عمر الشريف:
الثورة عدوى والشعوب مرتبكة
أجري الحوار: صفوت دسوقي
تحدث الفنان العالمي عمر الشريف أمس في الحلقة الأولي من
حواره لـ «الوفد» عن نشأته، وأكد أنه تعلم الإصرار من والدته، وقال: إن
رحيل صديق عمره
أحمد رمزي أفقده الحماس للحياة، ووصف السينما المصرية
بالكئيبة لأنها تقدم موضوعات تبعث الهم والحزن في نفس المشاهد، وأوضح أنه
يحترم سيدة الشاشة العربية «فاتن حمامة» مثل كل المصريين لكنه لا يحبها ولا
يجرؤ علي الاقتراب منها لأنها سيدة متزوجة.. وأضاف عمر الشريف أنه يعاني من
النسيان لأنه بلغ من العمر 83 عاماً والنسيان أمر طبيعي بحكم التقدم في
العمر.
اليوم يواصل الفنان العالمي حديثه عن محطات الانتصار
والانكسار في حياته ورأيه في ثورات الربيع العربي، وكيف يؤثر الفن في
الواقع السياسي.
·
متي شعر عمر الشريف بالوحدة.. ولماذا قضي حياته كسندباد لا
يهوي الاستقرار ويعشق الترحال دائماً؟
-
شعرت بالوحدة بعد الانفصال عن الفنانة الكبيرة فاتن حمامة، كانت الحياة بعد
الانفصال صعبة ومؤلمة، خاصة أنني كنت أقيم في الخارج وأحاول البحث عن أعمال
فنية جيدة تثبت أقدامي وتضمن لي البقاء في بؤرة الضوء، شعرت بالوحدة أيضاً
عندما دب الألم في ساقي وأصبحت غير قادرة علي حملي، وعندما أجريت فيها
عملية جراحية دقيقة، فضلت الحياة كسندباد لعدم وجود استقرار أسري، كنت
أسافر من أجل العمل، وفي كل مرة أعود إلي القاهرة التي لا أتحمل الابتعاد
عنها، رغم سفري الدائم لا أشعر بالراحة إلا في مصر، عندما أمشي في الشارع
بين الناس أشعر بالراحة، في بلدنا الناس بسيطة وأحلامها أيضاً بسيطة، ولكني
أتألم كلما أري طفلاً يتسول أو عجوزاً يبحث عن لقمة العيش، أتمني أن أري
مصر أجمل بلاد الدنيا لأنها دولة كبيرة وتمتلك تراثاً حضارياً لا يستهان به.
·
بماذا تفسر اندلاع الثورات العربية في وقت واحد وهل تشعر
بأن هناك مؤامرة؟
-
الثورة مثل العدوي، فقد بدأت في تونس وانتقلت إلي مصر وليبيا، الأزمة التي
أراها في تصوري هي عدم قدرة الشعوب العربية علي عبور محنة التغيير، مازالت
البلاد العربية مرتبكة وغير قادرة علي العبور إلي بر الأمان، بكل تأكيد
توجد مؤامرة من جانب الغرب ضد مصر والعالم العربي، مؤمن بنظرية المؤامرة،
والدليل أن هناك دولاً كثيرة تاهت في الطريق مثل العراق، العالم العربي
مستهدف وأتمني أن يتحد العرب ضد قوي الغرب.
·
كيف تري تجربة الإخوان في حكم مصر؟
-
بداية لا تقول تجربة لأن الجماعة حاولت الانفراد بالسلطة، وتقطيع مصر مثل
التورتة، تجاهل أعضاء الجماعة أن شعب مصر يمتلك القدرة علي التغيير، ولا
أعرف لماذا تجاهلوا الدرس الذي أعطاه الشعب للرئيس الأسبق «مبارك» ورجاله،
عندما يعيش الحاكم بمعزل عن احتياجات شعبه تحدث كوارث ومصائب.
·
وما رأيك في الرئيس الأسبق محمد مرسي؟
-
بصراحة شديدة لم أقتنع به، ومصر دولة كبيرة، والحقيقة أن شعبها العظيم نجح
في تعديل المسار بثورة 30 يونية، وهنا يجب الإشارة إلي دور الجيش الذي نجح
في «لم» شمل المصريين وتوحيد صفوف الناس، وكل الشواهد تؤكد أن مصر سوف تتجه
نحو الأفضل.
·
وما الشواهد التي تراهن عليها وتراها تحمل بشرة خير؟
-
مشروع قناة السويس يحمل علامات ودلالات التفاؤل، فقد ساند كل المصريين
المشروع، وأعتقد أن نجاحه سوف يؤدي إلي خلق روح جديدة، فنحن علي أعتاب
مرحلة جديدة والكل مطالب بالإخلاص والولاء للوطن.
·
البعض يري أن حوادث الإرهاب عقبة كبيرة في طريق التنمية..
بماذا تفسر ذلك؟
-
بكل تأكيد الإرهاب عقبة في طريق التنمية، لأن تكرار الحوادث يقدم صورة غير
إيجابية عن مصر أمام العالم، ولهذا السبب يتراجع معدل السياحة، وتختفي
المهرجانات، ولكن يجب أن يتلاشي الخوف لأن الجيش المصري يتصدي بقوة
للإرهاب، بالمناسبة مواجهة الإرهاب ليست مسئولية الجيش والشرطة فقط، ولكن
مسئولية كل مصري ينتمي لهذه الأرض ويتمني لها التقدم.
·
صدرت أحكام قضائية ببراءة «مبارك» ورجاله.. وهذا أثار شريحة
كثيرة من الناس.. ما تعليقك؟
-
لا يجب التعليق علي أحكام القضاء وأتمني أن يغلق المصريون أبواب الجدل، نحن
في مرحلة خطيرة، العمل فيها هو المطلب المهم والضروري، ويجب علي الإعلام
التواصل مع الناس بشكل مباشر والمساهمة في تفتيح عقولهم وتوسيع مداركهم،
الجدل حول أشياء عقيمة يؤدي إلي إثارة بلبلة وفوضي لا تنتهي.
·
عودة إلي الفن.. هل تؤمن بتأثير الفن في الواقع السياسي؟
-
الفن كما قلت في موضع سابق وسيلة للمتعة وليس طريقاً للتحريض، دور المبدع
أن يقدم فناً جيداً ينهض بوعي الناس ولكن لا يجب أن يكون الفن مباشر.. إذا
تم تحميل الفيلم السينمائي برسائل محددة قد تصل وقد لا تصل، لذا يجب
التعامل مع الفن علي أنه وسيلة للمتعة وعلي المشاهد أن يقرأ العمل الفني
بالشكل الذي يراه.
·
ما رأيك في الأعمال السينمائية التي تركز علي العشوائيات
ولا تلقي الضوء علي الجوانب المضيئة في المجتمع؟
-
أنا لا أحب الأعمال الكئيبة، وأنصح الفنانين بإسعاد الجمهور وإلقاء الضوء
علي الجوانب الإيجابية لأن التركيز علي السلبيات فقط كارثة، نعم لقد اعتزلت
التمثيل ولكني مهموم بحال السينما.
·
ما العمل الفني الذي لو عاد بك العمر للوراء لرفضته؟
-
بطبعي لا أحب الندم علي شيء، ولكني حزين لأنني وافقت علي فيلم «المسافر»
هذا الفيلم سيئ في كل شيء، وأتمني مسحه من سجل حياتي، فقد تولي مهمة
الإخراج مخرج ضعيف اسمه أحمد ماهر، وشاركني البطولة ممثل متواضع هو خالد
النبوي، الفيلم جاء ضعيفاً جداً، وطالبوا مني دعم الفن دولياً وبعلاقتي تم
ترشيحه لمهرجان فنيسيا لكن الفيلم لم يحقق أي نجاح يذكر، لذا لو عاد بي
قطار العمر للوراء لرفضت فيلم «المسافر» فهو لا يليق بفنان مثلي أكسبته
الأيام والسنوات خبرة كبيرة.
·
إذا كنت تري خالد النبوي ممثلاً متواضعاً فمن هو الممثل
المصري الذي يستوقف نظرك؟
-
قلت كثيراً إن أفضل فنان في مصر هو أحمد زكي، فهو يمتلك حضوراً جيداً ولديه
قدرة عالية علي التقمص والتفاعل مع الشخصية التي يجسدها.. في أوقات كثيرة
تشعر أن هناك نجوماً لا يستوعب الزمن موهبتهم الفنية، أحمد زكي موهوب جداً
وقد خطفه القدر، ولو كان بيننا الآن لقدم أعمالاً شديدة الروعة، وأتصور أن
اللغة هي الحاجز الوحيد الذي حال دون وصول أحمد زكي إلي العالمية، وذات مرة
التقيته في مهرجان فني ونصحته بالاعتماد علي نفسه وضرورة تعلم لغة تساعده
في مشواره الفني، لكنه لم يعبأ بالنصيحة ولم يهتم بالأمر، بعد أحمد زكي
يأتي الفنان محمود عبدالعزيز فهو فنان جيد ولديه حضور، هذا بالإضافة إلي
قدرته علي التنوع في أدائه وقدرته علي جذب الجمهور.
·
ما الصفة السيئة التي كانت تلازمك في سن الشباب وتخلصت منها
مؤخراً؟
-
كنت متهوراً ودائم الانفعال، وكثيراً وقعت في مشاكل وغضب مني أشخاص كثيرون،
والآن أصبحت هادئ الطباع ومتسامحاً إلي أقصي درجة، مؤلم أن تصب غضبك علي
شخص، وبعد ذلك تفشل في تصحيح الموقف، بمرور الأيام اكتسبت الهدوء وأصبحت
اجتماعياً.
·
مضي من العمر سنوات طويلة ومازلت ترفض الاستسلام وتحاول
دائماً محاربة اليأس.. من أين تعلمت ذلك؟
-
تعلمت أن الحزن يقتل الإنسان ويجعله يكبر قبل الأوان، بطبعي أحب الابتسام
والانطلاق ولا أحب القيود والروتين، إذا كنت قد نجحت في مهنة التمثيل فهذا
ليس لكوني أمتلك موهبة فذة، ولكن لكوني أعشق الحرية وأحب تغيير جلدي، تقمص
الشخصيات يمنح الفنان أملاً ويمده بطاقة إيجابية.
·
كثيراً ما تقول إن الممثل شخص عادي ولا يستحق كل هذا الضجيج
الذي يحاصره.. لماذا تقلل من أهمية دورك في المجتمع؟
-
أنا مؤمن بأن الممثل شخص عادي وليس خارقاً، الممثل يحفظ الحوار ثم يقف أمام
الكاميرا ويقول الحوار، أمر عادي وليس خلافاً، ولكن هناك مهناً تستحق أن
تنحني لها احتراماً وتقديراً مثل الأطباء الذين يساهمون في تخفيف الألم عن
المرضي، ومثل العلماء الذين يقضون ساعات طويلة في المعامل من أجل اكتشاف
دواء جديد أو ماكينة تخدم الإنسان، العقول التي تستحق التكريم هي العقول
المفكرة، لا أبالغ إذا قلت إنني كنت أتمني أن أكون طبيباً حتي أخدم الناس
وأسهم في تخفيف معاناة المرضي من البسطاء.
·
ما الشيء الذي يؤذي عينيك عندما تمشي في شوارع القاهرة؟
-
من الأشياء التي تؤذي عيني مشهد الأطفال الذين ينامون تحت الكباري وفي
الأنفاق، وأري أن الدولة مطالبة بتوفير الرعاية لهم وحمايتهم من التشرد،
وبالمناسبة في الشوارع آلاف الأطفال الذين يستحقون اهتمام الدولة ورعايتها،
الشيء الثاني الذي يؤذي عيني هي أكوام القمامة التي تملأ الشوارع وتلوث
نسمات الهواء، لو كان الأمر بيدي لتبنيت حملة لنظافة القاهرة ولكن الصحة لا
تساعد، وأملي أن ينتبه الناس لخطورة أكوام القمامة وأثرها علي الناس.
·
في رأيك.. من أين تكون البداية السليمة لتوجيه الشعب لضرورة
رفض الممارسات الخاطئة؟
-
إذا أردت أن تنهض بأي شعب، فعليك بالتعليم لأنه الطريق الوحيد لإصلاح وعي
الفرد ودفعه لاكتساب أشياء إيجابية، مصر تحتاج إلي منظومة تعليم سليمة حتي
تفرز أجيالاً جديدة تجمع بين الطموح والتحدي.. مضي زمن التعليم القائم علي
التلقين والحفظ، نحتاج إلي تعليم يشجع علي مهارة الفكر والإبداع.
·
في الفترة الأخيرة شهدت مصر إقامة العديد من المهرجانات
الفنية.. كيف تري الأمر؟
-
إقامة المهرجانات الفنية دليل قوي علي أن مصر تنهض وتتحرك للأمام،
المهرجانات تبعث برسالة إيجابية لكل دول العالم وتمسح الأفكار التي تحاول
تشويه ما يحدث في مصر، وتحاول أن تصدر أن مصر غير مستقرة.
·
ولكن بماذا تفسر فشل الدورة 36 من عمر مهرجان القاهرة
السينمائي في جذب نجوم عالميين؟
-
غياب النجوم أمر طبيعي ولا ينقص من مجهود القائمين علي المهرجان، مصر في
ثورة، وتحاول تصحيح أوضاع كثيرة خاطئة، وهذا لا يعني أن المهرجان فشل وخسر،
بمرور الوقت سوف تتحسن الصورة وتتلاشي الأخطاء، ولا ننسي أن الحوادث التي
يقوم بها الإرهاب تؤثر وتحدث رد فعل في الخارج، وأثق في أن الجيش سوف يقضي
علي الإرهاب ويحمي بلدنا.
·
العودة إلي القاهرة بعد غياب طويل كان أمراً صعباً.. كيف
كان استقبالك؟
-
لم يكن قرار العودة إلي مصر صعباً فقد تأخرت لأسباب كثيرة منها تدهور حالتي
الصحية، وإجراء أكثر من جراحة في قدمي، أنا أعشق تراب مصر وقررت العودة
إليها خوفاً من الموت خارج أرضها، أقف في الصباح في شرفة غرفتي بالفندق
أتأمل حال نهر النيل وأمشي ساعة يومياً، وفي المساء ألتقي مجموعة من
الأصدقاء الذين أشعر معهم بالراحة، بالمناسبة عندما عدت إلي القاهرة كنت
سعيداً بسبب حفاوة الاستقبال، وقد قام السفير أحمد قطان سفير المملكة
العربية السعودية في مصر بإقامة حفلة من أجلي وحضر خلالها عدد كبير من نجوم
الفن منهم: يسرا وإلهام شاهين وسمير غانم ومحمود عبدالعزيز، وشعرت بسعادة
بالغة.
·
لماذا فضلت أن تستمر الحياة دون امرأة تؤنس وحدتك؟
-
من الصعب أن أعيش طيلة حياتي دون امرأة، وفي النهاية أبحث عن سيدة كي أحبس
حريتها وأحولها إلي خادمة.. مؤشر الصحة يتراجع، وفي أي لحظة قد يأتي
الأجل.. أريد أن أعيش بحرية حتي آخر دقيقة في عمري، إن أسعد لحظات حياتي
عندما أجتمع مع ابني «طارق» وأجلس مع أحفادي، الدنيا تمر وأحاول أن أسرق
لحظات السعادة.
·
من هم الأشخاص الذين يهتمون بأمرك ودائماً يسألون عنك؟
-
الحمد لله.. ناس كثيرة بتحبني ولكن أهم الناس التي تسأل عني هو الدكتور
زاهي حواس وزير الآثار الأسبق، هو شخص محترم ولا يتخلي عني، وأتمني أن
تستفيد الدولة من خبرته في مجال الآثار.
·
قبل أن أطرح سؤالي الأخير.. ماذا تتمني لنفسك ولبلدك؟
-
بالنسبة لي لا يوجد مساحة للأحلام «أنا خلاص مروح» الحياة تقف علي عتبة
النهاية، ولكن جراب الأمنيات بالنسبة لمصر كبير، أتمني لها أن تنهض وأن
تكون أجمل بلاد الدنيا، وأملي أن يختفي الإرهاب والأمراض ويملأ الفرح كل
مكان في مصر.
·
سؤالي الأخير.. إذا كنت تنتظر الموت فهل فكرت في كتابة
وصية؟
-
لم أكتب وصية، ولكني أرجو أن يسامحني أي شخص حدث بيني وبينه أي خلاف. |