«من
أرض القمر».. السينما الفرنسية على طريقة غارسيا
«كان»
ـ عبدالستار ناجي
تعتبر نيكول غارسيا واحدة من رموز السينما الفرنسية كممثلة ذات كعب
عال وكمخرجة تمتاز باحترافيتها العالية بالذات على صعيد اختيار
الموضوعات التي تمزج بين السينما والرواية. وخلال مسيرتها حققت
سبعة أعمال سينمائية ونحن اليوم بصدد الفيلم الثامن وهو بعنوان «من
أرض القمر» الذي عرض في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي.
وقبل
ان ننتقل للحديث عن الفيلم الجديد نشير الى ان من أبرز أعمالها
يأتي فيلم «يوم احد طيب» 2014 و«بالون على البحر» 2010 و«صالون
شارلي» 2006 و«بالس فاندوم» 1998 وغيرها من النتاجات التي رسخت
حضورها كمخرجة محترفة تجيد صناعة أعمالها وادارة عناصرها الفنية.
الفيلم الجديد «من أرض القمر» يعتمد على نص روائي بنفس الاسم
تعاونت نيكول غارسيا في كتابة السيناريو مع كل من جاك فيشي ونتالي
كارتر. ويأخذنا الفيلم الى حكاية (غابرييلا ـ ماريون كوتيار)
القادمة من قرية صغيرة في جنوب فرنسا والتي تصل مع زوجها خوزية الى
مدينة ليون برفقة ابنهما من أجل المشاركة في مسابقة لعزف البيانو
وقبل الوصول الى مكان المسابقة، تقوم غابرييلا بالنزول من السيارة
بعد ان تقرأ اسم احد الشوارع وعند الوصول الى العنوان الذي تعرفه
تعود بها الذاكرة الى قريتها حيث كانت تعيش تحت مظلة أسرتها، وهي
تعاني من ألم حاد يداهمها في خاصرتها. وتحاول ان تجذب اليها معلمها
المتزوج ولكنه يرفض مما يجعل والدتها تفكر جديا في ان تزوجها لاحد
العاملين في الحقول وهو من اصول اسبانية.
وحينما تتزوج تعترف لزوجها بأنها لا تحبه وأنها تزوجت بناء على
رغبة أسرتها. وبعد ان تفقد جنينها الثاني نتيجة الألم الذي يداهمها
في الخاصرة ينصح الجميع زوجها بأان يرسلها الى احدى المصحات
السويسرية من أجل تفتيت حصوة كبيرة تستقر في كليتها. وفعلا تذهب
الى المصحة ويطلب منها الاطباء البقاء في المصحة لستة اسابيع مما
يدعو زوجها للعودة لارتباطه بعمل وايضا ببناء منزل الزوجة.
هناك تتعرف على ضابط فرنسي مصاب في الحرب الفرنسية الصينية «اندوشين»
وهو يعاني من ألم موجع يجعله دائما تحت المخدر لتخفيف الألم وتتطور
العلاقة بينهما بحضور احد المساعدين من أصول صينية . ضابط يعيش
أيامه الاخيرة يحبها وهي تبادله الحب تعويضا عن الحب الذي لم تجده
عند زوجها الذي صارحته منذ البداية بأنها لا تحبه ونتابع الأيام
الاخيرة للضابط الذي يذهب ذات يوم الى احدى المصحات في ليون. مما
يجعلها تفقد الأمل به ولكن بعد ايام يعود اليها الضابط لتصل
العلاقة بينهما الى ذروتها حتى حينما تنجب طفلا تعتقد بانه نتيجة
لعلاقتها بالضابط الذي كان يحب العزف على البيانو الموسيقى
الكلاسيكية ولهذا تحاول ان تعلم ابنها العزف على البيانو حتى يصبح
عازفا مرموقا.
وتعود بنا الحكاية من جديد الى اللحظة التي ذهبت بها الى العنوان
قبيل حضور المسابقة لتكتشف من الضابط الصيني المرافق للضابط المصاب
الذي ارتبطت به عاطفيا بأنه قد توفي منذ اليوم الذي نقل به الى
ليون وانه لم يعد من جديد الى المصحة وعندها تحاول ان تكتشف
الحقائق حيث تكتشف بأنها كانت تعيش وهم عودته وان الطفل الذي حملت
بانه كانت نتيجة علاقتها مع زوجها حيث زارها أكثر من مرة في المصحة
حتى انها قامت بالتقاط صورة على ان الضابط الى جوارها وحينما تذهب
الى حقيبتها القديمة لتكشف انه لا أحد الى جوارها في الصورة وان
الصورة لها وحدها فقط وهذا ما يؤكد لها انها كانت تعيش وهم العلاقة.
وحينما تسأل زوجها عن حقيقة ما جرى يخبرها بأنه تركها تعيش كما
تريد لأنه يريدها ولهذا أمن لها كل شيء ولابنهما حتى انه وافق على
خيالاتها التي ذهبت الى أبعد من المعقول والمنطق.
أداء متميز للنجمة الفرنسية ماريون كوتيار وهو ليس بالامر المستغرب
عليها وهي من فازت بالأوسكار عن الفيلم التحفة الحياة الوردية حيث
تقمصت شخصية المطربة الفرنسية اديث بياف . معها في الفيلم لويس
جاريل بدور الضابط واليكس برندمهل زوجها خوزية.
فيلم فرنسي على طريقة المخرجة نيكول غارسيا حيث الدراما السينمائية
والحكاية المقرونة بالغموض والاسرار وايضا الرحلة التي تطوف بنا من
جنوب فرنسا الى ليون ثم سويسرا في مساحة بصرية تسعد المشاهد.
ويبقى ان نقول.. نيكول غارسيا تصنع ما تريد بطريقتها ومواصفاتها
التي تمتع جمهور السينما والتلفزيون على حد سواء.
المودوفار مخيب، والبرازيلي «اكواريوس».. كأن للأمكنة أرواح كما
البشر
«كان»
ـ هدى ابراهيم
في شريطه «جولييتا»، المشارك في المسابقة الرسمية، قدم الأسباني
بيدرو المودوفار، فيلما عاديا جدا يركز خصوصا على العلاقة المعقدة
بين شابة وأمها ويلمح الى جهل الآباء بالمشاغل التي تعتمل في روح
أبنائهم، لكن المخرج الأسباني الأشهر عالميا، لم ينجح في اضفاء
طابع انساني شامل على تلك العلاقة تجعل المشاهد يتعاطف معها ويأخذه
اليها، بل ظلت حكايته اسيرة ذاتها وبلا تفصيلات أخرى أو انفعالات
تمتد لتمسك بروح المشاهد، رغم ان هذه السمة برزت في الكثير من
أفلامه.
ويأتي عمل المودوفار الجديد بعد سقوطه الرهيب في عمله السابق،
«العشاق العابرون» الذي يعتبر أسوأ أفلام المودوفار على الاطلاق،
وهو الذي سبق له نيل سعفة مهرجان كان السينمائي عام 2009 عن شريطه
«كل شيء عن أمي»، ويبدو ان حال الابداع السينمائي هو هذا، لا يمكن
ان يظل على نفس السوية.
في «جولييتا»، مع ذلك، يعثر المشاهد على نفس مفردات اللغة
المودوفارية، المنسوجة من دواخل ملونة وازياء شمسية فرحة بالالوان
تتسع لعلاقات عاطفية تنمو بسرعة وتتعدد باستمرار.. هناك ايضا الأم
التي صورها في اكثر من فيلم في السابق، لكن شريطه هذا يفتقد نكهة
خاصة، نكهة البدايات وحميتها، ونكهة النضج الذي اعقب، لذلك يمر
شريطه عاديا في حمى السباق.
ورغم جودة عدد من الأفلام التي قدمها مخرجون مخضرمون صنعوا مجد
مهرجان كان في السنوات الماضية، مثل أعمال كين لوتش، وجيم جرموش
الجديدة، بدت أفلام المودوفار وآلن ديلون، باهتة مكررة ليأتي
التجديد هذا العام من مخرجين يقدمون أعمالهم الاولى (لا اقصد
الفيلم الاول)، ويحملون نبضا مختلفا الى سيل الفن السابع المتوالي.
من هؤلاء، الألمانية مارن آد التي لا زالت في قمة سلم الاعجاب لدى
النقاد عن مشاركتها والبريطانية اندريا ارنولد والكندي كزافييه
دولان، والايراني اصغر فرهادي، واعمال هذين الاخيرين تعتبر من
الأفلام المرتقبة التي لم يتم عرضها بعد، لكن التي تعلق عليها
الآمال لناحية أفلام القمة.
من بين هؤلاء الجدد الذين يعتبرون فخر اكتشافات مهرجان كان
السينمائي هذا العام، المخرج البرازيلي كليبير مينوزا فيلهو،
المشارك بشريطه «اكواريوس ـ
AQUARIUS»،
وهو الشريط الروائي الثاني له بعد أعمال وثائقية وقصيرة.
والواقع ان حضور السينما البرازيلية في المسابقة الرسمية لمهرجان
كان السينمائي امر نادر، لذلك يعلق كثيرون اهمية كبيرة على هذه
المشاركة.
المخرج كليبير مينوزا فيلهو، يعيش في مدينة «ريسيف» شمال شرق
البرازيل وفيها صور احداث شريطيه الاول والثاني الذي نحن بصدده.
في «اكواريوس» استعار المخرج عنوان الفيلم من اسم بناء تسعى احدى
شركات العقارات الكبيرة لامتلاكه بهدف تحويله الى برج عملاق، لكن
سيدة تسكن البناء ترفض بيعه للشركة وتصمد على قرارها رغم عمليات
الترغيب والترهيب وشتى الضغوطات التي تمارس عليها.
في ثلاثة فصول ومقدمة يتوقف الفيلم عند سيرة هذه المرأة التي تؤدي
دورها بابداع كبير، الممثلة صونيا براغا، لتقف منفردة في مواجهة
شركة عملاقة تريد اكتساب مزيد من المال عبر المتاجرات العقارية
وعمليات الهدم الوحشية التي تغير وجه المدينة، خصوصا واجهتها
البحرية المطلة على المحيط.
كلارا
ترفض باصرار وحزم بيع منزلها فيتوقف مشروع الشركة ولا تتمكن من هدم
البناء الصغير.
من خلال حياة ويوميات كلارا يثير المخرج بشكل واقعي موارب وغير
مباشر قضية التحولات غير المخطط لها التي شهدتها البرازيل خلال
مرحلة النمو الاقتصادي قبل سنوات قبل ان يحد منها من جديد تراجع
التنامي الاقتصادي لهذا البلد.
هذه التحولات، يقول المخرج، قضت على أجمل ما في المدن البرازيلية
من عمران لتحل محله غابات الباطون العملاقة ومعها أسلوب الحياة
المختلف الذي يتماشى وطبيعتها.
كأن للأمكنة أرواح كما البشر، وكأن المنازل تشبه سكانها. في
الفيلم، يبدو عمر العمارة الصغيرة من عمر تلك المرأة الستينية
تقريبا، وتمسّك كلارا ببيتها هو تمسكها بتاريخها الشخصي وذكرياتها
التي تستدعيها فتهرب اليها صورة الفيلم مختصرة حصار العمارات
الشاهقة اليها، لتصبح ملجأه.
التمسك بالبيت عندها، هو تمسك بهذه الذكريات، حيث ولد ابناؤها
وتربوا وكبروا قبل ان يغادروا المنزل الذي تقرر هدمه ليس لانه لم
يعد صالحا بل لاطماع مادية لدى كبريات شركات العقار الاستثمارية.
تركها البيت يعني تركها لنمط الحياة الذي عاشته، لذلك تقول انها لن
تترك بيتها، الا ميتة، أما في حياتها فيمتزج واقعها وراهنها
بالذكريات، كلاهما يسيران معا في خط مستقيم ويمتزجان.
كلارا اصلا، ناقدة موسيقى متقاعدة، وكما الذكريات فإن فضاءها
الداخلي يعبق بالموسيقى بشكل مستمر وفي تناقض حتمي مع الخارج الذي
لا يتوقف ضجيجه، وحيث الكل يحتفي بالمادة بدل ان يحتفي بالحياة
وهذا ما تحسن فعله هي وجيلها.
وفي المواجهة التي تبدو أقرب الى الحرب الباردة بين الطرفين، تبدو
هي الأقوى في صراع الإرادات كونها تتسلح بإنسانيتها في مواجهة
الخراب، وتصمد، ويتحول الصراع بحد ذاته الى صراع بين انماط عيش
مختلفة، نمط مادي مستجد ونمط أقدم تسوده القيم وينقرض رويدا،
تماما، مثل تلك الطبقة الارستقراطية التي تنتمي اليها العائلة أصلا.
أما التوتر الذي ينشأ من الخلاف بين النمطين فهو الخيط الذي يشد
سكة الفيلم بينما ينسج المخرج البرازيلي مفردات لغته من خيوط
الواقعية الجديدة التي عادت لسينما البرازيل وأميركا اللاتينية
عموما.
معاني
الفيلم تتخطى بكثير تلك المدينة البرازيلية إلى بقية المدن التي
واجهت نفس المصير، ومدن العالم الأخرى ومنها بيروت، التي واجت
تماما نفس المصير: «انه قانون السوق في عالم اليوم الساعي الى
اجبار المستهلك على شراء الكثير من الاشياء التي لا يحتاجها» يقول
المخرج متناولا موجة الاستثمارات العقارية الطاغية هذه.
غني عن القول ان مثل هذه المشاريع تكرر في الكثير من المدن
البرازيلية، لكن أيضا في وسط بيروت، وفي بعض أماكن القاهرة الاثرية
وكثير من أانحاء العالم التي تتشابه في زمن العولمة هذا.
هذه المباني ذهبت وأخذت معها تاريخها. إزالتها تعني إزالة تاريخ
المكان وتغيير روحه.
كأنهم
يريدون لكل هذه الموسيقى التي تسكن البيوت أن تسكت الى الابد، لأجل
المصالح الخاصة، بينما السلطات الرسمية لا تتخذ اية اجراءات ضد
ذلك، لتصبح شريكا في الجريمة.
«اكواريوس»
شهادة جميلة ومؤلمة عن هذا الخراب الاضافي الذي يتوالى وبوجوه وصور
كثيرة في قرية كبيرة اسمها العالم.
لا سعفة ثالثة للاخوين داردين في مهرجان كان السينمائي هذا العام
«كان»
ـ هدى ابراهيم
بانتظار الفيلم المنتظر جدا والذي يعرض هذا المساء ضمن المسابقة
الرسمية مسجلا المشاركة الثانية للكندي كزافييه دولان في مسابقة
أهم مهرجان في العالم، قدم مهرجان كان السينمائي في اليوم الثامن
من عروضه فيلم الاخوين البلجيكيين جان-بيار ولوك داردين، الحائزين
مرتين على السعفة الذهبية فضلا عن جوائز أخرى والمنتميين لنادي
كبار المخرجين الحصري الدائم الحضور في مهرجان كان.
لكن الأخوين داردين، لا يتوقع لهما الفوز بسعفة ثالثة أو بجائزة
كبيرة من جوائز المهرجان الذي لا زالت مسابقته الرسمية تخبىء
المزيد من الافلام الهامة والمرتقبة مثل فيلم «البائع» للمخرج
الايراني اصغر فرهادي، وفيلم «الوجه الأخير» للاميركي شون پين،
وفيلم «ذا نيون ديمون» لنيكولا ويندن رافن وفيلم «هي» لبول فرهوفن.
هناك ايضا فيلم «بكالوريا» للمخرج الروماني كريستيان مانجيو الذي
سبق له هو ايضا الحصول على السعفة عن شريطه «اربعة اشهر، ثلاثة
اسابيع ويومان»، كل ذلك في دورة تعتبر ممتازة في معظم افلامها.
في شريطهما الجديد «الفتاة المجهولة الهوية»، لا يبتعد الاخوان
إطلاقا عن نطاق السينما الاجتماعية الواقعية التي انتهجاها في
اعمالهما والتي منحتهم السعفة الأولى عام 1999 عن شريط «روزيتا»
الذي عالج في حينه البطالة وانعكاساتها الاجتماعية والثانية، عام
2005 حين انتزعاها عن فيلم «الطفل»، وهما اوكلا دور البطولة هذه
المرة الى الممثلة آديل هاينل، لتؤدي دور الطبيبة الشابة فتلتصق
بها كاميرا الأخوين في كل لحظة من لحظات الفيلم.
وتؤدي هاينل دورها الى جانب ثلاثة من الممثلين المعتادين في أفلام
الاخوين، جيريمي رينييه، فابريزيو رونجيون (يلعب معهم للمرة
السادسة) واوليفييه غورمي، الذي حقق معهما جائزة افضل ممثل عن دوره
في شريط «الابن» (2002).
الممثلة آديل هاينل في فيلم «الفتاة المجهولة»
الفيلم صور في مدينة لياج البلجيكية وفيه لا يتخلى الاخوان عن
قاموسهم السينمائي المعتاد، لكن الطبيبة تتخلى عن موقع مهم في
مستشفى للعمل في عيادة في حي شعبي، حيث تكثر الحاجة اليها، ما يعبر
عن التزامها وشغفها بعملها وهي في بداية مسيرتها المهنية.
غير ان حادثا تتعرض له الطبيبة «جيني» بسبب موت شابة لم تفتح لها
باب العيادة، بعد انتهاء الدوام، والوقت المتأخر شكل لها عقدة ذنب
لا تنجح في تجاوزها الا حين تتحول الى نوع من تحرّ يبحث بشكل دؤوب
عن الجاني، في محاولتها اصلاح خطئها والتكفير عن ذنبها او ما تعيشه
على انه ذنب.
«جيني»
بطلة عادية تعمل في حيز مهمش، تبدو باردة من دون عواطف لكنها في
العمق تخوض صراعا دائما بين دورها الموضوعي كطبيبة وبين عواطفها
حيال ما تواجهه، فالكاميرا تتبع جيني الى بيوت مرضاها لتكشف عمق
المجتمع في ضاحية مدينة لييج البلجيكية، حيث الفقر والعوز والوحدة
وتفكك الروابط، وهي قضايا طالما توقف عندها الاخوان.
«اذا
كنت تريد ان تصبح طبيبا جيدا عليك ان تترك انفعالاتك جانبا» تقول
الطبيبة الشابة للطبيب المتدرب الذي تشرف عليه. في مقابل ذلك،
تمتلك الطبيبة قدرة عالية على الاستماع لاجساد مرضاها وتنفذ عبر
ذلك لارواحهم التي تتألم قبل الجسد. شيئا فشيئا يتحول البحث عن اسم
تلك الفتاة المجهولة غير البالغة الى هاجس يرافق «جيني» ليل نهار
الى ان تمسك تدريجيا بخيوط ما جرى.
يقول الاخوان داردين ان الفكرة كانت ستطبق اساسا على شرطي لكنهما
ارادا الابتعاد عن فيلم من النوع البوليسي.
يهمل الاخوة داردين كعادتهما الحديث عن اي تفصيل آخر يتعلق بحياة
«جيني» سوى ذلك المتعلق بمهنتها، لا يعرف المشاهد اي شيء عن حياتها
العاطفية او اهلها او هواياتها.. كل ذلك يعتبر من نافل القول، وهذه
ايضا خاصية من خصائص السينما التي تميز الأخوين، داردين، كل تفصيل
خارج عن الاطار المحدد يتم اسقاطه.
ويحسب للفيلم الدقة التي لعبت بها الطبيبة دورها ويبدو ان الاخوين
اجريا مقابلات كثيرة مع الاطباء كما حضرت طبيبة صديقة لهما التصوير
لتصويب الدور الاساسي، وهذا واضح جدا في الفيلم.
لا سعفة ثالثة للاخوين داردين
لكن ورغم عدد من الجوانب الايجابية، يشكو الحدث، في مواطن عدة، من
بعض التباطؤ خاصة بعد مضي نصف الساعة الاولى من الفيلم، اذ يعاني
السيناريو من مشكلات بنيوية يصعب قبولها خاصة حين تقوم الطبيبة
بتحقيقها الخاص وتصل الى النتيجة قبل الشرطة.
رغم جودة العمل، وبسالة الجانب الانساني الملح في شخصية الطبيبة
فان شريط الاخوين داردين لم يسحر احدا من جمهور الكروازيت وهو مرشح
كما فيلم المودوفار لان يبقى في أسفل سلم الاعجاب والسعف، اقله، من
قبل النقاد الذين شاهدوه والذين صفر بعضهم بخفر احتجاجا خلال عرض
الصباح.
كما ان «الفتاة المجهولة» يبتعد عن حرارة السينما، وعن الجاذبية
التي ينطوي عليها هذا لشدة الرغبة في الواقعي، الى درجة نسيان
السينما وكل ما يمكن ان تخلقه من سحر.
فيلم «انقلاب» الايراني، دراما اجتماعية تغيب عنها اللمسة الخاصة
«كان»
ـ هدى ابراهيم
سجلت ايران اليوم دخولها الرسمي الى مهرجان كان حيث قدم فيلم
«انقلاب» للمخرج بهمان بهزادي ضمن تظاهرة «نظرة ما» بحضور منتجة
الفيلم الايرانية عضوة لجنة التحكيم كاتايون شهابي واعضاء آخرين من
لجنة التحكيم وعلى رأسهم جورج ميللر وبجانبه فاليريا غولينو
وكيرستن دانست.
ومهد المندوب العام لمهرجان كان السينمائي بالقول انه «كان يمكن
برمجة اربع أو خمس افلام ايرانية من نوع «انقلاب» لكن المنتجة التي
نعمل معها من سنوات طويلة كتايون شهابي، حتمت هذا الاختيار».
من ناحيته قدم المخرج لفيلمه بالقول ان المبدع يقف مع عمله منفردا
في ايران وانه انجز العمل بكثير من الشغف وحب السينما مطالبا
الجمهور مبادلة الفيلم نفس هذا الحب.
احداث «انقلاب» تدور في طهران اليوم، حيث يسود التلوث مجبرا
نيلوفار، البالغة من العمر 35 عاما والتي تعيش بمفردها مع امها
المريضة، باحتباس رئوي على محاولة مغادرة طهران، كما امر بذلك
الطبيب حفاظا على حياتها، الامر الذي سيقلب حياة نيلوفار رأسا على
عقب خاصة حين يحاول اخوتها المتزوجون جميعا اجبارها على مرافقة
الوالدة نحو الشمال.
«انقلاب»
دراما اجتماعية تصور طبيعة العلاقات وتحولاتها في قلب المجتمع
الايراني حيث يحاول الاهل والاخوة مصادرة قرار الافراد الاصغر في
العائلة وهو ما يشكل مصدر معاناة لنيلوفار التي تمتلك مصنع خياطة
حافظت عليه بكثير من الجهد والعمل المسمر لمدة عشر سنوات.
يبدو الاخ في الفيلم متسلطا متفردا في القرار ما يسبب صراعا بينه
وبين اخته التي تصر على الاحتفاظ بحريتها واستقلال قرارها وتقاوم.
وينفتح الفيلم على الكثير من القضايا والعلاقات الاجتماعية، لكن
مخرجه لا ينجح في اخراجه من شكلانية ما، سيطرت عن العمل وحرمته من
اية لمسة خاصة تستحق التوقف عندها او اية بوادر للغة سينمائية خاصة
تميز هذا الفيلم الايراني عن غيره، رغم حسن اداء جميع الممثلين.
طرح القضايا وحده لا يكفي لتكون السينما، هذا الفن الذي يتطلب
دائما اضافات ابداعية خاصة ومجددة وتلامس المتلقي.
استقبال جاف لفيلم «بيرسونال شوبر» لأوليفييه أساياس في «كان»
«كان»
ـ الوكالات: سينماتوغراف
تجاهل المخرج أوليفييه أساياس والممثلة كريستين ستيوارت الاستقبال
الجاف الذي قوبل به العرض الأول لفيلم «بيرسونال شوبر» الذي ينافس
على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي.
وصدرت صيحات استهجان من بعض الحاضرين في عرض خاص لوسائل الإعلام
والعرض العام حيث يبدو أن المشاهدين أحبطوا من النهاية التي تصور
ستيورات على أنها متسوقة شخصية في باريس تحاول التواصل مع شقيقها
المتوفي.
وترى أشباحا وتستقبل رسائل نصية غامضة وتجد نفسها متورطة مع قاتل
همجي وهي تعاني مما وصفته ستيوارت بأنه «أزمة هوية».
وقال أساياس في مؤتمر صحفي أمس الثلاثاء «للأفلام حياتها الخاصة.
الناس لديهم توقعات للفيلم ثم يجدون أن الفيلم شيئ آخر».
ولا يحاول الجمهور في كان إخفاء عدم رضاه.
وأضاف أساياس «يحدث هذا لي من حين لآخر عندما لا يفهم الناس
النهاية». وحاز الفيلم اهتماما طيبا من النقاد».
أفلام الواقع الافتراضي تصل إلى «كان» وسبيلبرج يدق ناقوس الخطر
«كان»
ـ الوكالات: سينماتوغراف
وصلت صناعة أفلام الواقع الافتراضي إلى مهرجان كان السينمائي هذا
العام إلى جانب الأفلام التقليدية. وخصص جناح بالمهرجان لهذه
التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد حيث تعرض أفلام الواقع الافتراضي
وتناقش في إطار جلسات «مسيرة السينما».
ومن بين من يعرضون أفلام الواقع الافتراضي -وكلها أفلام قصيرة
يتعين أن يرتدي مشاهدها نظارات خاصة- اريك دارنيل الذي شارك في
إخراج فيلم «مدغشقر» والذي يعرض فيلما مدته ست دقائق بعنوان «إنفيجون»
يحكي قصة عالم أسطوري تغزوه كائنات فضائية يتغلب عليها أرنب.
وقال دارنيل لرويترز «الأمر في رأيي ليس مجرد تطور للسينما بل إنه
شيء قائم بذاته ويتعين علينا أن نكتشف ما لدينا من أدوات».
وأضاف «إنها بالفعل لغة جديدة تماما».
ومن أفلام الواقع الافتراضي الأخرى المعروضة في كان «جاينت» الذي
تقول مخرجته مليكا زيك إن التجربة ثلاثية الأبعاد تعني أن المتفرج
يمكنه أن يختار إلى أين سينظر وما سيشاهد.
وأضافت «يتعين عليك أن تفكر أن أمامك 360 درجة يتعين عليك
مشاهدتها… عندما تشاهد فيلما تقليديا تكون الشاشة أمامك لكنك هنا
تشعر وكأنك داخل الشاشة كمشاهد».
ويتفق دارنيل وزيك على أن هذه التكنولوجيا ما زال أمامها طريق طويل
يتعين أن تقطعه لكن أفلام الواقع الافتراضي ستصبح ذات يوم هي
الأفلام المعتادة.
لكن لم تعجب الفكرة الجميع. فقال المخرج ستيفن سبيلبرج إن مثل هذه
الأفلام «تترسخ بشكل عميق» لكنه أضاف «أنها وسيط ينطوي على خطورة»،
وتابع في مقابلة «السبب الوحيد الذي يجعلني أصفها بالخطورة هو أنها
تتيح للمشاهد حرية حتى لا يأخذ توجيهاته من راوي القصة بل يختار
إلى أين ينظر». |