الدين المسيحي.
فالمصادرة
لم تعد تجد قبولا لدي الجماهير التي تتسع مساحة رفضها للذين يحاولون فرض
الوصاية عليها. سواء كانت هذه الوصاية من سلطة مدنية.. أو دينية.
|
عرض "عمارة يعقوبيان" على لجنة بمجلس الشعب
وافقت
لجنة برلمانية مصرية على طلب إحاطة تقدم به 112 نائبا فى مجلس الشعب المصرى
تشكيل لجنة لمشاهدة فيلم "عمارة يعقوبيان" إثر الجدل الذى أثير حوله مما
أثار غضب مثقفين وسينمائيين مصريين رفضوا تدخل مجلس الشعب أو غيره من
مؤسسات الدولة لممارسة رقابة على الفن.
وأحال
رئيس البرلمان فتحى سرور طلب إحاطة تقدم به النائب المستقل ورئيس تحرير
صحيفة "الأسبوع" المستقلة مصطفى بكرى لمناقشة فيلم عمارة يعقوبيان إلى لجنة
الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشعب.
وانتقد
بكرى فى مداخلة أمام البرلمان بشكل حاد الفيلم لما يحتويه من "مشاهد فاضحة
ومناظر صارخة لظاهرة الشذوذ فى مشاه علنية بلغت ثلث مدة الفيلم".
ويشير
بكرى الى مشهد فى الفيلم يخاطب فيه النجم عادل أمام، الذى يلعب دور "زكى
الدسوقي" وهو مهندس ابن باشا وسكير ومعروف بعلاقاته النسائية، النجمة يسرا،
والتى تقوم بدور "كريستين" المطربة ذات الأصول الإيطالية التى تغنى فى أحد
المطاعم، قائلا لها أن الله سيغفر لهم 52 بالمئة من ذنوبه بسبب الأعمال
الجيدة والصالحة التى قام بها.
وطالب
بكرى فى البيان الذى قدمه ووقع عليه112 نائبا من المستقلين والحزب الوطنى
الديموقراطى الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين بتدخل الرقابة الفنية لحذف
مشاهد الشذوذ والتجديف الدينى من الفيلم الذى يبلغ طوله حوالى ثلاث ساعات.
وكانت صحف
حكومية مصرية شنت حملة ضارية على الفيلم بسبب احتوائه على مشاهد تصور قيام
ضابط شرطة مصرية بتعذيب واغتصاب ناشط جامعى إسلامى خلال تسعينيات القرن
المنصرم.
كما
انتقدت جماعة الإخوان المسلمين الفيلم الذى بلغت تكلفة انتاجه حوالى أربعة
ملايين دولار ،وهو الأعلى فى تاريخ السينما المصرية بسبب تضمنه "لخمسة عشر
مشهدا تصور صحفى شاذ" وهو ما اعتبرته رغبة من مخرج الفيلم مروان حامد وكاتب
السيناريو وحيد حامد بالسعى وراء جوائز سينمائية عالمية.
ولم يتضمن
الفيلم أى مشاهد جنسية علنية ولكنه قدم شخصية صحفى مصرى يدعى حاتم رشيد جسد
دوره الفنان خالد الصاوى وهو مثلى ويأتى من عائلة ميسورة وتربى فى كنف
والدين مهملين.
انتقادات
وكان كاتب
السيناريو وحيد حامد وبطل الفيلم الفنان عادل إمام ورئيس الرقابة على
المصنفات الفنية الناقد على أبو شادى رفضوا هذه الاتهامات واعتبروا أن
الفيلم يناقش حالة عامة من الفساد السياسى والاقتصادى والاجتماعى وأن هذه
المشاهد تأتى ضمن سياق درامى للتعبير عن هذه الحالة الفاسدة.
واعتبر
المخرج السينمائى داود عبد السيد أن البيان الموقع من قبل ربع أعضاء المجلس
يشكل حالة من الالتفاف على الفيلم الذى يتطرق إلى الفساد ليحولوا الأنظار
عن مناقشة الفساد إلى جانب أخلاقى لا مبرر له قائلا "المشاهد التى يعترضون
عليها تعبر عن حالة من الاغتصاب التى تعيشها البلاد وعن حالة من العجز".
من جهتها
استغربت الناقدة علا الشافعى أن تأتى هذه الدعوة من قبل صحفى كبير يدعو إلى
الحريات وفى الوقت نفسه يبادر هو بتجميع القوى لقمع الإبداع فى إشارة إلى
الصحفى والنائب مصطفى بكرى معتبرة أن الحرية كل لا يتجزأ.
وحقق فيلم
"عمارة يعقوبيان" الذى يشارك فى بطولته نور الشريف وسمية الخشاب وهند صبرى
وخالد الصاوى إيرادات كبيرة منذ عرضه قبل نحو أسبوعين وصلت الى حوالى ستة
ملايين جنيه.
وأخذ
الفيلم عن رواية شهيرة بالاسم نفسه للكاتب علاء الأسوانى صدرت عام 2002
وتضمنت انتقادات إجتماعية وسياسية حادة حتى أنها أشارت بصورة صريحة لفساد
الوزراء وكبار المسؤولين فى مصر.
-وكالات-
|
"عمارة يعقوبيان" : دفن الرؤوس في الرمال
تقرير:
وليد بدران
ـ
بي بي
سي العربية
الفيلم
رائع ومؤلم ، لدرجة أننى فكرت فى عنوان آخر قد يصلح للتعبيرعن أحداث الفيلم
وهو " بكائية على أطلال وطن ! " ........
عبدالكريم نبيل سليمان عامر, الإسكندرية, مصر
ارفض هذا
الفيلم كلية واى فيلم بناقش قضايا جنسيه لاتتوافق مع ديننا الاسلامى لانه
يفتح المجال للانحراف عن طريق الفضول للمعرفه ثم يتبعها الفعل من باب
التجربه ثم يتبعها الانحطاط والسقوط الى الهاويه وبذلك نصبح مجتمع فاشل
يسهل السيطره عليه ودى نتيجه مايبثه الغرب وإسرائيل من سموم ........
ممدوح القاهرة
إن
الروايات والأفلام لا تصنع من أجل الترويج للسياحة، ولكن للتعامل مع
القضايا الحقيقية في الحياة .......
الكاتب علاء الأسواني
تشهد مصر
جدلا ساخنا حول فيلم عمارة يعقوبيان المأخوذ عن رواية الكاتب المصري علاء
الأسواني والذي يقوم ببطولته عادل إمام ونور الشريف وخالد الصاوي وخالد
صالح ومحمد إمام وهند صبري ويسرا وكوكبة من النجوم.
وأحداث
الفيلم تدور حول شخصيات سكان مبنى يحمل اسم يعقوبيان في العاصمة المصرية
القاهرة، وتتشابك وتتوازى الأحداث لتعكس تطورات تاريخ مصر في السبعين عاما
الأخيرة.
ويجسد
عادل إمام شخصية زكي الدسوقي المهندس ابن الباشا خفيف الظل وهو نتاج امتزاج
مصر بالحضارة الغربية، فقد درس وعاش في فرنسا ولكنه محبط من الظروف
والأحوال التي آلت إليها البلاد، وهو يجسد روح مصر المتسامحة الليبرالية
خفيفة الظل عاشقة الجمال والأناقة.
ويجسد
خالد الصاوي شخصية الصحفي حاتم رشيد وهوأيضا نتاج امتزاج الشرق بالغرب، ليس
من الناحية الثقافية فقط وإنما لحما ودما أيضا فهو من أب مصري وأم فرنسية،
وهو مثقف ومؤمن بقضايا مجتمعه، وهو ذو ميول جنسية مثلية تجعله، رغم
إيجابيته الفكرية، مرفوضا من مجتمعه.
وانتهى
الأمر برشيد إلى أن يقتل على أيدي أحد رفاقه وذلك ربما في إشارة من المؤلف
إلى اعتقاده أن مصر لا يوجد بها مكان لحاتم وما يمثله.
"أقوى
مني بكثير"
وهناك
أيضا نور الشريف أو الحاج عزام وهو تاجر المخدرات الأخطبوط الذي يرتدي قناع
الدين ويبرر به كل شئ حتى تجارة المخدرات "فالمخدرات لم يحرمها الاسلام"
على حد زعمه، ولكن عندما تعارض الدين مع رغبته في إجهاض زوجته الجديدة
"سمية الخشاب" لم يتردد قط في أن يضرب عرض الحائط بالدين.
ويعكس
الحاج عزام نموذجا مشوها أفرزته مرحلة الانفتاح و"البتروإسلام" والتي
استطاع من خلالها ماسح أحذية سابق وتاجر مخدرات حالي أن يصبح عضوا في مجلس
الشعب بعد أن دفع الثمن (مليون جنيه) ليثير في المجلس الموقر قضايا تافهة
مثل فتيات الاعلانات.
ويرتبط
بهذه الشخصية بقوة شخصية الوزير الفاسد كمال الفولي التي يجسدها خالد صالح
الذي باع مقعد مجلس الشعب للحاج عزام، ولم يتردد في إفساد قضية مخدرات
ثابتة ضد عزام ليشاركه ثمار تجارته غير المشروعة.
ويقول
الوزير الفولي عن نفسه "إنني مجرد واجهة لمن هو أقوى مني بكثير".
ومن سكان
المبنى أيضا الفتاة الصغيرة الحسناء بثينة، هند صبري، وهي فقيرة بسيطة
تتعرض للتحرش لفقرها لدرجة أن تاجرا عربيا ينتهكها مقابل الفتات فعندما
طلبت عشرين جنيها أجابها أن عشرة تكفي.
ولكنها
عندما وجدت "الصدر الحنون" ممثلا في زكي الدسوقي "عادل إمام" رفضت خيانته
وبيعه رغم الاغراء المادي الكبير بما يعكس جوهرا ثمينا لم يلوثه الفقر
والحاجة.
وبثينة
تائهة بلا روح ولكن معدنها النفيس أبى عليها الاستمرار مع الشاب الذي أحبته
طه ابن البواب بعد سقوطه فريسة للتطرف فقد رفضت الاستجابة لأفكاره المتخلفة
والمتطرفة.
وربما
يعكس ذلك رؤية المؤلف لمصر البسيطة التي ترفض السقوط في شباك التطرف.
وأما طه
ابن البواب المتفوق الذي كان يحلم بأن يخدم وطنه في الشرطة فحال دون طموحه
الفقر وتواضع الأصل الأمر الذي دفعه دفعا إلى أحضان التطرف وقد ساهم رجال
وزارة الداخلية باعتدائهم عليه وانتهاكهم عرضه في تحوله إلى العنف.
الروح
والجسد
وفيما
يعكس اعتقاد المؤلف بأن هذا النموذج أيضا لن يكون له مكان في مصر، نرى
مشهدا رائعا يلقي فيه طه حتفه إلى جانب ضابط أمن الدولة الذي كان وراء
مأساته.
ورغم
الأجواء القاتمة التي يثيرها نجاح الحاج عزام واستمرار تحالفه مع الوزير
كمال الفولي بما يعكس واقعا يثير الكثير من التشاؤم، فقد جاءت خاتمة الفيلم
لتحمل الكثير من الأمل.
فقد عادت
روح مصر إلى جسدها في مشهد زواج زكي الدسوقي وبثينة.
واتسم
أداء الجميع بالسلاسة والبراعة وخاصة خالد الصاوي الذي أدى دور المثلي
بعبقرية وانتزع ضحكات الجمهور كثيرا وهو يحاول أن يبرر لرفيقه مجند الشرطة
ما يقدمان عليه بأن "الزنا هو الحرام لأنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب ولكن
الرجال لا يحملون والله غفور رحيم".
صورة غير نمطية
وعلى عكس
الصورة النمطية للمثلي والذي لا يظهر إلا نادرا في الأفلام المصرية بشكل
يثير الاشمئزاز والسخرية فان مساحة دور حاتم رشيد كانت كبيرة ورئيسية سواء
في الرواية أو الفيلم.
ورغم
اغراق الجمهور في الضحك في كل مشاهد الصاوي إلا أن المشهد الذي بكى فيه لدى
اكتشاف رحيل رفيقه "عبد ربه" أظهر مدى تفاعل المشاهدين معه حيث سكت الجمهور
وكأن على رؤوسهم الطير.
كذلك أداء
خالد صالح اتسم بالبساطة والتألق في التعبير عن الوزير الفاسد بلفتاته
وسكناته ولزماته.
وهند
صبري، وهي ممثلة تونسية، جسدت دور بثينة الفتاة المصرية الفقيرة الحسناء
بشكل مقنع للغاية.
واتسم
سيناريو وحيد حامد بالسلاسة والانسيابية، كما جاء التصوير بديعا في التعبير
عن المراحل التاريخية المتابينة والتحول والتلون بين الشخصيات المختلفة.
وإذا كانت
هذه هي تجربة الاخراج الأولى لمروان حامد فانها تضعه أمام مشكلة كبيرة وهي
ضرورة الحفاظ على هذا المستوى الذي أثمر فيلما من أروع ما أنتجته السينما
المصرية ومن أكثرها كلفة انتاجية.
ويرى
المعسكر الليبرالي أن التاريخ سيتجاوز أولئك الذين يصرون على دفن الرؤوس في
الرمال من منطلق "كله تمام يا أفندم".
وأما
المعسكر المحافظ الذي يخشى المساس "بالوطن أو الأخلاق" فانه يلجأ إلى سلاح
المنع في مواجهة ما يراها تجاوزات وقد انتصر هذا المعسكر في معركة فيلم
ورواية شفرة دافنشي بعد نجاحه في منع عرض الفيلم في مصر بل وتم سحب الرواية
من الأسواق.
ومن
جانبه، أعرب الكاتب الأسواني عن أسفه لهذا الجدل المثار. وقال "إنه أمر
يدعو للأسف، إذ كيف يمكن لفيلم أن يشوه بلدا عظيما كمصر".
وأضاف
قائلا "لماذا لم تشوه الأفلام التي تناولت المثلية دولا كايطاليا وفرنسا
والولايات المتحدة".
وأردف
قائلا "إن الروايات والأفلام لا تصنع من أجل الترويج للسياحة، ولكن للتعامل
مع القضايا الحقيقية في الحياة".
ومازالت
المعركة مستمرة، ولكن إذا تم قطع أجزاء من الفيلم أو حظره فان الجمهور هو
الخاسر الوحيد لحقه في الاختيار بين أن يشاهد أو لا أو يقبل أو يرفض.
|
خالد الصاوي نجم أعيد اكتشافه:
يعقوبيان يقتحم بجرأة المحرمـات والتابوهات
علا الشافعي
عمارة
يعقوبيان هي رواية عن عمارة متعددة الطوابق, ذات تاريخ عريق تقع في وسط
القاهرة ومن خلال تاريخ العمارة واختلاف سمات من سكنوا بها وشخصياتهم نجح
د. علاء الأسواني في تسطير تاريخ مصر من بعد ثورة1952 وحتي اللحظات
التي نعيشها, رصد التناقضات الحياتية الرهيبة التي أصبحت تحكم سلوكنا,
والتحولات غير المنطقية التي أصبحنا نعيش في ظلها خانعين, وبناء علي هذه
الرواية التي تقدم صورة بانورامية للمجتمع المصري, وترسم بورتريه محدد
الملامح يغوص في العمق علي الرغم من سوداويته.
جاء
الفيلم السينمائي متسقا تماما مع النص الأدبي محاكيا لروح النص دون زيادة
أو نقصان ونجح صناع العمل في تقديم تجربة سينمائية مختلفة يستحقون عنها
التحية الإنتاج السخي, عبر مروان حامد وإدارته لهذا الكم من الممثلين,
ونجوم العمل, والفنيين وذلك بغض النظر عن أن الفيلم لا يضعك في حالة
وجدانية أو فكرية بل هو فيلم ممتلئ بالشخصيات الثرية تعشق بعضها بعضا
وتتعامل مع الأخري بحيادية, وتتأمل الأخري بحثا عمن يحاكيها, وإذا كانت
الرقابة تعاملت بأفق واسع مع يعقوبيان وما ورد فيه من جرأة في الحوار,
وحديث في التابوهات مما جعل الجمهور ينقسم حول الفيلم ما بين مؤيد لجرأته
ومعارضا لهذه الجرأة بحجة الحياء والعيب, يعقوبيان من خلال شخصياته
الثرية دراميا( زكي باشا الدسوقي, وبثينة) نكأ الجراح وتحدث في كل
المحرمات التي نعرف بوجودها, لكننا نتجاهلها دوما, لذلك فأكثر الشخصيات
التي تستحق التحية والاحتفاء بها في هذا العمل, هي الشخصيات التي أخذت
عبء المجازفة وتحديدا خالد الصاوي ـ في دور حاتم رشيد الصحفي المرموق
والمثلي الجنسية, وباسم السمرة في دور عبد ربه عسكري الأمن المجند والذي
يدخل في علاقة آثمة مع حاتم, هذان النجمان قبلا تحديا حقيقيا لشخصيتين
تثيران الجدل, ورفض الكثير من النجوم تأديتهما بحجة أن هذا النمط من
الشخصيات يؤثر سلبا علي شعبية الفنان الذي يقدمها.
السينما.. تدفن رأسها
طوال
تاريخها كانت السينما المصرية والعربية تصر علي تجاهل شخصية (المثلي
الجنسية ـ أو الشاذ جنسيا), وذلك طبقا للدراسة التي أجراها جاري ينكوتش
حيث رصد الطريقة التي كانت تتعامل بها السينما المصرية مع هذه النماذج حتي
قبل ثورة1952, حيث كان يتم الالتفاف حول هذا النموذج من خلال تقديم شخصية
الرجل المائع, الذي عادة ما يكون لصيقا بالراقصة, أو يعمل في أحد بيوت
الدعارة فهو عادة شخص مشكوك في أمره ورجل غير مكتمل الرجولة, إلا أن هذه
الشخصيات وكما قدمتها السينما المصرية عادة ما يملكون الحكمة والسخرية من
الحياة وخفة الدم وأيضا هم شديدو النفعية, ومن النماذج شخصية كرشة في
رواية زقاق المدق للكاتب نجيب محفوظ والتي قدمها محفوظ بشكل واضح, رجل
يقوم باصطياد الرجال أي مثلي الجنسية وكل الحارة تعرف ذلك, ويسألونه أن
يرجع عن هذا الطريق وهو يرد عليهم معلقا:إن ربنا منذ أن خلق الدنيا وفيه
بني آدمين وناس كده, عندما قدمت زقاق المدق إلي السينما خشي كاتب
السيناريو والمخرج من ردود الأفعال لذلك تم تحويل شخصية كرشة إلي رجل مايع
وخرع, إذن فجرأة الأدب خذلتها السينما.
وفي
عام1983 قدم الفنان فاروق فلوكس شخصية سكسكة في فيلم درب الهوي ونجحت
الشخصية وعلقت مع الجمهور إلي درجة أن كل رجل أصبح يشتبه في ميوله الجنسية
يتم إطلاق اسم سكسكة عليه, وبالطبع فإن مثل هذا الخوف من ردود الأفعال من
الجمهور والعامة تجاه الشخصيات المنحرفة جعل مخرجي السينما يواجهون مشكلة
في كيفية رسم هذه الشخصيات التي يعد تناولها تابوها يفوق الحديث في الجنس
والسياسة والدين.
وجاءت
صدمة الجمهور مع فيلم حمام الملاطيلي1973 والذي دارت أحداثه في حمام شعبي
يتردد عليه مثليو الجنسية ومن ضمنهم شخصية الرسام التي جسدها يوسف شعبان
الذي يقوم بالتقاط الشباب من هناك, جرأة صلاح أبو سيف تجسدت هنا في مشهد
مهم عندما حصل يوسف علي الشاب الذي رغب فيه وجسد دوره محمد العربي, ريفي
قادم للعمل في القاهرة, ويأخذه لمنزله ويبدأ في إعطائه الخمر حتي يتوه من
السكر, ومن خلال حوار شديد الجرأة ورقصة علي أنغام أغنية لجيمس براونLikeSexMachine,
وهو المشهد الذي اعتبره جاري في دراسته أقرب مشهد إليErotic
في السينما المصرية والعربية, وها هو الرسام يحكي ويبرر للشاب كيف أن
علاقته المريضة بأمه والمعقدة حولته إلي عاشق للرجال, ثم يدلل بكلام
للجبرتي يؤكد علي أن الحرية الجنسية بكل أشكالها كانت متاحة في( ق18),
ويضيف مع الأسف أصبحنا ننظر للمسألة الآن بشكل ضيق, وتقاطع مع هذا المشهد
مشهد آخر ليوسف وهو يسير في ميدان الأوبرا مرتديا قميصا مشجرا وباروكة شعر
طويلة كانت شخصية يوسف شعبان من أجرأ الشخصيات التي قدمتها السينما
المصرية, وقتها لم يتقبل الجمهور تلك الشخصية, وهوجم يوسف شعبان بقسوة
وأثر تجسيده لشخصية الرسام المثلي الجنسية علي شعبيته, هذا الهجوم جعل
السينمائيين يخشون أكثر من الاقتراب إلا في حدود مثلما حدث في عام1977 في
فيلم قطة علي صفيح ساخن, لنور الشريف وبوسي وإخراج سمير سيف وانتهي
الفيلم بانتحار صديق البطل صاحب الميول الجنسية المنحرفة, وهذا حل يرضي
الجمهور بالطبع, فالشخصية المنحرفة يجب أن تتعرض لعقاب!!
إلا أن
صورة مثلي الجنسية في أفلام يوسف شاهين بدءا من الناس والنيل, وإسكندرية
ليه, وحدوتة مصرية, وإسكندرية كمان وكمان, جاءت كشخصيات إيجابية دون
الاهتمام بتحليل لماذا تحولت الشخصية إلي هذا الطريق, وكذلك في فيلمي
سرقات صيفية, ومرسيدس ليسري نصر الله, وأيضا فيلم شحاذون ونبلاء لأسماء
البكري, والتي قدمت شخصية ضابط منحرف جنسيا, دون الغوص في داخلها وعليك
أن تقبل الشخصية كما هي إلي أن جاء فيلم ديل السمكة لوحيد حامد وقدم شخصية
المثلي الجنسية والتي جسدها الفنان رؤوف مصطفي بتعاطف شديد وشرح لمنطق
الشخصية.
مأزق..
خالد
تلك هي
الخلفية التي انطلق منها خالد الصاوي عندما قبل أن يقدم شخصية حاتم رشيد(
سينما مرعوبة من التابوهات), وجمهور يملك نظرة أخلاقية وثقافة محددة تجاه
هذا اللون وحاتم هو ثمرة زواج بين الأب المصري أستاذ القانون الدولي الشهير
حسن رشيد, عميد كلية الحقوق في الخمسينيات والذي درس في فرنسا وتزوج من
سيدة كانت تعمل في بار, الأب منهمك في عمله تماما, والأم تحتقر الأب
المصري, والابن لا يجد ملاذه سوي مع الخدم يحصل منهم علي الحنان
والمعلومات إلي أن ينتهي به الأمر لعلاقة جنسية مع أحد الخدم, البعض رأي
أن شخصية حاتم تعبر عن فشل مشروع التحديث علي الطريقة الغربية لأن النتيجة
كانت شخصا منحرفا جنسيا!
لكن خالد
اختار أن يجازف بتقديمه للشخصية, فهو تعامل مع نفسه علي أنه ممثل خالص
الموهبة عليه أن يقدم جميع الأدوار بجميع تنويعاتها وتركيبتها النفسية,
وإذا كان قد قدم شخصية المثلي الجنسية علي المسرح من قبل وبرع فيها في
مسرحية طقوس الإشارات والتحولات لسعد الله ونوس إلا أن المسرح مهما كان
الأمر جمهوره محدود ومن النخبة.
أما
الفيلم السينمائي فيشاهده الملايين, من هنا تكمن المجازفة وذلك ليس بغريب
علي فنان مثل خالد الصاوي الذي أخذ قرارا بينه وبين نفسه بالعمل علي هذه
الشخصية, وجميع تفاصيله وفي ظني أنه شاهد الكثير من الأفلام المصرية
والأمريكية التي قدمت هذا النموذج, وقد أهلته موهبته في التمثيل والإخراج
والتأليف لخلق تفاصيل كثيرة للشخصية بدءا من المشية, اللفتة, حركة
الأصابع, كيفية فتح زجاجة النبيذ, وبقدرة عازف عود يملك مهارة وحرفية
العزف ـ ملحوظة( خالد عازف عود وشاعر أيضا) ـ تمكن من ضبط إيقاع
الشخصية شديدة التعقيد فهي لرجل يعيش عالمين مختلفين تماما فهو من داخله
مسجون داخل مشاعر امرأة حيث يقوم باصطياد الشباب ويتردد علي بارات مشبوهة
في وسط البلد, أما عالمه المعلن فهو صحفي مشهور ومرموق تتابعه الأضواء
ويترأس تحرير مجلة فرنسية تصدر من القاهرة.
إذا كان
الصاوي قد خرج من عباءة تجربة مختلفة حيث شكلا هو ومجموعة من أصدقائه
فرقتهم المسرحية الحركة والتي قدمت أعمالا متميزة مثل:الميلاد,
وأنطونيو وكيلوبطة, وفيلم روائي قصير الحب مسرحية من ثلاثة فصول, تلك
التجربة جعلته فنانا يمتلك منطقا مختلفا عن السائد ويتعامل مع كل الشخصيات
حتي المنحرفة منها بإنسانية وهو بهذا الدور دخل مساحة خاصة جدا كانت
السينما المصرية بأكملها تخشي الحديث عنها, وانعكس اختلافه وثقافته في
تعامله مع الشخصية وردود أفعالها المشهد الذي سأله فيه رئيس قسم التحقيقات
في جريدته أن يقدم تحقيقا عن الشواذ جنسيا في مصر, كيف تعالي علي المسألة
بحركة عين ثابتة, ويد مرتبكة وحول دفة الحديث,( فهذا هو حاتم الصحفي)
أما مشهد اصطياده لعبد ربه من الشارع, وأخذه للبار ومحاولته التحرش به,
كيف تحكم في انفعالاته واستطاع بحنكة صائد محترف أن يأخذ عبد ربه معه إلي
المنزل, والأهم كيف قبل أن يؤدي مشهد استسلام عبد ربه له وذهابه إلي
السرير وهو وراءه خالد وباسم سمرة معا, كل منهما أدي إلي ارتفاع أداء
الآخر وانعكس إخلاصهما للشخصية علي فنيات الأداء.
خالد
الصاوي ممثل بارع يمتلك خصوصية في الأداء ويذكرك في هذا الفيلم بأداء توم
هانكس المتميز لشخصية الشاذ جنسيا في فيلم فيلادليفا مع اختلاف تفاصيل
الشخصيات, حيث ظهرت قدرته كممثل يجعلك تفهم الشخصية بعيدا عن أن تلتمس
لها دافعا, واستطاع بقوة أن يكون حاتم رشيد وكيف يفكر مثلي الجنسية,
ولذلك أجمع كل من شاهد يعقوبيان علي تألق خالد الصاوي وباسم السمرة وقد
يكون الفارق الزمني والتطورات وانفتاح العالم هو ما جعل الجمهور يتعاطي مع
الشخصية بشكل مختلف علي عكس ما حدث مع يوسف شعبان حيث تحول الحديث عن
عبقرية الأداء بعيدا عن انحراف الشخصية أو رؤيتها بمنظور أخلاقي*
|
باسم
السمرة يري أن عبد ربه نموذج للظلم الأجتماعي:
ليس عيبا أن أقدم شخصية الشاذ جنسيا
أجري
الحديث- سامي كمال الدين
باسم
السمرة فنان يملك ملامح خاصة تؤهله لأداء الشخصيات الصعبة لذلك كان من
الطبيعي أن يحصل علي جائزة أحسن ممثل في مهرجان قرطاج عام2000 وجائزة
أحسن ممثل في جوهانسبرج عام2001 وجائزة أحسن ممثل في طنجة عام2005
ويستحق أكثر من هذا لأنه يضفي علي الشخصيات التي يقدمها أبعادا غير متواجدة
بالأساس, وليس أدل علي ذلك من أجري الحديث ـ سامي كمال الدين
عبقريته في فيلم المدينة وباب الشمس ليسري نصر الله وغيره من الأفلام التي
تبشر بولادة نجم يقدم مجتمعه بشكل حقيقي.. ويطرح رؤيته للشخصية مثلما حدث
في دور عبدربه في فيلم عمارة يعقوبيان.
** كيف
تم ترشيحك لدور عبدربه في عمارة يعقوبيان؟
من
الأشياء الغريبة أنني قرأت الرواية التي أبدعها علاء الأسواني منذ فترة,
ووجدت متعة لا حدود لها في قراءتها, لكني لم أتوقع تحويلها لعمل
سينمائي, مع أني كلما قرأت رواية تخيلت نفسي فيها, والتقيت مروان حامد
مصادفة فقال لي إنه سوف يقدم رواية عمارة يعقوبيان في فيلم سينمائي, وأنه
يريدني في دور عبدربه, ففوجئت وكنت متخيلا أنه سيقدمها في فيلم قصير لأنه
كان عمل لي لي فقلت له: كيف ستقدمها في وقت قصير, الرواية متعددة
الأحداث والشخصيات.
لكن مروان
قال لي: سأقدمها في فيلم مدته ثلاث ساعات. ووافقت وسعدت وبدأت
التدريبات علي الشخصية بعد ذلك.
** ألم
تتراجع في قبول مثل هذا الدور خاصة أن دور حاتم رشيد الذي لعبه خالد الصاوي
رفضه كثيرون؟
تضايقت
كثيرا من أن يرفض هذا الدور من قبل فنانين عديدين, ودهشت من رد الفعل,
وتساءلت ألا يستوعب من عرض عليهم الدور خلفيات هذا الدور, لأن كلما كان
الدور مختلفا ولم يقدم من قبل, فهذا يعني شيئا جيدا للممثل وإضافة مختلفة
لأعماله السابقة, ثم ليس بالضرورة حين يقدم الفنان دورا شاذا أن يقال إنه
شاذ, فآل باتشينو حين لعب دور شيطان لم يقل الناس إنه شيطان.. الفنانات
اللواتي يقدمن دور فتيات ليل, هذا لا يعني الإساءة لهن ولكن كلما قدمن
دورا مختلفا كان هذا أكثر نجاحا وتواجدا.
** ألم
يقلقك التعاون مع مخرج شاب في أول فيلم طويل له؟
علي العكس
التعامل مع مخرج شاب مثل مروان أضاف لي كثيرا.. فإن مساحة التفاهم بيننا
كانت كبيرة ويهتم بشغله كثيرا وكان جادا ويحرص علي إتمام عمله بشكل جيد.
** ألم
تقف اللهجة الصعيدية عائقا بينك وبين الدور وبالتالي انعكست علي أدائك؟
علي العكس
اللهجة الصعيدية لم تكن عاملا معوقا لي, وقد قال لي مروان: أريد منك أن
تقدم لي تصورا عن شخصية عبدربه.. عن قريته وكيف نشأ ومن أهله, نعم أن
هذا لم يكن مكتوبا في الدور.. ولكن مروان كان يحرص علي أن أكون علي دراية
تامة بالشخصية, وقدمت بالفعل تصوري عن الشخصية.
** ألا
تري أن الدور الذي قدمته وهو دور مثلي يؤثر علي صورتك عند جمهورك؟
علي العكس
قدمت نموذجا من المجتمع الذي أعيش فيه, ثم إنني لا أنظر لمسألة الشذوذ
فقط في عبدربه, ولكني أنظر إلي عسكري أمن مركزي لديه حرمان وأمي ولا يأخذ
حقه في المجتمع, ولا يستعمله حاتم رشيد فقط ولكن المجتمع كله يستعمله
بأشكال أخري, مثله تماما مثل الرجل الفقير الذي يسافر إلي دولة عربية
ليرجع بالثلاجة أو الغسالة أو ليشتري بيتا يعيش فيه. لقد تعاملت معه
كشخصية مطحونة وليس كشاذ فقط.. عبد ربه هذا الفقير الذي يقف في الشارع
ثلاث سنوات مدة خدمته العسكرية, وهو لا يعرف لماذا يقف, وما الذي يفعله
هنا؟
ومثلا
هناك نموذج عبدربه في الفواعلية الذي يقفون في الشوارع بحثا عن لقمة العيش
كل صباح, وعلي وجوههم تري عذاب الدنيا كلها, والفيلم كله يرصد حالة
مجتمع فيه الفاسد وفيه المفسدون فيه النظيف والسيء..وجميعنا نتذكر الشاب
الذي انتحر وكان مرشحا للعمل في الخارجية وقالوا له: أنت غيرلائق
اجتماعيا.
** تقصد
عبدالحميد شتا؟
نعم
وعديدون مثله في هذا المجتمع تنتهي أحلامهم في نهر النيل أوتحت أتوبيس أيضا
دور هند صبري في الفيلم هناك الآلاف مثلها الذين يعملون لأجل إعداد جهازها
للزواج, وتتعرض للذي تعرضت له هند في الفيلم.
** أنت
تصر علي أن عبدربه إفراز مجتمع وأنه مظلوم فيما مارسه من شذوذ؟
هو ليس
شاذا.. هو رجل متزوج ولديه طفل والظروف الطاحنة التي تعرض عليه وضغوط
حاتم رشيد عليه وضغوط المجتمع عليه جعلته يوافق علي الذهاب إلي بيت حاتم
رشيد ولمارسة الجنس معه.
عبدربه
شخصية من لحم ودم, تركه المجتمع وحاول دون تحقيق أحلامه.. لفظه المجتمع
اجتماعيا وماديا.. بل إنسانيا.
** كان
أداؤك رائعا في الفيلم ألم تر شخصية حقيقية أوتعرضت لموقف مشابه لعبدربه؟
كل
الشخصيات لها مردود في المجتمع السيء والإيجابي مثلا كنت أمشي في الشارع
أتابع عساكر الأمن المركزي وأتعامل معهم وأجري حديثا معهم لكي أعرف شخصيتهم
وطريقة تفكيرهم, فالشخصية كانت تشغلني جدا لذلك عملت علي تفاصيلها كثيرا
لأنه كان يجب أن أحقق تواجدي وسط هؤلاء النجوم*
|
عمارة يعقوبيان خدش الرياء ولم يخدش الحياء...
وفضح العطن
ولم يفضح الوطن!
د خالد
منتصر
إستفز
النواب الدعارة الجنسية وشذوذ السينما وتغافلوا عن الدعارة السياسية
والشذوذ مع الوطن!
• من كان
منكم ينكر وجود الشذوذ فليرجم خالد الصاوى بحجر!
كان
الفنان خالد الصاوى على حق عندما قال فى نهاية لقائه فى برنامج العاشرة
مساء رداً على إستجوابات مجلس الشعب ضد عمارة يعقوبيان إن عامة الناس قد
تعاملت مع الفيلم برحابة صدر أكبر من النخبة أو من نسميهم الصفوة، وكان
السيناريست الكبير وحيد حامد صاحب رؤية ثاقبة وحس سياسى وفنى عبقرى حين كتب
مشهد عضو مجلس الشعب محمد عزام والذى أدى دوره الفنان نور الشريف وهو يقدم
إستجوابه عن الرقص والفيديو كليب والستات السافرات وينسى فساده وفساد
بطانته وفساد المؤسسة التى يقدم إليها الرشوة وتجارته فى المخدرات وصعوده
الغامض من ماسح أحذية إلى مالك لنصف محلات سليمان باشا!، وتحققت نبوءة وحيد
حامد وإنتفض بعض أعضاء البرلمان نفس إنتفاضة الحاج عزام وثاروا من أجل
الفضيلة المزعومة التى أهدرت دماؤها على مذبح الفيلم، أمسكوا بالسفاسف
والقذى وتركوا الخشب الذى يخرق العيون، هاجوا وماجوا على خيال الدعارة
الجنسية وطنشوا على واقع الدعارة السياسية، إستفز مشاعرهم تمثيل الشذوذ
الجنسى ولم يحرك فيهم شعرة واحدة حقيقة شذوذ يمارس مع شعب ووطن وأطفال
شوارع وملايين ممن ينامون فى المقابر ويرقدون متلاصقين بالعشرات على بلاط
حجرة متر فى متر، صدق المثل الشعبى القائل ياوالدى علمنى الهيافه فقال له:
تعالى فى الهايفه وإتصدر!.
فيلم
عمارة يعقوبيان أعاد للسينما المصرية قوتها ونضارتها وأزال تجاعيد السطحية
والترهل والضحالة من على بشرتها السمراء التى لفحتها نار الخصخصة والبيزنس،
وأول أسباب نجاحه هو إعتماده على نص روائى للكاتب الجميل اللماح علاء
الأسوانى، نص قوى وجميل ومتماسك وملئ بالتفاصيل الكاشفة لمجتمع يحتضر
وينتحر، مما أعاد فضيلة الإعتماد على نصوص روائية قوية تمتلك رؤية وفلسفة
ونبوءة وهى فضيلة كانت قد غابت عن صناع السينما المصرية منذ إنقلاب
إسماعيلية رايح جاى، الفيلم جدارية صريحة وصادمة لزمن وغد، كل شئ فيه قابل
للبيع والفصال بداية من الشرف وإنتهاء بالدين، ومروراً بالقيم والمبادئ
والإنتماء والوطنية والحب والجنس، ورابطة الدم بين الأخ وأخته التى طردته
من الشقة، وعلاقة الأمومة بين الأم وإبنتها التى كان شعارها كل واحد حر فى
هدومه!.
زكى
الدسوقى أطلال بنى آدم، يعيش بجسده فى هذا القرن أما روحه فتسكن بدايات
القرن الماضى حيث زمن الباشوات والوزارة المفقودة وشوارع وسط البلد
المغسولة وعماراتها التى ترفض الصعاليك والدهماء، جسده عادل إمام بعبقرية
وإحساس عالى وفهم سياسى عميق، أكثر من ثلاث أرباع الماستر سين فى الفيلم هى
لعادل إمام ولاأعرف هل هى مقصودة أم لا؟، ويكفى مشهد حواره مع السماء حيث
يطلب أوكازيون المغفرة عبر غلالة من الدموع وهو يرفض معادلات التوبة
الجاهزة ومزادات الشكليات والطقوس التى يحاول البعض اللجوء إليها كمعنى
وحيد للدين، ومشهد رقصته مع هند صبرى على أغنية بياف الفرنسية، ومشهد
السيلويت وظلال الحميمية بين الجسد الكهل الذى أرهقته السنون والجسد الشاب
الفائر الذى داس على بكارته الزمن ومجتمع السمسرة، ومشهد السكير فى الشارع
وهو يستند على كتف بثينة ويصرخ مندهشاً :هل هذه هى مصر بالفعل؟، علاقته مع
كريستين هى العلاقة الوحيدة التى أثقلت كاهل الفيلم، بل أستطيع أن أقول أن
دور يسرا كاملاً كان عبئاً على الفيلم ومجاملة لامكان لها فى الفن.
بثينة
فتاة السطوح هند صبرى غول التمثيل وإعصاره القادم من سهول تونس الخضراء،
والتى من فرط تلقائيتها وبساطتها تخدعك وتتجاوز كل حصونك الدفاعية وإحتشادك
لكشف المشخصاتية وخطوطك الحمراء وأسوارك الشارونية الفاصلة، وتتسلل إلى
داخل قلبك ووجدانك بلاإستئذان، بنت فقيرة كان لديها معنى مستقر للشرف، كانت
تظنه مطلقاً غير قابل للمساومة أو التفسيرات الملتوية، ولكن الأم ومن بعدها
صديقتها فى محل الملابس ومن قبلهما الأفواه المفتوحة لكتيبة الأشقاء الجوعى،
كل هؤلاء ومعهم المجتمع المزدوج النظرة أجبرها على تبنى المفهوم الأولسايز
للشرف، باعت المتعة العابرة لصاحب المحل بعشرة جنيهات، وتركت خطيبها شريك
الفقر إبن البواب لأن الحب لايولد بين أنياب الفقر، وعملت سكرتيرة لزكى
الدسوقى برغم علمها أنه زير نساء، ورفضت إرتداء النقاب وتغطية جسدها فى
مجتمع يستبيح أكل اللحم سواء كان مكشوفاً أو محجوباً، فى النهاية كان لها
مفهومها الخاص للستر فتزوجت ممن وعدها بالسفر إلى باريس بلد النور هرباً من
النار.
الحاج
محمد عزام الذى أداه الفنان الجميل نور الشريف، أيقونة ورمز هذا الزمان،
تركيبة سحرية لباشا هذا العصر الجديد، صعود سريع من بروليتاريا رثة إلى
رأسمالى بلطجى، يمسك بالسبحة ولايترك فرضاً وكل عباراته تبدأ بقال الله
وقال الرسول، وتؤكد على أنه لايخالف شريعة الرب، يتاجر فى المخدرات ويدخل
مجلس الشعب، ويصعد بمساعدة مايسترو الحزب كمال الفولى (خالد صالح ) هذا
الممثل الذى يصبغ الدور ببصمته الخاصة بحيث يكون ماركة مسجلة بإسمه،
لايتورع فى أن يشترى الأرملة سعاد ويحرمها من إبنه لقاء إطفاء سعاره الجنسى،
ثم يجهضها حين تتجاوز حدود مملكته لتصنع عائلة وسكناً، وعندما يخرج عن النص
الشيطانى الذى وضعه كمال الفولى وزبانيته من رموز النظام يتم قرص الأذن
بعنف حتى يعرف مكانته، فهذا هو عصر دس الملفات وإظهارها وقت اللزوم، وكل
واحد من المؤكد أن له نقطة ضعف وعينه مكسورة.
حاتم رشيد
أو خالد الصاوى أهم ممثل فى الفيلم والمفاجأة الحقيقية فى هذا الشريط
السينمائى الجميل، ومصدر الجدل الذى إتهمه عضو مجلس الشعب بأنه أساء إلى
الذات الإلهية حين تحدث مع عشيقه عن أن الزنا هو المحرم، هذا العضو للأسف
وغيره من النخبة السياسية تحتاج إلى دروس فى بديهيات تلقى الفن، ومعرفة أن
الشخصية الفنية فى الفيلم لاتلقى بمنشورات أو تتقمص ماتريده سيادتك بالضبط
على مقاسك أو مازورتك الأخلاقية، فللأسف تلقى جمهور الصالة البسيط الذى حضر
الفيلم هذه الجملة بالضحك والسخرية، وتعاطف أكثر مع مشكلته عندما فهم
أساسها النفسى، وأدرك أن الشذوذ من الممكن أن تكون جذوره نفسية أو هورمونية
أو سلوكية... الخ، لم يصب هذا الجمهور بالأرتيكاريا مثله، لأن العشيق جندى
المن المركزى عبد ربه كان يقول جملة أخرى رداً عليه من منطقه الخاص وهو أن
عرش السموات والأرض يهتز لمثل هذه الفعلة وأن الله سيعاقبه، فلماذا إجتزأ
عضو مجلس الشعب الموقر هذه الجملة وتغافل عن الأخرى؟، إنه التربص والنظرة
الأحادية، وفهم الفن على أنه نظرية من نظريات صدام حسين الذى لم يهتز البعض
لشذوذه مع شعب العراق وإهتزوا لشذوذ شخصية سينمائية خيالية، إن شخصية رئيس
التحرير الشاذ جنسياً هى نقلة على مستوى التمثيل والأداء، فخالد الصاوى
نحتها ببراعة، فلم يكن هو عبد السلام محمد فى سكة السلامه، أو فاروق فلوكس
فى أفلام ناديه الجندى، إبتعد عن النمطية وحاول أن يقتنص الشخصية من الداخل
فهو رجل شاطر جداً وحاسم جداً فى عمله الصحفى بل يقترب من الديكتاتورية،
ولكنه فى حياته الخاصة ضحية ظروف معقدة خلقت منه هذا الشاذ، الفيلم أى فيلم
ليس المطلوب منه الوعظ بل المطلوب هو الرصد الحقيقى والصادق، ومن ينكر وجود
الشذوذ فليرجم خالد الصاوى بحجر!.
عبد ربه
جندى الأمن المركزى الفقير الذى سقف أمانيه أن يأكل ويربى إبنه، يرضى أن
يمارس الشذوذ لقاء إحساس بالأمان يفتقده خارج هذا البيت المنمق كصاحبه،
الممثل باسم السمرة فى هذا الدور ذكرنى ببدايته مع يسرى نصر الله فى فيلمه
التسجيلى عن الحجاب، كان تلقائياً معبراً وكأنه جندى أمن مركزى حقيقى طالع
حالاً من المعسكر، إعتراضى الوحيد على أن قتل حاتم رشيد الموجود فى الرواية
الأصلية بيد العسكرى هو أصدق وأشد تأثيراً من القتل العابر فى الفيلم بيد
شاب آخر، فالخط الدرامى كان متصاعداً ووصل الكريشندو بموت إبن عبد ربه الذى
فسره الجندى الغلبان على أنه إنتقام من الله، فكان رد الفعل الطبيعى هو أن
يقتل حاتم رشيد، وأنا مستغرب أن يظل عضو مجلس الشعب غاضباً بعد أن قتل
السيناريو حاتم رشيد، وأسأله سؤالاً بريئاً :يعملوا إيه فى حاتم رشيد علشان
يرضوا سيادتك؟؟؟.
كما برع
مروان إبن وحيد حامد فى الإخراج بشكل يدعو لتفاؤلنا بشبابنا الذى نتهمه
دائماً بالسطحية لنكتشف أنه أصدق منا جميعاً وأننا نحن الذين قتلناه ونقتله
كل يوم، ورجاء خاص لكل من يدخل الفيلم أن يراجع مشهد المظاهرة الرائع
والعبقرى فى كل مفرداته السينمائية بمظاهرات أفلام الستينات والسبعينات
وحتى التسعينات، المظاهرات النمطية المستسهلة التى تؤدى مجرد تأدية واجب،
كما برع مروان فقد أجاد محمد عادل إمام فى دور الإرهابى المتطرف طه الشاذلى،
والذى أكد على أن التطرف ليس جيناً وراثياً ولكنه إفراز إجتماعى إنعكاساً
لظرف سياسى وإجتماعى، فالطبقة التى تمد أحذيتها فى وجه الجميع وتستعبدهم
وتخرج لسانها لهم، إحتكرت حق الحياة وصنعت الجيتو الخاص بها الرافض لأى
تسلل من الرعاع، حاول طه الشاذلى التسلل من باب الخدم الخلفى، وبالغ فى
التسلل والطموح وحاول أن يدخل مع علية القوم كلية الشرطة، فتم سحله
إجتماعياً وعرف أن الباب مغلق، وبعد أن طرد من جنة الأرض لم يعد أمامه إلا
جنة السماء ليهاجر إليها، وبعد أن إنتهك عرضه إجتماعياً، إنتهك عرضه
جنسياً، فكان إنتقامه دموياً بحجم الإنتهاك والجرم، ولكن لى ملاحظة على
أداء محمد إمام بأنه يحتاج إلى بعض تدريبات الصوت ومخارج الألفاظ وتنويع
التون الصوتى ففى بعض الأوقات كنت أحس أنه كما يقولون "مونوتونس" أى بإيقاع
واحد رتيب صوتياً.
ملاحظة
نهائية على الفيلم هو أن نجاحه الفنى كان من الممكن أن يتضاعف لو خرج من
أسر تقسيمه إلى بلوكات شخصيات منفصلة ليست بينها علاقات عضوية أو تفاعل
حميم، وأعتقد أنه لو تحول إلى مسلسل ستكون الفرصة أمام هذا التفاعل أكبر،
فالشخصيات لم تتقابل اللهم إلا المقابلة العابرة بين عادل إمام وخالد
الصاوى على السلم، أما غير ذلك فهم يسمعون عن بعضهم دون إختلاط، فالتوازى
كان أفضل منه التقاطع، فالأبطال ليسوا قضبان سكة حديد لايمكن أن تتقابل
ولكنها شرايين فنية من الممكن أن تتقابل وتتفرع وتتلاحم وتتشابك فتنتج
حيوية وعمق أكثر، فى النهاية هذا عمل فنى بديع يستفز الفكر والوجدان وهذه
هى غاية الفن، والفيلم لم يخدش الحياء بل خدش الرياء والزيف، ولم يفضح
الوطن بل فضح العطن والعفن والسوس الذى نخر فى مجتمعنا حتى النخاع.
• سمير
سرحان.. فراشة إحترقت بنار السلطة!
د. سمير
سرحان مثقف حقيقى، قام بدور فى منتهى الأهمية فى الثقافة المصرية خلال
الربع قرن الأخير، ولكن خطأه القاتل أنه إقترب من السلطة أكثر من اللازم
ولم يستوعب أن هناك مسافة لابد له ألا يتخطاها وإلا إحترق كالفراشة التى
تقترب من الضوء، ولذلك كانت آخرة خدمة الغز علقة، فقد كان يحضر فى السنتين
الآخيرتين مناقشات مشروع القراءة للجميع وتؤخذ آراؤه بإستخفاف من البعض،
وتهمل مقترحاته، وهو فى البداية والنهاية مشروعه الذى ولد عملاقاً فى
البداية ولكنه قتل بمجاملاته لبعض رؤساء التحرير، وكان غرضه التنوير
ومكافحة الفكر المتطرف قبل أن يصبح تجميعاً بلارابط فكرى محدد، إنه جزاء
سنمار الذى يناله كل من إقترب قوى قوى، بالطبع لابد أن تخدم بلدك وفى مصر
لابد أن تكون الخدمة من خلال إحتكاك بالسلطة، ولكن لتأخذ حذرك بأن يكون
إقتراباً بس مش قوى، وكنت قد هاجمت المرحوم سمير سرحان حين صودر ديوان أحمد
الشهاوى من مكتبة الأسرة ولمحت إلى أنه يخاف على الكرسى، وحدثنى يومها د.
سمير وكان ودوداً، وإندهشت من أنه حارب الجميع لكى يصدر الديوان ثانية،
وكانت هذه آخر مرة يتصدى مسئول مصرى لمنع مصادرة كتاب هاجمه مجلس الشعب
بحدة، وكنت أمتلك الشجاعة بأن أعترف بأننى أخطأت وتسرعت وإعتذرت له فى صوت
الأمة، ولاأنسى له ندوات معرض الكتاب الشجاعة التى أدارها وكان من أهمها
ندوة فرج فودة التى ظل يؤنب نفسه كثيراً على أنها كانت السبب فى إغتياله،
إن حالة سمير سرحان تستدعى فتح ملف علاقة المثقف الشائكة بالسلطة فى مصر،
وهل لابد من الإبتعاد عن النحل لاعايزين عسله ولا لدغاته؟!.
khmontasser2001@yahoo.com
|
حوار مع
الكاتب د. علاء الاسواني
الأسواني: الشذوذ الجنسي حجة لايقاف الفيلم
سلوى
اللوباني من القاهرة:
رواية
"عمارة يعقوبيان" تعتبر وثيقة هامة وصادمة على تحولات المجتمع المصري في
الخمسين سنة الاخيرة، كما اعتبرت من أهم الاعمال الروائية المعاصرة ووضعت
كاتبها د. علاء الاسواني في الصف الاول من كتاب اليوم، فهي من أكثر
الروايات انتشاراً ومبيعاً منذ صدورها في طبعتها الاولى عن دار ميريت عام
2002، أثارت جدلاً نقدياً واسعاً وضجة إعلامية كبيرة.. وازداد الجدل عند
ظهور الفيلم المقتبس عنها لتثير تعليقات وإنتقادات جديدة حتى داخل البرلمان
المصري، استمر الاسواني بكتابتها 3 سنوات وترجمت الرواية الى الانجليزية
والفرنسية والايطالية وتحقق مبيعات مرتفعة جداً، وهي الرواية الثالثة
للاسواني فقد أصدر مجموعتين قصصيتين وهما "الذي اقترب ورأى" و"جمعية منتظري
الزعيم"، تحدث د. علاء ل إيلاف عن روايته عمارة يعقوبيان وروايته الجديدة
"شيكاغو".. وعن الجدل القائم حول الفيلم.. والسبب في عدم دعوته لحضور العرض
الخاص للفيلم...كما دار الحديث حول تأثر مصر بالفكر الوهابي ونتائجه على
الفن والأدب...
·
لماذا لم تتم دعوتك لحضور العرض الخاص لفيلم
عمارة يعقوبيان في مصر؟
- الموقف
غامض.. وقلت لا اعتقد أن يكون سهواً فأنا مؤلف الرواية، ولا عمداً لأن
علاقاتي مع الجميع هي علاقة طيبة، فقبل ذلك تم توجيه دعوة لي في برلين ولكن
كان لدي رحلة برنامج عمل من قبل الناشر الايطالي لرواية يعقوبيان فلم أستطع
الذهاب الى برلين بل وكنت محرجاً لعدم قدرتي على تلبية الدعوة، وشرحت لهم
أن نظام النشر مختلف في فرنسا وفي ايطاليا عن العالم العربي، فالناشر يرتب
لي عروض لتقديم الرواية ومؤتمرات صحفية فلا أستطيع عدم الذهاب أو الاعتذار
فذلك يعني أنني أُخل بعملي، كما أن هذه الرحلات تعمل على زيادة مبيعات
الرواية، وأيضاً عندما كنت في نيويورك لحضور مؤتمر أدبي خاص بالرواية كان
فريق عمل الفيلم في مهرجان تربيكيا وتلقيت دعوة من المسئولين لمشاهدة
الفيلم، أما حول ما نشر عن عدم دعوتي أنا أصدق ما نشرته جريدة المصري اليوم
وهو أن هناك اعتراضات أمنية لانني أكتب في المعارضة، لأنها ليست المرة
الاولى بل ثالث مرة تحدث معي ولكن ليس كمؤلف، أي في مناسبات معينة وبحضور
شخصيات معينة يتم استبعادي مع أنني لست إنساناً خطيراً (ضاحكاً) بل شخصية
مسالمة جداً، وأرى أن هناك تناقض في الأمر فهؤلاء المسئولون الكبار أتوا
ليشاهدوا الفيلم أي يشاهدوا أفكاري بينما لا يريدون مشاهدتي!! على فكرة أنا
كنت نصف متوقع أنه لن تتم دعوتي للفيلم لأن هناك شخصية كبيرة ستحضر الفيلم.
·
ولكنك لم تراجع إدارة شركة جود نيوز المنتجة
للفيلم؟
يا سيدتي
من أصول المعاملات أن الدعوة لا تطلب ولا تستعجل، الدعوة تأتي أو لا تأتي.
·
هل شاهدت الفيلم؟ وما رأيك بأنه تم حذف بعض
الاحداث كما وردت في الرواية؟
- نعم،
شاهدته في نيويورك مع فريق العمل وكنت سعيداً جداً وهنأتهم وشاركتهم
المؤتمر الصحفي وقضيت اليوم بأكمله معهم، وثم شاهدته في العرض المسائي مع
الناس، أعجبني الفيلم جداً إضافة الى المستوى الفني المرتفع للفيلم، ولم
اتضايق لحذف بعض الاحداث لأن السينما وسيط فني مختلف تماماً عن الكتابة
الادبية له قواعد وظروف مختلفة، أنا كأديب يمكن أن أكتب رواية من 3 الاف
صفحة وأنا صاحب الحق الاوحد في العمل، أما في السينما فالامر مختلف لان
السينما صناعة وأيضا محكومة بالرقابة وهو الامر الخطير لانها رقابة شرسة،
وحقيقة الرقابة قامت بأمر إستثنائي مع هذا الفيلم، وكنت متفهماً عندما دخلت
لمشاهدة الفيلم أنني لن ارى روايتي ولكن كان يهمني جداً أن لا يحصل خيانة
للرواية بمعنى عدم إظهار رسالة العمل الروائي، ولكن السيناريست "وحيد حامد"
ظل مخلصاً للرواية.
·
هناك تعليقات كثير حول الفيلم مثل أنه يشوه سمعة مصر، ويشجع على الشذوذ
الجنسي كما جاء في انتقادات النائب مصطفى بكري والبيان الذي أصدره البرلمان
المصري، ما رأيك؟
- هذا
كلام سخيف حقيقة، كما أنها ليست المرة الاولى التي يتم فيها يتم توجيه
إتهام لفيلم بدعوى أنه يشوه سمعة مصر، وهي بقايا من تفكير استبدادي لا يرضى
أن يعترف بمشاكله وإضافة الى ذلك يدل على عدم معرفة بقواعد الفن، وأنا
اتحدث هنا بشكل عام فليس من حقي أن أدافع عن الفيلم، فإذا كان العمل الذي
يعالج أو يقدم نماذج إنسانية معذبة أو منحرفة يشوه البلد فهذا يعني أن أعظم
الافلام الامريكية شوهت تاريخ امريكا، وأن أعظم الافلام والروايات الخاصة
بالفن والادب الايطالي شوهت ايطاليا لذلك سينتهي الأمر بنا الى إنتاج أفلام
تشيد بعبقرية الرئيس، كما أنني أستطيع أن أتفهم هذا الكلام أو الخلط في
المفاهيم إذا كان موجوداً في بلد حديثة أو في جزيرة لم يسمع عنها أحد في
المحيط الهادي إنما عندما يصدر من أشخاص في بلد هي من أعرق البلاد العربية
على الاطلاق في الفن والادب أعتقد أنه "عيب جدا"، بعد 100 سنة سينما و200
سنة أدب حديث لا زلنا لا نعرف الفرق بين العمل الادبي والنشرة السياحية،
أنا لا اكتب رواية لاقنع السياح بقضاء اسبوع في شرم الشيخ لأن هذا ليس
عملي، ولا أكتب رواية ضد مصر أو معها بل أكتب رواية لنماذج إنسانية سيقرأها
المصري والعربي والاجنبي، رواية عمارة يعقوبيان تحقق مبيعات مرتفعة جداً في
فرنسا وإيطاليا وهم لا علاقة لهم بسمعة مصر وغيره، ولكن هل وراء هذا الكلام
نوايا صحيحة؟ قد لا تكون صحيحة وهذا موضوع آخر!
·
ماذا تقصد بنوايا غير صحيحة؟
- أنا أرى
أن النظام في مصر قد لا يتحمل الفيلم للنهاية، أي أن إحتمالات وقف عرضه
مفتوحة، وأنا أضع "مصطفى بكري" جانباً في موضوع البيان الذي صدر عن
البرلمان بشأن الفيلم لأنه رجل يدافع عن الحريات عادة.. وأنا مندهش من
موقفه جداً، وإنما البقية وهم 111 نائباً فهم حزب وطني!! وموضوع الشذوذ
الجنسي ما هو إلا تغطية على الامور الاخرى في العمل، ومن هذه الامور مثلا
قولهم "أنتم تقدمون الارهاب كرد فعل وليس فعل"، وأيضاً أن الذي كان مسئولاً
عن التعذيب في التسعينات هو وزير الداخلية الحالي فهو كان رئيس مباحث
الدولة آنذاك، إضافة الى ذلك أن العمل يتناول الفساد مما يدعو الناس الى
تسمية شخصيات من واقع الحياة يرمز لها العمل، لذلك النظام برأيي لن يتحمل
هذا الفيلم طويلاً، وهذه حكاية يقوم بها النظام دائماً أي رفع راية الاخلاق
الحميدة والمحافظة على قيم القرية وبدأت من أيام أنور السادات عندما زج
بالمعارضين الى السجن قبل اغتياله وقام باصدار قانون العيب، وانه هو كبير
القرية ويتحلى بأخلاق إبن القرية، وعادة هذا ما يحصل في الانظمة
الفاشية..قد تندهشي من التشابه.... فهذا ما حصل في إسبانيا أيضاً، أي نظام
فاشي يعتبر أنه هو الاب فأنت لا تستطيع أن تنتقد الرئيس لانه لا يصح أن
تنتقد والدك، لان والدك يرى ما لا تراه أنت، والدك يعرف مصلحتك أكثر منك،
لذلك تصوير الرئيس على أنه الاب وتصوير المجتمع على أنه مجموعة من الناس
الذين لا يعرفون مصلحتهم وهناك جهة اكبر منهم تعلم اكثر ما يصح لهم وما لا
يصح لهم وما يفسد اخلاقهم وما لايفسدها هي منظومة عقلية فاشية، إضافة الى
ذلك ما كتبه عبد الحليم قنديل في جريدة "الكرامة" قال: "أن الرواية ظاهرة
في الادب العربي، أما الفيلم فهو يوماً بعد يوم يتحول الى حزب سياسي، فهناك
اقبالا يومياً على الفيلم الذي يعتبر استفتاء على تقدير الناس لنظام
الرئيس"، لذلك أنا لا اعتقد أن الامر سيُحتمل كثيراً فيستخدم موضوع الشذوذ
الجنسي لتغطية إيقاف الفيلم، وأريد أن أذكر أمراً مهماً وهو أن الاخوان
المسلمين رفضوا إدانة الفيلم، وكنت متوقعاً الاحتجاج على الفيلم من طرفهم
انما رفضوا ادانة الفيلم والتوقيع على البيان.
·
ولكن الجمهور العادي مصدوم ويقول هذه ليست
مصر!! مع العلم أن الرواية منشورة منذ عام 2002!
- جمهور
السينما يختلف عن جمهور الادب، فالجمهور الادبي هو النخبة في العالم أما
جمهور السينما هو من يملك تذكرة السينما، السينما هي فن الجماهير العريضة
وهذا في العالم كله ليس فقط في مصر، لذلك متعارف عليه أن جمهور السينما أقل
وعياً أما جمهور الادب فهو نخبة كما ذكرت، إضافة الى ذلك في الادب لديك
صلاحيات أكثر من السينما، وأنا أتكلم معك الان كمتفرجين شاهدنا الفيلم...
في نظري كل ما يحدث هو إيجابي وليس سلبي، أي إذا كان الفيلم يشكل صدمة فهذا
أمر ايجابي لانه يجب أن نستفيق، لو فتحت القناة الاولى المصرية أو الثانية
ستجدي أكاذيب الى ما لا نهاية... إننا نحن أعظم ناس... وأن كل شئ بخير...
وأمور تصل الى درجة الفكاهة، لذلك أرى صدمة الناس شئ إيجابي فهي مصدومة من
الاكاذيب التي يغرقها بها النظام عن عظمة مصر وعن عظمة الانجازات، كما يجب
أن نترك جانباً هذه النغمة "حكاية مصر وسمعة مصر" لأن مصر ليست شخص واحد،
بل بالعكس أنا أقول بأنه يوجد في مصر مبدعون يستطيعون تقديم هذه الصورة
وهذا أمر رائع بالنسبة لمصر.
·
من هي الشخصية التي تعاطفت معها أكثر في
روايتك؟
- جميع
الشخصيات أحبها ولا أستطيع أن أكتب عن شخصية لا أحبها، والشخصيات هي أهم
وأصعب أمر في الرواية، أنا أهتم بشخصيات أعمالي وأقوم بوضع التفاصيل الخاصة
بكل شخصية على مدى شهور طويلة، تفاصيل كثيرة قد يجدها البعض تافهة ولكنها
بالنسبة لي مهمة جداً مثل طريقة الماكياج ونوع السجائر وغيرها من التفاصيل،
وهناك روايات كثيرة تفشل لانني غير مقتنع بأن هذه الشخصيات موجودة...يجب أن
أرى هذه الشخصيات وأصدقها ثم أبدأ الكتابة، لذلك أقرأ مجلات المرأة لانها
مفيدة جداً لي عند الكتابة، كما أقرأ أخبار الحوادث..الجرائم كل ذلك مفيد
جدا للتعرف على تفاصيل الشخصيات، وجاء هذا الاهتمام بناء على كلام
والدي-المحامي والكاتب عباس الاسواني- قال لي: "اذا كنت تريد أن تصبح كاتبا
فيجب أن تكون الكتابة أهم أمر في حياتك، واذا وجدت أن الكتابة ليست أهم ما
في حياتك فتوقف عن الكتابة"، لذلك حياتي هي الكتابة.
·
بدأت الرواية بشخصية زكي باشا وانتهت به، هل
تقصد أن مصر كانت بالف خير قبل ثورة 1952؟
- بالطبع
لا...لأن الروائي لاعب مسرح عرائس ويجب عدم ظهوره أبداً، ليس من المفروض أن
يظهر رأيي في الرواية، فمثلاً زكي الدسوقي شخص دمرت حياته الثورة.. من
المفروض أن أتحدث بلسانه وليس بلساني، فيخرج كلامه منطقياً بالنسبة لظروفه
وشخصيته، يجب أن أتقمص الشخصيات وأتكلم بلسانها إنما آرائي أكتبها في
مقالات، وبالنسبة لثورة يوليو على العكس تماماً مما ذكرت.. أنا مع الثورة
ويجب أن تعلمي أن مصر لم تكن وسط البلد فقط، مصر كان فيها أشخاص حفاة لا
يجدون الطعام، رأيي هو أقرب الى الفكر الناصري أكثر من أي فكر آخر، ولكن في
نظري عبد الناصر أخطأ خطأ كبيراً جداً وندفع ثمنه حتى الان وهو أنه كان
الزعيم الوحيد الذي كان مؤهلاً أن يتجه بالعالم العربي نحو الديمقراطية
ولكنه لم يفعل وهذا هو خطأه، وعدا ذلك... هو حلم... عبد الناصر حلم... هو
شخص أكبر من زعيم.. علماً أنني لم أعاصره كثيراً لأنه عندما مات كنت صغيراً
في السن، وإضافة الى ذلك أنني تربيت في بيت ضد عبد الناصر لأسباب كثيرة
جداً، ولكنني عرفت قيمة عبد الناصر وأنا أدرس في امريكا، كنا مجموعة من
الاصدقاء العرب وجئت بوجهة نظر مختلفة عنه ولكني تفاجئت بأن عبد الناصر
يمثل رمزاً كبيراً في العالم العربي، فقلت ليس من المعقول أن كل هؤلاء
الرفاق الاذكياء جداً يعتزون به وأنا لا أعتز به، فبدأت اقرأ التجربة
الناصرية منذ البداية.. فوجدته حلم، وكان معروفاً لدى الغرب أن مرور هذه
التجربة بما تحمل من مشاريع وأفكار ستجعل من العالم العربي قوة عظمى...
لذلك لا يمكن يسمح بها، وأريد أن أقول لك أن القراءة السياسية للرواية قد
جعلتني مهاجماً من أكثر من إتجاه، أي هوجمت من بعض الناصريين بسبب شخصية
زكي باشا، وهوجمت من بعض الماركسيين لانني قدمت للارهابي للفاشية الدينية
صورة جميلة جداً.. ولكن عادة هذا ما يحصل في أي عمل روائي.
·
هناك جملة مثيرة للانتباه في الرواية وهي "أن
الناس يشغلهم الطعام والجنس والحشيش"، ما أبعاد هذه العبارة؟
- أي أن
المجتمع تحول تحولاً حقيقياً بناء على التغييرات التي حصلت في مصر فأصبح
هناك مجتمع فقير عشوائي ساكن فوق عمارة يعقوبيان العمارة البرجوازية، فأصبح
الناس يشغلهم ثلاثة أمور وهي الطعام والجنس والحشيش، وهذا أمر طبيعي جداً
لأن الطعام يستغرق 80 % من يومهم.. أي أن يأتي أو لا يأتي.. الطعام بالنسبة
لهذا الجتمع الفقير العشوائي قضية كبيرة، أما الجنس فهو ما يخرجهم من حالة
البؤس التي يعيشونها، ولا تنسي -في هذا المشهد من الرواية- كل ذلك يتم في
غرفة واحدة..العائلة بأجمعها تعيش في غرفة واحدة فممارسة الجنس يتم في هذه
الغرفة بعد أن ينام أطفالهم.. فهذا أمر بالتأكيد سيشغل تفكيرهم، أما الحشيش
فالناس-الشارع والريف والصعيد المصري- لديهم قابلية نحو الحشيش في مصر أكثر
من بلاد أخرى.. وذلك من منطلق أن "الخمرة" حرام وإنما الحشيش لا يعتبرونه
حرام فهناك أمور مختلطة لم تحسم في الفقه والاجتهاد، كما أعتقد أن الناس
لديها قابلية نحو الحشيش لانه يساعدهم على التكيف مع ظروف الحياة، بينما
الطبقة البرجوازية التي تأثرت بالثقافة الغربية فتجدي أن الخمر منتشر بينهم
كما في شخصية زكي باشا في الرواية، حتى في الافلام قديماً كان البطل أو
البطلة التي تتوحدي معها وتتعاطفي معها في مشهد ما تشرب الخمر وكان أمراً
عادياً ومقبولاً، وهذه مشكلة أخرى وهي القراءة المصرية للاسلام والقراءة
السعودية الوهابية، وبرأيي الشخصي التأثير الوهابي على مصر كارثة لا تقل عن
كارثة عام 1967!! لأن الدين هو الدين..بينما تختلف القراءة الايجابية عن
السلبية له، نحن في مصر استبدلنا القراءة المنفتحة للاسلام بهذه القراءة
المنغلقة، فلم يكن يستخدم الدين الاسلامي في العمل الوطني السياسي سابقاً،
فمثلا زكي باشا الدسوقي هو إمتداد للثقافة الوفدية الطبيعية بمعنى شربه
للخمر لا ينفي وطنيته، سعد زغلول كتب في مذكراته أنه كان يلعب الكرت ويشرب
الخمر ومع ذلك كان وطنياً، بينما الآن يستخدم الدين في السياسة والفن
والأدب.
·
وما الذي أدى الى تغيير هذا الفكر أو هذه
القراءة الايجابية؟
- بدأ
التغيير عندما بدأت الأنظمة تستخدم الدين.. وبدأ في عهد أنور السادات الى
جانب الدكتاتورية والفساد الى أن أصبحت الحياة مستحيلة على ملايين
المصريين، فخسرنا الاكثر تعليماً بذهابهم الى الغرب.. لدينا 150 ألف عالم
مصري في الغرب وهم ثروة بالنسبة لأي بلد، أما الاقل تعليماً فذهبوا الى
الخليج وعادوا بأفكار إسلامية وهابية ظهرت على سبيل المثال على لباس النساء
فتجديهم الان منقبات ويلبسون الجوانتي.. ولا يسلمون على الرجل خوفاً من أن
تحسب شهوة!! بعد أن كانت مصر تفخر بأول وزيرة وأول خريجة جامعة، الفكر
الوهابي 70% منه جسم المرأة...هذا ما يشغلهم، إضافة الى ذلك أن الفكر
الوهابي لا يوجد به حقوق سياسية..بند الحقوق السياسية ملغي، وهذا نص من
الفكر الوهابي "أن إجماع الفقهاء أن الخروج على الحاكم المسلم الظالم
حرام"، وهذا ما يهم النظام في مصر لذلك أسس وروج له، فالفكر الوهابي يعتبر
أن الفتنة المترتبة على الخروج على الحاكم الظالم ستكون أكثر ضرراً من
ظلمه!! ومن يعصي ويخالف هذا النص يكون قد خرج عن إجماع الفقهاء!! كما أن
الفكر الوهابي لا يحاسب الحاكم على طريقة توليه الحكم ولكن يحاسب الحاكم
بعد توليه السلطة، ما أريد أن اقوله أن الاسلام بعيد تماماً عن هذا
الكلام... إنما هذا هو فقه السلاطين لحماية الحكام الظالمين، عندما تولى
أنور السادات الحكم كان الفكر اليساري قوي جداً في مصر فوجد أن الفكر
الوهابي مناسباً تماماً لادارة الحكم، فبقينا نشاهد على التفزيون لمدة 25
سنة وأكثر شيوخاً تصرح بأفكار غريبة لا يوجد فيها أي تحليل موضوعي.
·
هل يمكن أن تحدثنا عن روايتك الجديدة
"شيكاغو"؟
- لا
استطيع الحديث عن محتواها.. وإنما هي تجربة مختلفة عن رواية عمارة يعقوبيان،
وربما الاختلاف بينهما هو أن أحداثها تدور بالكامل في شيكاغو، والأمر الآخر
أنها تضم شخصيات رئيسية مصرية وأمريكية، فما هو شائعاً في كتابة المهجر أن
الشخصيات الرئيسية في العمل الادبي هي شخصيات أمريكية..أقوم بكتابة هذه
الرواية منذ سنتين وستصدر قبل نهاية السنة الحالية عن دار الشروق.
salwalubani@hotmail.com
|