سعيد
بالضجة التى أثارها فيلمه الأخير
وحيد حامد: عمارة يعقوبيان نوبة صحيان فى سينما الأفلام
اللذيذة
سعيد شعيب
·
سألته: الفيلم يتضمن تلسينا على كمال الشاذلى هاجمه بعض المحسوبين على
النظام.. ولماذا ينفق عماد أديب كل هذه الأموال على السينما؟
فأجاب: من
قال إن كمال الفولى هو كمال الشاذلى وجرعة الصراحة العالية سبب هجوم البعض
على الفيلم
مجموعة
جمال مبارك احتضنت الفيلم قبل عرضه ثم هاجمته لأسباب مجهولة
كنت أظن
أن السيناريست الكبير وحيد حامد لابد أن يكون محبطاً، فهذه المرة لم يأت
الهجوم على فيلمه عمارة يعقوبيان من التيار الدينى فقط، ولكن من معارضين،
والأهم من بعض المحسوبين على النظام، ولكنى وجدته فى هذا الحوار، الذى ينشر
باتفاق خاص مع مجلة دبى الثقافية، حزيناً إلى حد ما، فبلد بحجم مصر لا
تتحمل الديمقراطية فيها مجرد فيلم، ولكنه فى ذات الوقت كان فرحاً وفخوراً
بما قدمه، فقد أثار كما يقول حواراً جاداً ليس حول القضايا التى أثارها
فيلمه فقط، ولكن حول أشياء خطيرة تهم البلد كلها.
·
معظم أفلامك أثارت معارك كثيرة.. لماذا تبدو
هذه المرة محبطاً؟
- فعلاً
هذه مفاجأة بالنسبة لي.
·
وأنا أيضاً؟
-- لقد
تأملت هذه المسألة، مرت العشرة أيام الأولى من عرض الفيلم باحتفاء جماهيرى
ونقدى كبير جدا، وفى اليوم الحادى عشر بدأت حملة صحفية شرسة جدا، وإن كانت
قد خدمت الفيلم رغم أنها ضده، فقد دفعت الجمهور لأن يرى بنفسه، فخرج
منتصراً للفيلم، ولكن الذى حيرنى أكثر، أن الرواية موجودة منذ أكثر من خمس
سنوات ولم يتكلم أحد، بل وأشادوا بها، ثم هاجموا الفيلم، وهذا يكشف عن عدم
مصداقية كثير من المثقفين.
·
ولكن هناك من هاجم الرواية؟
- لم
يهاجموها بسبب المضمون ولكن من الزاوية الفنية، إذن كان هناك ترحيب
بمضمونها، والفيلم بشهادة كبار النقاد ومؤلفها نفسه د.علاء الأسوانى حافظ
على محتواها، وأنا فخور بذلك، وهم لم يهاجموا الفيلم فنياً، ولكن خرجت
أكليشيهات من نوع: سمعة مصر، أخلاق المجتمع. وهما تهمتان المقصود بهما
التأثير على الجمهور بحجة أن الفيلم غير أخلاقى وفيه مناظر مسيئة.
·
ولكن هذا ليس جديداً.. أقصد هذا النوع من
الاتهامات، وهو ليس ضدك فقط، ولكن ضد الفن عموماً؟
- نعم هذا
سيناريو مكرر.
·
رد فعلك أنت هو الذى اختلف.. أقصد إحباطك؟
- لست
محبطاً، بل أنا سعيد جداً، فكما قلت لك هذا سيناريو مكرر، فقد كانت عريضة
الاتهام فى فيلم النوم فى العسل مثلاً، هى الإساءة إلى الشعب المصرى بشقيه
المسلمين والمسيحيين، وهو يذاع الآن فى التليفزيون المصرى كما هو، والقاضى
وقتها سأل المحامي: كيف شاهدت الفيلم؟ رد: اشتريت تذكرة. هنا قال له: لقد
شاهدته بإرادتك، أى إذا لم يعجبك لا تدخله. ومن هنا كانت دهشتى مما حدث مع
يعقوبيان، الرواية كما قلت لك موجودة منذ سنوات وكان الجميع يتفاخرون بأنهم
قرأوها، ويشيدون بجمالها، وعندما عرض الفيلم هل أحبوه عشرة أيام وفى اليوم
الحادى عشر غضبوا عليه؟! هذه أول علامة استفهام كبيرة، ليس هجوما فقط ولكن
قضايا فى المحاكم وما أُثير فى مجلس الشعب.
·
ولكن هناك ايجابيات فى هذا الجدل الساخن؟
- نعم أنا
سعيد بحالة الحراك التى حدثت بين فريقين، الأول يناصر الفيلم بشدة والفن
والحرية، والثانى لا يجد ما يقوله سوى سمعة مصر والأخلاق، وأنا أتحدى أى
احد أن يكون فى الفيلم أى شيء، فليس فيه مشهد جنسى واحد.
·
ولكن من حق أى أحد ألا يعجبه الفيلم؟
- نعم
وهذا حق مشروع وأنا أحترم ذلك جداً، فقد كتبت هذا الفيلم بحرية كاملة وتم
تنفيذه بحرية كاملة، ومن غير الممكن فى المقابل أن أصادر على من لا يعجبه
الفيلم، ولكن هناك من كتبوا تطوعاً لمجاملة آخرين.
·
أى لم يطلب منهم أحد؟
- نعم،
وإلا بماذا تفسر ما يحدث؟! هجوم عنيف فى البرلمان، ثم لجنة الإعلام فى مجلس
الشعب تأخذ موقفاً مناصرا لحرية التعبير وتركت الفيلم كما هو، فكيف حدث
هذا؟! وهو يذكرنى بمن كانوا يهاجمون الصحافة بشراسة ويشتمون وغيروا كلامهم
بعد موقف الرئيس.
·
فى أفلامك السابقة كان الهجوم من تيار
الإسلام السياسي...
- مقاطعا
هذه المرة حدث ذلك أيضاً.
·
لا لقد هاجم من هم..
- مقاطعا
لقد هاجم أعضاء التيار الديني، ومنهم الرجل عضو فى لجنة الإعلام، فقد قاد
حملة شرسة، وفى نقابة المحامين كان الإخوان المسلمين ضد عرض الفيلم.
·
ولكن هذه المرة هاجم بعضاً ممن هم محسوبون
على النظام؟
- هذا
لابد أن يحدث.
·
لماذا؟
- لقد
تصوروا خطأًً، الله أعلم، أن الفيلم يدين النظام، وهذا تصور خاطئ.
·
ولكنه بالفعل يدين النظام؟
- غير
صحيح، لو أنك ذهبت إلى الدكتور وقال لك على أمراضك، تحزن ولكن لا تقتله.
·
إذن الفيلم تشخيص لأمراض النظام والبلد؟
- نعم،
والفيلم صادم لأسباب كثيرة جداً، أولا لأن السينما المصرية منذ حقبة زمنية
ليست قصيرة تقدم أفلاماً لذيذة غير مؤثرة واعتادت الناس عليها، ثم فجأة
تقدم جرعة فيها كل هذا الألم، إنها نوبة صحيان لابد أن تسبب صدمة.
·
أليس غريباً أن تقدم كل هذه الإدانة للنظام
وللأوضاع فى البلد رغم أنك محسوب سياسياً عليه، حتى لو انتقدته؟
- أنا
هقولك، بصدق أنا رجل واضح مع نفسي، لا أعتبر نفسى مع النظام أو معارضا له،
أنا منتم لحزب غير موجود، ليس هناك من يمثله، طول عمرى وأنا منتم للناس،
وأنا لا أرضى بكل ما هو معيب أو سلبي، ومع كل ايجابية تحدث فى هذا البلد،
سواء جاءت من المعارضة أو من الحكومة، وفى النهاية كل شيء طيب يصب لصالح
المصريين أكون سعيداً به، وكل شيء سيئ يتحمل نتيجته الشعب المصرى أكون
غاضباً منه، موقفى أشبه بموقف القاضي، العادل، أنا أرى أوجه قصور ومهمتى
الإفصاح عنها بصدق وقوة ومنطق.
·
ولكن هناك علامات استفهام، منها أن مروان حامد مخرج الفيلم وهو بالمناسبة
موهوب جداً هو الذى اخرج فيلماً تسجيلياً عن الرئيس وأسرته من اجل الدعاية
فى الانتخابات الرئاسية؟
- انتظر،
أولا هذا السؤال يجب أن يتم توجيهه لمروان وليس أنا، لقد تخرج عام 1999 من
معهد السينما، وقد اصررت على أن يبدأ الطريق من أوله، وكان أول عمل له هو
كلاكيت، وتتلمذ على يد مخرجين كبار جداً. وهو الذى يأخذ قراراته بنفسه،
الفيلم القصير الذى أخرجه فى الحملة الرئاسية هو الذى قرره، ومن المؤكد أنه
شيء مغر لشاب صغير.
·
طبعا هو مسئول عن قراراته، ولكنى أسألك لأنه
مخرج فيلمك، وثانيا لأنه يضع علامات استفهام؟
- هذا
لصالح مروان، لأن له موقفه السياسي، ولا تصدق أنه يوجد فنان ليس له موقف
سياسي.
·
طبعاً؟
- إذن
عليك أن تسأل مروان لأننى لن أفكر وأختار له أو أرد نيابة عنه.
·
أستاذ وحيد كيف جاء اختيار شركة عماد أديب
للإنتاج؟
- اشتريت
القصة من د.علاء الأسوانى حتى أكتبها وأنتجها، ولكننى وجدت أنها ستحتاج إلى
أموال كثيرة لا طاقة لى بها، لأننى أعيش بمنطق، ما أكسبه أنفقه، المنتجون
والموزعون لم يرحبوا به لأنه لا يواكب الموجة السائدة وقتها منذ أربع
سنوات، وأنا أريد شركة تستطيع الإنفاق على فيلم ضخم، أول من أخذ منى
السيناريو كان المنتج حسين القلا، وقال لى أنا لن أنتجه ولكن هناك شركة
جديدة اسمها جود نيوز ستنفق عليه بشكل جيد، وأن صاحبها عماد أديب سيقدم
سينما جادة وقوية.
·
عماد أديب أحد المؤيدين للنظام وللرئيس وشارك
بفعالية فى حملته الانتخابية، وينتج فيلما فيه إدانة لهذا النظام؟
- سنختلف
فى نقطة، السينما بالنسبة لى لو تحولت إلى إدانة هذا وتأييد ذاك، لا تصبح
سينما من أصله، أنت تعمل فيلما بقناعات سياسية دون النظر إلى أى شيء. وأنا
شخصيا لا أرى أن الفيلم ضد النظام، فعليك أن تنظر للطبيب الذى يشخص لك مرضك
ويعالجك أنه صديقك وليس عدوك.
·
إذن الهدف هو إصلاح النظام..
- مقاطعاً
ما هو عمل الفن والأدب والصحافة ؟! إنه الإفصاح عن العيوب، لكن للأسف هناك
بعض الناس من قصار النظر، يتصورون خطأً أن الحكومة هى الوطن، وهذا خطأ
كبير، ولا يمكن قبوله، فلا توجد حكومة فى الدنيا هى الوطن، الوطن هو الأرض
والناس، وأنا أشتغل للأرض والناس لأن هذا يعيش.
·
ماذا تقصد بأن السينما مينفعش تدين هذا وتؤيد
ذاك؟
- أنت
تقدم فكرة بمضمونها وجمالياتها، فلست صحيفة يومية أعارض هذا وأؤيد ذاك..
لأن الفيلم سيعيش ويشاهده الناس إلى ما شاء الله. فهو ليس منشورا سياسيا،
ولو كان كذلك لكتبت مقالة وانتهى الأمر، ولكن هذا فن.
·
ولكن الفيلم فيه تلسين سياسى على بعض
الشخصيات الموجودة فى الواقع؟
- ليس فيه
تلسين سياسي، وأنا لا أدعى ذلك، فإذا عدت للتاريخ منذ أول برلمان تم
تشكيله، وشاهدت الأعضاء وكيف يتم اختيارهم.. ستجده يشبه الوضع الحالى وإن
اختلف الشكل، فى الانتخابات قبل يوليو 1952 كان حزب الوفد صاحب الأغلبية
الساحقة، ومع ذلك يفشل فى الانتخابات، التلاعب موجود طوال الوقت فى مصر
وخارجها، ومن هنا فالفيلم ينتقد نمطا موجودا، أى شخصيات موجودة حاليا
وموجودين من قبل وبعد ذلك.
·
لكن يقال إن احد الذين حركوا الهجوم ضد
الفيلم الوزير السابق كمال الشاذلي؟
- لا
أستطيع أن أقول ذلك، ولا أعتقد أن كمال الشاذلي، وهو محام، يمكن أن يورط
نفسه فى أمر مشين كهذا.. ودعنى أقل لك ببساطة شديدة، من قال إن هذا هو كمال
الشاذلي؟! هل لمجرد أن فيه اسم كمال؟! مصر فيها آلاف وآلاف بهذا الاسم. بعض
الناس تصرفوا مثل سيدة تأتى إليك وتقول لك خذ هذا ابنك، وأنت لا تعرفها، أى
كما يقول المصريون يرمون بلاهم على الناس.
·
يبلون الناس؟
- ماذا
ستفعل تجاه هذا، أنا أبقى خايب جداً ومؤلف فاشل، لو عملت فيلما عن شخص، أنا
آخذ نموذجا أو حالة من الفساد، الشخصية التى يقدمها نور الشريف هناك مليون
على الأقل مثلها، شخصية كمال الفولى تجدها فى المجلس المحلي، وفى انتخابات
النقابات، اتحادات الطلاب، وطبعا فى مجلس الشعب. لقد سألنى بعض الناس عن
فيلمى القادم: هل ستكتب فيلماً عن ممدوح إسماعيل؟ وأجبت أنا فيلم عن عبارة
كان عليها 1500 راكب هم الذين يعنونني، ولو كان يعنينى ممدوح لكتبت عنه
مقالة وانتهى الأمر.
·
ولكن هاجم الفيلم أيضا بعض المحسوبين على
المعارضة، أليس هذا غريباً؟
- الحقيقة
بتزعل الكل، والفيلم هو الذى انتصر، أنا أمام حالة جديدة جداً، حالة حوار
حقيقي، بغض النظر عن بعض الأقلام الهشة، فأنا أحترم أصحاب الرأى المختلفين
مع الفيلم عن قناعة وعن رؤية، فهذا من حقهم، وهؤلاء هم النسبة الأكبر، ألا
يكفيك أن هناك حالة من النقاش الجدي، ونحن طوال الوقت نتناقش فى الهلس،
ممكن أن أكون مخطأً، ولكن الآن هناك نقاشا جديا لصالح البلد.
·
فيما يتعلق بالانتاج، من الصعب أن يغطى الفيلم هذه التكلفة ومن هنا يثور
السؤال حول: لماذا تم إنفاق كل هذه الأموال من جانب عماد أديب؟
- سأقول
لك معلومات اقتصادية جميلة، الفيلم حقق ربحاً قبل أن يبدأ عرضه، أولا عندنا
نجم هو عادل إمام، أفلامه تباع للخارج بما يعادل مليونين أو مليونين ونصف
المليون دولار، وهذه حقيقة يمكنك أن تتأكد منها من خلال الموزعين. أضف إلى
ذلك أن الفيلم تم بيعه لأوروبا بحوالى مليون ونصف مليون يورو، كما تم بيعه
حصرياً لمحطات تليفزيونية بحوالى مليون دولار. الفيلم تكلف أربعة ملايين
دولار، يوجد خمسة أو أكثر.
·
والحملة الإعلامية الضخمة غير المسبوقة؟
- الحملة
الإعلامية الكبيرة جداً كان لها راع رسمى وصل عددهم إلى خمس جهات تمولها،
إذن الفيلم كسب كثيراً، ناهيك عن إيراد الداخل، ففى الأسبوع الرابع الذى
ينتهى اليوم حقق 14 مليونا، أى الأعلى فى الإيرادات، وستقل بعد ذلك لأنه
سيتم سحب دور عرض لحساب الأفلام الجديدة. الميزة التى عملها عماد أديب
ويهاجمونه بسببها، هى أنه فتح أسواقا جديدة لأول مرة، وسيتم عرضه فى 50 دار
عرض فى فرنسا. إذن هذا يحسب لعماد ولا يحسب عليه، ثم إذا عملت جريدة جديدة
أو شركة جديدة لابد أن تكون هناك حملة دعاية لها، فالغرض ليس إعلانا عن
فيلم فقط عن يعقوبيان.
·
الفيلم يثير العلاقة بين الفن والمجتمع..
- مقاطعا
المجتمع يعيش حالة ردة، بذمتك أفلام مثل القاهرة 30 وشباب امرأة وحمام
الملاطيلي، لو قيمناها بنظرتنا الحالية لن يتم عرضها، ويصبح يعقوبيان ملاكا
بجوارها، وهذه الأفلام تذاع الآن على كل القنوات الفضائية. المشكلة أنهم
فرغوا الدين من محتواه، انشغلوا بالفروع التى تقدم ولا تؤخر، الدين يقول
اعمل، دافع عن نفسك، ولكن هؤلاء انتشروا مثل الذباب فى المحطات الفضائية،
ادخل دورة المياه بقدمك اليمني، الدين الذى يشحنك بالقوة والقدرة فرغوه
بالهلس الذى يقدمونه، لقد افسدوا عقول الناس، فهذه الفضائيات لم تظهر لوجه
الله ولكن لتغييب العقول.
·
هل تعتقد أن حرية الإبداع يجب أن تكون مطلقة؟
- لم أقل
أبداً إنها يجب أن تكون مطلقة، لأننى لابد أن أحترم الشخصية المصرية، وأنا
أعرف ما يسيء إليها وما يغضبها وما لا يغضبها، ليس فى يعقوبيان مشهد واحد
يخدش الحياء، مشهد المخزن الذى تحدثوا عنه، هل يختلف عن مشهد سناء جميل
وصلاح منصور فى فيلم بداية ونهاية؟!
|