ينهي دورته يوم الأحد
المقبل...
مهرجان برلين: أشباح الإرهاب
والحروب تطارد الأفلام
برلين - محمد موسى
وحدهم
المدخنون، يقفون في الخارج، وقريباً من مقاهيهم في محيط ساحة بوتسدام في
برلين. هم مجبرون على اي حال، فمنذ منع التدخين في المحال العامة في معظم
الدول الأوروبية، تحولت الأرصفة الى مكان لتدخين السجائر، على عجل هنا في
برلين وفي هذا الوقت من العام، هرباً من موجة برد وعواصف تضرب المدينة منذ
أيام.
بني معظم
مباني الساحة، التي تتوزع فيها اهم صالات عرض مهرجان برلين السينمائي، خلال
العقدين الأخيرين، اي بعد اتحاد المدينة. لا آثار كبيرة لاحتفالات برلين
بعشرين عاماً على سقوط الجدار والذي يصادف هذا العام، لكن برلين مدينة
شتوية بطبيعتها، ومعظم الأشياء تجري داخل الأبنية الدافئة.
عروض
الافلام السينمائية لمهرجان برلين تتوزع على حوالى عشرين مركزاً لعرض
الافلام، معظمها يوجد في ساحة بوتسدام نفسها، والتي خطط لها ان تكون المركز
الجديد لترفيه المدينة، بسينمات كبيرة، تضم صالات عدة، تعرض عادة الكثير من
الافلام الأميركية الشعبية، وتتحول وقت المهرجان الى صالات مكتظة بجمهور لا
تعرف كيف وصل الى القاعات على رغم سوء الأحوال الجوية، ليتابع دورة جديدة،
تصفها الصحافة الالمانية وغيرها بالأفضل منذ سنوات عدة.
تعكس
مواضيع أكثر الافلام جدلاً في هذه الدورة، المناخ السياسي العالمي المتأزم،
والذي هيمن على حياتنا في السنوات الاخيرة. بعض المواضيع، مثل العمليات
الارهابية في لندن عام 2005، تصل للمرة الأولى الى الشاشة، بفضل مخرج فرنسي
من أصول جزائرية. الحرب الأميركية في العراق، حضرت أيضاً بفيلم كبير حقاً،
وكذلك ماضي حروب البلقان والتي قدمت في فيلم «العاصفة» من اخراج الالماني
هانس كريستيان سخميد، ولعبت الدور الاساس فيه الممثلة اناماريا مارنكيا،
وهي نفسها التي قامت ببطولة الفيلم الروماني «4 أشهر، 3 أسابيع، يومان»
والذي حاز على جائزة مهرجان «كان» السينمائي قبل عامين.
مهرجان
برلين السينمائي، ليس فقط أفلاماً جادة او مجهولة، هو يتمسك كثيراً بهوية
المهرجان العالمي والشعبي في الوقت نفسه، والذي يستقطب النجوم، بسجادته
الحمراء، وقصر العروض الكبرى، والنجوم ومعجبيهم، والذين انتظروا فترات
طويلاً من اجل النجمة الاميركية ميشيل فايفر التي افتتحت العروض الأولى
لفيلمها «شيري»، أو الانكليزي الوسيم كليف اون الذي حضر افتتاح فيلمه
«الدولي»، والذي افتتحت به أيام عروض المهرجان.
لندن بو
شارب
ليس من
الصعب تقبل قصة فيلم «نهر لندن» لرشيد بو شارب والذي عرض ضمن المسابقة
الرسمية الكبرى من مهرجان برلين: أم إنكليزية عادية تعيش في الريف، تذهب
الى لندن للبحث عن ابنتها التي تدرس هناك، في يوم التفجيرات الإرهابية في
السابع من تموز (يوليو) عام 2005، وبعد أن تفشل بالاتصال بها هاتفياً. وأب
أفريقي مسلم يعيش في باريس، يبحث عن ابنه الذي يدرس في لندن أيضاً.
سريعاً
جداً يكتشف الوالدان المفجوعان، ان ابنيهما كانت تربطهما علاقة عاطفية، وأن
مصيرهما ربما يكون قد حددته تلك العلاقة وخططها في يوم التفجيرات. لكن الأم
الجاهلة بتلك العلاقة، تنزعج من علاقة ابنتها بإفريقي مسلم، وتضايق الاب،
الملتاع مثلها، وتشكوه للشرطة، وترفض ان يبحثا معاً عن الابنين. وبعد ان
تجمعهما الاوقات الصعبة اثناء البحث عن الشاب والفتاة، تتقرب الشخصيتان
الأساسيتان في الفيلم من بعضهما بعضاً، قبل ان يعود كل منهما الى حياته.
لم يشأ
فيلم رشيد بو شارب ان يخوض في اي جدل سياسي، عن الارهاب، أو يتساءل لماذا
ضرب لندن في ذلك اليوم. هو قدم المسلمين الذين تعيش ابنة السيدة الانكليزية
في أحد أحيائهم، بصورة شديدة الايجابية. فكل الذين صادفتهم الأم، لم
يتاخروا في مساعدتها، من دون أن ينفروا من محافظتها والتي تصل الى حد الخوف
منهم.
القصة
المفعمة بالنيات الطيبة، أثرت في واقعية الشخصيات، وأحالتهم الى ما يشبه
الممثلين في فيلم دعائي، عن الحياة المشتركة في المدن الكبيرة، وهي أفلام
تقوم جهات حكومية رسمية أوروبية بإنتاجها أحياناً. ومن الغريب أيضاً، ان
يكون التطور الدرامي الوحيد في الفيلم، هو الذي كان على السيدة الإنكليزية
ان تمر به، فهذه السيدة الطيبة (وكما قدمها الفيلم أصلاً، وساعد أداء
الممثلة الإنكليزية الرائعة برندا بليثين على تكريسه)، هي التي اختارها
المخرج لتحمل عبء الفيلم، وثقل العداء العميق بين الغرب والاسلام!
من المؤكد
أن المستوى الانساني لتقديم قصة عن فعل شرير مثل العمل الإرهابي الذي طاول
المدنيين في لندن، والذي اختاره المخرج رشيد بو شارب لفيلمه، هو خيار فكري
وإنساني، لكن لماذا يجب ان تكون البطلة الإنكليزية، هي التي تمثل الخوف من
الآخر؟ ولماذا لم يتم تقديم أي إشارات عن البيئة الاجتماعية التي تحيط
بالمهاجرين المسلمين في لندن، مثل المؤسسات الدينية والاجتماعية والتي تحرض
على الكره، وتتحمل جزءاً من المسؤولية عما فعله الشبان الأربعة الذين
فجّروا انفسهم في القطارات والباصات عام 2005.
المخرج
واجه أيضاً مشاكل في إيقاع الفيلم، ونقصه البحث الجيد عن الحياة في
بريطانيا، فالأداء والانفعال لم يتصاعدا بطريقة مقنعة مع الزمن او مروره،
ولم يعكسا ما يمكن توقعه من ردود فعل على الشخصيات. الفيلم يرتكب أيضاً
مجموعة من الاخطاء الكبيرة التي تتعلق بأداء البوليس البريطاني وأخرى
بتوقيت بعض احداثه.
استعان
الفيلم ببعض الصور التلفزيونية من نشرات الاخبار البريطانية، بعد التفجيرات
مباشرة، وقدم أحياناً مشاهد طويلة مستمدة من هذه التقارير التي أظهرت جزءاً
من الرعب الذي أصاب الناس هناك، والصدمة على رغم التوقعات القوية لسنوات
بأعمال إرهابية ستحدث في لندن، تلك الصور التلفزيونية وصفت تلك الأيام افضل
من الفيلم نفسه!
الى هذا،
عرض المهرجان خارج تظاهراته فيلماً جديداً، يمكن ان يصنف أنه أحد أفلام
الحرب الاميركية في العراق، والتي من غير المتوقع أن يتوقف إنتاجها في
المستقبل القريب، وربما ستتحول الى ما يشبه التيار السينمائي، وكما حصل مع
أفلام حرب فيتنام، وهو فيلم «الرسول» الذي يقدم في أول إخراج للإسرائيلي
الذي يعيش في مدينة نيويوك اورن موفرمان، قصة الجندي الذي يكلف بنقل أخبار
مقتل الجنود الأميركيين في العراق الى عوائلهم. الجندي الذي خدم في العراق
أيضاً، وعاد منه بجروح دائمة، وعلم عراقي معلق فوق سريره، يبدو الشخص الخطأ
تماماً لهذه المهمة، فهو ومنذ عودته من العراق، يجد صعوبة في الانسجام مع
الحياة العادية أو التواصل الطبيعي مع الناس، ويتجنب الحديث عن الحرب او
الحديث أصلاً.
تعود
الحرب بدمارها ولا معناها الى الجندي بطل الفيلم، والذي عليه ان يواجه أقسى
نتائجها في أمان المدن الاميركية. هو عليه مع زميله، ان ينقل أخبار الموت
لست عوائل مختلفة الإثنيات والطبقات الاجتماعية وعلى طول وقت الفيلم، والذي
لا تهرب الكاميرا او تتحفظ عن تصوير ألم تلك اللحظات المروعة، أي بعد ان
يتلو الزميل المرافق «الصيغة الرسمية» لنقل خبر مقتل جندي ما.
في
العادة، عندما تقدم السينما مشاهد مماثلة لعسكريين أميركيين، ينقلون أخبار
الجبهة، يختفي حضور العسكر بعد المشهد تماماً، وتبقى القصة مع العوائل
المنكوبة. لكن فيلم «المراسل»، يبقى مع رسولي الموت، يكون معهم قبل أن يصلا
الى البيوت، يقف معهما على الباب، يحدق في الوجوه المذعورة، ثم يعود
ليصحبهما الى حياتهما الخاوية.
الحياة
اللندنية في 13
فبراير 2009
السينمائيون الفلسطينيون يطالبون ألمانيا بمعاملة بالمثل!
محمد موسى من برلين
سريعًا
جدًا، تحولت ندوة السينما الفلسطينية والتي نظمتها مؤسسة "دعم سينما
العالم" الألمانية، إلى فرصة للسينمائيين الفلسطينين لإظهار غضبهم من
مهرجان برلين، والسياسات الثقافية للعديد من الدول الأوروبية، والتي يرون
بأنها تنحاز للسينما الإسرائيلية والمثقفين الإسرائيلين، ولا تقوم بمساعدة
السينما الفلسطينية بالشكل الكافي. فالذين تحدثوا من الحضور، ومعظمهم
فلسطينيون مثقفون، لا يفهمون مثلاً، لماذا قام مهرجان برلين بالتعاون مع
مؤسسات ثقافية المانية ، بتوفير ثلاث فرص لمخرجين اسرائيليين شباب، للقدوم
إلى برلين والبقاء فيها، لتطوير مشاريعهم السينمائية، ولا تفعل الشيء ذاته
مع الفلسطينين!
بعض
الفلسطينيون الذين حضروا الندوة شكوا ايضًا، من خلو الدورة التاسعة
والخمسين من مهرجان برلين، من الافلام الفلسطينية، خاصة مع وجود فيلمين
روائيين فلسطينين انتجا السنة الماضية، هما فيلم آن ماري جسار "ملح هذا
البحر" ، وفيلم "المر والرمان" لنجوى نجار ، في الوقت نفسه الذي يعرض
مهرجان برلين السينمائي ما يقارب خمسين فيلمًا اسرائيليًا في برامجه
المختلفة في دورته الحالية ، والتي ستختتم يوم الاحد القادم.
ويبدو ان
موضوع الندوة ومحاورها، لم يكن واضحًا للكثيرين، وخاصة للمخرجات والمخرجين
الفلسطينيين الذين قدموا من المناطق الفلسطينية او من الدول العربية
المجاورة، هذا الارتباك الذي تحدثت عنه المخرجة المعروفة مي المصري ، والتي
اعربت في مداخلتها عن انزعاجها ، ان يتجه الحديث في الندوة ، إلى تاريخ
السينما الفلسطينية، او محاولة لإيجاد تعريفات اكاديمية لها، في الوقت الذي
افترضت هي ، ان الندوة ، ستكون فرصة للمخرجيين الفلسطينين الشباب للقاء
المنتجين الألمان او غيرهم ، للبحث عن فرص تعاون لمشاريع مستقبلية.
وركز
الجزء الاخير من الندوة ، على مشروع سينما مدنية جنين ، وهو المشروع الذي
بدأ، بمبادرة من المخرج الالماني ماركوس فيتير ، مخرج فيلم "قلب جنين" ،
وهو الفيلم الذي اهتم بوالد احد الاطفال الفلسطينين ، والذين قضوا بنيران
القوات الاسرائيلية ، ليقوم الوالد بعدها، ووسط غضب العديد من ابناء
المدينة ، بالتبرع باعضاء ولده الى الاطفال الاسرائيلين المرضى.
هذا
المخرج الالماني، والذي انتبه الى احد بنيات السينما المتروكة في قلب
المدينة ، قرر السعي مع حكومة بلده، للعمل على اعادة الروح الى السينما بعد
توقف لأكثر من عشرين عامًا، وتهيئتها لتكون صالة سينما حديثة في المدينة.
المخرج
الذي حضر الندوة، مع والد الطفل الفلسطيني، موضوع فيلم "قلب جنين" ، قدم
ايضا ، المدير الفلسطيني الجديد للصالة السينمائية التي ستتفح فور انتهاء
اعمال الترميم ، هذا المدير القادم من خلفية قانونية، وصف تجربة السينما في
قلب المدينة، بأنها ستحمل الكثير من الترفيه لسكان المدينة، اضافة الى
الدور الذي يمكن ان تقوم به ، بنشر الثقافة السينمائية والاجتماعية.
مما يذكر
ان مؤسسة "صندق دعم السينما" الالماني هو مبادرة من مهرجان برلين السينمائي
مع مؤسسة "كلتور ديسبونديز) الثقافية الالمانية ، وان الصندوق يقوم بتقديم
دعم لصناع السينما من اسيا وافريقيا واميركا الجنوبية ، ومخرجين من الشرق
الاوسط ، حيث وصل عدد الافلام التي تلقت منح من هذا الصندوق الذي بدا عام
2004 ، ما يقارب الاربعين فيلمًا منها افلام ، حققت الكثير من الاهتمام عند
عرضها في مهرجانات سينمائية او الصالات ، مثل فيلم هاني ابو اسعد "الجنة
الآن" ، وفيلم محمود المساد "اعادة خلق".
موقع
"إيلاف" في 13
فبراير 2009
|