«نظرية
كل شيء» و«قناص أميركي» و«سلما» و«لعبة المحاكاة» و«فوكسكاتشر» و«فتاة
مختفية»، «وحشي»، و«مستر تيرنر» هي بعض الأفلام الروائية التي ترددت
عناوينها كثيرا في موسم الجوائز السينمائية منذ مطلع الشهر الماضي.
والمشترك بينها ليس هذا الترداد وحده، بل حقيقة أنها، على عكس أفلام
الترشيحات القوية الأخرى، مثل «بويهود» و«بيردمان» و«سوط» و«ذا غراند
بودابست هوتيل»، مأخوذة من مراجع وأحداث واقعية.
التاريخ والسينما تحاربا كثيرا منذ البدايات. دائما ما خرج مؤرخون للتأكيد
على أن السينما لا تنقل التاريخ كما وقع، بل كما يتراءى لها. والسينما ترد
على أنها فن مجاز فيه تلوين الواقع ببعض الافتراضات والخيالات وإلا لما
استطاع الفيلم الوصول إلى الجمهور الذي ينشده.
بالتالي، فإن السؤال المجاز هو هل تصرّف لينكولن على النحو الذي تصرّف به
دانيال داي لويس في «لينكولن» لستيفن سبيلبرغ، أو هل كل ما يرد في ذلك
الفيلم وقع فعلا وبالصورة التي شاهدناها؟ ماذا عن «ميونيخ» و«لائحة شيندلر»
للمخرج نفسه؟ ماذا عن «ج ف ك» لأوليفر ستون أو «أرغو» لبن أفلك؟ و«الرجل
الذي قتل ليبرتي فالانس» لجون فورد أو «نيكولاس وإلكسندرا» لفرانكلين شافنر
والعشرات الأخرى؟ متى تنتهي حدود التاريخ وتبدأ حدود السينما؟
تضخيم لغاية
تحويل أي مرجع، أو حتى كتاب روائي مبني على الخيال إلى فيلم سينمائي، عليه
أن يسمح بتدخل السيناريو، ومن ثم الفيلم، فيما سطره المؤلف سواء أكان
بيوغرافيا أو خياليا. في الوقت ذاته فإن هذا النقل لا معنى له (إلا بين يدي
العباقرة مثل ستانلي كوبريك وأندريه تاركوفسكي) إذا شط كثيرا عن الواقع
ودمج قليلا منه في غالبية من التصرّفات والمواقف المتخيّلة.
«سلما»
(المشترك في سباق أوسكار أفضل فيلم وأفضل موسيقى مكتوبة لفيلم) يسرد أحداثا
وقعت في مجرى حملة الزعيم مارتن لوثر كينغ الداعية للمساواة في الحقوق
المدنية بين السود والبيض، وقد مدحته وسائل الإعلام لكن أخرى تحدّثت عن
فجوات كثيرة في رصده ذلك التاريخ وما حدث في بلدة «سلما» عندما سار الأفرو
- أميركيين في مظاهرة سلمية واجهها بوليس ولاية ألاباما بالعنف وذلك سنة
1965.
من بين تلك الفجوات المذكورة ما يبدأ باكرا في الفيلم: نستمع إلى مارتن
لوثر كينغ (كما يؤديه ديفيد أويلاو الذي لم يجر ترشيحه بين الممثلين) وهو
يلقي خطابا في أوسلو، النرويج سنة 1964 ويوحي لنا الفيلم أنه خلال إلقاء
خطابه (بمناسبة تسليمه جائزة نوبل) كان العنصريون البيض ينسفون كنيسة في
مدينة بيرمنغهام الأميركية. لكن الحقيقة أن تدمير الكنيسة وقع قبل عام من
ذلك الخطاب. لكن المنتقدون لن يعدموا وسيلة للنيل من الفيلم على أساس أن
هناك الكثير من التغييرات التي أحدثها على الواقع. بالطبع هناك تغييرات
(والسينما التسجيلية ذاتها متهمة اليوم بأنها لا تنقل الأحداث كما وقعت بل
تعيد رصفها) لكنها بالمقارنة مع أحداث فيلم آخر مثل «لعبة المحاكاة» هي
أكثر التزاما بما وقع فعلا.
«لعبة
المحاكاة» للبريطاني مورتن تلدام يسرد حكاية عالم الحسابات ألان تورينغ (بنديكيت
كمبرباتش) الذي استطاع - بعد جهد بليغ - حل الشيفرات العسكرية للجيش
الألماني خلال الحرب العالمية الثانية بعدما عجز كل من استعانت بهم الحكومة
البريطانية ومؤسساتها المخابراتية والعسكرية، عن فعل ذلك. بذلك، أسهم
تورينغ، كما يقول الفيلم، بإنقاذ البحرية البريطانية من التدمير الكامل بل
في انتصار الحلفاء على الألمان فيما بعد. هل هذا صحيح؟ وهل إذا ما أدرك
الألمان أن أعداءهم نجحوا في تفكيك الشيفرة لن يستخدموا سواها؟
هناك تضخيم تشعر به وحرية في تناول الوقائع على نحو تبريره روائي محض. إنه
من أجل إثارة الاهتمام يتم تبادل حوار ساخن بين تورينغ وباقي الشخصيات، بمن
فيهم رئيسه القائد دنيستون (تشارلز دانس) وإدخال عنصر نسائي ربما كان
موجودا بهذا الحجم أو غير موجود (تورينغ كان مثليا) وتصوير الشخصية بمسحة
من التعاطف غير المحلل جيّدا وذلك لمنح البطولة ما تحتاجه من سمات.
مساحة الحرية
الفيلم البريطاني الآخر «نظرية كل شيء» لجيمس مارش أفضل شأنا في هذا
النطاق. هو مرشّح لـ5 أوسكارات: أفضل فيلم، أفضل أداء رجالي (إيدي ردماين)،
أفضل ممثلة (فيليسيتي جونز)، أفضل سيناريو مقتبس (كتبه أنطوني ماكارتن)
وأفضل موسيقى مكتوبة خصيصا (وضعها يوهان يوهانسون)، ويدور حول مراحل من
حياة العالم ستيفن هوكينغ عبر اقتباسها مما أوردته زوجته جين في مذكراتها
المنشورة.
الالتزام الذي يبديه الفيلم حيال الكتاب، وهو التزام واضح لمن قرأ
المذكرات، يجعل الفيلم أكثر واقعية. يحيل ما إذا كان ما نراه يحدث حدث فعلا
أو لا إلى ذمّة الكاتبة وليس ذمّة الفيلم. طبعا هناك تدخل لحياكة التأثير
الدرامي المنشود، لكن غالبا ضمن ما وضعته الزوجة السابقة في تصرف الفيلم من
وقائع ولم يصدر عن عالم الفيزياء هوكينغ ما يناقض ذلك.
أميركيا، جاء تحويل حادثة واقعية حول زوج اتهم بقتل زوجته وإخفاء جثّتها
إلى فيلم تشويقي، ليجذب اهتمام بعض النقاد إلى تفسير ما وقع وما لم يقع
فعلا.
الفيلم هو «فتاة مختفية»
Gone Girl
للمخرج المثير للجدل ديفيد فينشر. لكن الصعوبة هنا هي فرز الخطوط وتحديد ما
حدث وما لم يحدث. هذا لأن المعالجة تخضع لشروط الفيلم التشويقي الهادف
لإدانة أكثر من طرف (الزوج والزوجة والإعلام على الأقل) بحيث لا يعدم
الأهمية بمكان تحديد ما إذا كان الفيلم أمينا للواقعة أو غير أمين وإلى أي
حد.
ليس بأهمية «نظرية كل شيء» أو «فوكسكاتشر» كما حققه بَنيت ميلر عن واقعة
إقدام المليونير جون دو بونت (ستيف كارل) بقتل المصارع السابق ديفيد شولتز
(مارك روفالو) على أساس أنه انتزع منه مبرراته وأحلامه بتسيد الوضع فيما
يتعلّق برياضة المصارعة والتأثير على شقيقه مارك شولتز (شانينغ تاتوم).
الغالب أن مساحة الحريّة للخروج عن تفاصيل القضية كانت أكبر من بعض ما
تمتّعت به أفلام أخرى، لكن الفيلم (المرشّح أيضا لـ5 أوسكارات بينها أفضل
ممثل لستيف كارل وأفضل إخراج لكن ليس في نطاق أفضل فيلم) ارتأى أن يلعب
لعبته بقدر من الأمان للأحداث كما وقعت. التفسير قد يكون مختلفا حول مبرر
الجريمة، وكذلك التفاصيل المكانية والديكوراتية وسواها، لكن الحكاية التزمت
بما وقع على نحو واضح متمتّعة في الوقت ذاته بوجهة نظر المخرج فيها.
المسألة، في نهاية المطاف، معقّدة حيال ما يتم نقله ولماذا وما يتم إغفاله
ولماذا، ثم حيال ما يتم تغييره ولأي سبب. الفيلم لا يجب أن يكون تكرارا
ملتزما بالدقائق والتفاصيل والوقائع وإلا لافتقر إلى مبرر لإنتاجه. لكن
المزج بين ما يستند إليه وما يستطيع أن ينجزه كفيلم فني جائز من دون أن
ينقلب الفيلم على الوقائع المهمّة. وهذه مسألة بالغة التعقيد وقت الكتابة.
بوني وكلايد
*
ما زالت محكمة النقد منعقدة بشأن أفلام كثيرة تناولت سير حياة مشاهير، ومن
بين أهمها فيلم آرثر بن «بوني وكلايد» (1967). في ذلك الفيلم الممتاز كانت
يد المخرج طليقة في تصوير الحكاية على هواه باستثناء اتباع الخط العام لها.
لكن الفيلم وقع في نهاية المطاف بين اتهام البعض بأنه تمجيد للمجرمين
الشهيرين واتهام آخرين بأنه كان فيلما بالغ العنف مشيرين إلى نهايته
بالتحديد عندما يفتح رجال البوليس النار على المجرمين محولا إياهما إلى
ضحيّتين.
شاشة الناقد
* American Sniper
*
من المحرج كما من الصعب تبرير الإعجاب بفيلم يقف على خط النقيض منك. تؤمن
بالسلام ويواجهك بتمجيد الحرب. لا ترى فائدة في العنف لكنه يبرره لك. تناوئ
وجهة نظره لكنه يتشبّث بها. لكن في النهاية الغلبة، والتقييم المهني
الصحيح، لا يُبنى على رأي الفيلم بل على فنّه. وفيلم كلينت إيستوود الجديد
«قناص أميركي» يكاد يخلو من أي شائبة فنية. في سن الـ84 لا يزال إيستوود
قادرا على وضع غالبية مخرجي أميركا في جيب درايته وخبرته الصغير. يختار
سردا متواليا. لا وجود للقطة واحدة تزيد أو تنقص. لا هفوة في المونتاج (ما
زال يسند المهمّة إلى مونتيره الدائم جووَل كوكس) ولا ارتجال في التصوير
(توم ستيرن، الذي هو بدوره دائم العمل مع إيستوود) والكثير من البذل البدني
منه ومن فريقه خلال التصوير.
فيلم كلينت إيستوود الجديد احتفائي على طول الخط. لا ينفع تخفيف ذلك. تتمنى
لو لم يكن. ترغب منه تحقيق فيلم يجاور منظورك للأمور، أو يتمتع - على الأقل
- بمفهوم أكثر اتساعا واحتواء لكن هذا لا يحدث. بمرجوعه السياسي، أنجز
المخرج اليميني فيلمه رقم 34 عن مذكرات مجنّد مقتبسا كتابه الذي ألّفه كريس
كايل بعنوان «قنّاص أميركي». لكنه فيلم جيّد ولا ينفع تخفيف ذلك أيضا. كلمة
جيّد هنا تشمل كل شيء وخصوصا الكيفية التي يسرد فيها المخرج حكايته بسهولة
من يشرب كأس ماء. سهولة غير مائعة ولا بسيطة أو مبسّطة ولا متكلّفة بل
ناتجة عن ثقة ونضج وقدرة على أن لا يخرج شيء من العمل نافرا عن باقي
الأشياء. كل حقول الفيلم متداخلة من دون اكتظاظ كطرقات صباح يوم جمعة أو
أحد.
يبدأ الفيلم بالبندقية: كريس (برادلي كوبر) فوق سطح مبنى، ربما في مدينة
الرمادي، يصوّب بندقية القنص إلى رجل يظهر ويختفي على الشرفة المقابلة، ثم
إلى امرأة عراقية مع ولد صغير. تخفي شيئا ما يقول لقيادته، ثم يتضح هذا
الشيء.. إنه قنبلة تعطيها للولد لكي يلقيها على الجنود الأميركيين. يؤمر
بإطلاق النار. ينتهي المشهد. لن نعرف أن المشهد سيعود بعد أكثر من ساعة.
هذه المرّة نراه يطلق النار على الصبي ويرديه ثم على الأم التي هرعت فأخذت
القنبلة من يد ابنها لكي ترميها.
كريس، الذي قتل نحو 160 عراقيا، هو يميني متشبّع بما تمّ تهيئته من مشاعر
وضغائن وبخلفيّته المتوارثة. وهو يبرر أكثر من مرة: «إذا لم نحاربهم وصلوا
إلى بلادنا»، «لو لم أقتلها (المرأة) لقتلت هي جنودنا»، «أنا هنا لأدافع
عنكم» - يقولها لرفاق السلاح.
في مكان ما، ليس بعيدا عن النهاية، لم يعد كريس محتاجا لأن يُتابع محطة
تلفزيونية تبث أخبارا أو يعرض شريط الفيديو لكي يعيش في الحرب. نراه جالسا
ينظر إلى شاشة التلفزيون السوداء وهو مغلق لكنه يسمع، ونسمع معه، كل تلك
المعارك الطاحنة التي خاضها تعرض في باله. النقطة الأعلى في قياس المخرج
لمراحل التطرّف. لقد عاد كريس من رحى معارك العراق جسدا لا بالا أو عقلا أو
روحا. زوجته (سيرينا ميلر) تقول له ذلك وهو يعلم أنه لم يعد يستطيع التوقف.
إنه مؤمن أشد الإيمان بأن ما قام به هو خدمة لـ«أعظم دول العالم» ضد
«المتوحشين» وحين يتحدث إلى أحد رفاقه قائلا: «يوجد شر هنا علينا اقتلاعه»
يرد عليه رفيقه ساخرا: «هناك شر في أميركا أيضا»، لكن كريس لا يستطيع
الجواب علن ذلك. إيستوود يترك بطله فريسة العنف ذاته الذي آمن به. لا إشفاق
هنا ولا لوم أيضا، بل مجرد حكاية صعود وهبوط ملتزم.
TOP10
*مثل
رصاصة
* 148
مليون دولار هي الحصيلة الإجمالية لما شهدته السوق من أفلام هذا الأسبوع. 5
أفلام جديدة دفعت بـ5 قديمة للخروج من القائمة. أنجح الجديد «قناص أميركي»
في المركز الأول وهو انتقل من المركز الـ21 إلى الأول مثل رصاصة. فيلم
مايكل مان «قبعة سوداء» اكتفى بالمركز العاشر. وخرج من القائمة «لعبة
الجوع» و«امرأة في الأسود 2» و«آني» و«ليلة المتحف 3» بإيرادات ضعيفة.
*
الأفلام
* 1 (21) American Sniper (War) : $90,205,6142 (-) The Wedding Ringer
(Comedy): $20,839,140
3 (-) Paddington (Comedy): $19,101,293 4 (1) Taken 3 (Thriller/ Action):
$14,044,202
5 (2) Selma (Drama): $8,277,926
6 (6) The Imitation Game (Spy): $7,192,252
7 (3) Into the Woods (Musical): $6,542,717
8 (4) The Hobbit: The Battle of Five Armies (Fantasy): $4,860,131
9 (-) Unbroken (Biography): $4,260,600
10 (-) Blackhat (Action): $4,040,808
سنوات السينما: 1946ما بعد الحرب
الحرب العالمية الثانية التي كانت انتهت سنة 1945 كانت ملهما لعدد من
الأفلام التي بدأت بالظهور على شاشات 1946.
في إيطاليا حقق روبرتو روسيلليني «رفاق وطن»
(Paisan)
حول فريق من حاملي السلاح يريدون الانتقام من فلول الحلفاء خلال نهايات
الحرب، وفي فرنسا قام المخرج رنيه كليمان بتحقيق تحفة نالت ذهبية مهرجان
«كان» عنوانها «معركة خطوط سكة الحديد»
Battle of the Rails
وحقق زميله مارس (آذار) يل كارنيه «بوابات الليل» ولو أنه لم يتناول أحداثا
في الحرب بل بعدها. في الولايات المتحدة قام جون هيوستون بتحقيق سلسلة من
الأفلام التسجيلية تحت عنوان «ليكن هناك ضوء».
المشهد:
كلهم ينتمون!
*
الجمهور الأميركي فضّل فيلم «القناص الأميركي» على أي فيلم جديد آخر طوال
الأسبوع المنتهي اليوم. شركة وورنر كانت سارعت إطلاق الفيلم في صالات
معدودة في الولايات المتحدة حتى يلحق الفيلم بترشيحات الأوسكار قبل نهاية
العام الماضي، وهو لحق فعلا. ثم قامت بتوزيعه على نطاق عريض بدءا من يوم
الأربعاء الماضي، وفي 5 أيام أنجز 107 ملايين دولار. أعلى رقم حققه فيلم في
شهر يناير (كانون الثاني) في التاريخ وأعلى ما أنجزه افتتاح فيلم من توقيع
إيستوود.
*
لكن المعلّقين اختلفوا حول قنّاص كلينت إيستوود. البعض مع والبعض ضدّ
الفيلم ولأسباب سياسية. وُصِف بأنه فيلم رجعي وذكّر سث غوردون بأفلام «بروباغاندا
نازية» كما قال، والمخرج التسجيلي مايكل مور كتب على تويتر «كل القناصة
جبناء يطلقون الرصاص في الظهر. الغزاة أسوأ». بطل الفيلم برادلي كوبر، الذي
قام بالمشاركة بالإنتاج، دافع عن الفيلم معتبرا إياه أنه ليس فيلما سياسيا.
أما النقاد الأميركيون فمعظمهم أحب الفيلم مبتعدا عن الجانب السياسي أو عن
تحليله. أما إيستوود وشركة وورنر فهما سعيدان للغاية بما أنجزه الفيلم
مستفيدا من كل تلك السخونة التي تنعم بها أيامنا الحالية إثر عملية «تشارلي
إيبدو» والوضع المضطرب في الشرق الأوسط.
*
خلال ذلك، مهرجان صندانس الدولي للسينما المستقلة انطلق بدوره جامعا،
كالعادة، أكثر من مائة فيلم محلي وعالمي من تلك التي لن يرى الجمهور معظمها
في أي مكان إلا إذا أمّ صندانس أو مهرجانا آخر لاحقا. لكن اللافت أن فيلمين
من أفلام صندانس العام الماضي، يظهران في ترشيحات الأوسكار هذا العام هما «بويهود»
و«وبلاش» («سوط»). كلاهما من أعمال صندانس العام الماضي وكلاهما - وعلى غير
العادة المعهودة - يظهران في ترشيحات الأكاديمية.
*
لكن ألا تلاحظ معي أن مهرجانات السينما الكبيرة قبل الصغيرة أخذت تمحور
نفسها حول الأوسكار؟ تورونتو سجّل نفسه كمنصّة إطلاق أفلام الموسم التي
ستدخل سباق الأوسكار. توليارايد لحق به. برلين وكان وفينيسيا تزهو بأن بعض
أفلامها تشارك في السباق. مهرجان دبي يعلن عن الأفلام التي عرضها والتي
تدخل سباق الترشيحات الرسمية.
*
في الوقت الذي يعزز فيه هذا الدوران في فلك جوائز الأوسكار الأوسكار نفسه،
يعود بالقليل من الفائدة على المهرجانات التي تتنافس لإظهار كم أن أفلامها
تشكل لوائح الجائزة الأميركية. في البال أنه منذ أن امتنعت أكاديمية الفيلم
البريطانية عن وصف جائزة البافتا بأنها «الأوسكار البريطاني» اشتد عود هذه
الجائزة وحققت نجاحا فنيا وإعلاميا مبهرا.
*
إيستوود، في سن الـ84 الآن، لا يستخدم الكومبيوتر إلا إذا اضطر، وقد
استخدمه لمراجعة آراء بعض النقاد وقوائم الإيرادات هذه المرّة. لا يستخدم
الإيميل مطلقا، لذلك كان على رئيس قسم التوزيع المحلي لشركة وورنر (دان
فلمان). الاتصال به عدّة مرات ما بين يومي الجمعة والأحد. قال في تصريح:
«منذ سنوات وأنا أتصل بإيستوود في أعقاب كل فيلم بضع مرّات. لكنني وجدت
نفسي هذه المرّة اتصل به عدّة مرات في غضون ساعات لأنقل إليه ما يحدث في
شباك التذاكر». وأكد أنه لم يشهد مثل هذا النجاح لفيلم من أفلام شهر (عادة
ميّت باستثناء حالات قليلة) في كل سنوات عمله.
جوائز «جمعية المنتجين» هذا المساء تلقي ظلالا على الأوسكار
«الشرق
الأوسط» تدخل سباق الأوسكار 2
لندن: محمد رُضا
تتعاطى جوائز «جمعية المنتجين الأميركيين» التي تعلن الليلة (السبت) في حفل
سنوي معتاد، مع الأوسكار مباشرة. كذلك تفعل جوائز «جمعية الممثلين» التي
ستعلن يوم غد (الأحد) وجوائز «جمعية الممثلين» التي تليها في 25 من الشهر
الجاري ثم جمعية المؤلفين (فنانو المونتاج) في الـ30 منه ثم جوائز «جمعية
المخرجين لأميركا» في السابع من فبراير (شباط) المقبل، تليها جوائز «جمعية
الكتاب» التي ستسبق إعلان جوائز الأوسكار بيوم واحد (أي في الحادي والعشرين
من الشهر المقبل).
كيف؟
معظم أعضاء كل واحدة من هذه الجمعيات عضو في أكاديمية العلوم والفنون
السينمائية التي تمنح الأوسكار، وإذا ما اختار أعضاء جمعية المخرجين، مثلا،
المخرج كلينت إيستوود لمنحه جائزة أفضل مخرج، وهو من بين مرشّحي هذه
الجمعية البارزين، فإنهم سينتخبون إيستوود ثانية في ترشيحات الأكاديمية
ذاتها.
على ذلك، ليس شرطا أن يأتي هذا الفوز أو ذاك بنتيجة حتمية. لأن أصوات
المخرجين في الاقتراع الأخير ستكون ضمن محيط من الأصوات التابعة لأعضاء
آخرين ينتمي معظمهم إلى الجمعيات الأخرى، لذلك قد ينال الفائز بجائزة
المخرجين جائزتهم، لكن قد يعارض ذلك الممثلون من أعضاء الأكاديمية ما يجعل
أوسكار أفضل مخرج يتّجه إلى سواه.
عملان بارزان
إنها 10 أفلام تتنافس على جائزة الإنتاج، والحكم هنا هو حكم إنتاجي بالدرجة
الأولى. تحديدا: ما هو الفيلم الأفضل في مجمل عناصره الإنتاجية وهل استفاد
الفيلم منها أم لا. إنها جائزة صناعية بالدرجة الأولى موجهة للاحتفاء
بالإنتاج الجيد أساسا لكن الفن يدخل في الاعتبار وبقوّة.
على ذلك، نلحظ غياب «بين النجوم»
Interstellar
لكريستوفر نولان عن جوائز جمعية المنتجين (كما هو غائب عن جوائز الأوسكار
الأساسية) والتفسير الوحيد هو أن يكون المنتخبون نظروا إليه كفيلم مؤثرات
أكثر منه فيلم مقادير إنتاجية. لكن إذا كان هذا حقيقيا فما الذي يفعله فيلم
مثل «زاحف الليل» لتوني غيلروي في قائمة الأفلام المرشّحة؟
الأفلام الـ10 المرشّحة لجائزة «جمعية المنتجين الأميركيين» هي «قناص
أميركي» و«بيردمان» و«بويهود» و«فوكسكاتشر» و«فتاة مختفية» و«ذا غراند
بودابست هوتيل» و«لعبة المحاكاة» و«زاحف الليل» و«نظرية كل شيء» و«سوط».
7
من هذه الأفلام دخلت ترشيحات الأوسكار التي ستعلن نتائجها في الثاني
والعشرين من الشهر المقبل، وهي «قناص أميركي» و«بيردمان» و«بويهود» و«لعبة
المحاكاة» و«ذا غراند بودابست هوتيل» و«نظرية كل شيء» و«سوط». الفيلم
الوحيد في ترشيحات الأكاديمية الذي لم يدخل سباق «جمعية المنتجين» هو
«سلما». في حين أن «فوكسكاتشر» و«زاحف الليل» أخفقا في دخول الأوسكار
لكنهما يظهران ضمن لائحة جمعية المنتجين.
وفي حين أنه ليس هناك من إيضاح حول الشروط التي يلتزم بها أعضاء جمعية
المنتجين في التصويت على الأفلام التي يختارونها، فإن ترشيح «نظرية كل شيء»
مثلا واستبعاد «سلما» يبدو بدوره غامضا: الأول مقتبس عن كتاب تم تحويله إلى
فيلم بريطاني متوسّط التكلفة، والثاني فيلم عن حادثة واقعية تم تحويلها إلى
فيلم أميركي متوسط التكلفة أيضا. كلاهما جاد وكلاهما عمل بارز على ناصية
العناصر الإنتاجية المتوفّرة. لكن «سلما» يتميّز بالتحقيق المضني لتأليف
هذا العمل وبالكثير من عناصر البحث التاريخية لتوضيبها فيلما. الأمر ذاته
ليس متوفرا في «نظرية كل شيء» لكنه متوفر في الفيلم البريطاني الآخر
المرشّح لجائزة الجمعية وهو «لعبة المحاكاة»، الفيلم انطلق من سيناريو جيّد
لكن كان على الإنتاج أن يبحث عميقا فيما يعرضه السيناريو من حيثيات ووقائع
ومن ثم توفير غطاء تحويلها إلى فيلم تقع غالبية أحداثه في الأربعينات من
القرن الماضي.
وراء العمل
من ناحية أخرى لا يمكن تفويت ملاحظة ترد لمن يدرس ترشيحات الجمعية
ومقارنتها بترشيحات الأكاديمية: من عام 2005 وإلى اليوم، باستثناء عامين،
فإن نسبة الأفلام التي يعلن ترشيحها لمسابقة المنتجين ثم يعلن ترشيحها
لجوائز الأوسكار هو 80 في المائة. في عام 2011 بلغت 90 في المائة وفي العام
التالي هبطت إلى 70 في المائة ما يعني أن نسبة الـ80 في المائة هي مستقرة.
من الناحية المقابلة فإن ترشيحات الأوسكار تبقى الأكثر ميلا للفن مما
يعتقده أكثر الناس. صحيح أن الأفلام المرشّحة لجوائز جمعية المنتجين فيها
عدد ملحوظ من الأفلام الجيدة، كما يمكن أن نقرأ من اللائحة ذاتها، إلا أن
الأوسكار هو الذي يحيط بكل جوانب العمل السينمائي ويبرر، أكثر من سواه،
السبب وراء وجود هذا الفيلم أو ذاك في عداد مرشّحيه.
أوسكار أفضل فيلم يتم تسليمه إلى المنتجين الواقفين وراء العمل وليس إلى
المخرج الذي ينفّذه (كذلك جوائز جمعية المنتجين) وهذا طبيعي، لكن تأثير
أعضاء الجمعية في عملية التصويت على من ينال الترشيحات ثم من ينال الأوسكار
واضح. هناك 6 آلاف منتج منضمّون إلى تلك الجمعية. ليسوا جميعا في الإنتاج
السينمائي (هناك 3 أقسام لمنتجي الجمعية: السينما، والتلفزيون، و«الميديا
الجديدة») ما يعني أن أقل من نصفهم هم أعضاء أكاديمية العلوم والفنون
السينمائية مانحة الأوسكار.
والملاحظة الأخرى هي أن فيلما واحدا فقط من الأفلام المرشّحة لأوسكار أفضل
فيلم روائي هو من إنتاج رئيس (وهو «قناص أميركي») في الوقت الذي تأتي فيه
الأفلام الـ7 الأخرى («سلما»، «سوط»، «نظرية كل شيء»، «ذا غراند بودابست
هوتيل»، «بويهود» و«بيردمان» و«لعبة المحاكاة» كأعمال مستقلة).
في سابق الأوان، كان الفيلم المستقل يعني شيئا مختلفا عما يعنيه حاليا.
اليوم، هو مستقل إذا لم تصرف عليه شركة إنتاج هوليوودية من الـ8 الرئيسية
(مترو غولدوين ماير، فوكس، صوني، باراماونت، وورنر، ديزني، يونيفرسال) من
مالها الخاص لا في مرحلة الإنتاج ذاتها ولا في مرحلة الشراء.
هذا يعني أنه إذا ما انصرف رتشارد لينكلاتر لصنع «بويهود» لتحقيق فيلمه
بتمويل جهة أصغر حجما من الاستوديو ولم يستطع بيعه إلى شركة توزيع تتبع
واحدا من تلك الشركات العملاقة، صح معه اعتبار أن الفيلم مستقل حقا.
فئات ثلاث
هذا موضوع شائك لأن ما يصح مع «بويهود» يختلف مع فيلم مثل «نظرية كل شيء»
أو «لعبة المحاكاة» فهذان الفيلمان المرشّحان لأوسكار أفضل فيلم، كما حال «بويهود»
عمدا إلى أسلوب سرد غير إبداعي (وهو بالتأكيد غير ذاتي) على عكس «بويهود»
و«ذا غراند بودابست هوتيل». ففي السابق، كان «الاستقلال» يشمل أيضا اختلاف
منهج الإخراج عن منهج الإخراج للفيلم المؤسساتي السائد. بالتالي، وإلى حد
كبير، فإن رتشارد لينكلاتر (مخرج «بويهود») ووس أندرسون («ذا غراند بودابست
هوتيل») وأليخاندرو غونزاليز إيناريتو («بيردمان») هم الوارثون الحقيقيون
للسينما المستقلة التي قام بها جون سايلس وجون كازافيتيز وروبرت التمن
وباربرا كوبل سابقا. ما ينتج عن هذه الملاحظة هو أن الأفلام الـ8 المرشّحة
لأوسكار أفضل فيلم تنتمي إلى 3 فئات إنتاجية:
الأولى (بلا ترتيب): فئة الأفلام المنتجة من معسكر الاستوديوهات الكبرى،
وهي تنضوي على فيلم واحد فقط هو «قناص أميركي» (تمويل وورنر).
الثانية هي تلك الصغيرة التي يعمد مخرجوها إلى تقديم أفلام موجهة - قدر
الإمكان - إلى الجمهور السائد عبر الوسائل التوزيعية المتاحة (شركات أصغر
حجما أو أفرع لشركات كبرى) وهي «سوط» و«نظرية كل شيء» و«سلما» و«لعبة
المحاكاة».
الثالثة، هي فئة الأفلام المختلفة ليس صناعيا فقط، بل إخراجيا ومن منطلق
الهم الذاتي والمعالجة الإبداعية التي لا تشمل الخضوع لشروط الفيلم السائد،
وهي «بويهود» للينكلاتر و«بيردمان» لإيناريو و«ذا غراند بودابست هوتيل»
لأندرسون. ولعل «بويهود» و«ذا غراند…» يلتقيان في هذا الشأن أكثر من «بيردمان».
لكن وجود غالبية من أفلام الفئتين الثانية والثالثة في مقابل فيلم مؤسساتي
واحد، لم يحدث من قبل في هذه المسابقة. على ذلك، قد يفوز ذلك الفيلم الواحد
(«قناص أميركي») على كل ما عداه وإن كان هذا يصعب توقعه في هذه اللحظة
تحديدا. |