هل تعود زبيدة للأطفال أيضاً ؟!
كتبت - عائشة صالح
في كل عصر تقفز كلمات من قاموس اللغة. تستعمل أكثر
من غيرها. تدخل في كل بيت وتصبح جزءا من تكوين الانسان. وفي هذا
العصر قفزت كلمات الغربة والقلق والضياع. فتنتشر في العالم كله.
وكثر عدد مرضي الأعصاب وزاد استعمال الحبوب المهدئة. لكن العلاج
النفسي والعصبي يصبح بلا جدوي حقيقية مستمرة.. لا يكون علاجا من
الأعماق إذا لم يحس الإنسان بتآلف مع الكون. وإذا لم يحس أن هناك
قوة كبيرة تحميه، يحسها بقلبه ولا توجد أي قوة في الكون مهما تخيل
الإنسان قدرتها يمكن أن تحمي الإنسان إلا الله. لا الأب ولا الأم
ولا السلطة مهما تخيل الإنسان. لكل من هذه القوي هي نفسها في حاجة
لمن يحميها. وربما زادت الأمراض العصبية والنفسية وزاد قلق الإنسان
وخوفه وحيرته مع بعده عن الله. وإذا امتلأ كيان أي إنسان بالله فلا
يمكن أن يخاف هذا الإنسان.
من هنا أيضاً الأهمية النفسية العظيمة لشهر رمضان.. انه يعيد
الانسان إلي الله، فيعيد إليه كل القيم الجميلة التي فقدها في هذا
العصر، ويعيد الأمن إلي نفسه والأمان إلي حياته.
وقالت لي زبيدة إنها تحس أن هذا الشهر هو هبة الله للناس وانها
كانت تحب هذا الشهر منذ طفولتها ككل الأطفال. وقد كان الفانوس
بالنسبة لها من ضرورات رمضان وظلت والدتها تشتريه لها حتي كبرت
فحرصت هي علي أن تشتري أربعة فوانيس كل رمضان لبناتها الأربع. وكان
الفانوس مجرد لعبة لها في صغرها وأصبح الآن رمزا للنور الذي يبدد
الظلام فهذا الشهر يأتي بالخير الكثير لكل الناس. وكل ما في هذا
الشهر يصبح له طعم آخر. حتي الفول وقمر الدين والكنافة مذاقها أجمل
في هذا الشهر.. حتي أن بيتها لا يخلو من قمر الذين طوال السنة
لكنها لا تفكر في تذوقه إلا في شهر رمضان.
لكن الغريب أن الأطفال كانوا يحتفلون بشهر رمضان زمان أكثر من
الآن. فهم يتجمعون بعد الافطار ويتجولون بالفوانيس ويغنون: حالو يا
حالو رمضان كريم يا حالو، هذه الصورة مازالت موجودة نعم، لكن في
بعض الاحياء الشعبية فقط ولم تعد بكثرة زمان.. ما السبب؟ هل لأن
قلق الكبار امتد بالعدوي إلي الصغار وهل لأن أطفال اليوم أصبحوا
يحملون مسئولية أكبر من مدارسهم من أطفال الأمس. وليس أجمل من أن
نري ابتسامة صافية علي وجه الطفل ولن يزول هذا القلق من حياة
الصغير إلا إذا زال من حياة أسرته. ولن يعود الأمان إلي الناس إلا
إذا عادوا إلي الله.. وشهر رمضان يعيدنا أكثر إلي الله.. من هنا
ربما زادت أهميته الآن عن زمان.
*
نفس المشكلة تعيشها زبيدة الآن في الفيلم الذي تصوره حاليا. نور
الشريف في الفيلم شاب ملحد. لا يؤمن إلا بقوة الإنسان. وقوة
الإنسان تأتي من نفسه. من عقله وما ينتجه هذا العقل من اختراعات.
والتكنولوجيا هي القوي الكبري التي يؤمن بها وليس وراء الإنسان
شيء. وبهذه الأفكار يعيش حياته لكنها حياة قلقة متوترة خالية من
الأمان والراحة النفسية. وابنة خالة نور في الفيلم هي زبيدة ثروت
علي النقيض منه تماما. تؤمن بالله بقلبها وعقلها وتحسب انه لا أمان
للإنسان إلا بهذا الإيمان، لكن نور يشعر أن زبيدة هي شط الأمان
بالنسبة له. يشعر بالطمأنينة وهو يجلس معها.يحس انها خالية تماما
من التوتر والقلق.. متفائلة. وتشيع الراحة النفسية فيما حولها. لا
يدري ما هو السر. لكنه يشعر بهذا. ويقع نور في حب سهير رمزي. قصة
حب تصادف المتاعب والمشاكل حتي تحاول الفتاة الانتحار وتنقذها
مجموعة راهبات وتجد الفتاة ملاذها في الدير.
ويستمر نور في حياته الضائعة المضطربة. وعندما يصل توتره إلي مداه
يلجأ إلي شط الأمان في بيت خالته حيث يجلس مع زبيدة في كل مرة
يلتقيان فيها أن تعيد إلي قلبه الطمأنينة والأمن، بأن تصله بطريق
الله. تذكره بالله وقدرته ورحمته، تحاول أن تدخل في قاموس لغته
كلمة الله. وإن شاء الله. وبإذن الله. وهو يقاوم. فلما لم يعد
يحتمل قلقه واضطرابه يرتمي في حياة زبيدة. يتزوجان لكنه يظل في
إلحاده. وتأتي لحظة الوضع لزبيدة وحالتها خطيرة ويشك الأطباء في
امكانية إنقاذ حياتها وحياة الوليد. ويصل نور إلي حالة عصبية
خطيرة. انه يصرخ وهو في المستشفي ولا يصدق. كل هذه المعدات، كل هذه
الاختراعات الحديثة. كل هذا التقدم العلمي لا يستطيع أن ينقذ
زوجته. ويفقد الأمل في امكانية انقاذ الزوجة، يفقد نور الأمل، فما
دام العلم قد فشل فلا أمل وفجأة يسمع نور صوت بكاء الجنين وبلا وعي
منه يقول «يارب». لقد أنقذ الله زوجته وابنه. لقد آمن أخيرا أنه
مهما وصل الإنسان من علم فكل شيء من عند الله وكل شيء بمشيئة الله.
قصة الفيلم لقاء هناك.. ألفها ثروت أباظة ويخرجها أحمد ضياء
الدين.. تخرج منها بأن الإنسان في بداية حياته يؤمن بوجود الله.
الإيمان الغريزي والبدائي، ثم يبدأ ليتعلم، فإذا كان الإنسان
مهزوزا فإن علمه قد يبعده عن الله، فإذا تعمق في العلم بطريقة
صحيحة وبفهم سليم فإنه يؤمن بالله إيمانا قويا عن اقتناع وفهم.
زبيدة أحبت هذا الدور وقالت إنه لم تعد تقبل أي دور، انها تختار
الأدوار التي لها أعماق والتي تخدم فكرة. ومن هنا أصبحت مقلة لأنها
ترفض الأدوار السطحية.
*
والمجتمع المثالي عند زبيدة هو مجتمع الأطفال. لذلك تسأل
التليفزيون: أما آن الأوان لكي ننفذ اتفاقنا. كلنا نذكر برنامج «بطبوط
الغلباوي» الذي قدمته زبيدة عام 70 في التليفزيون والذي أحبه
الأطفال وبعدها اتفق معها التليفزيون علي تقديم مسلسلات للأطفال
وفرحت زبيدة فالاطفال هم المجتمع الخالي من الاحقاد والكراهية،
المجتمع الذي يحب بقلب مفتوح وهي كأي أم تحب الأطفال وتفهمهم، تفهم
لغتهم وتحبها، ويوم قدمت برنامج «بطبوط الغلباوي» رفضت آلاف
الجنيهات في السينما لتتفرغ للأطفال. وهي مازالت تنتظر أن ينفذ
التليفزيون.
الكواكب - 24 سبتمبر 1974
####
من أنا؟
كتبت - زبيدة ثروت
أنا زبيدة ثروت، أو «زبدة» كما يحلو لكثيرين أن
يدللوني، حياتي صافية، كصفاء السماء في ليالي الصيف، كصفاء المرآة،
ليست بها عقد أو مطبات، خالية من الحقد أو النفاق، وقلبي الصغير،
يبتسم دائماً، ولكنه لم يعرف الخفقان خفقان الحب، لم يعرفه بعد،
أنا أحب الله والناس، أحب صوت الأطفال وهم يضحكون، أحب الأمانة في
العمل والصراحة في القول، أحب الوحدة، ولا بأس بمجتمع صغير من
الأصدقاء، ولكني أنفر من الحفلات الكبيرة، أحب أن أجلس بمفردي في
دار السينما ومعي كيس من البندق أو اللب!
أحب أن أعرف إذا كان الناس يحبونني أم لا، يهمني أن أعرف كل شيء عن
المستقبل وعن الحاضر، كما أني في نفس الوقت أحب المبالغة عندما
أذكر رقم 10 مثلا أجعله 100 بقدرة قادر! ومبالغتي لا تؤذي أحدا،
أحب أن أضحك علي نفسي عندما أرتكب أي خطأ، لأنني إذا لم أضحك أجد
نفسي وقد ضربت رأسي في الحائط ولكني لا أحب أن أضحك علي الغير إذا
روي عنه أحدهم أي نكتة أو تشنيعة، وفي هذه الحالة قد أترك المكان
بسرعة حتي لا أضحك مع الضاحكين.
وأنا لا أحب البكاء أبداً، أكره منظر الدموع، ولكن دمعتي تكون علي
خدي، في حفلات الزفاف وفي الأفراح والليالي الملاح، وأبكي عندما
أري طفلا صغيرا يبكي، وأبكي إذا ما رأيت طفلاً مشرداً في الطريق،
أو شيخاً عاجزاً يمد يده، وأبكي عندما أغضب، وهذا ما يندر حدوثه،
فقد عودت نفسي علي الحلم وسعة الصدر، بعد نصيحة طيبة سمعتها من رجل
حكيم قال: «إياك والغضب، فانه يحوجك إلي ذل الاعتذار».. حكمة طيبة،
ونصيحة كبيرة. وأنا لا أنسي أي شيء، لا أنسي وجها رأيته من قبل، أو
اسما سمعته من قبل، لا أنسي المواعيد، ولا أنسي يوما سرقت فيه أصبع
«مستيكة» وأنا صغيرة، فلما أخبرت أمي بذلك، أرغمتني علي إعادته إلي
المحل الذي سرقته منه.
وأعترف بأنني دائماً أبتسم لكل من يكلمني، وأضحك مع كل من يحب أن
يضحك معي، وأعترف أيضاً بأنني لا أحب صوتى وأنا أغني، وأنني مخلصة
إلي حد الغباء كما أعترف بأنني في بعض الأوقات أكون «ثرثارة» إلي
حد كبير، كما أعترف أيضاً بأنني آكل لأعيش فقط. وأنا أخاف من
الظلام، ولهذا أترك النور مضاء عندما أنام حتي إذا استيقظت أمكنني
أن أري كل شيء حولي في غرفة نومي، وأخاف من أشارات المرور الحمراء
والصفراء، ومن الانفجارات، ومن لسعات النحل، ومن صيحات المخرجين
العصبيين.
وأنا مندفعة، إذا ذهبت إلي أحد المحلات التجارية، اشتريت أول شيء
أراه دون تريث، كما أنني مندفعة في حبي للناس، والأماكن والأشياء
والملابس والقصص والكتب ولكن هذا لا يحدث في عملي السينمائي، فقد
تعلمت التريث والاحتياط حتي لا أقضي علي مستقبلي باندفاعي.
وأنا لست مسرفة، فقد علمني أهلي في طفولتي قيمة القرش الأبيض في
اليوم الأسود، ولكني لست بخيلة علي نفسي، أو علي من يستحقون، ولست
أيضاً مسرفة في الوقت، فالدقيقة عندي لها قيمتها، وإذا اشتريت
قماشا فبالجملة، لأن أسعار «القطاعي» أغلي. وأنا أتمني ألا أتمني
شيئاً، فإن التمني معناه أنك ترغب في الحصول علي شيء، فإذا لم تحصل
عليه أحسست بخيبة أمل، وأنا أعتز بكل شيء أحبه، وبأهلي، وأصدقائي
وصديقاتي، وبكوني طالبة جامعية، وأخيرا أنا أشكر الله علي الوطن
الذي أعيش فيه، وعلي حريتي، وعلي نعمة السعادة، وعلي عملي الذي
يوفر لي كل مطالب الحياة ويبعث في نفسي القوة والنشاط، وأشكر والدي
لانهما سبب وجودي في الحياة، وأشكر كل من عاملني ويعاملني بقلب
أبيض واخلاص وأمانة.
هذه هي أنا، زبيدة ثروت، أو «زبدة»، أنا المظلومة في دنيا
الشائعات، أنا الحائرة بين تيارات الأقوال، أنا البريئة، الطيبة،
النقية القلب والسريرة، أنا التي تحب كل الناس، وتتمني لهم أن
يعيشوا في حب وسعادة.
الكواكب - 6 أكتوبر 1959
####
زبيدة تعدل عن قرارها و .. تعود إلى الشاشة
الكواكب
عادت زبيدة ثروت.. إلي السينما .. عادت أثر اجتماع
ضم عزالدين ذوالفقار كفنان يحترم رأيه كل العاملين في الوسط الفني،
ومجدى فهمى بصفته رئيس تحرير الكواكب التى نشرت نبأ اعتزال زبيدة
للسينما والتى قدمت زبيدة من قبل للشاشة وصبحى فرحات محتكر جهود
زبيدة ثروت الفنية.. وكانت معهم "زبيدة" طبعا.
زمان الاجتماع.. الأسبوع الماضى، مساء يوم الاثنين على وجه
التحديد.. ومكان الاجتماع.. مكتب الموزع صبحى فرحات.
وفى هذه الجلسة قررت زبيدة العدول عن اعتزالها السينما..
كان النبأ الذى نشره "الشبح" يقول بالحرف الواحد:
"الملاك
الصغير ذو العينين الجميلتين" أجمل عينين على الشاشة ابنة الجامعة
التى اكتشفتها الكواكب، فأحدث اكتشافها ضجة، ولمعت وتألقت فى أقصر
وقت، هذا الملاك قرر أن يحتجب عن الشاشة، أن يبتعد عن الأضواء.. أن
يعتزل الشاشة، هذا هو الخبر الذى ننفرد اليوم بنشره - وكان ذلك في
العدد 521 الذى صدر فى 25 يوليو 1961 - في قمة نجاحها طلقت زبيدة
ثروت السينما، قالت لى إنها لن تقوم بدور البطولة في "أيام معه"
أحب الأدوار إلي نفسها ولن تقوم بغيره من الأدوار التى كانت
تنتظرها، سوف تعيش عيشة الطالبة العادية، تكمل دراسة القانون،
وتتابع مراحله حتى الدكتوراة، أما الفن.. وأما السينما فسوف تغلق
عليهما باب الذكريات، وزبيدة تحب الفن من أعماقها، ولكنها كرهت كل
ما يحيط به، ولذا فهى تودعه وكلها أسف، وزبيدة توقف عقودها
السينمائية الجديدة، أما العقود القديمة فقد أخطرت أصحابها بعدولها
عن تنفيذها، أنها خسارة للسينما وخسارة لزبيدة، ورجاؤنا أن تعيد
زبيدة التفكير فى موقفها، فالقرار جد خطير وقد قالت لى زبيدة إنها
لا تفكر فى الزواج اليوم، وأن كل ما أشيع حول هذا الموضوع سابق
لأوانه، وانسحاب زبيدة من دنيا السينما يعتبر الأول من نوعه، فلم
يحدث أن تركت فنانة العمل على الشاشة بلا سبب، وقد تكتمت زبيدة
ثروت الخبر حتى عن أهلها، فوالدها لا يعلم شيئا عنه، وسوف يكون
نشره مفاجأة له..،
...
هذا هو النبأ كما كتبه "الشبح"، ونشرته "الكواكب" وكان كالقنبلة
أثار عاصفة من التكهنات والاستفسارات والتأملات.
أغلب الاستفسارات والتكهنات دارت حول "هل يكون ذلك مجرد دعاية ضخمة
لزبيدة".. ولكن "الشبح" عودنا دائما صدق أخباره.
..
ولم تعلق زبيدة على الخبر.. وتهربت من كثير من الصحفيين.. وبعض من
سألوها عن صحة الخبر من زملائها أهل الوسط الفنى والصحفيين، أكدته
لهم وأصرت عليه..
وفى سهرة من سهرات صوت العرب التى يقدمها الزميل حسن أمام عمر..
قالت زبيدة ثروت ردا على سؤال من أحد الحاضرين عن صحة قرار
اعتزالها السينما، أكدت الخبر وفسرت الأمر أنها فكرت مليا، فكرت
طويلا وانتهى تفكيرها إلى هجر الشاشة والاهتمام بالدراسة..
..
ووضح للجميع أن قرار زبيدة باعتزال الشاشة قرار أكيد.. ووصلتها
مئات الرسائل من المعجبين بها فى كل الدول العربية وجاءتها
تلغرافات من موزعى الأفلام للدول العربية والذين اشتروا عقود
أفلامها التى لم تصور بعد.. وكلهم يطالبونها بالعدول عن قرارها..
وعودتها إلى الشاشة.. ويؤيدون كلمة الزميل الذى قال: "إن فى
الجامعة ألف زبيدة ثروت ولكن لا توجد إلا زبيدة ثروت واحدة فى
السينما.."
ثم كان الاجتماع الذى أشرت إليه فى أول التحقيق.. وكان القرار
بالعودة.. بعد اقتناعها بأن اعتزالها خسارة للسينما وخسارة لها...
..
أن زبيدة بقرار عودتها تنتظر العمل فى فيلمين فى وقت واحد.. "غصن
الزيتون" الذى يخرجه السيد بدير، ويشترك معها فى تمثيله أحمد مظهر،
وفيلم "إجازة نص السنة" التى يشترك معها فى بطولته فرقة رضا وعلى
رأسها فريدة فهمى ومحمود رضا ويخرجه على رضا ومرشح أيضا لبطولته
رشدى أباظة..
ولكن..
..
لماذا عدلت زبيدة عن قرارها؟
هل لانها اقتنعت بخطابات المعجبين بها.. هل لانها استمعت إلى نصائح
زملائها..؟ هل لانها فكرت فى أن اعتزالها سيسبب خسائر مادية فادحة
للذين تتعامل معهم..؟
..
قد تكون هذه الأسباب كلها مجتمعة هى التى أقنعت زبيدة بالعدول عن
قرارها.. ولكن من المؤكد أن هناك سببا أقوى.. أنها اضعف من أن
تستمر فى قرار اعتزالها السينما، أن الاضواء والمجد والشهرة
والمال.. وحب السينما.. أقوى من إرادتها.. لقد عشقت السينما وعملت
فيها بروحها.. والفنان، مهما كانت صفته، لا يستطيع أن يعيش بعيدا
عن التصفيق والفن .. انه - أى الفن - مرض، مرض لذيذ، يصيب الانسان
فيهز كل وجدانه ويحرك كل احساساته، فيسعد وهو يتمرغ فى احضان هذا
المرض اللذيذ.. ويتمنى لو أنه عاش به كل عمره حتى يلفظ آخر أنفاسه.
قلت لزبيدة وعيناها الخضراوان تلمعان فى حب:
أسعيدة أنت بقرار عودتك للشاشة.
فقالت:
-
كل السعادة.. لقد كانت سحابة من الكآبة واليأس تمر بنفسى دفعتنى
إلى اتخاذ قرار الاعتزال.. كنت فى حاجة ملحة - حرصا على صحتى
وأعصابى - إلى تغيير هذا الجو الذى أعيش فيه، أننى أكره المشاكل
والهمسات.. وأحب الصفاء والصراحة..
وهل تغير هذا الجو فى هذه الفترة منذ قرار اعتزالك وقرار عدولك؟
-
لقد رأيت أن أعود إلى ما كنت عليه فى سنواتى الأولى فى دنيا
السينما، يكفينى العمل فى شهور الصيف، شهور الأجازة، على أن أكون
طالبة منتظمة فى الجامعة حتى أتمكن من الانتهاء من دراستى التى أنا
فى أمس الحاجة إليها... ويكفينى فيلما أو فيلمين فى الموسم
الواحد.. حتى أحصل على ليسانس الحقوق..
كم بقى لك للحصول على الليسانس
-
أنا الآن فى السنة الثالثة، أى يمكننى الانتهاء من دراستى فى آخر
العام القادم إن شاء الله..
هل تستغلين ذلك الليسانس فى ميدان القضاء؟
ان شاء الله..
هل تسلبسين الروب الاخضر وتترافعين عن المتهمين؟
-
وماذا يمنع!؟ اعتقد أنها ستكون مهنة لذيذة.. وكم أتمنى لو حصلت على
مجموع عال. ففى هذه الحالة سأتقدم بأوراقي إلى النيابة، ومع علمى
أن الدولة حرمت وكالة النيابة العمومية على الفتيات، إلا أننى
سأعمل كل جهدى لتغيير هذه النظرة التى تحرم على المرأة وكالة
النيابة..
وابتسمت وهى تقول والسعادة تنطق من عينيها:
-
ومع ذلك لن أعتزل السينما؟
والزواج؟
-
ما له!
هل تعتزلينه أيضا؟
-
تأكد أننى سأعطى كل قلبى وروحى لدراستى وفنى فقط.
والحب؟
-
ما له .. هو الآخر ...؟
هل تعتزلينه أيضا؟
-
إذا جاءنى صادقا مخلصا فلن أكون بخيلة.. فالحب من الله..
والزواج ألا يتمم الحب؟
-
سيكون بعد الدراسة على الأقل
ألا تكذبين على نفسك؟
-
وما الذى يدفعنى إلى ذلك؟
حبك للشهرة؟
-
وهل أنا حقا مشهورة
الكواكب 20/9/1961
####
الملاك الصغير .. وسهام الحب .. الزواج نهاية الحب
الطبيعية
كتب - جميل الباجوري
سألت زبيدة ثروت مرة عن رأيها في الحب فقالت في
سذاجة أطفال «لذيذ» وقابلتها منذ أيام، فقالت بابتسامة رقيقة:
-
كل ما أشوفك افتكر "الزيطة" اللى عملها بابا معايا لما قلتلك إن
الحب "لذيذ".
واستطردت تقول:
-
مع أنى قلت يومها إنى لسه ما جربتش الحب، فقط قرأت عنه، وسمعت عنه،
وشاهدته علي الشاشة، ولهذا فحكمى عليه بأنه "لذيذ" ما هو ألا تصوير
واقعى لما قرأته وسمعته وشاهدته.
فقلت:
ولماذا "ظاط" الأمر إذن؟
فضحكت وقالت:
-
علشان كلمة "لذيذ:
وعدت أسألها:
كان هذا حكمك على الحب منذ وقت بعيد، واليوم هل تغير رأيك؟
فانفجرت كرتا الدم اللتان تزينان وجنتيها الرقيقتين وقالت:
-
لا والنبى، بلاش حكاية الحب دى، أحسن تحصل زيطة تانية، ثم أنا لسه
لغاية دلوقت ما جربتش الحب.. ولما أجربه رايح أقولك رأىى.
فقلت:
لقد مثلت على الشاشة أدوار الحب، وتستطيعين أن تتكلمى فى الحب بشىء
من الحرية؟
فقالت:
-
حقا أننى مثلت أدوار الحب على الشاشة، ولكنى أخرج من شخصية الحبيبة
بمجرد انتهائى من التمثيل.
فعدت أقول:
هناك كثير من قصص الحب على الشاشة تحولت إلى حب واقعى بين الممثل
والممثلة؟
فقالت:
-
أنا معك فى أن الحب لا يعترف بقوانين النظرة فالابتسامة فالموعد
فاللقاء فالكلام فالسلام، أنه يتعدى كل هذه العقبات، وقد يكون من
النظرة فقط أو الابتسامة فقط، ثم يصبح حبا عنيفا، ولهذا لا استغرب
أن يتحول تمثيل الحب على الشاشة إلى حبا حقيقى، ولكنى أؤكد أنه
لابد أن يكون هناك استعداد للحب، وبمجرد اللقاء تنصهر الروحان،
ويتلهف القلبان، ودائماً يكون من الهمسة أو اللمسة أو رمش الجفون
أو دمع العيون، وهناك قلوب كثيرة مع كل دقة، فهى على استعداد سريع
للوقوع فى الحب.
فقلت:
ومتى ستقعين أنت فى الحب؟
فابتسمت وقالت:
-
اعتقد أن أمامى أمورا كثيرة وعلى رأسها تكملة دراستى، أعتقد أنها
تشغلنى عن الحب وانشغال البال. ولكنى بصراحة إذا جاءنى الحب فسيكون
هذا حكم القلب لا حكم الإرادة.
وهل ستصارحين به أهلك؟
فقالت:
-
أعتقد أن أمامى أمورا كثيرة بمشكلة قلبى، فليس هناك أقرب إلى قلب
الفتاة من قلب أمها، ولاشك أنها خبرت الحياة وستعطينى من نصحها
وارشادها، ما ينير أمامى الطريق، حتى لا أقع فى خطأ.
وبعد الحب؟
فابتسمت وقالت:
-
ما بعد الحب، لا أنت ولا هى تستطيعان التكهن به، ولذلك فأنا لا
أستطيع أن أقول لك ماذا سيكون بعد الحب. إلا أننى اعتقد ان الزواج
هو نهاية الحب الطبيعية، فالقلبان اللذان تعاهدا على الاخلاص
والوفاء لابد أن يجمعهما عش هاديء يرفرف عليه كيوبيد.
ولكنهم يقولون إن الزواج يقتل الحب!
فقالت:
-
أنا لا أوافق هؤلاء الذين يقولون ذلك، فالزوج هو سنة الحياة
الطبيعية والنهاية الواجبة المفروضة على كل حب، ومن رأيى أن الحب
الذى لا ينتهى بالزواج، هو حب فاشل، ناقص، لم يكتمل ولم ينتج
ثماره، ومن رأىى أيضا أنه لو كان قيس وليلى يحبان بعضهما كل هذا
الحب الذى قرأنا عنه فى الكتب، لكان لابد أن يجمعهما الزواج مهما
كانت العقبات، فالحب الصادق النابع من القلب يفترس ويحطم كل ما
يعترض طريقه.
إذن أنت تؤيدين الرأى الذى يقول إن الزواج الذى يبنى على حب يعمر
طويلا؟
-
الحب هو أحد بنود عقد الشركة التى ينوى المحبان إنشاءها بالزواج،
ولكن الهيكل الكبير الذى يتصدر معبد الحب، الاساس الأول الذى يرتكز
عليه عماد الشركة هو العقل، فالحب قد يكون عنيفا جارفا، فيقود
العقل، ويتغلب عليه، وأنه ليس من الصواب أن يبنى مجتمعنا على أساس
الحب فقط، فلابد أن يكون العقل هو الذى يوجه هذا الحب. والزواج
المبنى على العقل والحب لابد أن يقوى يعمر.
وما هى شروطك فى فارس الأحلام؟
-
أن يكون رجلا، بكل ما فى هذه الصفة من معان كبيرة، فالإنسان الرجل،
يعرف كيف يقود نفسه ولا يجعلها مطية لشهواته فيعكر صفو الحياة،
وبذلك يحترم زوجته ويشعرها دائما بالسعادة والاهتمام والحب
والحنان، وهو كل ما تطمع فيه الزوجة.
هل تفضلينه من الوسط الفنى؟
-
لا أفضل طائفة عن طائفة، فقط يحبنى وأحبه، يفهمنى وأفهمه، وسواء
أكان من الوسط الفنى أو من غير الوسط الفنى، فهذا لا يغير مجرى
الحب، فقط كما قلت أن أميز بالعقل من استطيع أن أحبه وأقدر فيه
سعادتى وراحتى.
يقولون إن القبلة هى الميزان الدقيق لحرارة الحب؟
-
آسفة، لا أستطيع أن أجيبك عن هذا السؤال، فهذا ليس من حقى الحديث
فيه، ولو أننى أرى أن القبلة يجب ألا تتبادل إلا فى ظل الزواج.
وهذا أبقى للعلاقة الطاهرة التى تربط القلوب.
لقد رفضت القبلة على الشاشة.. لماذا؟
-
أنا أعترف بأن القبلة عمل فنى كبير، يحتاج إلى مقدرة وموهبة
وبراعة، ولكنى لظروفى الخاصة التى أعيش فيها، لا أستطيع أن أسمح
لغير زوجى أن يقبلنى.
هل من رأىك أن تطول فترة التعارف حتى تتم الخطبة؟
-
أعتقد أنه لابد من فترة ليدرس كلا الطرفين طباع وأخلاق الآخر، على
ألا تطول، ثم أن من رأىى أن يتم الزواج بعد الخطبة بفترة قصيرة،
حتى ينعما بالحب فى حرية.
الشباب يعزف فى هذه الأيام عن الزواج، لماذا؟
-
إن مطالب الحياة فى هذه الأيام توجب أن يتكاتف الطرفان فى القيام
بأعباء الحياة، ولكن الرجل الشرقى دائما يحب رجولته وسيطرته
ونفوذه، ويحب أن يشعر بأنه السيد الأول فى بيته، ولست بهذا الرأى
أحارب فكرة نزول الفتيات إلى ميدان العمل، ولكنى أرى أنه بمجرد أن
تتزوج الفتاة، لابد أن تتفرغ نهائيا لزوجها وبيتها وأولادها، وهذا
ما يطلبه الرجل الشرقى، وهناك أمر آخر من الواجب أن نتكلم فيه
بصراحة، أن بعض الآباء يطلبون "مهورا" عالية، وحكاية "البنت لازم
تدخل بأربع حجرات مفروشة بطقم مدهب"، أصبحت حكاية قديمة فى هذه
الأيام، من هنا يفر الشباب من الزواج.
هل تقبلين دعوة زميل لدخول السينما؟
-
لا ، أما إذا كنا مجموعة فلا مانع، وكثيرا ما سافرت فى رحلات
تجمعنى بالطلبة والطالبات فالمجموعة تقرب القلوب فى حب وإخاء
وصداقة.
وإذا أحببت وتزوجت هل تتركين عملك على الشاشة؟
-
أعتقد ذلك، فكما قلت لابد أن أتفرغ نهائيا لزوجى وبيتى ، لأعيش فى
سعادة وهناء.
هذه هى فلسفة زبيدة ثروت بنت السبعة عشر عاما، وطالبة الحقوق، أنها
لم تجرب الحب، ولكنها تعلم عنه الكثير، قالت لى فى ختام حديثها:
-
لقد خلقنا الله آدم وحواء ليعمر بنا الأرض والحياة.. ولن تعمر
الأرض ولن تكون هناك حياة إلا بالحب.
الكواكب: 14/4/1959 |