طارق الشناوي يكتب:
جائزة العظْمة الذهبية لأفضل كلب فى «كان»!
لا تزال فى جعبتى حكايات كثيرة من «كان» قبل أن أشدّ الرِّحال إلى
القاهرة، إنها جائزة
«PALM DOG»
أى سعفة الكلب، التى تُمنح لأفضل كلب أجاد أداء دوره فى الأفلام
التى شاركت رسميًّا فى المهرجان.
مشهد لا يُنسى فى فيلم «غزل البنات» عندما التقى نجيب الريحانى مع
رجل وقور يحمل كلبًا فى فيلا سليمان نجيب واكتشف أن أجره 20 جنيها
فى الشهر وهو ما يعتبره قليلا جدا ولا يتناسب مع ما يبذله من جهد
فى التدريب والنظافة بينما الأستاذ حمام مدرس اللغة العربية الذى
يتولى تعليم عقول البشر يحصل على ملاليم!
ماذا لو ذهب الأستاذ حمام إلى مهرجان «كان» وشاهد تكريم الكلب «هاجن»
مرتين، الأولى عندما تم تتويج المخرج المجرى كورنيل موند ريستو
بجائزة أفضل فيلم «إله أبيض» فى قسم «نظرة ما»؟ كان الفيلم يستحق
كل الحفاوة والتقدير وحرص الكلب على المشاركة فى توجيه تحية إلى
الجمهور وصعد مثل أى نجم وهو يرتدى فى هذه المناسبة ببيونًا أسود
إلى خشبة المسرح وردّ تحية الجماهير بانحناءة تدل على خبرة عريضة
فى مواجهة المعجبين، كان هذا هو التكريم الأول الذى حظى به الكلب
الموهوب، أما الثانى وهو الأهم فإنه حصول هاجن على جائزة أفضل كلب
أدى دوره فى عمل فنى عُرض فى المسابقة الرسمية بالمهرجان بعد
منافسة شرسة مع كلب آخر مات فى المشهد لا فى الحقيقة خلال تنفيذ
فيلم «إيف سان لوران» وكلب ثالث شارك فى فيلم جان لوك جودار «وداعا
للغة» اللذين حظيا بجوائز خاصة من لجنة التحكيم التى يتم تشكيلها
من عدد من النقاد والصحفيين المهتمين بهذا الشأن.
بالطبع لا تخلو الشاشة فى أى فيلم فى العادة من وجود كلب حتى ولو
كان بين المجاميع مثلما حدث مثلا فى الفيلم التركى «نوم الشتاء»
الحائز على جائزة السعفة هذا العام ولكنه وجود هامشى لا يستحق
جائزة.
اكتشفنا بعد إعلان الجوائز وفوز هاجن أن ما يجرى فى عالم البشر
يجرى مثله وأكثر فى عالم الكلاب، حيث إن هاجن لم يقم بالبطولة
منفردا كما تصورنا ولكن كان هناك أيضا توأمه الذى يشبهه كثيرا فى
كل شىء إلا فقط فى أن ملامحه توحى بشراسة أكثر مما أدى إلى أنه
يشارك فى أداء تلك المشاهد التى تتطلب ملامح تحمل عدوانية وتحديا
لعالم البشر. هاجن أدى المشاهد التى تتطلب الوجه الهادئ الملامح
وهكذا ذهب منفردا إلى شاطئ «الريفييرا» وعاش بين الأضواء
والكاميرات، بينما الثانى لم يمنحوه دعوة وكان يشاهد فى بودابست
توأمه من خلال «الستالايت» وهو يتوَّج بالسعفة.
منح مجموعة من الصحفيين والنقاد الذين حضروا المهرجان مخرج فيلم
«إله أبيض» الجائزة وهى عبارة عن عظمة معدنية ملوّنة، وهو تكريم
مستحدث أنشأه عدد من الصحفيين والنقاد البريطانيين بدأ 2001 ولكنه
لم يحقق الشهرة إلا فقط فى عام 2011 بعد أن انضم إليه العديد من
الإعلاميين فى كل العالم المشاركين فى المهرجان، وكانت من نصيب
الكلب بطل الفيلم الفرنسى «الفنان»، وكان الفيلم قد حصل أيضا على
سعفة «كان» ولا يزال هذا الكلب بالمناسبة متوجًا حتى الآن بالقمة
باعتباره هو الأفضل بين كل الكلاب الذين شاركوا فى التمثيل، حيث
تمتع بدرجة ملحوظة من الذكاء أدت إلى إنقاذ صاحبه الفنان الذى كان
يعانى من الإحباط.
لقد سألوا مرة أحد النجوم عما يعمل له ألف حساب فى أثناء التصوير
خوفا من سرقة الكاميرا فأجابهم «أخشى الأطفال والكلاب».
بالتأكيد لا يوجد كلب موهوب فى التمثيل وآخر لا يمتلك تلك الموهبة،
إلا أنه إذا كان المنطق أن البشر يتفاوتون فى معدلات الذكاء فإن
الكلاب أيضا تختلف فى الدرجة وفى سرعة الاستجابة التى تختلف من كلب
لآخر.
فى السينما المصرية لا تستطيع أن تلمح اهتماما ملحوظا بالكلاب وإن
كان أشهر الكلاب هو هذا الكلب البوليسى المدرب الذى شارك فى فيلم
«الشموع السوداء» لصالح سليم.
يجب ملاحظة أن المخرج هو البطل فى كل ذلك: زاوية الكاميرا واختيار
العدسة والتكوين، كما قد يلجأ المخرج أيضا إلى إضافة مجسمات أو
دُمى للكلاب فى اللقطات الطويلة، وأتصور أن هذا ما حدث مثلا فى
المشهد الرائع الذى أنهى به المخرج المجرى فيلمه «إله أبيض»، عندما
استلقى الجميع، بطلا الفيلم والكلاب الثائرة، على الأرض وتبادلوا
النظرات بعد استماعهم إلى الموسيقى كأنهم يعيدون حالة السلام
المفقودة بين البشر والكلاب.
التكوين الفنى الذى رسمه المخرج وشاهدنا فيه الكلاب مع المشهد
الأول وهى تلاحق البطلة عندما كانت تستقل الدراجة، حالة من التماهى
العاطفى بين البطلة والكلب كانت هى المفتاح، ولهذا تابعنا الفيلم
ونحن نمنحها صفات بشرية فهى تحب وتكره وتنتقم ولا تنسى من أساء
إليها، وهكذا مثلا شعر المشاهدون بالتعاطف مع الكلب هاجن عندما
انتقم من الحراس كأنه سبارتاكوس محرر العبيد. السيناريو كان حريصا
على أن لا نشعر بأى تعاطف مع البشر ليحظى انتقام الكلاب بموافقة
ضمنية وبتعضيد ورغبة دفينة داخل الجمهور.
وإذا كانت الكلاب الجميلة والمبدعة يُحتفى بها فإن القبيحة أيضا
لها مساحات من الاهتمام، وقبل بضعة أشهر مات «إلوود»، أعلم أنكم لا
تعرفونه إلا أن الصحافة والإعلام العالمى أفرد له مساحات كبيرة من
الاهتمام.
«إلوود»
عمره 8 سنوات وهو فى مقياس فصيلة الكلاب، لم يكن قد وصل بعد
للشيخوخة لأن الكلب يعيش حتى 14 عاما، أى أنه رحل فى عز عطائه
وشبابه، سر الشهرة التى حققها أنه كان الأقبح بين كل الكلاب، ولهذا
كثيرا ما تمت الاستعانة به فى تصوير المسلسلات والأفلام.
صاحبة الكلب أكدت أنه لم يكن يعانى من أى مشكلة نفسية بسبب قُبح
منظره، ودلائل القبح هى أن لسانه كان يتدلى من ناحية اليسار كما
أنه وُلد غير مكتمل الأسنان ففكّه الأيمن بلا ضروس، مما أثر سلبا
على ملامح وجهه ولكنه كان سعيدا بحياته وبنظرات الناس إليه التى
كانت دائما تمنحه حبا ودفئا.
نعم عالم الكلاب مثل البشر هناك محظوظون وتعساء ومشاهير ومغمورون
وأسعدهم فى هذه اللحظة «هاجن» حامل جائزة
«PALM DOG»! |