(ماتريكس)، هو الجزء الأول من ثلاثية خيال
علميّ، بدأ عرضه في فرنسا بتاريخ 23 حزيران (يونيو) 1999، تلاه
الجزء الثاني بعنوان
(عودة
ماتريكس)، أو (ماتريكس يُعاد تحميله من جديد) ـ وُفق الترجمة الحرفية
للعنوان
ـ وبدأ عرضه بدوره بتاريخ 16 ايار (مايو) 2003، تبعه الجزء
الثالث بعنوان (ثورات
ماتريكس) الذي بدأ عرضه بتاريخ 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2003، وقد أخرج
الأفلام
الثلاثة الأخوان أندي، ولاري واشوفسكي. وتُعتبر التقنيات المُستخدمة في
(ماتريكس) ـ
بأجزائه الثلاثة ـ من أكثر الأفلام تأثيراً علي جيلّ كامل من
السينمائيين الشبان في
الوطن
العربي، ودول الخليج بالتحديد.
كانت المؤثرات البصرية في الفيلم متوافقةً
مع أحداث تتأرجح بين العالم الحقيقي، والافتراضي، حيث الشخصيات
قادرةً علي فعل كلّ
شيء،
وتتحرك من مكان إلي آخر بطريقة متقطعة، وعلي سبيل المثال، نشاهد إحداها
في أحد
الممرات الطويلة، تتوجه نحو عمق، أو مقدمة الكادر بحركة طبيعية، أو
بطيئة، وعن طريق
اختفاء، وظهور تدريجييّن نشـــاهدها وقد وصلت إلي بداية الممر،
أو نهايته، وليس
المقصود هنا اختصار الزمان، أو تجاوز المكان، بقدر التعــــــبير عن
حركة شخصية
افتراضية تعيش في مكان، وزمان مختلفــــــيّن عن عالمنا الحقيقي، ومن
الطبيعي بأن
تُحاكي في حركتها ومضات كهربائية، أو ضوئية متلاحقة، ومتواترة،
وهو نفس الحال عندما
نجد
الشخصيات تدور في كلّ الاتجاهات بدون استمرارية الدوران البشريّ
الطبيعي. انبهر
المخرجون الخليجيّون بمثل هذه المؤثرات، وغيرها، وحاولوا محاكاتها،
وتقليدها عن
طريق البرامج الإلكترونية المُتوفرة لديهم، واستخـدمها البعض
في لقطة، أو أكثر من
هذا
الفيلم، أو ذاك، وحشروها بتوظيف مغلوط، وصبيانية متهورة.
وكما حال الأخوين
أندي،
ولاري واشوفسكي اللذين أخرجا النسخة الأمريكية من ثلاثية (ماتريكس)،
جاء (علي
محمد الجعفر) واخوته ليقدموا لنا نسخةً كويتيةً.
لم يتسن لي مشاهدة الجزء الأول
من
تلك (التحفة)، ولكنني كنت من التعساء الذين شاهدوا الجزء الثاني.
فيلم (عودة
ماتريكس) الكويتي، هو ـ بأقلّ النعوت رحمةً ـ 26 دقيقةً من التقليد
الساذج،
والمُتواضع، تمّ تصوير مشاهده الداخلية في الغرف المنزلية، والخارجية
فوق سطوح
المنازل، حيث الأسلاك الكهربائية، وأطباق التقاط القنوات
الفضائية تتمازج في ديكور
مُبهر
مع الملابس المُعلقة علي الحبال، والكراسي البلاستيكية الرخيصة.
شبانٌ في
العشرينيّات (المخرج من مواليد 1990) يلعبون، ويتسلون... ومن الأجدر
القول، بأنهم
(يعبثون)
بأحد أهمّ علامات أفلام الخيال العلميّ للسنوات الثماني الأخيرة، توفرت
لهم
كاميرا، وأنظمة مونتاج رقمية، وبرامج مؤثرات ثنائية، وثلاثية الأبعاد،
فتوّهموا
بأنهم
قراصنة، وأبطال، ورجال أمن، وتدثروا بمعاطف جلدية سوداء طويلة، وقصيرة،
ووضعوا فوق عيونهم نظارات سوداء، وقبضوا بأيديهم علي أسلحة
بلاستيكية اشتروها من
أقرب
متجر لبيع الهدايا.... وهيّا إلي القتال، والضرب، والظهور، والاختفاء،
والطيران، والأيدي التي توقف زخات الرصاص.... ألعاب أطفال، هذا أخفّ ما
يُمكن توصيف
هذا العمل، احتراماً لمشاعر المجموعة التي أنجزته، ولكن، قبل
ذلك انتهكت حقوق
الفيلم الأصلي (ماتريكس)، وهزأت بذائقة المتفرج.
في طفولتي، ومراهقتي، لم تكن
الكاميرات الفيديوية، وأنظمة المونتاج الرقمية متوفرة، وكان زادي
السينمائي الوحيد
أفلاماً أشاهدها أيام الجمعة، والأعياد في الصالات السينمائية
لمدينة حلب، بصحبة
بعض
أولاد أخواتي، أو رفاق عشق السينما، وخلال أيام الأسبوع، كنا نتسلي
بقصّ صور
الفنانين، والأفلام، ونجمعها، ونحلم، ونتماهي مع أحداثها، وأبطالها في
سراديب
القلعة، أو في الحارة، أو فوق سطوح المنازل، أو المخازن الخلفية
الصغيرة المُعتمة
لدكاكين العائلة التي كنا نعمل فيها. لم نكن قد تعرفنا بعد علي
(ماتريكس)، كنا نغرف
من
أفلام هرقل، زورو، طرزان، فانتوماس، سبارتاكوس، جازون، وأفلام
المغامرات،
والجاسوسية، والأفلام الهندية، والمصرية...ونقلد الأبطال، والأشرار
مستخدمين
الأدوات المنزلية البسيطة التي نجدها في متناول أيدينا، وحتي
كاميرات الـ8 مللي، أو
الفيديو المنزلية، أو الفوتوغرافية كانت بعيدة المنال عنا،
وضرباً من الخيال... كان
نشاطنا ذاك ينحصر في حدود اللعب الصبيانيّ، وقضاء أوقات الفراغ،
والانبهار
بالسينما.
اليوم، توفرت في الأسواق كلّ ما يلزم من الإمكانيات بهدف
اللعب، أو
الإبداع، أتقن الجيل الجديد خفايا الكمبيوتر، والانترنت، استوعبها،
وفهمها، ومارسها
أكثر
من الجيل الأكبر الذي درس السينما، وتوجهت طموحاته بالتحديد نحو العمل
السينمائي الاحترافي في إطار صناعة مكلفة، ومجهدة.
استفاد الكثيرون من هذه
المميزات، والخصوصيات، فلم ينتظروا العمل بكاميرات السينما، فأنجزوا
أفلاماً
بالفيديو، وأصبح بالإمكان عرضها في أيّ مكان، ولأنهم مازالوا
شباناً في حالة
انبهار، فقد عمدوا إلي تقليد مرجعياتهم من الأفلام التي يشاهدونها،
وبالذات
(ماتريكس)،
ولم يترددوا باختبار الكاميرات الرقمية الصغيرة، وأجهزة الكمبيوتر التي
يمتلكونها، فأنجزوا أعمالاً يمكن تسميتها بـ(الأفلام المدرسية)
استيحاءً من
(المسرحيات المدرسية) التي كنا نشاهدها في الحفلات السنوية نهاية كلّ عام.
ولكن،
من
يمنع هؤلاء من اللهو، واللعب، وشغل أوقات الفراغ، والاستمتاع، وإمتاع
الآخرين من
أفراد
العائلة، والأصدقاء، والجيران... لا أحد بالطبع، ولكن، يجب أن يبقي هذا
النتاج في إطار النشاط المدرسي، أو الشخصيّ، كما الخواطر التي
نكتبها في دفاترنا،
ومذكراتنا، وكما الصور الفوتوغرافية التذكارية التي نلتقطها، ونحتفظ
بها في
ألبوماتنا، وكما الأشرطة التي نُسجل فيها أحداثاً عائلية. هو فعلٌ
مفيد، وربما يكون
كشفاً لطاقات إبداعية سوف تعلن عن نفسها فيما بعد، وبحاجة إلي
صقل، ورعاية،
وممارسة، وثقافة نظرية، وبصرية، ولكنها تصبح مستهجنة عندما يصدق
أصحابها بأنهم
ينجزون أعمالاً فنية إبداعية( هل نصف ألعاب الفيديو بالأعمال
الإبداعية؟).
بالمُقابل، لا أنفي قدرة، ومهارة (علي محمد الجعفر) واخوته في
استخدام الأدوات
التقنية المتوفرة لديهم، والتي يجب تطويعها في شكلها الصحيح، إنه من
العبث أن يبدأ
شابٌّ
عمله القصير الأول بتقليد (ماتريكس)، أو حتي أيّ فيلم آخر شاهده،
وأعجبه،
لأنه في حالة كهذه ينزع عن نفسه المصداقية، وأكثر من ذلك، يحصد
الاستهجان،
والسخرية، بدل التصفيق، والتشجيع.
من المفيد تذكير المخرج، وأصدقائه، بأنّ أيّ
عمل أدبيّ، أو فنيّ يخضع لقوانين حماية حقوق المؤلفين(الفكرة،
السيناريو، الإخراج،
الموسيقي..)، والحقوق الجانبية (الصور، الألعاب، والدمي، المصنوعة
للأغراض
التجارية، والدعائية للفيلم)، وأتمني من كلّ قلبي بأن يعودوا إلي
رشدهم، ويمتنعوا
عن (جريمة) تقديم الجزء الثالث قبل أن تنتبه الشركة الأمريكية
المُنتجة، وتلاحق
عائلة
(الجعفر)، و(الكندري) بتهمة سرقة، وتشويه العمل الأصليّ عن سابق قصدّ،
وتصميم، وتُطالبهم بتعويضات كبيرة جداً عن الأذي المعنوي، والمادي الذي
تعرضت له
ثلاثية (ماتريكس).
عودة ماتريكس:
الكويت، 2006 ، 26 دقيقة، د ف كام، ملون.
إنتاج، تصوير، تمثيل، صوت، مونتاج، وإخراج: علي محمد الجعفر
سيناريو: عبد
الله
الكندري، شارك في المونتاج، والصوت: عثمان الجعفر
تمثيل: عبدالله، علي،
عيسي،
طلال، ويعقوب الكندري، يوسف، وعماد الجعفر، عبد الله عبد الوهاب.
علي محمد
الجعفر:
من مواليد 1990، طالب في المرحلة الثانوية، بدأ عشقه للسينما
سنة 2004
عندما
أخرج فيلمه الأول (ماتريكس 1) عام 2005.