نظرية كل شيء:
أينما وجدت الحياة.. وجد الأمل
ياسمين عادل – التقرير
“The
Theory Of Everything”
فيلم بريطاني، إنتاج 2014، مأخوذ عن كتاب بعنوان:
“Travelling
to Infinity: My Life with Stephen“
يتناول الفيلم السيرة الذاتية للفيزيائي الشهير والمُلهم (ستيفن هوكينج
Stephen Hawking)،
وخاصة حياته مع زوجته السابقة (جاينهوكينج
Jane Hawking)
كاتبة الكتاب المأخوذ عنه الفيلم. وقد تكون إحدى النقاط الإيجابية -التي
تُميز هذا الفيلم عن أفلام أخرى تناولت سيرًا ذاتية لآخرين- أن الفيلم لم
يقم بالتركيز على الجانب العلمي، حيث مجال إبداع البطل، بل سلّط الضوء على
حياته العائلية والتي كان لها تأثير هام على حياته العلمية، ما جعل الفيلم
اجتماعيًا، وجذابًا لمختلف المشاهدين.
وقد كانت هناك مساع لتقديم ذلك الفيلم منذ 2004 حين قرأ كاتب السيناريو
والحوار وأحد المنتجين (أنطوني مكارتن
Anthony McCarten)
مذكرات جاين هوكينج فركب القطار وتوجه إليها دون سابق معرفة طالبًا منها أن
يقوم بتحويل كتابها إلى فيلم، عارضًا عليها ثلاث أفكار: الأهوال التي
يحدثها مرض (MND)
بالجسم، الفيزياء والتقدم المعرفي غير العادي الذي أحدثه ستيفن هوكينج،
وقصة الحب الاستثنائية بينها وبين زوجها السابق.
رفضت جاين أن تكون حياتها معروضة على الشاشة، إلا أن أنطوني لم ييأس وبدأ
يبحث ويُحاول حتى إنه أوصى بمذاكراتها لصديق في دار نشر بلندن والتي أعادت
نشرها مرة أخرى؛ بل إنه شرع كذلك في كتابة السيناريو لإرساله لجاين ومعرفة
رأيها. ولمدة خمس سنوات ظل أنطوني هو المنتج الوحيد المتحمس لذلك الفيلم
إلى أن انضمت له منتجة أمريكية والتي استطاعت بدورها إقناع منتج آخر بقراءة
العمل، وهكذا أصبح هناك فريق عمل.
تدور أحداث الفيلم في الستينيات وإن كان أول مشهد بالفيلم في زمن بعد ذلك
سنصل إليه فيما بعد. يعود الزمن لإنجلترا وعام 1963 وبداية الأحداث حين
يلتقي (إيدي ريدماين/ستيفن
Eddie Redmayne)
بـ(فيلسيتي جونز/جاين
Felicity Jones)
في حفل للطلاب فيتجاذبان أطراف الحديث، وقبل أن ترحل جاين تترك له رقم
هاتفها.
في تلك المرحلة الزمنية يكون ستيفن خريج كلية العلوم يبحث عن موضوع
للدكتوراه الخاصة به، بينما جاين طالبة بكلية الآداب، يدعو ستيفن جاين
للقاء أسرته ثم يدعوها بعد ذلك إلى حفل فيُخبرها وقتها أنه لا يُحب الرقص
وبدلًا من الأحاديث الرومانسية يُحدثها عن تايد منظف الملابس والأشعة فوق
البنفسجية والنجوم، إلا أن الليلة تنتهي بقبلة ورقصة على الجسر.
تبدأ علاقتهما رغم اختلافهما في بعض المعتقدات والأفكار؛ فجاين مسيحية
متدينة تذهب إلى الكنيسة وستيفن غير مؤمن بوجود الله، إلا أن لا شيء يقف
أمام علاقتهما. في هذا الوقت يعرف ستيفن تحديدًا أي موضوع للدكتوراه
سيختار؛ إذ يقرر إيجاد مُعادلة تجيب على كل الأسئلة، ونظرية فيزيائية تحل
إشكالية بداية الزمن، ليكون موضوعه هو “نظرية كل شيء“.
تظهر بعض الأعراض المرضية على ستيفن قبل أن يسقط فجأة غير قادر على الحركة،
وحين يتجه للمستشفى يُخبره الطبيب بأنه مُصاب بمرض عصبي حركي يتسبب في تلف
خلايا المخ التي تتحكم في حركة العضلات الرئيسة؛ لذا مع الوقت لن يستطيع
ستيفن المشي،التحدث، البلع، وحتى التنفس.
إلا أن الدماغ والأفكار لن تتوقف لذا سيظل ستيفن محتفظًا بأفكاره ونظرياته،
كل ما في الأمر أنه سيفقد القدرة عن التعبير عنها، وفي نهاية المحادثة
يُمهله عامين فقط للحياة فيفقد ستيفن شغفه بكل شيء إلا العلم، ليقرر اعتزال
البشر ومواصلة عمله ونظرياته فيما تبقى له من وقت.
غير أن جاين تذهب إليه وتُصر على الدفاع عن حبهما مُقررة أنها ستحيا معه
العامين المتبقيين، فيتزوجان.
تبدأ الأعراض واحدة بعد أخرى في الظهور على ستيفن، لتزداد حالته سوءًا ولكن
هذا لا يمنعه من إنشاء أسرة مع جاين لتنجب أول أولادهما، في نفس الوقت يعمل
ستيفن على أفكاره ويُقدم أطروحته التي تُجيب على تساؤل أصل الحياة؛ إذ
يكتشف ويُبرهن على أن الحياة نشأت في البداية من ثقب أسود ما لبث أن تلاشى
وبالفعل يحصل على الدكتوراه.
تمر السنوات دون أن يتوفى ستيفن كما تنبأ له الطبيب، وتنحدر حالته من
الاستعانة بعصا خشبية لكرسي متحرك، لكرسي متحرك أكثر تطورًا، ثم تنجب جاين
مرة ثانية، غير أن صعوبات الحياة تشتد عليها خاصة وأن ستيفن يرفض تلقي
المساعدة من أي شخص غيرها، لكنه في النهاية يرضخ حين يلمس حاجتها وشكواها
من الوضع وهنا يظهر (جوناثان) والذي يقوم بتعليم الترانيم بالكنيسة كما أنه
يعطي دروسًا في البيانو.
تتعرف جاين على جوناثان حين تذهب للكنيسة لتلتحق بالكورال، فيدخل حياتها
ويعرض عليها المساعدة في العناية بزوجها وأسرتها وحين يوافق ستيفن يزداد
تواجده معهما في الكثير من الأوقات. وهنا تنشأ عاطفة صامتة بين جاين
وجوناثان فلا يلبث أن يرحل جوناثان تاركًا الأسرة بسبب عدم قدرته على
الاستمرار على هذا النحو.
تحمل جاين وتنجب مرة ثالثة، ثم يتعرض زوجها لمضاعفات ما تتسبب في دخوله
لغيبوبة فتُصر على أن يقوم الأطباء بتركيب أنبوب لزوجها بحنجرته ليستطيع
التنفس ما يمنع زوجها من القدرة على الكلام -بعدها- على الإطلاق. وهنا يظهر
تحد جديد في العائلة، فتلجأ جاين للوحة عليها أحرف بألوان معينة من خلالها
تستطيع التواصل مع زوجها لمعرفة ما يُريد قوله.
وهنا تضطر البطلة للجوء لإيلين الممرضة لترعى زوجها فتُخفف عنها الحمل
قليلًا، وبعد فترة يحصل الزوجان على اختراع حديث وجهاز يستطيع من خلاله
البطل اختيار حروف وكلمات يُكَوِّن من خلالها جُملًا ينطقها بالنيابة عنه
صوت آلي، ليستطيع ستيفن التواصل بشكل أسرع وأفضل.
تتوطد علاقة الممرضة بالبطل حتى يصبح في غير حاجة لزوجته، إلى أن تتفاجأ
جاين ذات ليلة بزوجها يُخبرها أنه سيذهب إلى أمريكا لإلقاء محاضرة ما مع
إيلين، فيحدث نقاش هادئ يُقرران على إثره الانفصال، لتتزوج جاين من جوناثان
بعد طلاقها.
بعد فترة يأتيها خطاب من ستيفن يُخبرها أن ملكة إنجلترا قررت تكريمه ومنحه
لقب الفارس وأنهما سيذهبان سويًا لمقابلتها، وهنا يأتي أول مشهد بالفيلم
حيث البطل وزوجته وأولاده يسيرون بالقصر الملكي. ثم يأتي مشهد النهاية حين
تشكره جاين على منحها شرف ذلك اليوم الاستثنائي، فينظر لأولادهما -الإنجاز
الحقيقي- قائلًا انظري ما فعلناه.
استطاع المخرج جيمس مارش
James Marsh
أن يُقدم الفيلم بشكل سلس ومُتميز، حيث اهتم بالتفاصيل بشكل ملحوظ، كما أنه
برع في استخدام الإضاءة، ونجح كذلك أن يجعل البطل -رغم كونه مُقعدًا في
معظم أجزاء الفيلم- يظل إحدى قوى المشهد المؤثرة دائمًا.
ولمزيد من المصداقية والتقمص، قامت فيليستي جونز بزيارة جاين هوكينج عدة
مرات، فعلى الرغم من أن دور البطلة قد يبدو للبعض سهلًا أو عاديًا إلا أنه
يحتاج لكثير من الموهبة ليخرج بهذا الشكل. وقد صرحت جاين هوكينج بأنها بعد
مُشاهدتها للفيلم شعرت كما لو كانت هي المرأة الموجودة على الشاشة وأنها لم
تكن تعرف أن فيليستي استطاعت دراستها كل هذا القدر.
أما إيدي ريدماين في دور ستيفن، فقد جاء بارعًا في حركاته وإيماءاته، في
طريقة نطقه الثقيلة للحروف ومروره بأعراض المرض المختلفة بالتدريج، ما يجعل
بطلي الفيلم ومُخرجه من المُرشحين المُحتملين لجائزة الأوسكار.
وقد قام ستيفن هوكينج بنفسه بحضور تصوير المشاهد الأولى، حيث مشهد الحفل
الذي دعا إليه جاين فشعر من خلاله بأنه أمام صناعة محترفة ودقيقة يستطيع أن
يثق بأصحابها، كما قال إنه يعلم أن الفيلم عمل فني بالأساس أكثر ما هو معني
بقصة حياته، بالإضافة لأنه كان يعلم أن حياته ستُلهم الكثيرين؛ لذا فهو ليس
لديه أي مشكلة مع تقديم مثل تلك الأعمال ولن يقف أمام كونها تتناول الأحداث
بدقة أم لا. أما عن رأيه بعد مشاهدة الفيلم، فقد قال إنه شعر كما لو أن هذا
كان حقيقيًا بالفعل.
ولعل المأخذ الوحيد على الفيلم -إذا استثنينا امتعاضات الفيزيائيين لعدم
عرض الفيلم لنظريات ستيفن هوكينج بشكل مفصل- هو أن صُناع الفيلم لم يلتزموا
بالتفاصيل التي جاءت بمذكرات جاين قدر اهتمامهم بأن يمنحوا القصة أبعادًا
رومانسية لأقصى درجة لإرضاء المتفرج وجذب اهتمامه، ومن أوضح نقاط الاختلاف
بين الفيلم والكتاب:
عرف ستيفن بحقيقة مرضه قبل ارتباطه بجاين وليس بعده كما جاء بالفيلم، غير
أن جاين لم تتحدث معه بالأمر حيث شعرت أنه شيء ثانوي؛ لأن ستيفن كان دائمًا
ما يردد أن الأمر بسيط.
لم يقم ستيفن بدعوة جاين في لقائهم الأول لمقابلة أهله كما جاء بالفيلم،
وبالتالى لم يقم بدعوتها للحفل يومها بل دعاها إليه في التليفون، وفي الحفل
جرى الحوار كما جاء بالفيلم غير أنه لم يكن هناك قبلة في آخر اليوم أو تلك
الرقصة. كما أوضحت جاين أنها ذهبت للحفل مع ستيفن والذي كانت قيادته
للسيارة متهورة ما جعلها تُحاول التهرب من الرجوع معه آخر اليوم.
قبل زواج ستيفن من جاين لم يُجر أحد أفراد أسرته الحوار الذي جاء في الفيلم
مع البطلة.
ظهرت جاين في الفيلم لا تعمل في أي شيء إلا رعاية زوجها وأسرتها ورُبما
ظهرت تلك كإحدى نقاط ضعفها في الفيلم؛ إذ تخلت عن أحلامها ومستقبلها غير
أنها في الحقيقة كانت تعمل في تدريس الإسبانية والفرنسية، وكانت ترى أن
تكريس المرأة حياتها لبيتها وعائلتها فقط هو بمثابة دخول لعالم مظلم بلا
عودة.
تكريم الملكة لستيفن ومُقابلتها له هو وزوجته جاء قبل انفصالهما وليس بعده
كما ظهر على الشاشة.
وأخيرًا، طلاق ستيفن وجاين لم يحدث بالشكل المُتحضر الذي ظهر لنا بل حدث
بعد مُشادة وخناقات في إحدى العطلات التي كان يقضيها الزوجان بعيدًا عن
المنزل، حيث أعلن ستيفن لجاين أنه سيتركها من أجل “زوجته الثانية” حيث
خانها مع ممرضته والتي تزوجها بالفعل بعد طلاقه من جاين لمدة عشر سنوات قبل
أن ينفصل عنها هي الأخرى.
والآن أترككم مع صور “جاين وستيفن هوكينج” الحقيقيين.
تريلر الفيلم
-
رابط الفيلم على
IMDb |