في حقيقة الأمر لا أدري أيهما جاء أولًا: القصة أم البطل؟
لا أتذكر أني شاهدت فيلمًا يقوم فيه البطل بتجسيد قصة حياته الحقيقية مثلما
حدث في هذا الفيلم، فلم أعد أدري من الذي تم اختياره أولًا النص أم البطل؟
إذا قارنا أحداث فيلم (Birdman)
الذي قام بكتابته المخرج المكسيكي (أليخاندرو أناريتو/ IñárrituAlejandro )
-بالإضافة إلى ثلاثة آخرين- بقصة (مايكل كيتون) نفسه لوجدنا أوجه الشبه
ظاهرة للعيان ولا تحتاج أية إشارة لملاحظتها، فالفيلم يحكي عن الممثل
(ريجان توماس) الذي سطع نجمه في (هوليوود) لأدائه أحد أدوار الأبطال
الخارقين (الرجل الطائر)، الذي يوازيه دور (الرجل الوطواط) في حالة (كيتون)،
ومن ثم لم يستطع خلع عباءة الرجل الخارق بعدما رفض القيام بجزء ثالث من
السلسة بعد عام 1992، وهو نفس عام إنتاج فيلم (Batman
Returns)
الجزء الثاني من سلسلة (الرجل الوطواط) من بطولته (كيتون)، ليتوقف بعدها عن
استكمال باقي أجزاء السلسلة ويُبقي رأسه منخفضة بقبول أدوار صغيرة أو مهمشة
أو بالقيام بالأداء الصوتي للكثير من أفلام (الأنيميشان)، هربًا من شبح
شهرة (الرجل الوطواط)، ولكن هل استطاع (ريجان توماس) بطل فيلمنا الهروب من
شبح فيلمه (الرجل الطائر)؟
هذا ما أجاب عليه المخرج المكسيكي (أليخاندرو أناريتو/ IñárrituAlejandro )
في المشهد الأول من فيلمه، عندما ظهر (ريجان توماس) معلقًا في الهواء -دون
أي مسند- مرتديًا قطعة ملابس واحدة، وهناك هذا الصوت الرخيم الذي ينبعث من
رأسه ليسأله “كيف انتهى بنا الحال في هذا المكان؟”، هذا الصوت يعود
لـ(الرجل الطائر) الذي يبدو أنه لم يهجر رأس (ريجان) مثلما هجره الأخير منذ
ما يقارب الربع قرن.
(ريجان) الذي سئم (هوليوود) وحصره المشواره الفني في أجزاء أفلام (الرجل
الطائر) الثلاثة، اتجه لـ(برودواي) وقام بإخراج وإنتاج مسرحية من تأليفه
ليكون هو بطلها ويستطيع إبهار النقاد والفوز بإعجاب الجماهير مرة أخرى،
ولكن هذه المرة ليس عبر قناع يرتديه ولا يتمكن من خلعه ثانية.
أثناء القيام ببعض التجارب أُصيب أحد أبطال المسرحية في رأسه مما أدى إلى
تخلفه عن العرض، طلب (ريجان) من وكيل أعماله (جاك) الذي قام بدوره الممثل
الكوميدي (زاك جاليفياناكيس/Zach
Galifianakis) أن
يحضر بديلًا له، فتطوعت إحدى بطلات العمل (ليزلي) التي قامت بدورها الجميلة
(ناعومي واتس) بإحضار صديقها (مايك)/(إدوارد نورتون-Edward
Norton)،
سعد (ريجان) بهذا الخبر بعدما علم أن (مايك) يبيع الكثير من التذاكر وأن
كلًا من النقاد والجمهور يحبونه، وهذا ما كان ينقص العرض، نجم شباك لإنجاح
مسرحيته. ولكن، ما لم يحسب له (ريجان) حسبانًا أن (مايك) قد يكون خطرًا على
عرضه بقدر ما يبدو منقذًا له.
في لقائهما الأول، وجد (ريجان) (مايك) يحفظ بالفعل سطور دوره؛ بسبب مساعدته
لـ(ليزلي) على التمرن على نصها خلال الشهور الماضية، مما جعلهما يتجها إلى
مستوى أعلى من المقابلة الأولى وهو القيام بتجربة أحد أجزاء الحوار، بدا
(مايك) متمكنًا للغاية من أدائه وشخصيته ربما أكثر من (ريجان) نفسه صاحب
العمل، مما أظهر بعض الضيق على وجه الأخير ممتزجًا بالإعجاب.
قدم (ريجان) (مايك) إلى ابنته (سام)/(إيما ستون-Emma
Stone)
لمساعدته في الوصول إلى غرفته، (سام) التي خرجت لتوها من مركز إعادة
التأهيل لإدمانها على المخدرات انضمت إلى قائمة الأشياء التي فشل (ريجان)
في إنجازها، ورغم محاولة (ريجان) التعويض عن غيابه فيما سبق ومعالجة الأمور
عن طريق إلحاقها بالعمل معه، ظلت الأمور بينهما لا تسير على ما يرام.
وجد (ريجان) ضالته المنشودة في (مايك)، فقرر بيع أحد منازله للحصول على
المال الذي طلبه الأخير رغم اعتراض (جاك) مدير أعماله على ذلك، إلا أنه أصر
لإيمانه أن (مايك) يمتلك ما لا يستطيع غيره منحه إياه.
في عرضهما الأول -التدريبي- أمام الجمهور، قام (مايك) بتناول خمر حقيقي
أثناء المشهد، عندما لاحظ (ريجان) ذلك استبدله بماء مرة أخرى مما أشعل غضب
(مايك) وجعله يخرج عن سطوره مفسدًا المشهد بالكامل، وموجهًا السباب للجميع:
(ريجان) والمشاهدين.
صُدم (ريجان) مما آل إليه تجربته الأولى أمام الجمهور بسبب (مايك)، فذهب
إلى (جاك) وطلب منه استبداله، ولكن الأخير لم يرضخ لسؤاله هذه المرة وصرخ
فيه: “أنت المخرج، أحكم سيطرتك عليه“.
وجد (ريجان) بعد العرض زوجته السابقة (سيليفيا)/(إيمي ريان-Amy
Ryan)
في غرفة ملابسه التي اعتاد فيها ممارسة أموره الخارقة والاستماع إلى نصائح
(الرجل الطائر) اللائمة، جاءت (سيليفيا) لتسديه النصائح هي الأخرى بخصوص
ابنتهما (سام) وعن كيفية التعامل معها بعد خروجها من محنتها.
أخبر (ريجان) (سيليفيا) عن رغبته في بيع أحد منازله الذي كان من المقرر أن
يكون لـ(سام)، فأخبرته أنها لا تتذكر لماذا انفصلا، شرد (ريجان) قليلًا
وتحدث عن شيء آخر يخص عمله، فنهضت (سيليفيا) ورحلت عندما جعلها شروده تتذكر
سبب انفصالهما. عاد الصوت مرة أخرى للحديث بمجرد خروجها من الباب لينهض
(ريجان) هو الآخر ويرحل عن الغرفة ويخرج لمقابلة (مايك).
إذا كنت قد أشرت من قبل إلى أن هذا الفيلم هو انعكاس لحياة (كيتون)
الحقيقية، فأرى أيضًا أن شخصية (مايك) ما هي إلا انعكاس لشخصية (تايلور
ديردن) الذي قام بأدائها النجم (براد بيت/Brad
Pitt)
في الفيلم الشهير (Fight Club)
بشخصيته الضجرة الذي طالما سخر من (إدوارد نورتون/Edward
Norton)
ووجه إليه سيلًا من النقد اللاذع لتحريره من قيود شخصيته المستسلمة، في هذا
الفيلم يقوم (نورتون) بتطبيق ما علمه إياه (براد بيت) في الفيلم السابق
متقمصًا روحه، الشيء الوحيد المختلف هنا أن فصام (ريجان) لم يصنع (مايك)
وإنما صنع (الرجل الطائر).
عند عودته للمنزل، وجد (ريجان) رائحة دخان المخدرات تفوح من المكان، فاشتبك
مع ابنته (سام) التي لم ترغب في سماع نصائح والدها الغائب، وأخذت تصيح عليه
أنه غير مهم وليس هناك من يكترث لرأيه ولا لفنّه وأنه يقوم بهذه المسرحية
فقط لإثبات العكس بينما تظل الحقيقة ظاهرة للجميع. بعدما انتهت (سام) من
هجومها على والدها دون تلقي أية أجابة منه تركته وذهبت.
هذا المشهد أعتبره هو ما منح (إيما ستون) ترشيحها الأول لجائزة الأوسكار عن
جدارة، و جعل المنافسة محتدمة.
أخذ (ريجان) يحرك الأشياء عن بعد عن طريق قدراته الخاصة، ودخّن ما تبقى من
سيجارة الماريجوانا استعدادًا لعرضه الأول في اليوم التالي الذي سرق فيه
الأنظار (مايك) مرة أخرى عندما حاول التحرش بـ(ليزلي) -صديقته السابقة-
أثناء التمثيل.
خلط (مايك) للأمور بماضي علاقتهما بالعمل على المسرح أشعر (ليزلي) بقلة
الاحترام، إعطاؤه لنفسه حق الاستهزاء بها أمام الجميع جعلها تشعر أنها
مثيرة للشفقة لا يأخذها أحد على محمل الجد، بكت (ليزلي) في مشهد هو أفضل ما
قدمت طوال الفيلم ولم يخفف عنها سوى كلمات (ريجان) عندما أخبرها أنها ممثلة
جميلة وموهوبة وأنه من حسن حظ فريق العمل تواجدها بينهم.
حاول (مايك) الحديث معها إلا أنها ألقته بمجفف الشعر مما جعله يرحل ويذهب
إلى (ريجان)، ليخبره أن مسدسه المزيف لا يشعره بأي تهديد على خشبة المسرح.
صعد (مايك) إلى سطح المبنى هناك حيث وجد (سام) التي حاولت التعرف عليه
أكثر، فسألته عدة أسئلة كانت إجابته عليها: أن لا شيء مما يبدو على المسرح
حقيقي.
جاءت ردود أفعال الجرائد في الصباح التالي للعرض الأول مخيبة لآمال
(ريجان)؛ فالنقاد أشادوا بأداء (مايك) وتجاهلوا (ريجان) بل ومنهم من ذمه
أيضًا، استغل ذلك صوت (الرجل الطائر) في رأسه وأخذ يخبره أن (مايك) سرق
عرضه، فخرج هاربًا من الصوت الذي يصدح في رأسه بحثًا عن (مايك) وضربه
لقيامه بعمل لقاء صحفي مع الجرائد من دون علمه ليسرق منه الأضواء. أحببت
هذا المشهد، فهو أكثر مشاهد الفيلم كوميدية، وبدا (ريجان) مشتعلًا مغتاظًا
بينما وقف (مايك) يسخر منه ويدافع عن نفسه وسط مشاهدة طاقم العمل.
طرح (ريجان) (مايك) أرضًا، وذهب لغرفته حيث بدأ (الرجل الطائر) في استفزازه
مجددًا، حاول (ريجان) إسكاته دون جدوى فأخذ يحطم في محتويات الغرفة عن بعد
بمجرد الإشارة، بينما واصل (الرجل الطائر) الضغط على أعصابه إلى أن فقدها
تمامًا وأخذ يصيح عليه -محدثًا نفسه- ويكسر كل شيء -بيديه- هذه المرة، حتى
دخل عليه (جاك) ووجده على هذه الحالة فاقترح عليه الانتقال إلى غرفة أخرى،
طلب منه (ريجان) هذه المرة إلغاء العرض كله لشعوره أنه ليس على ما يرام
بسبب الأصوات التي يسمعها، إلا أن (جاك) وبحكم عمله -كوكيل أعماله وصديقه-
أخذ يثني عليه وعلى أدائه الليلة الماضية وأخبره عن كم التذاكر المباعة وعن
حضور العديد من الشخصيات المرموقة لمشاهدة عرضه، مما أعاد لـ(ريجان) طموحه
مرة أخرى وجعله ينسى نوبة الجنون التي مر بها منذ قليل ومازالت آثارها تحيط
به.
في لقائهما الثاني على سطح المبنى، سأل (مايك) (سام) عن أسوأ شيء فعله بها
(ريجان)؟ فكانت إجابتها: أنه لم يكن قريبًا. ثم إصراره على أن يعوض عن ذلك
بمداومة إخبارها أنها شخص مميز في حين أنها ليست كذلك.
سألت (سام) (مايك) كيف يمكنه الخروج على خشبة المسرح والتظاهر بأنه شخص آخر
طوال الليل؟ فأجابها أن المسرح هو المكان الوحيد الذي يكون فيه على سجيته
غير مضطر للتظاهر.
خرج (ريجان) من المسرح لتدخين سيجارة أثناء العرض، فانغلق الباب بفعل
الهواء على ردائه، حاول فتحه ولكن دون جدوى، اضطر (ريجان) لترك ردائه
والسير بملابسه الداخلية حول المبنى للدخول من الباب الأمامي وسط ملاحقة
معجبيه ومحاولات تصويره والحصول على توقيعه.
دخل (ريجان) إلى قاعة العرض من مكان المشاهدين وبدأ في تسميع سطوره أثناء
سيره بينهم حتى وصل إلى خشبة المسرح وصعد عليها، بدا أداؤه جيدًا/حقيقيًا
هذه المرة عن سابقيه، أثار الموقف المحرج الذي تعرض له منذ قليل مشاعره
فاستطاع تأدية دور الرجل الذي خانته زوجته كما ينبغي وأخذ يردد كلماته
لها “لماذا؟ فقط أخبريني لماذا؟ ما الخطب بي؟ كل ما أردت أن أكون محبوبًا،
أردت أن أكون مثلما تريدين، أنا أقضي اليوم وأنا أتظاهر أني شخصٌ آخر، لست
هو” كما لو كان يوجهها للحضور، يلومهم على خيانتهم له والتي تتمثل في عدم
استمرارية حبهم له.
أخبر (ريجان) ابنته (سام) أن هذه المسرحية التي يقوم بلعبها تشعره وكأنها
نسخة مشوهة منه، وأنها كما لو كانت تتبعه في كل مكان وتضربه في مقتل بمطرقة
صغيرة.
كان هذا بمثابة إسقاط آخر على حياة (مايكل كيتون)، ووصف ما يشعر به تجاه
هذا الفيلم الذي يقوم بتمثيله.
اتخذت علاقة الأب بابنته منحنيًا آخر في هذا المشهد، عبر عنه (ريجان)
بسؤاله لـ(سام) هل كنت والدًا “مريعًا”؟ لتشفق عليه الأخيرة من الإجابة
وتخبره أنه كان والدًا “بخير”.
عرضت (سام) على والدها مقطع الفيديو الذي تناولته شبكات الاتصال له أثناء
سيره شبه عار، وأخبرته أنه حصل على ثلاثمئة مشاهدة خلال ساعتين مما يجعله
الأكثر مشاهدة.
في مشهد أعتبره من أهم مشاهد الفيلم التي برع في أدائها (كيتون)، يحاول
(ريجان) استمالة الناقدة الفنية قبيل يوم الافتتاح لعلمه أن نجاح المسرحية
من عدمه يعتمد على رأيها هي دون سواها، مثّل المشهد طبيعة العلاقة -غالبًا-
بين الناقد والفنان كما لو كانا عدوّين، يرغب الأول بتدمير الثاني والقضاء
عليه لإثبات وجهة نظره في عدم استحقاقيته للشهرة، أخبرت الناقدة (ريجان)
صراحة أنها ستغلق مسرحيته غدًا وتقضي عليه لا لشيء سوى لأنها تكرهه وتكره
نوع الفن الذي قدمه سابقًا وتكره فكرة لجوئه للمسرح لإنقاذ ما تبقى من آثار
شهرته.
هاجمها (ريجان) بالمقابل، وأعتقد أنها كانت رسالة موجهة أراد المخرج
(أليخاندرو إناريتو) إيصالها إلى النقاد من هذا النوع الذين يقومون بتقييم
العمل عن طريق تصنيف كل شيء بداخله في هيئة ملصقات: هذا جيد/هذا سيئ
استنادًا إلى معايير هم من صنعوها في الأساس، مما يجعل حكمهم على الأمور
غير منصف.
لم تغير كلمات (ريجان) شيئًا من نية الناقدة المبيتة لإسقاط العمل، بل ربما
زادها حديث (ريجان) حقدًا أكبر.
قضى (ريجان) ليلته في الحانات يثمل حتى غاب عن الوعي، استيقظ في الصباح
التالي ليجد نفسه نائمًا على درجات أحد المنازل ومسندًا رأسه إلى كيس
مهملات، في الواقع كان صوت (الرجل الطائر) هو من أيقظه من سباته.
وكأنما كانت كمية الكحوليات التي تناولها (ريجان) الليلة الماضية كبيرة بعض
الشيء، لم يكتف (الرجل الطائر) بمجرد كونه صوتًا ينبعث من رأسه؛ بل تجسد
هذه المرة في هيئته الكاملة وقام بالسير خلفه أثناء إسدائه النصائح.
لم يقاومه (ريجان) هذه المرة أو يطلب منه المغادرة مثلما اعتاد أن يفعل
دائمًا، بل استمع إليه ونفذ ما يطلبه منه، بفرك أصابعه استطاع (ريجان)
تحويل الشارع إلى موقع تصوير أحد أفلام (الأكشن).
ارتفع (ريجان) عن الأرض محلقًا نحو السماء وسط صيحات استهجان الجميع، بينما
سألته إحداهم “هل هذا حقيقي أم تقومون بتصوير فيلم؟” فأخبرها أنه فيلم
واستمر في الطيران بينما ظل (الرجل الطائر) يخاطبه ويشجعه ليستمر في
التحليق في السماء حيث ينتمي.
توجه (ريجان) لمقر عرض مسرحيته طيرًا أو هكذا اعتقد، ولكن في حقيقة الأمر
كان هناك صاحب سيارة الأجرة الذي سعى خلفه للحصول على أجرته.
نال عرض الافتتاح إعجاب الجميع وامتلأت غرفة (ريجان) بالورود التي يكرهها
بالمناسبة، تسللت (سيليفيا) زوجته السابقة إلى غرفته أثناء استراحة ما قبل
المشهد الأخير لتهنئته على نجاح عرضه فوجدته مسترخيًا وأراد التحدث إليها.
أخبرها (ريجان) عن الأصوات التي تتحدث إليه وتخبره بالحقيقة وأنه على
الرغم من أن ذلك يبدو مخيفًا إلا أنه يريحه. أخبرها عن حلم يراوده يغرق فيه
ولا يستطيع التنفس. أخبرها عن أنه يود لو كان باستطاعته تسجيل الأوقات التي
قضاها معها ومع (سام) حتى يستطيع استرجاعها عندما يريد؛ لأنه لا يمكنه
التذكر. أخبرها (ريجان) أنه يحبها ثم نهض للخروج لأداء المشهد الأخير.
استمع (ريجان) لنصيحة (مايك)، وقام باستبدال مسدس المسرحية المزيف بمسدس
حقيقي -ممتلئ الخزانة- وخرج إلى خشبة المسرح، قام (ريجان) بإلقاء كلماته
المصقولة على زوجته الخائنة مرة أخيرة وصوّب المسدس نحو رأسه وأطلق الزناد.
في المشهد التالي ظهر (ريجان) ممددًا على سرير المشفى ووجهه ملفوف بالشاش
الأبيض في شكل شبيه بقناع (الرجل الطائر)، جاء (جاك) لزيارته ومعه نسخة من
جريدة اليوم حيث أثنت الناقدة على مسرحيته في مقال أسمته (فضيلة التجاهل
الغير متوقعة)، وهو الاسم الثاني الذي اختاره (أليخاندرو إناريتو) للفيلم
بالمناسبة.
جاءت (سام) لزيارته وقامت بتصويره لنشر صورته على مواقع التواصل الاجتماعي
لجني المزيد من الشهرة، احتضنها (ريجان) في مشهد تأخر منذ بداية الفيلم
وذهبت لجلب آنية للأزهار.
نهض (ريجان) من سريره وقام بنزع لفافات الشاش عن وجهه لتكشف عن تجمع دموي
عند العينين والأنف مما جعله يبدو أشبه بـ(الرجل الطائر) الذي ظهر في جانب
المشهد دون النطق بكلمة هذه المرة، توجه (ريجان) للنافذة وفتحها وتسلقها
للخارج، عند عودة (سام) لم تجد أباها في الغرفة ووجدت النافذة مفتوحة
فتوجهت إليها ونظرت خارجها وابتسمت.
قام (كيتون) بأداء هو الأعلى حتى الآن فيما شاهدت من أفلام ترشيحات
الأوسكار، وأكاد أجزم أنه من سينالها، فالرجل الذي ظل بعيدًا عن أضواء
الشهرة لفترة ليست بقصيرة ولم يقم ببطولة فيلم منذ أكثر من ست سنوات، ظهر
في هذا الفيلم كما لو كان لم يغب ولو للحظة، ربما ساهم في ذلك قرب الدور من
شخصيته الحقيقية ولكن يظل أداؤه مبهرًا ولا يمكن المزايدة عليه.
تحمل (إناريتو) المخرج والمؤلف والمنتج عناء تصوير الفيلم بشكل متصل (One
Long Take)،
رغم تحذير أصدقائه له مما وضع حملًا كبيرًا على الممثلين لاضطرارهم للقيام
بتصوير مشاهد متصلة مما أسفر عن عديد من الأخطاء تم تلافيها في المونتاج،
ليخرج الفيلم متصلًا كما لو كان مشهدًا واحدًا دون إطفاء الكاميرا مرة
واحدة؛ لذلك استحق الفيلم الترشح لجائزة أحسن مخرج وأحسن تصوير سينيمائي.
مثلما أشرت سابقًا، فإن أداء (إيما ستون) منحها ترشحها الأول لجائزة
الأوسكار، وإذا ما استمرت اختياراتها لأدوارها على هذا المنوال، فقريبًا
ستحصل على الجائزة.
حصل (إدوارد نورتون) على ترشحه الثالث لجائزة الأوسكار هذا العام، بعد
انقطاع دام لست سنوات، ولكن أظنها لن تكون من نصيبه هذا العام أيضًا.
جاء المونتاج الصوتي ومزج الأصوات الذي اقترن بظهور (الرجل الطائر) أكثر من
رائع، واستحقا عليه الترشح للجائزتين.
الفيلم رغم إعجابي الشديد بمستوى ممثليه وإخراجه، أرى أنه امتداد للأفلام
من نوعية (Black
Swan)
و(Fight
Club)،
فلا أدري لماذا كان الترشح عن جائزة أفضل قصة، ولكن من الواضح أن رسالة (إناريتو)
إلى النقاد أتت ثمارها أكثر مما توقع، فمنحوا فيلمه تسع جوائز للأوسكار. |