إبداع السينما السعودية رغم كل القيود
أحمد ولد جدو
في السنوات الأخيرة، شهدت السينما في السعودية حراكاً
ملحوظاً وشارك العديد من الأفلام في مهرجانات دولية خارج المملكة، وقد أثار
بعضها الجدل وحصد جوائز من تلك المهرجانات، خاصة في مجال الأفلام القصيرة.
وكان آخر تتويجات الأفلام السعودية القصيرة، فوز المخرج
السعودي محمد الهليّل بجائزة أفضل فيلم قصير بمهرجان بيروت السينمائي في
دورته الـ16 عن فيلمه "ماطور". والمفارقة أن الجائزة كانت مناصفة بين إيران
والسعودية. أما الأفلام الروائية الطويلة فهي تُعدّ على أصابع اليد.
رصيف22، التقى على هامش مهرجان نواكشوط للفيلم القصير الذي
نُظّم ما بين 23 و27 أكتوبر، وكانت السعودية ضيف شرف المهرجان، اثنين من
صناع السينما السعودية، الأول أحمد الملا، مدير جمعية الثقافة والفنون
بالدمام ومدير مهرجان أفلام السعودية، وهو من مواليد مدينة الأحساء، 1961،
والثاني عوض الهمزاني، مخرج ومصوّر فوتوغرافي، من مواليد مدينة حائل، وسبق
وفاز فيلمه "فوتون" بالجائزة الثانية في مسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة،
ضمن مهرجان أبوظبي السينمائي.
من السفارات إلى الأندية الثقافية
كان للسفارات الأجنبية الفضل في أول العروض السينمائية
بالسعودية، وكانت البداية في فترة السبعينيات من القرن الماضي، حين دأبت
سفارتا نيجيريا وإيطاليا على تنظيم عروض سينمائية للجمهور السعودي.
في تلك الفترة، انطلقت صالات عرض سينمائي من خلال الأندية
الرياضية وكانت مخصصة للرجال، وظهرت دور عرض سينمائي في جدة مثل "باب
شريف"، وفي مدينة الطائف كسينما "ششة".
أقوال جاهزة
المخرج السعودي عوض الهمزاني لرصيف22: مشاهدة الأفلام في
السينما كصلاة الجمعة بينما مشاهدتها على التلفاز هي كالصلاة وحدك
عدم الاعتراف السعودي الرسمي بالسينما يضرها بالتأكيد ولكن
له جوانب إيجابية أيضاً، هذا ما يقول المخرج السعودي أحمد الملا
وكانت باكورة الأفلام السعودية، سنة 1975، على يد المخرج
عبد الله المحيسن، عبر فيلم "تطوير مدينة الرياض"، ثم فيلم "اغتيال مدينة"،
عام 1977، وفاز الفيلم الأخير آنذاك بجائزة نيفرتيتي لأفضل فيلم قصير، ضمن
مهرجان القاهرة السينمائي.
لكن ذلك الحال تغيّر وتوقفت السفارات عن العروض واختفت دور
السينما، ويعزو البعض ذلك إلى تصاعد المد المحافظ في الثمانينيات.
وعن واقع السينما السعودية الحالي قال أحمد الملا لرصيف22:
"لا توجد سينما سعودية، بل صناعة أفلام. في السعودية ليس هناك مهنة قائمة
بذاتها، فكل العاملين في هذا المجال أو غالبيتهم هم متطوعون، لديهم أعمال
أخرى".
وتحدث الملا عن غياب دور العرض اليوم، وقال: "بدون حكم قيمة
أنا أصف الحال فقط، عدم الاعتراف الرسمي بالحالة الفنية يضرها لكنه ينفعها
من جهة أخرى. صناع الأفلام غير مرتهنين للخط الرسمي وبالتالي يلعبون في
المنطقة التي تعتبر أندرغراوند أو سرية أو غير مرئية، وهذا يحقق لهم هامشاً
من الحرية ويحسب من الجوانب الإيجابية للصناعة".
وأضاف: "وهناك ميزة ثانية، وهي ارتفاع معدلات الشباب. سبعون
في المئة من التعداد السكاني البالغ 30 مليوناً في السعودية هم شباب، وهذا
واضح أيضاً في صناعة السينما. الشباب مطلعون على أحدث التجارب والوسائل
التقنية، والشاب يعلّم نفسه بنفسه بالدراسة عن طريق الإنترنت، وهناك مَن
يسافرون لدراسة السينما في دول مجاورة أو في أوروبا أو أميركا".
وتابع الملا: "أنا كمراقب جاد منذ عام 2006 لصناعة الأفلام
السعودية، أجد فيها تطوراً غير عادي، فقد حدثت قفزات نوعية على المستوى
التقني والفني. لكن النص ينضج عادة في الآخر، إذ تسبقه قفزات في الصورة
والصوت وكل العناصر السينمائية، والنص هو الروح الحقيقية وهو الأصل. لاحظنا
أن إشكالية النص علّة تواجه صناعة الأفلام، ونحن نعمل على هذا الجانب".
جهاد عرض الأفلام
يجاهد صناع السينما المستقلون اليوم في السعودية لخلق
فضاءات لعرض أفلامهم داخل المملكة. عن ذلك قال الملا لرصيف22: "المؤسسات
والجمعيات الثقافية هي التي تعرض الإنتاج الفيلمي السعودي وطبعاً ليس
بالصفة التجارية. أما انتشار السينما ودور العرض فليس بيد المثقف إذ له
علاقة بالجانب الحكومي، وبالقرارات الرسمية".
خلال هذا العام، حصلت عروض في الرياض وفي الجبيل والدمام
والأحساء وأماكن عديدة أخرى، وستُعرض أفلام في جدة في نوفمبر، لكن ليس في
قاعات عرض سينمائي "إذ لا يمكن أن يجازف أحد بأن يفتح سينما بدون أن يصدر
قانون يسمح بذلك، ولو حدث قرار رسمي ستمتلئ السعودية بدور السينما"، قال
الملا.
وأضاف: "هناك جمهور للأفلام القصيرة أيضاً. في تجربتنا في
مهرجان أفلام السعودية الثاني والثالث بالذات، لدينا 400 كرسي في الصالة
ويكتمل الحجز بمجرد أن نفتحه، وعند العرض يكون مَن هم خارج الصالة أكثر ممن
هم في الداخل".
أما المخرج عوض الهمزاني، فقد سرد لرصيف22 قصته الشخصية مع
العرض، وقال: "بإمكاننا أن نعرض عن طريق نوادٍ أدبية وثقافية، أنا مثلاً
عرضت فيلمي "فتون" في مقهى. ذهبنا للمرة الأولى إلى المقهى وثبتنا المعدات،
ولكن قبل العرض بدقائق، تردد صاحب المقهى وقال إنه قد يقع في مشاكل.
وساعتذاك، ظهر صديق اَخر وقال أنا عندي مقهى وفيه مكان يسمح بالعرض، فذهبنا
كلنا إلى مقهاه وعرضنا الفيلم".
ويرى عوض أن "الجهل هو سبب العداء لهذه الصناعة، ولا علاقة
للمنع بفكرة دينية أو بالعادات والتقاليد. السينما مختلفة عن صناعة
التلفاز، السينما تتحدث عن العمق، تلمس المناطق الحساسة وهذا هو دورها،
ودورها الآخر في الكتابة وجمعها للفنون كلها. هي حالة من الشعر الذي تستطيع
أن تراه، هذه السينما بالنسبة إلي".
واعتبر أن "الشاشة الكبيرة مهمة، العرض يجعلك تستمتع
بالتجربة وتعيش حالة الفيلم، ثم إن وجود آخرين معك يشاركونك تلك الحالة شيء
جميل. مثلاً هناك صلاتان، صلاة تقيمها في الليل وحدك وهناك صلاة جماعة،
والجماعة لها دور مهم، فنحن حين نجلس بعضنا مع بعض، يختلف ذلك عن الجلوس
بمفردنا. هناك طاقة أنت تطلقها والآخر يطلقها، وبالتالي استقبالك للفيلم
يختلف، لذلك تجربة صالة السينما مختلفة".
بين الداخل والخارج
تُعتبر المهرجانات الخارجية أبرز فرصة أمام السينمائيين
السعوديين لعرض إنتاجهم. عن ذلك الواقع قال أحمد الملا: "غالبية المخرجين
السعوديين بدأوا بعرض أفلامهم في الخارج لعدة أسباب، منها عدم وجود صالات
عرض في الداخل ومؤسسات ثقافية تعرضها، فبدأوا يتعرفون على أنفسهم وعلى
الاَخر وحتى على زملائهم السعوديين في الخارج، من خلال المهرجانات العربية
والعالمية".
وأضاف أنه "عبر تلك المشاركات، بدأت تتشكل علاقاتهم التي
استكملوها في بلدهم، وتلك الحالة شكلت بعض الأسى لدى المخرجين السعوديين
لأنهم يستطيعون أن يعرضوا أفلامهم في الخارج ولا يستطيعون عرضها في
السعودية".
وتابع: "عندما انطلقت فكرة أول مهرجان للأفلام السعودية عام
2008، بمدينة الدمام، كان هناك حماس قوي إلى درجة أن غالبية صناع الأفلام
هم الذين ساهموا في إقامة المهرجان وتكفلوا به بمجهوداتهم الذاتية، واستمر
هذا الأمر إلى اليوم لأن صناع الأفلام شعروا بشيء مختلف".
بدوره قال عوض الهمزاني "إن عرض فيلم لي في بلدي ويحكي
قصصاً منه وعنه، إحساس عظيم". وعلّق: "البارحة في مهرجان نواكشوط حين شاهدت
أفلاماً موريتانية وصناعها الموريتانيين، يرون أفلامهم مع أهاليهم، عبر
الشاشة الكبيرة، رأيت البهجة في عيونهم".
أهل السينما: ماذا يشغلهم؟
يطرح الفنان والمبدع في السعودية الكثير من القضايا. الفنان
يطرح تساؤلات حول العادات والتقاليد والدين، يقول الهمزاني ويضيف: "يتساءل
الفنان مثلاً هل كون المرأة لا تقود السيارة هو جزء من العادات وهل هو من
الدين؟ هو يعلم أنه غير صحيح لكنه يستعرض هذا الشيء، وقد يبدو ثائراً لكن
هو فعلاً يبحث عن المعنى حتى يجده، وقد يطرح الأسئلة ولا يعرف الإجابة كأنه
يحدّث نفسه".
أما الملا فيرى أنه "ليست هناك قضية واحدة تجمع صناع
السينما في السعودية... ولكنّ الحالة الفنية هي صياغة الموجود وتحويله إلى
حالة فنية، وإعادة تفكيكه وتركيبه من جديد، هذه هي المنطقة التي نرى الشباب
يقدمون عليها وهي حالة طبيعية، فلن يستطيع الفنان أن يذهب مباشرة إلى عمقه
الفلسفي لأنه يرغب فقط في صناعة فيلم. السينما تحتضن غالب الفنون وتعيد
صياغتها في حالة واحدة، وبالتالي فإن اختفاء العمق الفلسفي يسبب خللاً
كبيراً للأفلام".
في السعودية تابوهات ومحاذير أمام المبدع تجعله يُخضع نفسه
لرقابة ذاتية وذلك ما حدثنا عنه عوض الهمزاني، وقال: "الدين هو أكثر
التابوهات أمام الفنان في السعودية، وبرأيي هناك ظلم للإسلام وللنبي محمد
وظلم في تأويل القراَن، لكن الذهاب إلى هذه المنطقة مربك بغض النظر عما
ستقوله، هذه المنطقة خطرة وفينا رقيب داخلي يستيقظ حين نفكر فيها". |