مهرجان كان السينمائي 2018: الشرق الأوسط يلفت
الأنظار
محمد حمدي هاشم
في عام 1938 قام الزعيمان «هلتر»، و«موسيليني»
بتوجيه لجنة تحكيم مهرجان البندقية لتفوز الأفلام الألمانية
والإيطالية بجوائز المهرجان الرئيسية بعد خروجها خالية الوفاض في
نسخة المهرجان السابقة.
تسبب هذا التدخل في غضب المشاركين في المهرجان وعلى
رأسهم الدبلوماسي الفرنسي «فيليب إرلانجي»، والذي قدم تصورًا
لمهرجان سينمائي يقام في فرنسا وفي نفس يوم افتتاح مهرجان
البندقية. لم تكن الموافقة سهلة نظرًا للتبعات السياسية لهذا
القرار، وأهمها استفزاز السلطات الألمانية والإيطالية في ظل
الأجواء المشحونة في أوروبا والعالم.
لكن في النهاية وافقت
السلطات الفرنسية على
إقامة المهرجان، واختيرت مدينة كان لأنها مدينة ساحلية خلابة،
تنافس جمال مدينة البندقية. وأقيمت الدورة الأولى عام 1939 ولكنها
ألغيت بعد عدة أيام نظراً لاشتعال الحرب. استمر التوقف لبضع سنوات
ليعاد افتتاح الدورة الأولى عام 1946 لتشهد ميلاد «مهرجان كان»،
المحفل السينمائي الأهم في العالم.
استقرت الأحوال السياسية في أوروبا وقلت الخلافات
أو تلاشت. وأصبح مهرجان كان مع الوقت منبرًا لكارهي أفلام هوليود
التجارية. وقبلة الأفلام الأوروبية بالمشاركة مع مهرجان برلين.
فإذا كان موسم جوائز الأوسكار هو الموسم المنتظر لعشاق سينما
هوليود لمعرفة أفضل الأفلام حتى لو اتهمت الأكاديمية بمحاباة أو
كره فيلم معين.
فنفس الأمر ينطبق على كان بالنسبة لمحبي الأفلام
الأوروبية أو الأفلام الأمريكية المتمردة والتي تريد تسويق نفسها
لجمهور آخر غير جمهور هوليود. ولذلك يعتبر مهرجان كان الحدث
السينمائي الأهم والأعظم في أوروبا والعالم. فما الذي ينتظرنا في
نسخة هذا العام والتي ستقام من 8-19 مايو المقبل؟
لجنة تحكيم نسائية الطابع
لجنة تحكيم هذا العام يغلب عليها الطابع النسائي
والتنوع العرقي والجغرافي. ليس من المعتاد أن يرأس اللجنة ممثل
هوليودي، ولكنه حدث في مرات قليلة آخرهم نسخة 2012 التي كان يرأسها
«روبرت دي نيرو». وهذا العام تقود اللجنة الممثلة الأسترالية «كيت
بلانشيت» والتي تنتمي أغلب أفلامها لهوليود.
أما الاسم الأكثر جدلاً في اللجنة فهو الممثلة
الأمريكية الشابة «كريستين ستواريت» والتي تنتمي كل أفلامها لفئة
أفلام المراهقين التجارية، ولكنه ليس اختيارًا غريبًا عن منظمي
كان، فمن المعتاد مؤخرًا وجود ممثل تجاري أمريكي في لجنة التحكيم،
وآخرهم «ويل سميث» في نسخة العام الماضي. كما تضم لجنة التحكيم
المخرجة «أفا ديفرناي» والمؤلفة الموسيقية «خادجة نين».
أما أعضاء لجنة التحكيم من الرجال فهم المخرج
الكندي الشهير «دينيس فيلونوف»، والفرنسي «روبرت جيديان» ومن آسيا
الممثل الصيني «تشانج تشن» والمخرج الروسي الأشهر «أندرية
زفياجينتسيف».
أهم الأفلام
ويشارك هذا العام في المسابقة الرسمية 19 فيلمًا تم
اختيار 18 منها. وتتردد تكهنات عن احتمالية أن يكون الفيلم التاسع
عشر هو فيلم
«The House That Jack Built»
للمخرج الدنماركي «لارس فون ترير». فبعد منع
أفلامه من
الدخول في أي من فاعليات ومسابقات كان بعد نسخة 2012، بعد اتهامه
بمعاداة السامية نتيجة قوله على سبيل السخرية «إنه يتفهم هتلر» حين
تم سؤاله عن سبب هجومه الدائم على إسرائيل. ولكن هذا العام ألغي
هذا المنع وأعلن عن السماح بعرض فيلمه على هامش المهرجان مع عدم
استبعاد إدراجه في المسابقة الرسمية.
أما أهم الأفلام المنتظرة في المسابقة الرسمية فهم:
فيلم الافتتاح
«Everybody Knows»،
وهو الفيلم الإسباني للمخرج الإيراني الحاصل على جائزتي أوسكار
«أصغر فراهدي»، ومن بطولة «خافيار برديم»، و«بنيلبو كروز».
وفيلم «ألوان دافئة» للمخرج البولندي «باول بفالفوسكي» صاحب فيلم
«Ida».
بالإضافة لفيلم المخرج «سبايك لي»
«Blackkklansman».
ورغم الإقامة الجبرية المفروضة عليه من السلطات الإيرانية يعود
المخرج «جعفر بناهي» للمسابقة بفيلم «ثلاثة وجوه». ويطالب منظمو
المهرجان السلطات الإيرانية بالسماح لجعفر بحضور عرض فيلمه.
حضور عربي مميز
تواجد عربي مميز في المسابقة الرسمية من خلال
فيلمين عربيين، الأول فيلم «كفر ناحوم» للمخرجة اللبنانية «نادين
لبكي» وهو رابع أفلامها بعد «كراميل»، و«رصاصة طايشة»، و«هلأ
لوين». وتدور أحداثه في قرية مجهولة تعاني من الأزمات السياسية
والحروب. ولكن يقرر طفل من أطفال القرية التمرد على نمط الحياة
المفروض عليه.
وفي الصفحة الرسمية للمهرجان نجد اسم المخرج المصري
«أبو بكر شوقي» وبجانبه ملاحظة لم تتكرر في بقية الأسماء المختارة
هي؛ «فيلمه الطويل الأول». الفيلم المصري «يوم الدين» وهو ثاني
الأفلام العربية المنافسة على السعفة الذهبية. وهي المرة الأولى
التي تترشح فيها مصر لهذه الجائزة منذ فيلم «بعد الموقعة» ليسري
نصرالله عام 2012.
من النادر أن يُرشح الفيلم الروائي الأول لصانع
أفلام للجائزة الأكبر والأهم في أوروبا. والغريب أن يكونًا فيلمًا
مصريًا نظراً لانخفاض مستوى السينما المصرية في الأعوام الأخيرة.
ولكن الأكثر غرابة هو أنه لم يكن وراء الفيلم جهة إنتاجية ذات ثقل
كبير، فهو ينتمي للأفلام المستقلة. فكرة الفيلم أتت تأثرًا بفيلم
وثائقي قصير أخرجه شوقي منذ سنوات بعنوان «المستعمرة». وأحداثه
تدور عن حياة مرضى الجزام في مستعمرة أبو زعبل، وهو ما منحه
المعلومات الكافية لبداية فيلمه الطويل الأول، وكذلك تعرف على
«راضي جمال» بطل فيلمه وهو أحد قاطني المستعمرة.
بدأ أبو بكر شوقي تصوير الفيلم بمجهوداته الذاتية
من خلال شركة إنتاج أسسها مع المنتجة «دينا أمام». ثم حصل على
العديد من المنح، وقام بحملة تمويل جماعى على أحد المواقع الشهيرة.
ثم حصل على منحة العمل قيد الإنجاز من مهرجان الجونة السينمائي
وبعدها قرر المنتج «محمد حفظي» المشاركة في إنتاج الفيلم. ثم قامت
إحدى الشركات الفرنسية بالحصول على حق توزيع الفيلم وقدمته للجنة
الاختيار في كان. يروي الفيلم قصة «بشاي» الذي يخرج للمرة الأولى
في حياته من المستعمرة بصحبة طفل يتيم، ويحاول التعرف على عائلته
التي تركته وهو صغير.
هل يحصل الفيلم على إحدى جوائز المهرجان؟ ليس من
المستبعد، فإنتاج الفيلم المستقل وتجربة المخرج الأولى ستسهم في
زيادة فرصه للحصول على إحدى الجوائز الهامة. |