ماهى إلا أسابيع قليلة وتعلن أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة فى
الولايات المتحدة الأمريكية المنوطة بمنح أرفع جائزة سينمائية فى العالم
"الأوسكار " ، عن فوز الفيلم الأمريكى "
American Sniper
" أو القناص الأمريكى بأوسكار 2015 ، مكافأة لقصة بطله الذى قتل 255 مسلما
عربيا من أهلنا فى العراق ، ليس هذا فقط بل منحه الجمهوران الغربى
والأمريكى صك الصدارة فى إيرادات شباك التذاكر خلال أسبوعين جمع خلالهما
مايزيد عن 250مليون دولار حتى الآن ومن غير المستبعد أن يصل إلى رقم
المليار ! ليس لأنه فيلم رائع فنيا بل لكونه يحض على كراهية العرب
والمسلمين الذين وصفهم بالهمجيين!
نعم أصبح فيلم
American Sniper
الأقرب لمنصة التتويج بالأوسكار هذا العام ، بصفته الوحيد المرشح لنيل 6
جوائز أوسكار فى فروع أفضل "فيلم ، ممثل ، إخراج ، إنتاج ، تصوير ، مونتاج
" إذن الفوز مضمون مضمون! وإذا انتقلنا إلى الفيلم نفسه فقد أنتج عام 2014
بتكلفة بلغت 58.8 مليون دولار وقام ببطولته النجم الأمريكى الوسيم برادلى
كوبر والنجمة سيانا ميلر ، وأخرجه كلينت إيستوود النجم الكبير الذى تحول
للإخراج فحصل على تقدير فنى وجماهيرى يتساوى مع نجوميته ، وشاركت فى تنفيذ
كثير من مراحله أرملة الجندى أو القناص الأمريكى كريس كايل صاحب القصة
الحقيقية والمعروف بالجندي الأكثر فتكًا في تاريخ العسكرية الأمريكية، الذى
اعتبرته أمريكا بطل حربها فى العراق ، لأنه وحده تمكن من قتل 255 بينهم 160
اعتبرتهم وزارة الدفاع الأمريكية خطيرين على وجودها هناك .
وكانت بداية عرض الفيلم لأول مرة بمهرجان معهد الفيلم الأمريكي في 11
نوفمبر 2014، تبعه إصدار سينمائي محدود في الولايات المتحدة في 25 ديسمبر
2014، ثم إصدار عالمي موسع في 16 يناير 2015، حيث سجل أرقاما قياسية في
صناديق التذاكر خلال شهر يناير.
أما أحداث الفيلم فتحكى قصة حياة طفل أمريكى علمه والده أن البشر ثلاثة
أنواع، إما ذئاب أو خراف أو رعاة للخراف يدافعون عنها ويحمونها، وهنا يقرر
الطفل أن يكون من رعاة هذه الخراف، لذا نراه يحمى أخاه الطيب من أى اعتداء
وعندما يكبر يذهب لحماية وطنه " الطيب " أمريكا بعد أن تعرضت لهجمات الحادى
عشر من سبتمبر عندما يقرر الانضمام للجيش الأمريكى تاركا زوجته الحامل ،
وبعد فترة من التدريب يصير الشاب قناصا محترفا ، فيستدعى للحرب فى العراق ،
وتمضى الأحداث التى تصور البطل فى حربه ضد الإرهابيين، وكيف أنه يرى العراق
كله إرهابيين يستحقون القتل، ثم يتحول كايل إلى أسطورة بين زملائه فهو
منقذهم وقاتل الأشرار الهمج من العرب المسلمين ، وكلما قتل مسلما يصفق له
الجميع !
ولشدة كراهية هذا القناص لأهل العراق ، دائما ما يقطع إجازته ويعود راضيا
إلى ساحة القتال ليمارس هواية قنصهم دون أن ينتابه شعور بالذنب إزاء ما قام
به من قتل لأبرياء، وصفهم بالمتوحشين وكأنهم الذين ارتكبوا أحداث سبتمبر ،
فى خلط غريب أو تزييف متعمد للتاريخ ! كما يتطرق الفيلم أيضا إلى مجموع
الأوسمة والنياشين والتكريمات التى حصل عليها قاتل العرب كايل كريس الذي
قُتل في فبراير 2013 والملقب بـ"الشيطان الرمادي" الجبان الذى فتك بضحاياه
وهو مختبىء فوق أسطح البنايات أو وراء أسوار عالية ، ومنها جائزة المعهد
اليهودي لشئون الأمن الوطني!
موقف غريب
ولكن أليس غريبا أن تثور جماعات غربية ضد فيلم يكرس العداء للعرب ويؤجج
مشاعر الكراهية ضد المسلمين فى الوقت الذى تسمح فيه الدول العربية ومنها
مصر بعرض الفيلم على شاشاتها ويصفق له جمهورها المغيب أو المخدوع، كما لم
تظهر أية منظمة حقوقية مصرية أو عربية تهاجم الفيلم أو تنتقده أو تحذر
الجماهير من مشـــاهدته؟
على أية حال تعالوا نذكرهم بما قالته اللجنة الأمريكية العربية لمناهضة
التمييز حيث ذكرت فى بيان لها أن إصدار الفيلم أدى إلى زيادة موجة
التهديدات ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، واتهمت مخرجه كلينت
إيستوود بربط غير صادق للعراق بهجمات 11 سبتمبر وفق مجموعة من أنصاف
الحقائق، والخرافات والأكاذيب ، ليصنع بطلاً من شخص "كذاب وسفاح." وأضافت
المنظمة، التي تصف نفسها بأنها أكبر منظمة مدافعة عن حقوق العرب في
الولايات المتحدة، إنها جمعت "مئات الرسائل التي تحمل مضمونا عنيفا وتستهدف
العرب والمسلمين الأمريكيين من رواد دور العرض السينمائي" معظمها عبر موقعي
فيسبوك وتويتر ، وطالبت فى بيانها إيستوود وكوبر الرد على مثل هذه الرسائل
"في مسعى لتخفيف حدة لغة الكراهية."
بينما قال رئيس اللجنة سمير خلف :"ظهوركم وتأثيركم وصلتكم بالفيلم تحتم لفت
الانتباه إلى جاليات بعينها وتخفيف المخاطر التي تواجهها ."
لقد نشرت هذا البيان صحف العالم الغربى مثل التلجراف والجارديان التى نشرت
عنه تقريرا مطولاً ذكرت فيه أن الاحتفاء الذى يواجهه فيلم يخلد سيرة رجل
اعتبرته القوات المسلحة الأمريكية "أكثر قناص مميت فى تاريخها" يكشف مكررا
عن ازدواجية القيم الغربية، التى تدعى الأخلاق وتتصرف عكسها.
وينتقد التقرير أيضا الاحتفاء المبالغ بالفيلم، الذى يجعل من تصرفات "كايل"
فى قتله لأى عراقى تصرفا فى قمة البطولة والتضحية، دون الخوض فى أخلاقيات
الحرب، التى شنتها أمريكا وحليفتها بريطانيا على العراق.
وفى نهايته يسخر التقرير من طبيعة "كايل" الذى يعتبر أن الله وراء كل تصرف
يقوم به، معتبرا أولويته الله ثم أسرته ثم الوطن، واضعا لنفسه قيما يتعصب
لها، مما يجعله غير مختلف عن أى مجاهد فى صفوف داعش، لكنه فى الجانب الآخر
من الكرة الأرضية حيث تُوضع التصنيفات ومقاييس الأخلاق.
وفى هذا السياق استنكرت منظمة أمريكية ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق
الإنسان لغة الكراهية الموجهة ضد الأمريكيين العرب والمسلمين بالفيلم.
ثم ننتقل إلى الثورة التى واجهها "سيث روجن"نجم هوليوود ، ومنها تهديدات
بالضرب بعدما نشر تغريدة على موقع تويتر عن فيلم "American
Sniper
"ذكر فيها أن هذا العمل الذى يتناول شخصية كريس كايل، يذكره بمشهد لقناص
نازي ظهر في فيلم "Inglourious
Bastards
ـ أوغاد مجهولون" لبراد بيت والمخرج كوينتين تارانتينو، حيث صنع النازيون
فيلما سينمائيا حوله ، لإظهاره كبطل أمام الناس بعد قتله لأكثر من 200 شخص
بمفرده، وأيده فى الرأى النجم "أليك بالدوين"، بعد أن ذكر أكثر من مرة، أنه
سيعتزل الكتابة على تويتر، لكنه عاد من جديد ليساند سيث روجن ويدافع عنه،
قائلا بأن التهديدات السابقة بضرب سيث روجن تعتبر طريقة تفكير مشابهة والتي
أدت إلى مقتل الجندي كريس كايل على يد زميل له في الجيش الأمريكي، وأشار
إلى أن هذا النوع من التفكير لا يؤدي إلا إلى المشكلات غير المرغوب فيها.
ولم يجد سيث روجن مفرا أمامه سوى اللجوء إلى تويتر مرة أخرى لتوضيح تعليقه
الأصلي الذى فهمه الكثيرون بشكل خاطئ، وذكر أنه تحدث فقط عن أن الفيلم
الجديد ذكّره بمشهد في فيلم آخر تضمن الحديث عن فيلم يدور أيضا عن قناص،
وذلك لتناولهما حبكة أو قصة تدور على أفضل القناصين وأكثرهم خطورة، وأن
الناس تداولت ما كتبه على أنه تشبيه بين العملين والشخصيات المحورية فيهما،
ومقارنة بين الفيلم الجديد والضجة الإعلامية الكبيرة، التي سعى لتحقيقها
النازيون في مشهد بفيلم المخرج تارانتينو، وهو الأمر الذي لم يقصد الإشارة
إليه، لأنه استمتع جدا بفيلم "القناص الأمريكي"، ولم تكن لتعليقاته السابقة
أى مغزى سياسي، وأنه يعتذر إذا أساءت كلماته إلى أى شخص على تويتر.
ولم يكن سيث روجن الوحيد الذي أثارت تعليقاته على هذا الفيلم ضجة على تويتر،
حيث كتب "مايكل مور"، مخرج الأفلام الوثائقية الأمريكية ، تغريدة ذكر فيها
أن عائلته ربته منذ الصغر على أن القناصين من الجنود الجبناء، يضربون
أعداءهم في الخفاء، ومن ظهورهم، لأن عمه قُتل على يد قناص يابانى خلال
الحرب العالمية الثانية، وذكر مايكل أن القناصين ليسوا من أبطال الحروب،
لكن بعد ذلك حاول المخرج تهدئة الهجوم، الذى واجهه، وكتب على فيسبوك عن
إعجابه بهذا الفيلم، وإن كان من الممكن تقديم أحداث حرب العراق بشكل أفضل.
حتى جاك هورنر، المتحدث باسم شركة وارنر برذارز ، التي أنتجت الفيلم ، فقد
صرح هو الآخر لوكالة رويترز أن الشركة "تدين أي لغة معادية للمسلمين تتسم
بالعنف بما في ذلك تلك التي تتعلق بالجمهور. "وأضاف :"الكراهية والتعصب لا
مكان لهما في الحوار المهم الذي أثاره هذا الفيلم الذي يجسد تجربة جندي
مخضرم .
اسمحوا لى أن أختم كلامى عن القناص الأمريكى بأنه يسىء إلى العرب والمسلمين
ويؤجج مشاعر الكراهية ضدهم وأن ملايين الدولارات التى ذهبت على جيب منتـــج
الفيلم لم تكن لـ"حلاوة " الفيلــم ولكن إمعــانا فى كراهية العرب
والمسلمين! |