فيلم " نوح" بين الرفض والقبول
كتبت- دينا دياب:
أثار الجدل حول فيلم «نوح» الأمريكى العديد من التكهنات بخصوص
إمكانية الرقابة عرض الفيلم فى مصر رغم تصويره للأنبياء والملائكة
والشياطين، وإثارة الجدل وصلت إلى أن عرض الفيلم الذى وضعت شركة
توزيعه خطة عرض فى جميع دول العالم تبدأ من مصر يوم 26 مارس أنه
يلزم الرقابة والأزهر أن تقبل كل الأعمال المصرية التى تناقش آل
البيت والصحابة والأنبياء وغيرهم مما رفضتهم الرقابة طوال الأعوام
الماضيه سواء تليفزيونياً أو سينمائياً، وهو ما خلق انقساماً بين
الدين والفن، فالبعض يؤكد أن الفيلم ثروة سينمائية لا يمكن تجاهلها
فى ظل التوسع التكنولوجى، والآخر أكد أنه بداية لتجسيد صورة الله
فى عمل فنى.. ناقشنا القضية فى السطور التالية..
الفيلم مأخوذ عن سيناريو كتبه أرونوفسكى وآرى هاندل، ويجسد راسل
كرو شخصية سيدنا نوح، وتجسد دور زوجته «جنيفر كونيلى» بمشاركة
أنتونى هوبكنز» و«إيما واتسون» و«دوجلاس بوث» و«راى وانيستون»،
إخراج دارين أرنوفسكى.
السلفيون: تجسيد شخصية الأنبياء جريمة
الفيلم واجه رفضاً من أغلب الجهات الدينية، حيث أصدرت الجبهة
السلفية بياناً قالت فيه نرفض تجسيد شخصيات الأنبياء ونعتبرها
«جريمة» لأنها مدعاة إلى الانتقاص والحط من كرامة الرسل.. ونطالب
الأزهر والأوقاف بالتدخل الفورى لمنعه.
بينما انقسم الأزهريون مؤيد ومعارض البعض يؤيد أن تجسيد الأنبياء
به استهانة وعبث بمقام الأنبياء، لأن الفيلم مخالف للدستور الذى لا
يبيح المساس بالذات الإلهية وبالأنبياء، والآخر قالوا إنه لا يختلف
عن فيلم المسيح الذى عرض عام 2004.
بينما كان قرار المجمع الفقهى فى دورته الثامنة المنعقدة عام
1405هـ يتضمن تحريم تصوير النبى محمد صلى الله عليه وسلم وسائر
الرسل والأنبياء عليهم السلام، والصحابة رضى الله عنهم، ووجوب منع
ذلك.
أيضاً أصدر ائتلاف «أحفاد الصحابة وآل البيت» بياناً قالوا فيه: إن
تجسيد الأنبياء والرسل محرم باتفاق أهل العلم، لاسيما وأن نبى الله
نوح من أولى العزم من الرسل، وتجسيد شخصيته فيه إيذاء له، مضيفاً
أن ذلك يكون مدعاة إلى انتقاصه والحط من قدره وكرامته، وذريعة
للسخرية منه والاستهزاء به.
الرقابة: لم نتسلم نسخة عرض
سألنا أحمد عواض، رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، فقال: حتى
الآن لم تأتينا نسخة من الفيلم حتى نقرر عرضه أو منعه، والشركة
المنتجة حددت لنفسها موقف دون أخذ رأى الرقابة المصرية وهى الجهة
الوحيدة المنوطة بعرض الفيلم فى مصر أو منعه، وأضاف أن الفيلم إذا
جاء مصر سيعرض على لجنة من الأزهر إذا رفضته ووجدت فيه انتقاصاً من
النبى سيمنع وإذا تمت إباحته مثل فيلم آلام المسيح والعقاد سيتم
عرضه.
غرفة صناعة السينما: نرفضه شكلاً وموضوعاً
بينما أكد منيب شافعى، رئيس غرفة صناعة السينما، أن الفيلم لا يمكن
أن يعرض فى مصر إذا كان يتناول الأنبياء والملائكة، كما ظهر فى
برومو العمل، لكن نسخ العرض التى تسمح بها الغرفة تحدد موقفها بعد
موافقة الرقابة، والتهديدات التى أثيرت بتكسير قاعات العرض التى
ستعرض الفيلم كلها لا فائدة لها لأن الفيلم إذا كان ممنوعاً من
الرقابة فلن تسمح الغرفة بأن تعرضه أى قاعة عرض أياً كان المقابل،
وفى النهاية الدستور يلزمنا بالرجوع إلى الأزهر أولاً.
مصطفى الشال: عرضه سيغير قانون الأزهر
فى حين اعتبر المخرج مصطفى الشال، عرض الفيلم هو خطوة خطيرة فى مصر
لأنه سيبيح التعرض لأشياء بعيدة عن الإسلام بوجهة نظر غربية، وقال:
رغم معاناتى مع الرقابة فى كل الأعمال الدينية التى قدمتها وآخرها
مسلسل «أسماء بنت أبى بكر» الذى رفضته الرقابة لتجسيده سيدنا
أبوبكر، لكن عرض فيلم نوح أزمته أنه أمريكى، يتناول سيدنا نوح
بوجهة نظر غربية لكن الإسلام له معايير لا يؤمن بها الغرب، ولذا لن
يقبله المجتمع المصرى، ولذلك أنا ضد تجسيد الأنبياء لأننا بشر،
والبشر خطاءون والأنبياء معصومون من الخطأ، وهذا ما حدث مع الشخصية
التى لعبت دور عمر بن الخطاب لم يحبه الجمهور لأنه لم يتمتع
بالكاريزما التى تمتع بها رضى الله عنه على عكس شخصيات مثل
الشعراوى أو عمرو بن عبدالعزيز، كان معروف أن لهم أخطاء ولذا
بعرضهم أحبهم الجمهور وعرف عنهم معلومات جديدة لكن الأنبياء
المعلومات عنهم فى القرآن والكتاب المقدس معروفة.
وأضاف أن عرض الفيلم فى مصر سيكون بداية لتقديم أفلام عن المسيح
وموسى وسيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم - وعن آدم وحواء.
محمد السيد عيد: الأنبياء جسدت شخصياتهم من قبل!
بينما اعتبر الكاتب محمد السيد عيد، أن عرض الفيلم لا يمثل أزمة
ذلك لأن الأنبياء تم تجسديهم فى مصر من قبل، فهناك أفلام عن موسى
عليه السلام، ومسلسل عن يوسف والسيد المسيح سواء إنتاجها عالمى أو
إيرانى، لكننا شاهدناها فى مصر، لذا منع عرضها أمر لا يفيد كثيراً
لأن الجمهور سيبحث عنها ويشاهدها بل منعها سيزيدها نجاحاً.
الأزهر الشريف يتحفظ على شخصيات محددة هى الأنبياء والخلفاء
الراشدون والعشرة المبشران بالجنة وآل البيت، وأرى أن هذه التحفظات
كلها ليست سوى قيود على الدراما المصري على عكس ما يحدث خارج مصر
فتتعامل مع هذه الشخصيات بمنتهى الحرية، والمصريون يشاهدون الأعمال
التى تقدم هذه الشخصيات مثل مسلسل «عمر» الذى قدم شخصيات الخلفاء
الراشدين وآل البيت، نحن فقط الذين تغل أيدينا عن تقديم هذه
الشخصيات، مع العلم أن تقديمها فى مصر وتحت رعاية الأزهر الشريف
يضمن أن تخرج هذه الأعمال تحمل الفكر الوسطى بدلاً من أن تقدم خارج
مصر بعيداً عن الأزهر ولا نعرف ماذا تقدم.
بهاء الدين إبراهيم: أتمنى مرونة من الأزهر فى التعامل مع الصحابة
وآل البيت
بينما اعتبر الكاتب بهاء الدين إبراهيم، مؤلف أغلب الأعمال الدينية
المقدمة فى مصر أن تجسيد الأنبياء مرفوض ولا خلاف على ذلك، لكن
تقديم الصحابة وآل البيت لابد من تقديمهم، وهناك تعنت من الرقابة
واضح فى هذا الشأن حتى أثناء تقديمى مشهداً فى مسلسل «أبوحنيفة
النعمان» يجمع أبوحنيفة بأحد الصحابة ألغته الرقابة دون أسباب،
ولذا يجب أن يكون الأزهر أكثر مرونة فى التعامل مع الإبداع ذلك لأن
هناك شخصيات يمكن تقديمها دون إهانتها ولكن تقديمها إضافة، خاصة
بعد نجاح مسلسلى «يوسف الصديق» و«مريم المجدلية» الإيرانيين..
وقال: إذا تم التعامل مع العمل على أنه تاريخي سيكون أفضل لأن هناك
شخصيات غير ممنوعة وكل من حولها ممنوع تقديمهم مثل شخصية أسماء بنت
أبى بكر، لذا فتقديمها يعتبر فترة فى التاريخ الإسلامى، ولذا لابد
أن يقدم الأزهر معايير خاصة تضمن تقديم هذه الشخصيات دون تحفز.
طارق الشناوى: فيلم يحتاج ثورة فى الأزهر
بينما اعتبر الناقد طارق الشناوى، فكرة منع عرض الفيلم فى مصر عودة
للوراء مرة أخرى.. وقال: إذا كان الإمام محمد عبده استطاع أن يخرج
بالمصريين إلى مرحلة الفن التشكيلى والفنون الجميلة، فهل سيظل
الأزهر حبيس هذه الأفكار القديمة، وأضاف أن فيلم «آلام المسيح» عرض
فى مصر فى 2004 وحقق نجاحاً كبيراً والناس قارنت الفيلم بالقرآن
الكريم، فلماذا تعاود رفضه الرقابة الآن، وطالب «الشناوى» من
الأزهر أن يكون أكثر استنارة وأن يحدث ثورة فى التعامل مع
الممنوعات لأن العالم قرية واحدة، وما لا يشاهد فى التليفزيون
المصري سيشاهد عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى واليوتيوب
مثلما حدث مع فيلم «الرسالة» الذى ظل الأزهر يرفضه حتى وافق عليه
شيخ الأزهر بموقف من سوزان حسن رئيس التليفزيون الأسبق، وأشار «الشناوى»
إلي أن الرقابة واجهت فكرة منع هذه النوعية من الأفلام كثيراً منذ
تجارب يوسف وهبى عام 1926 بفيلمه عن النبى محمد وحتى الآن، فلماذا
لا يترك الإبداع والجمهور يحدد ما يمكن أن يصدقه؟
ووصف «الشناوى» منع الأفلام برغبة الأزهر فى تقديم خطوط دفاع ضد
تقديم الله، فزادت دائرة المنع إلى غير المقبول.
خيرية البشلاوى: عرضه انتصار للإبداع
بينما اعترضت الناقدة خيرية البشلاوى، على فكرة منع عرض الفيلم فى
مصر وقالت: لابد أن نعرض كل التجارب، لأنه لو تم منعها سنراها عبر
الفضائيات، فهى أفلام تثرى مدارك المتفرج، والجهات المسئولة مازالت
تتعامل مع الجمهور أنه متخلف، فلماذا تمنع تجارب قوية؟.. ولذا يجب
أن نرى السينما العالمية ماذا تفعل مع التراث الدينى والبشرية، حتى
لو كان فيه ما لا يرضينا، يجب أن نناقش الفكرة ونفتح شبابيك لأن
هذه الأفلام تثرى وظيفة السينما لأن الفيلم له دور قوى أكثر من
الكتاب مازلنا لا نستطيع إدراكه.. وأضافت: أنا مع عرض أى تجربة لا
تسىء للدين ولا للمصريين أو العرب، برومو فيلم سيدنا «نوح» يظهر
أنه تجسيد رائع لأن الميراث السينمائى البصرى عندما يتعرض للدراما
والملاحم التاريخية المأخوذة من الكتب المقدسة تكون رائعة والسينما
الأمريكية لديها تجارب شديدة الثراء، والأفلام التى قدمت عن المسيح
دراما إنسانية قوية مشحونة بالحكمة والتعليم والرسائل وتقوى
الإيمان وليس العكس، فلماذا نمنع الناس أن تشاهد هذه الأفلام. |