“لا
تزال أليس” فراشة تتعلم فن الفقدان
ياسمين عادل – التقرير
Still Alice فيلم
إنتاج 2014 تم تصويره في 23 يومًا فقط، وهو مأخوذ عن رواية لـ”ليزا جينوفا
Lisa Genova”
بنفس العنوان، الكتاب صدر في 2007 وتحول لفيلم في العام السابق لتترشح عنه
بطلته لجائزة أوسكار أحسن ممثلة.
الفيلم من إخراج وتأليف كل من ريتشارد جليتزر
Richard Glatzer،
وواش ويستموريلاند
Wash Westmoreland،
وبطولة جوليان مور
Julianne Moore،
أليك بالدوين
Alec Baldwin،
كريستين ستيوارت
Kristen Stewart
، وآخرين.
تدور أحداث الفيلم حول (أليس) الدكتورة في علم اللغويات بجامعة كولومبيا
والتي تُعتبر مؤلفاتها من أهم ما كُتب في هذا المجال في العالم، يبدأ
الفيلم بالبطلة وهي تحتفل بعيد ميلادها الخمسين مع أسرتها الصغيرة، زوجها
(جون) الطبيب والباحث، ابنها (توم) الطالب بكلية الطب، ابنتها المحامية
(آنا) وزوجها، في غياب ابنتها الصغرى (ليديا) التي تحاول العمل في مجال
التمثيل.
تبدو لنا من الوهلة الأولى حياة (أليس) دون أخطاء، فهي من عائلة متحابة،
تحظى بعلاقة زوجية سعيدة وناجحة، مستواهم المادي جيد جدًا، بالإضافة لأنها
مميزة بعملها وتتمتع بالذكاء والأناقة والتقدير من كل الذين يعرفونها.
تتوجه (أليس) لإلقاء إحدى المحاضرات لنجدها تنسى فجأة ما تود قوله، تُحاول
البطلة التعلل -أمام نفسها قبل الآخرين- أن إفراطها في الشراب هو السبب،
إلا أنها لا تلبث أن تتوجه لدكتور بينجامين طبيب الأعصاب والذي يطلب منها
العديد من الأشعة والتحاليل، ثم يُخبرها أن نتائجها تُشير إلى احتمالية
إصابتها بمرض الزهايمر المُبكر حيث من النادر أن يصيب من هم في مثل عمرها.
تُخفي (أليس) الحكاية عن أسرتها، إلى أن تتوه فجأة أثناء ركضها، وحين تجتمع
الأسرة للاحتفال تنسى أنها قامت بالترحيب بصديقة ابنها فور وصولها فترحب
بها مرتين.
هنا تُقرر البطلة إخبار زوجها، فتوقظه ليلًا لتقص عليه حكاية مرضها غير أن
زوجها يرفض أن يُصدق خاصة وأنها لم تتأكد بعد من التشخيص، وفي زيارتها
التالية للطبيب يؤكد لها إصابتها بالمرض بالفعل قائلًا إن مشكلة الزهايمر
مع ذوي التعليم العالي أن عقلهم يستطيع التحايل على أعراض المرض فلا تظهر
بوضوح، كما أن البعض يُفسر النسيان بأنه أحد أعراض الشيخوخة لا أكثر.
في الوقت نفسه يُخبرها أن ظهور المرض مُبكرًا يعني أنه انتقل إليها جينيًا
وأنه من المحتمل أن يكون قد انتقل لأولادها؛ لذا عليهم عمل التحاليل
اللازمة للتأكد. فتضطر (أليس) لإخبار أولادها -آسفة جدًا- بالحقيقة لكونها
السبب فيما يمرون به، خاصة وأن ابنتها الكبرى كانت على مشارف محاولات
الحَمل، تقوم (آنا) بإجراء الفحوصات لتكتشف حَملها للجِين بالفعل أما ابنها
فتأتي نتيجته سلبية في حين ترفض الابنة الصغرى أن تكتشف إذا ما كانت حاملة
له أم لا.
مع مرور الوقت تبدأ حياة (أليس) في التداعي؛ إذ تنسى الكلمات في المحاضرات
فيأتي تقييم الطلاب لها سيئًا بنهاية الفصل الدراسي ما يجعلها تترك عملها
الذي لطالما وجدت/أفنت فيه حياتها. المرأة التي عملها كله يتعلق بأهمية
اللغة في التواصل، جاءها المرض الذي يجعلها تفقد إمكانية التعبير بالكلمات،
لتخسر كل ما حاربت لأجله.
رُبما لذلك عبَّرت (أليس) عن غضبها لزوجها في إحدى المرات قائلة ‘نها تتمنى
لو كانت مُصابة بالسرطان، على الأقل لم تكن لتشعر بالخزي من نفسها حيث إن
وقتها سيكون جسدها هو المريض وليس عقلها.
ومع تدهور حالة البطلة وزيادة معدل النسيان، تلجأ لتطبيقات على هاتفها تقوم
من خلالها بتدوين بعض الأسئلة التي عليها إجابتها كل يوم في ميعاد محدد،
أسئلة بسيطة وبديهية مثل أسماء أولادها، شهر ميلادها لترى إذا ما كانت
ستتذكر أم لا.
ثم تأتي لحظة فاصلة تُشعر المُشاهد أن الأمر قد بدأ فعلًا في الخروج عن
السيطرة، حين تُحاول البطلة الذهاب للحمام في منزل الشاطئ الخاص بأسرتها
لكنها تنسى مكانه فتضطر أن تُبلل ملابسها وتقف باكية كالأطفال.
تذهب بعدها (ليديا) لوالديها في منزل الشاطئ، فتُحدثها (أليس) عن قلادة على
شكل فراشة تقول عنها إن أمها منحتها إياها حين ذهبت لها يومًا باكية بسبب
أن مُعلمتها أخبرتها أن الفراشات لا يعشن طويلًا. فأجابتها أمها أن هذا
صحيح، لكنه لا يمنع أن الفراشات لديهن حياة -على قصرها- جميلة ورائعة.
تأتي اللحظة الفاصلة الثانية حين تحضر (أليس) عرضًا مسرحيًا لابنتها، ثم
تُقابلها بعد العرض فتتعامل معها كما لو كانت تتحدث مع ممثلة ناسية تمامًا
أن تلك الفتاة هي ابنتها الصغرى!
تتوالى الأحداث إلى أن يأتي أحد أكثر المشاهد عاطفية، حيث تقوم البطلة
بإلقاء خطاب في جمعية مرضى الزهايمر التعاونية، تحدثت فيه عن كيف أن الفقد
شيء قد يحدث لنا جميعًا، كذلك النسيان، غير أن مرضى الزهايمر عليهم التعامل
مع الفقدان طوال الوقت. فقدان الكلمات، فقدان النوم، فقدان الأشياء، وفقدان
الذاكرة.
ففي حالة البطلة طوال حياتها كان هناك العديد من اللحظات المتراكمة والتي
مع مرور العمر أصبحت هي أثمن ممتلكاتها، والآن مع إصابتها بالمرض تمزق كل
شيء وهذا هو الجحيم بعينه والذي سيزداد صعوبة مع الوقت.
يمر الوقت وتصبح (أليس) عاجزة عن إجابة أسئلتها اليومية إجابات صحيحة، ثم
يأتي عرض للزوج للعمل في مدينة أخرى غير أنها ترفض الذهاب معه، ويصبح على
أحد أن يُجالسها.
وفي أحد الأيام بينما هي بمفردها بالمنزل تجد بالصدفة ملفًا على الكمبيوتر
المحمول اسمه (الفراشة) تفتحه فتجد بداخله ملف فيديو لها في أولى مراحل
مرضها حين كانت متزنة وقادرة على استجماع تركيزها.على الشاشة الصغيرة،
نجد”أليس الأقدم” تُخبر “أليس الحالية” أن معنى مشاهدتها للفيديو الآن أنها
وصلت مرحلة سيئة من المرض؛ لذا عليها الذهاب لحجرتها لمكان بعينه ستجد فيه
علبة من الدواء عليها أن تبتلع أقراصها كاملة مع الماء ثم تذهب للنوم دون
أن تُخبر أي شخص بما هي فاعلة.
كانت تلك هي المحاولة الأخيرة من (أليس) التي لطالما عُرفت بذكائها وفطنتها
وبراعتها اللغوية في التخلص من حياتها بعد أن أطاح المرض بكينونتها
وشخصيتها الأولى تاركًا منها مجرد نُسخة، لسانها مُثقل وغير قادر على
التعبير. لحسن الحظ أو لسوئه تبوء محاولة الانتحار بالفشل. ثم يرحل الزوج
وتأتي الابنة الصغرى للعيش مع والدتها مُحاولة أن تجذبها من بئر النسيان
بفِعل الحُب، فوحده الحُب هو القادر على خلق التواصل بين الأرواح.
فيلم (لا تزال أليس/Still
Alice)
فيلم إنساني وعاطفي من الطراز الأول، سينتهي على الشاشة إلا أنه لن ينتهي
في عقل المُشاهد حيث نشاهد عملًا لا يناقش مرض الزهايمر من وجهة نظر
المحيطين بالمريض فحسب؛ بل من وجهة نظر المريض أيضًا ومدى شعوره بالخسارة
تدريجيًا ليؤثر ذلك على علاقته بنفسه وبمن حوله، هذا ما يتميز به الفيلم عن
أفلام أخرى ناقشت نفس المرض مثل:
(“Away
From Her”- “Amour”(“Iris”-“The Notebook”-
وقد جاء تقديم المخرج والمؤلف Richard
Glatzer للفيلم
بعد إصابته في 2011 بمرض التصلب الجانبي الضموري، حيث لم يعد يستطيع الحديث
وصار يوجه المُمثلين من خلال شاشة الكمبيوتر الكفي فيكتب عليها ما يريد
قوله. رُبما لهذا استطاع أن يلمس معاناة الفقد وتَحَوّل الإنسان بالتدريج
لشخص آخر غير الذي كانه مُسبقًا وإن كان ذلك لا يمنع المرء من القدرة على
تقديم الإنجازات أو الحصول على السعادة والاستمتاع بيومه.
وعلى الرغم من أن الرواية كُتبت في 2007؛ إلا أن المخرجين/المؤلفين عدلوا
توقيت الأحداث في الفيلم لتناسب الوقت الحالي ليستفيدوا من التطبيقات
التكنولوجية المُتاحة والتي استخدمتها البطلة في محاولة لمُحاصرة أعراض
المرض وحساب التدهور بشكل يومي.
إخراج الفيلم جاء عاديًا، وإن كان علينا ألا ننسى الإشادة بلفتة المخرج/مختصي
الأزياء حول ملابس البطلة؛ إذ ظهر واضحًا الفرق بين أناقتها في النصف الأول
من الفيلم حين كانت تختار ملابسها بنفسها ثم ملابسها العادية جدًا في النصف
الثاني حين أصبح هناك من يختار لها ما ترتديه.
أداء باقي الأبطال لأدوارهم كان عاديًا هو الآخر، رُبما من تميزا حقًا هما:
- كريستين ستيوارت في دور ليديا، حيث ظهرت من خلال العمل أن لديها ما يمكن
تقديمه. قد تكون ما زالت في بداية عهدها بالتَمَرُّس ومُحاولة التألق إلا
أن الفيلم أظهر أنها تستحق فرصة لتبرز موهبتها.
- ستيفن كانكر
Stephen Kunken
الذي برز في دور دكتور بينجامين؛ فعلى الرغم من قصر دوره إلا أنه استطاع أن
يترك أثرًا واضحًا على الشاشة.
أما أليك بالدوين في دور الزوج -وعلى الرغم من أن جوليان مور هي من اختارته
بالاسم إذ وَدَّت تكرار العمل معه- جاء أداؤه باهتًا، فلم يستطع أن يوضح
-بالشكل الكافي- فكرة كونه مُهتمًا بزوجته، يؤلمه فقدانه لها. خاصة وأن
ذلك جاء واضحًا بالرواية الأصلية حين قام الزوج بعمل أبحاث ودراسات لمرض
الزهايمر ليستطيع تقديم العون لزوجته.
ولعل أكبر نقطة سلبية بالفيلم، هي أن التركيز التام على أليس ومرضها همَّش
أدوار باقي الأبطال دون أي تطور درامي ملحوظ بحياتهم وأدائهم.
تألقت جوليان مور في دور (أليس)، حيث قامت بمشاهدة العديد من الأفلام
الوثائقية عن مرض الزهايمر وتجميع المعلومات الكافية عنه، كما أنها تفرغت
تمامًا لهذا العمل ما جعلها تستطيع أن تؤدي دورها بحرفية تامة؛ إذ اختلف
أداؤها بوضوح في النصف الأول حين كانت دكتورة جامعية متألقة والنصف الثاني
بعد أن تَمَكَّن المرض منها، وجاء أداؤها للدور تصاعديًا ما جعل المُشاهد
يتوحد معها شاعرًا بالأسف نحوها.
ولعل دور جوليان مور هو الدور الأهم ونقطة الإشادة الأكبر بالفيلم، حيث جاء
حِمل القصة كلها عليها وحدها؛ رُبما لذلك كان ترشحها للأوسكار أفضل ممثلة
هو الترشيح الوحيد الذي حظي به الفيلم.
وقد فازت عن دورها بجائزة الجولدن جلوب، وإن كان الكثيرون -بمن فيهم أنا-
يتنبؤون لها بجائزة الأوسكار هذا العام حتى إن بعض الإحصائيات على المواقع
الإلكترونية تُرَجِّح ذلك أيضًا. |