أن تعمل
مجلة على تبني مشروع أسبوع أو مهرجان سينمائي.. فهذا دليل خلاق على أهمية
السينما كفن شعبي وجماهيري.. لابد للتنبيه لأهمية وخطورته.. وهذا ما جعل
مجلة العربي في احتفالاتها باليوبيل الذهبي على أن يكون ضمن فعالياتها تلك،
اهتمام بالجانب السينمائي.. والسينما في الخليج بالذات تحتاج لاهتمام من
هذا النوع والحجم..!!
ثم
التفكير في التنظيم لمثل هذه الفعالية، لابد له أن يظهر من نادي سينمائي
عريق.. يحتفل هذا العام بعامه الثلاثون.. فنادي الكويت للسينما قد أصبح
لديه الخبرة في تنظيم مثل هذه الأسابيع المتخصصة.. وكانت حقاً مناسبة
هامة.. فهذا اللقاء السينمائي ضرورياً بالنسبة للمشتغلين بالصورة المتحركة
في دول الخليج.. وذلك للاستفادة والإطلاع على تجارب بعضهم البعض.. وضرورياً
كذلك بالنسبة للجمهور الذي حضر العروض السينمائية والندوات التي أعقبتها..
وكان عنصر مهم في نجاح هذه الفعاليات..!!
ثلاثون عاما بدون الكويت
آخر زيارة
قمت بها للكويت كانت في العام 1979.. تصوروا.. وهذا يعني بأنني لن أشغل
بالي بالتغيير الكبير الذي أحدثته السنون في هذا البلد الشقيق.. ولكني في
نفس الوقت كنت أتساءل هل الإنسان في الكويت قد غيرته هذه السنون..؟!
عند وصولي
في المطار.. كان مقرراً أن ألتقي بصديقي الشاعر سامي القريني.. لولا كرم
المشرفون على الأسبوع السينمائي.. واللذين قابلونا باستقبال رسمي ومشرف،
عبرنا إلى ممرات المطار نحو قاعة التشريفات الخاصة.. ومنها إلى سيارات خاصة
نقلتنا إلى ماريوت الكويت.. صديقي سامي تركته بالمطار.. إلا أنني سررت
كثيراً عندما وجدت الصديق الناقد عماد النويري في استقبالنا في الفندق..
هذا الإنسان الفنان، الذي نجح في تذليل كافة الصعاب لنجاح هذا اللقاء
الخليجي الجميل.. حيث الحديث بدأ بيننا ولم ينتهي بعد..!!
شخصياً..
أعاني كثيراً عندما أقيم في مكان جديد.. وهذا ما كان يشغلني قبل سفري إلى
الكويت.. كان علي التأقلم مع مكان جديد.. ولولا الصحبة الجميلة التي حظيت
بها هناك وبالذات من سامي وعماد.. لما ترددت في العودة بأسرع وقت..!!
حكاية الرقابة مع الذوادي
حفل
الافتتاح كان في مساء اليوم التالي.. هذا الحفل الذي تحول إلى تظاهرة فنية
تضامنية مع فيلم الافتتاح (حكاية بحرينية) ومع صناعه.. حيث لم يتوانى مقص
الرقيب الكويتي من حذف ما مجموعه الربع ساعة من الفيلم.. دون مبررات
منطقية.. علاوة على أنها (الرقابة) قد اخترقت المحضور.. وهو أن أفلام
المهرجانات والأسابيع السينمائية لا تتعرض لمقص الرقيب في أغلب دول
العالم.. باعتبار أن جمهورها ينتمي إلى النخبة وليس جمهوراً عاماً!!
هذا
التشويه الذي حصل لفيلم (حكاية بحرينية) قد بدا واضحاً على وجه مخرج الفيلم
بسام الذوادي.. وعلى نجمتي الفيلم مريم زيمان وفاطمة عبدالرحيم.. كان
الذوادي منفعلاً وهو يعلق على ما حدث أثناء الندوة التعقيبية بعد عرض
الفيلم.. إلا أن كلمات الثناء والاستحسان مما قدمه الفيلم.. وكلمات
الاستنكار مما فعله الرقيب في الفيلم.. قد ساعدت الذوادي على التغلب على
انفعاله، وجعلت من الندوة بمثابة التظاهرة التضامنية مع الفيلم وصناعة.
بفندق ماريوت الكويت.. عقدت الندوة الرئيسية للأسبوع.. وكان
عنوانها (السينما في الخليج: واقع وتحديات).. والورقة التي كلفت بإعدادها
كانت ترتكز على السينما في البحرين.. ومن ثم مداخلة عن الثقافة السينمائية
على الإنترنت..!! ما حصل هو غير ذلك.. أو لنقل بأنه في آخر لحظة تغير شكل
الندوة ومضمونها من قبل منظمي الأسبوع.. وكان عليّ أن أُقدم فقط مداخلة عن
تجربتي مع موقع "سينماتك".. إلا أنني لم أفهم سبب هذا التغيير المفاجأ..
لذا حاولت أن أقدم رصد سريع لتاريخ الصورة السينمائية والمشتغلين بها في
البحرين.. حيث أنني تعديت الوقت المخصص لي.. وحاولت أن أضع صورة مبسطة
ومختزلة للموضوع.
محاور
الندوة كانت خمسة.. تناولت في مجملها أهم معوقات الإنتاج والتسويق
السينمائي في دول الخليج:
-
سينما
الهواة خطوة نحو المستقبل: تحدث فيه المخرج الكويتي حبيب حسين، الذي يرى ضرورة
إنتاج أفلام هامة ومؤثرة لفرض صناعة السينما وترسيخها على أسس متينة
وأهداف بناءة في المجتمع.
-
السينما في البحرين وثقافة الإنترنت: تحدث فيه السينمائي البحريني حسن حداد، والذي قدم من
خلاله لمحة تاريخية عن بدء العروض السينمائية في البحرين والهموم
والعراقيل التي تواجه هذا المرفق الفني.
-
واقع
السينما في المملكة العربية السعودية:
تحدث فيه المخرج السعودي عبدالله العياف، الذي تناول معوقات الإنتاج
السينمائي في المملكة ومن أهمها عدم وجود دور عرض سينمائية.
-
المهرجانات السينمائية في الخليج ضرورة أم رفاهية؟:
تحدث فيه السينمائي الإماراتي مسعود أمرالله مدير مهرجان دبي، حيث أكد
على أهمية المهرجانات ودورها التثقيفي والإعلامي.. وضرورة استمرارها
لخلق أجواء الاحتكاك والإطلاع على تجارب الآخرين.
-
السينما الخليجية في عيون الغرب.. نظرة من الخارج:
الذي تحدث فيه د. خالد شوكت مدير مهرجان روتردام.. وذكر بأن الدول
الغربية تعامل الأفلام الخليجية بعنصرية وتمارس عليها السلطوية، مقارنة
بالأفلام الأخرى.. كما دعا إلى النهوض بالسينما كفن ومحاربة السينما
الهابطة والمسفة.
المهم بأن الندوة كانت ثرية وهامة.. بما قدم من أطروحات
ومداخلات ونقاش حاد حول هوية السينما في الخليج.. وكيفية النهوض بها من
تجارب متعددة لأفلام طويلة وقصيرة، إلى تأكيد استمرارها وتواصلها
وجماهيريتها.. وضرورة أن تكون لصيقة بالواقع الحياتي والمعيشي للمتفرج
عندنا..!!
ومن أبرز
المداخلات.. تلك التي قدمها الناقد فاروق عبدالعزيز، الذي كشف عن تفاصيل
دقيقة لإمكانية إنتاج فيلم سينمائي بكلفة نصف مليون دولار.
كما تحدث
د.سليمان العسكري رئيس تحرير مجلة العربي، عن التوجه للقطاع الخاص لحثه على
الإنتاج والمشاركة في قيام سينما خليجية.
التحدث
إرتجالياً أمام حشد من أي نوع، كانت ـ بالنسبة لي ـ المهمة الأصعب في
مشواري النقدي، منذ أن بدأت مع بداية الثمانينات من القرن الماضي.. ففي كل
مناسبة أو ندوة كانت تبدو وكأنها الأولى.. ليس كما يقول الممثل المتمرس
بأنه مازال يشعر بالرهبة عند صعوده خشبة المسرح.. ولكن لأنني غير متدرب
وليست لدي الموهبة هذه.. فالإرتجال لوحده موهبة.. وأنا لا أملكها كما
أزعم.. المهم بأنني حاولت أن أتجاوز هذه المشكلة في اللقاء التلفزيوني الذي
جاء بعد ختام هذا الأسبوع السينمائي..!!
ثم أنني
في لقاء الكويت هذا.. شعرت بهذه الأهمية التي يوليها من يتعاملون معي كناقد
ـ من فنانين ونقاد وصحفيين ـ أهمية بمعنى الإهتمام بسماع رأي أو وجهة نظر
حيال أعمالهم وتجاربهم السينمائية.. إن كان في ندوات عامة بعد عرض الأفلام،
أو في لقاءات تلفزيونية أو صحفية تعليقاً على هذه العروض.. والتي عادة ما
أعتذر عنها..!!
السعوديون
قادمون
اللقاء مع
الأفلام السعودية كان ممتعاً.. حيث الإطلاع على التجارب السينمائية القادمة
من هناك.. القادمة من بلد ليس به دور سينما.. فكان السعودي عبدالله العياف
حاضراً مع فيلمه (السينما 500كم) وفيلمين سعوديين آخرين (طفلة السماء ـ
نساء بلا ظل).. ففيلم العياف كان مفاجأً في فكرته ويقدم بتلقائية جميلة
رحلة شاب سعودي من الرياض إلى المنامة لمشاهدة فيلم سينمائي.. المسافة بين
المدينتين هي 500 كلم.. صحيح بأن الفيلم شابه بعض الترهل، وكان يحتاج لبعض
الإختصار في مشاهده.. فالكثير من الجزئيات قد أضرت بفكرة الفيلم.. ولكن
بإعتباره الفيلم الأول لصاحبه، فقد سعى إلى قول أشياء كثيرة.. كانت حاضرة
في ذهنه..!!
أما (نساء
بلا ظل) فكان عبارة عن ريبورتاج سينمائي جريء.. وهي الحسنة الأبرز التي
ساعدته في توصيل ما يسعى إليه.. هناك الكثير من المشاهد تحتاج إلى حذف..
وبعضها لا يضيف إلى الفكرة بل يضعفها.
فيلم
(طفلة السماء).. يقدم موضوع جيد، إلا أن السيناريو لم يوفق في رسم الكثير
من المشاهد.. بل وجاءت الشخصية الرئيسية (الطفلة) وهي تفتقد إلى العمق
والمصداقية نتيجة المباشرة في الطرح والركون إلى التبسيط في السرد الدرامي.
ثلاثة
أفلام تمثل رؤى إجتماعية تنتقد تلك الأوضاع الصعبة التي تنتشر في المجتمع
السعودي.. وهي محاولة جيدة لقول شيء مسكوت عنه في السابق.
بعد العرض
تحدث المخرج عبدالله العياف للجمهور، عن بعض الصعوبات التي واجهها أثناء
التصوير.. الجميل في الأمر بأنه أعلن بأن التصوير في الأماكن العامة ليس
ممنوعاً البته في السعودية.. بل العكس صحيح، حيث أن من يريد أن يمنع أي
تصوير لابد له من أخذ تصريح من الجهات المختصة..!! كما أعلن بأن السينما
السعودية قادمة.. من خلال المحافل العربية والدولية.. وأن أمر الصالات
السينمائية هي مسألة وقت فقط.. فهناك صالات كبيرة مخصصة للعروض السينمائية
منتشرة هنا وهناك في السعودية.. فقط تنتظر أمر بالتشغيل.
وضمن
فعاليات الاسبوع..
اقيم مؤتمر صحفي لمدير مهرجان الخليج مسعود امرالله تحدث فيه
عن الدورة الاولى
لمهرجان الخليج التي ستعقد في ابريل المقبل. ويعتبر مهرجان الخليج
السينمائي حدثا
ثقافيا، ويقام بصفة سنوية في امارة دبي، ويتضمن مسابقة للسيناريو والافلام
الاماراتية القصيرة. ويعنى المهرجان بالاحتفال والاحتفاء
بالاعمال الابداعية
المتميزة على مستوى السينما الخليجية لتصبح محطة يتجة اليها مجتمع السينما
العالمية
لاكتشاف السينما الخليجية.. حيث يقدم في دورته الاولى مسابقة
للافلام الروائية الطويلة والقصيرة والافلام التسجيلية
بالاضافة الى مسابقة خاصة
بالطلبة.
الكويت.. سينمائياً
كان حضور
الكويت السينمائي بارز في هذا الأسبوع، وذلك من خلال أفلام (جمال عقل خالد
ـ صابر على البحر ـ كويتنا ـ شرق ـ عندما يرحل الملاك).. وهي أفلام أشعرتنا
بأن هناك جيل سينمائي جديد في الكويت.. يبحث ويجرب ويحاول أن يصنع صورة
مخالفة لما هو متوقع.. في تجارب فيلمية تجريبية وصادمة في غالبيتها.. أفلام
تتناول قضايا فلسفية وفكرية.. وتحاول التعبير عن حالات نفسية خاصة..!! فيلم
(شرق) الوحيد الذي قدم السينما البسيطة.. ولكن بأسلوب إخراجي جميل ومشوق..
أو لنقل جماهيري..!
في اللقاء
الذي تلى عروض الأفلام الكويتية.. كان الحوار والنقاش قد تركز على الغموض
الذي اتسمت به هذه الأفلام.. والقليل منهم من تفهم حرية المخرج في أن يقدم
ما يراه وما يعبر عنه كإنسان وفنان.. وهو أمر مشروع ولا يمكن الركون على أن
الفنان لابد له أن يقدم ما يفهمه المتلقى أو ما يعجبه.. هذا الأمر استغرق
وقتاً طويلاً من النقاش.. ليس في هذا اللقاء فقط.. بل إنه إشكالية قديمة
مازالت تسيطر على أغلب التجمعات الثقافية..!
الإماراتيين.. مفاجأة الأسبوع
الإماراتيين.. كانوا مفاجأة الأسبوع بالنسبة للكويتيين بالذات، حيث الإطلاع
على التجارب السينمائية الخليجية نادر.. فقد كان المخرجان سعيد سالمين
وعبدالله حسن أحمد قد حضرا مع أفلام إماراتية بارزة (هبوب ـ الغبنة ـ
عصافير الغيظ).. ومع أني قد شاهدت مجمل الأفلام المعروضة في هذا الأسبوع..
إلا أنني وجدت نفسي أكتشف الطموح والحماس في جميع هذه التجارب.. أكتشف من
جديد بأن للسينما في دول الخليج عاشقون ومحبون لهذا الفن الإستثنائي..!!
شخصياً..
أزعم بأن المستوى الجيد الذي وصله الإماراتيون في مجال الفيلم القصير.. كان
بالطبع نتيجة للإطلاع والمتابعة المستمرة التي توافرت في مسابقة أفلام من
الإمارات.. حيث العروض والتظاهرات الجانبية من مختلف دول العالم..!!
الفيلم
العماني (البوم) للمخرج خالد الزدجالي.. عرض لوحده يوم الأربعاء في حضور
جمهور جميل.. ناقش المخرج وتفاجأ بهذه الجهود الخلاقة لصنع السينما في
عمان.. فوجود أول فيلم عماني طويل على الساحة يعد مكسباً بحد ذاته.. بعض
النظر عن السلبيات التي عادة ما تصاحب العمل الأول..!!
ختاماً..!!
الختام
كان أيضاً حافلاً بالعديد من المفاجأت.. أولها حضور وزير الإعلام الكويتي
شخصياً لحفل الختام.. وتوزيع شهادات التقدير للمكرمين.. كما أن فيلم (قصيد
سيمفوني) كان حقاً مسك الختام، فالفيلم يقدم لنا فناناً كبيراً في عالم
الفن والموسيقى.. سليمان الديغان.. ابن الكويت وابن الفنان غنام الديغان..!!
وقد كان الفيلم بمثابة رحلة في وجدان هذا الفنان، ومحاولة جادة في تقديم فن
الموسيقى من خلال السينما.
أما
اللقاء الخاص بالسينما في الخليج في تلفزيون الكويت.. فقد استضاف ستة من
المشاركين في الأسبوع.. الناقد عماد النويري، المخرج خالد الزدجالي، المخرج
وليد العوضي، المخرج عبدالله حسن أحمد، الناقد خالد شوكات، الناقد حسن
حداد.
هذه
الحلقة التلفزيونية الخاصة قدمتها المذيعة المتألقة والمثقفة ندين صيداني
في ساعة تلفزيونية مشوقة.. حيث الشد والجذب في الحوار والبحث في قضاياً
كثيرة تهم السينما في الخليج، لم يسعها الوقت للظهور للمتفرج.. ولكنها
بالفعل حاضرة ومتجسدة على الساحة السينمائية..!
ختاماً..
لابد من التأكيد على استمرار إقامة هذه الفعاليات السينمائية.. باعتبارها
المنفذ الوحيد للإطلاع على تجارب وأفلام خليجية
فبراير 2008
|