صفحات من حياة آخر نجمات الجاذبية على الشاشة (5-5)
فتحت قلبها لـ القبس في حوار صريح قبل أيام من وفاتها
هند رستم: الثورة يجب أن تطال الفن أيضا
القاهرة - خالد بطراوي
أعطت للإغراء مفاهيم جديدة فقد ابتعدت به عن سذاجة عرض الجسد.. ويكفي
هذه النجمة أن سحرها لم تعطله سنوات الاعتزال، التي وصلت إلى 32 عاما.
على مدار عقود عديدة ظل اسم هند رستم محفورا في أذهاننا جميعا من خلال
تاريخها المليء بالاعمال الناجحة التي ما زلنا نستمتع بمشاهدتها حتى الآن،
كأننا نشاهدها لأول مرة.. وليس هذا غريبا طبعا، فقد قدمت أدوارا مختلفة
فتحت الباب امامها لتدخل عالم السينما.. عالم الشهرة.. عالم المشوار
الطويل، وصولا الى النجومية الساطعة التي لا تغيب.
قبل وفاتها بأيام التقيت الفنانة الكبيرة هند رستم ليس فقط لتقديم
مشوار حياتها الفنية ومسيرتها طوال سنوات عملها بالفن، لكن أيضا لأن هند
رستم نفسها كانت تعيش حالة خاصة، أبرز ما فيها الشعور بالوحدة الذي سيطر
عليها منذ رحيل زوجها وصديقها الدكتور محمد فياض عام 2008.
ولأن الوحدة بطبيعتها تنشط الذاكرة، تبعث فيها صورا متداخلة لأحداث
مضت وذكريات مرت، لذلك جاء الحوار مع هند رستم دافئا، حميما، لا تنقصه
الصراحة ولا يخلو من المفاجآت. فهي صريحة لا تجامل ولا تتجمل.
لم تتوقف هند رستم عن الكلام اثناء حواري معها الا مرتين، المرة
الاولى لتمسح دموعها التي ترقرقت في ثوان عندما سألتها عن الوفاء في هذا
العصر، والمرة الثانية لتقرأ الفاتحة على شهداء ثورة شباب 25 يناير، مؤكدة
انها فخورة بما حدث في مصر اخيرا من تغيرات احدثتها ثورة شباب 25 يناير،
لكنها ترى ان الثورة يجب ان تطال كل شيء حتى الفن، ولا بد من البحث عن
مواضيع جيدة وجديدة تحترم العقول وتقول للاسفاف والابتذال ارحلا بعيدا.
فن هابط
قالت هند رستم انها مستعدة للعودة الى الساحة الفنية في حال وجود
العمل الجاد الذي يحمل قيمة فنية، وأضافت:
- كل ما اتمناه من النجوم هو الالتزام، وان يكون المضمون لهم هو الاهم
وليس الاجور.
• ما رأيك في المستوى العام للفن الآن؟
- هو من الحالة العامة المتدهورة، وأثرت الأزمة الاقتصادية فيه جدا،
اليوم لا يوجد سوق للفيلم ولا يوزع، ولا يأتي بأرباح معقولة تشجع على
الانتاج الصحيح.
• أفلامنا القديمة كان فيها ابداع؟
- كلنا ابدعنا.. انظر الى فيلم «نهر الحب» للفنان عمر الشريف وفاتن
حمامة و«غزل البنات» و«لعبة الست» كان عدد الابطال كثيرا في الفيلم الواحد،
سعيد ابو بكر لعب مشهدا واحدا وكان بطل دوره.. دور الأخرس، اليوم الفنان
يقيس دوره بالمتر، ويسأل: الدور أد أيه؟
كنت احيانا اقبل ادوارا صغيرة جدا، لكن لها قيمتها الفنية في الفيلم..
وكنت أقبل حتى بمشهد واحد، ولكن الآن طغت المادة فوق كل القيم الفنية وغير
الفنية، وتقطعت الروابط الانسانية بين الفنانين الذين كانوا عائلة واحدة.
في زمني كان الجميع يتعامل بروح الأخوة، اما اليوم فبات كل واحد يكره
الآخر، ويسرق من الثاني أي عمل يسند اليه.
إجماع على الإبداع
• هناك شبه اجماع على ان سينما الاربعينيات
والخمسينيات والستينيات أفضل من سينما السبعينيات والثمانينيات
والتسعينيات.. فما السبب؟
- انني مع هذا الاجماع، فلا أحد يستطيع ان ينكر أن مجموعة الممثلين
القدامى تواريخهم ثرية، وكان الحب يجمعهم، والعمل الفني بالنسبة لهم اهم من
المادة. وعن نفسي فإنني منذ بدأت وحتى اعتزلت فانني بقيت هاوية، والمادة
كانت آخر ما افكر فيه، وليس معنى هذا ان افلام هذه الايام هابطة أو دون
المستوى، فبعضها جيد جدا، لكن الاغلبية لا، والشيء نفسه بالنسبة للممثلين،
فبعضهم حقق الامتياز، وينبغي ان نفخر به.
منافسة شريفة
• بماذا تشعرين عند رؤية أعمالك الفنية؟
- احيانا كثيرة اكون سعيدة واحيانا أخرى لا، فهناك أفلام حسب السن
والوعي والتفكير، وكثيرا ما انظر اليها حاليا بأداء آخر ورؤية أخرى، كما
انتقد نفسي كثيرا.
• ماذا عن المنافسة بين النجمات في ذلك الوقت؟
- كانت هناك منافسة بيني وبين فاتن حمامة وشادية، ثم سعاد حسني، التي
جاءت بعد جيلنا بقليل، لكننا جميعا كنا نسعى للتفوق والامتياز في اطار
منافسة فنية شريفة، ومن خلال ما نقدم من أعمال فنية.
والواقع انه سبق ووردت في ذهني فكرة ولم تنجح، فقد فكرت ذات مرة
وبالتحديد في منتصف الستينيات في أن ننشئ شركة سينمائية تجمع بين نادية
لطفي وسعاد حسني وفاتن حمامة وماجدة وشادية وأنا، لكن قابلتنا بعض العقبات،
وتوقف المشروع، لقد فكرت فعلا في ان اعمل مع فنانات جيلي ولكني للأسف لم
أوفق في تنفيذ المشروع، لأسباب كثيرة من أهمها كانت تلك الأجور الخيالية
التي بدأ التلفزيون يدفعها لمن هب ودب، ودون النظر الى الكفاءات الفنية!
• آخر فيلم قمت بتمثيله كان «حياتي عذاب» مع عادل
أدهم ونورا وعماد عبد الحليم منذ 32 عاما، ألم يعرض عليك المشاركة في
الافلام طوال هذه الفترة؟
- عرض عليّ كثيرا لكنني رفضت لأن الدور لم يكن يحمل قيمة فنية أو
تربوية أو ثقافية وانا اريد ان احافظ على اسم وتاريخ هند رستم.
عودة الكبار
• كيف ترين عودة النجوم الكبار الى سينما الشباب؟!
- من الإيجابيات التي تشهدها السينما حاليا عودة كبار النجوم الى جانب
الوجوه الشابة فأنا دائما كنت أقول «ضفروا» الكبار مع الصغار لكي يستفيد
الجيل الجديد من ذوي الخبرة، ولكي نقدم للمشاهد وجبة متكاملة مثلما يحدث في
السينما العالمية، فالنجوم الكبار ما زالوا يحصدون ارقى الجوائز العالمية
وما زال الكتاب حريصون على صياغة ما يناسبهم من أدوار فيما يقدمونه من
سيناريوهات جديدة وفي النهاية نجد أن الكل يستفيد من هذا الدمج حتى المشاهد
العادي.
• هل ترين انه لزاما على الفنانين ان يخفضوا
أجورهم في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة؟!
- بالتأكيد يجب على جميع الفنانين المصريين مساندة المنتجين في هذه
الظروف نظرا الى أن التمثيل يعد أكل عيش كل منهما، وبجانب ذلك فالفنانون
حاليا لن يتأثروا كثيرا بمسألة تخفيض الأجور لأن ما تحصلوا عليه خلال
السنوات الماضية يكفيهم للعيش طوال حياتهم.
القوائم السوداء
• ما رأيك في القوائم السوداء للفنانين التي ظهرت
على صفحات الانترنت أخيرا؟!
- القوائم السوداء إهانة للفن، وحزنت جدا عندما علمت بهذه القوائم.
• ماذا لو تلقيت عملا يرصد أحداث ثورة شباب 25
يناير.. فهل ستوافقين؟!
- سأوافق بالطبع إذا كان سيناريو هذا العمل مكتوبا بحرفية شديدة ومنه
سأفيد وأستفيد.
• على أي اساس تختار هند رستم أدوارها؟!
- اختار الدور الذي يقنعني وأرفض أحيانا أعمالا جيدة لضيق الوقت ليس
إلا، ولهذا فلا أملك إلا اختيار أحسن الأدوار المعروضة مهما كان حجم الدور،
فالنجومية ليست مهمة بالنسبة لي ولم تكن هدفي في اختيار اي عمل وذلك على
عكس كثيرات من فنانات الجيل الجديد اللاتي يهتممن أولا بالنجومية..
وبالناحية المادية.
نقاط ضعف
• هل هناك نقطة ضعف عند هند رستم؟!
- أنا أعشق الكلاب فهي نقطة ضعفي الوحيدة ولدي تشكيلة خطيرة من الكلاب
«الوولف» وكلاب أخرى صغيرة.. وأنا أهتم بها كثيرا عكس معظم النجوم الذين
يخشون الاقتراب منها. وقد تأثرت بتربيتي للكلاب فرغم انها تبدو شرسة فإنني
أشعر معها بنعومة فأنا أكره العنف ولا أتحمل مشاهدة أفلام العنف وأفضل
الأفلام البوليسية والسياسية.
• وماذا عن تلك الأعمال الفنية التي تحرصين على
مشاهدتها الآن؟!
- أنا من أشد المعجبات بأفلام آل باتشينو لأنه فنان يظهر كل مرة في
دور مختلف ولون آخر، فقد اندهشت عندما شاهدته في فيلم «استاذ جامعة» وفي
فيلم آخر بدور بلطجي وتاجر مخدرات.. كما أنني أعشق المسرح في الشتاء وأشعر
بالدفء داخله.
•بماذا تحدثين نفسك عندما تشاهدين أعمالك؟!
- هناك مشاهد كثيرة أقول فيها لنفسي «برافو» خاصة في أفلام «الخروج من
الجنة» و«الراهبة» و«امرأة على الهامش» و«الوديعة» و«شفيقة القبطية».
ولكنني أبكي بشدة عندما أرى مشهد شفيقة القبطية بعد ان تعرضت للفقر وهي
تتعاطى الكوكايين. وأحيانا أشعر أن هناك مشاهد كان من الممكن أن تخرج بشكل
وطريقة أفضل.
• وما الذكرى التي لا تنساها هند رستم خلال
مشوارها الفني؟!
- عندما تعرضت لحادث تصادم بسيارتي وانا في طريقي الى استديو
الاهرام.. ورفض العمال تصوير اي مشهد إلا بعد الاطمئنان عليّ، وبالفعل
حضروا الى المستشفى ولم يهتموا بالحصول على الاضافي أو غضب رئيس العمال
عليهم.. لأننا جميعا في الاستديو كنا نتعامل كأسرة واحدة، وليس هناك مجال
للدلع كما يحدث الآن، لأن بريق النجومية يجعل الفنان ينجرف أحيانا ويتعالى
على الآخرين وهو ما رفضته طوال حياتي الفنية.
بحث عن الجديد
• ما الدور الذي تحلمين دوما أن تقومي به؟
- الفنان دائما محتاج الى دور جديد يقوم به، أنا قدمت التراجيدي
والكوميدي، أدوارا عديدة.. قدمت الفلاحة، الصعيدية، وبالرغم من انني قدمت
أدوارا كثيرة فإني ما زلت أبحث عن الجديد.
• ما الدور الذي ترفضين القيام به؟!
- لا أعتقد أن هناك دورا أرفضه إلا إذا كان بعيدا عن طبيعتي.
• فنان تشتاقين للعمل معه؟!
- عملت مع فنانين كبار، وعملت دويتو جامد مع الفنان كمال الشناوى، وكل
ما أشاهد هذه الأعمال اشتاق اليه جدا.
• في رأيك من المسؤول عن انحدار الذوق الفني؟
- كل العاملين في المجال الفني، فالفنان في الوقت الحالي يقبل كل ما
يعرض عليه، لأنه يتقاضى مقابل ذلك الكثير من الاموال، بينما في الماضي كنا
نتفق على الدور الذي نقدمه للناس أولا، ثم ننظر إلى المقابل المادي بعد
ذلك، فقد كنا نتعامل مع الفن على أنه قضية ورسالة تفيد المجتمع.
• لو عدنا بك إلى الزمن الجميل وذكرياتك عنه.. هل
صحيح أنك تعرضت للغرق ذات مرة أثناء تصوير فيلم «صراع في النيل» عام 1959؟
- نعم وكان ذلك في المشهد الذي كان يتطلب أن أُلقي بنفسي في المياه،
لكنني عندما فعلت ذلك كان المركب قد تعمق في البحر ودخل في اماكن عميقة جدا
فسقطت في المياه وغرقت لكن الفنان حسن حامد أنقذني بسرعة فائقة في آخر
لحظة.
• هل تفتقدين مجتمع الفن وسهراته؟
- انا عشت على هامش الفن، التقي الفنانين في الاستديو وقد لا اقابلهم
بعد ذلك.
• عملت مع عشرات الفنانين.. من منهم بهرك؟
- الفنان الكبير فريد الاطرش عندما مثلت معه فيلم «الخروج من الجنة»
فإلى ذلك الحين لم اكن أعرفه جيدا، واذا به كتلة من الاحساس الموسيقي
والاخلاص لعمله، وكثيرا ما كنت اشعر انه قد لا يستطيع ان يكمل المشهد الذي
نمثله أو الاغنية التي يغنيها، فقد كنت اكاد ارى نبض قلبه في عروقه اكثر
قوة، وكان إذا غنى ينظر الينا وكأنه يستطلع رأينا، فإذا اجمعنا على انه
عظيم، فإنه يقول: لا أحس هذا الاحساس، وسوف أعيد مرة أخرى!
الطريق الصحيح
• الم تشعري بالندم على قرار الاعتزال مبكرا؟
- لم أندم ابدا على قرار اتخذته، لقد اخترت الطريق الصحيح، ولكن ما
اندم عليه هو انني لم أقدم عملا او مسلسلا تلفزيونيا، كنت اتمنى تقديم ولو
مسلسل واحد، وان كان قد عرض عليّ اكثر من مسلسل بعد اعتزالي الفن ولكن
الظروف لم تكن مناسبة فاعتذرت.
• في هذه الايام، كيف تقضين يومك وما هواياتك؟
- استيقظ مبكرا في الخامسة صباحا واقوم باعداد القهوة لنفسي استعدادا
لقراءة الصحف في الثامنة صباحا وامارس حياتي بشكل طبيعي. اما عن هواية ركوب
الخيل والسباحة فقد توقفت عنهما بعد اجراء عملية قسطرة في القلب.
• وماذا عن المطبخ واعداد المأكولات؟
- هذا شيء ليس لي فيه نصيب، على الاطلاق.
• عن حياتك الفنية.. هل تذكرين شيئا مهمًّا جدا؟
- أذكر الكثير، ولكن على القائمة جملة، قالها لي الفنان الكبير الراحل
حسين رياض ذات يوم هي: ان دورك في العمل الفني هو الذي يبرزك وليس حجم اسمك
ومكانه في اطار الدعاية، وكان هذا يوم مثلت دور اول بطولة في فيلم «بنات
الليل» عام 1955 ويومها غضبت، لأن اسمي كان قد وضع بعد اسم النجم كمال
الشناوي.
ثورة في الفن
• بماذا تفكرين الآن وفورا؟
- في عودة الأمان والاستقرار، ولا بد ان تكون هناك ثورة أخرى في الفن.
• من يعجبك من النجوم الحاليين؟
- النجم عادة يكون مرتبطا بما يقدمه من أعمال فهناك عمل يصنع نجوما
وعمل يقضي على نجوم لامعة.
• أود أن أطرح عليك مجموعة من اسماء النجوم وكذلك
النجمات وتبدين رأيك فيهم؟
أحمد السقا: أصبح لديه صنعة في اختيار اعماله.
أحمد حلمي: تلقائي وأفلامه لذيذة بالفعل.
غادة عادل: اتجاهاتها واختياراتها جيدة.
منة شلبي: كويسة ومجتهدة.
• ومن خليفة هند رستم؟
- ولا واحدة لأن مفيش غير هند رستم واحدة بس، لأن لكل فنان اسلوبه
الخاص به.
|